كتاب الفتن من صحيح البخاري (02)

 

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، اللهم اغفر لنا ولشيخنا والسامعين برحمتك يا أرحم الراحمين.

قال الإمام البخاري -رحمه الله تعالى-: باب: ظهور الفتن:

حدثنا عياش بن الوليد قال: أخبرنا عبد الأعلى قال: حدثنا معمر عن الزهري عن سعيد عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «يتقارب الزمان، وينقص العلم، ويلقى الشح، وتظهر الفتن...

العمل، العمل.

أحسن الله إليك: قال: «يتقارب الزمان، وينقص العمل، ويلقى الشح، وتظهر الفتن، ويكثر الهرج» قالوا: يا رسول الله: أيم هو؟ قال: «القتل القتل»، وقال شعيب ويونس والليث وابن أخي الزهري عن الزهري عن حميد عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم-.

حدثنا عبيد الله بن موسى عن الأعمش عن شقيق قال: كنت مع عبد الله وأبي موسى -رضي الله عنهما- فقالا: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «إن بين يدي الساعة لأياماً ينزل فيها الجهل، ويرفع فيها العلم، ويكثر فيها الهرج» والهرج: القتل.

حدثنا عمر بن حفص قال: حدثنا أبي قال: حدثنا الأعمش قال: حدثنا شقيق قال: جلس عبد الله وأبو موسى فتحدثا فقال أبو موسى: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «إن بين يدي الساعة أياماً يرفع فيها العلم، وينزل فيها الجهل، ويكثر الهرج» والهرج: القتل.

حدثنا قتيبة قال: حدثنا جرير عن الأعمش عن أبي وائل قال: إني لجالس مع عبد الله وأبي موسى -رضي الله عنهما- فقال أبو موسى: سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- مثله، والهرج بلسان الحبشة: القتل.

حدثنا محمد قال: حدثنا غندر قال: حدثنا شعبة عن واصل عن أبي وائل عن عبد الله وأحسبه رفعه قال: «بين يدي الساعة أيام الهرج، يزول فيها العلم، ويظهر فيها الجهل» قال أبو موسى: والهرج القتل بلسان الحبشة.

وقال أبو عوانة عن عاصم عن أبي وائل عن الأشعري أنه قال لعبد الله: تعلم الأيام التي ذكر النبي -صلى الله عليه وسلم- أيام الهرج نحوه؟ قال ابن مسعود: سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: «من شرار الناس من تدركهم الساعة وهم أحياء».

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

يقول الإمام -رحمه الله تعالى-: "باب: ظهور الفتن" والمراد بظهورها كثرتها، وإلا وجودها فمتقدم منذ أن قتل الخليفة الراشد، بل كسر الباب بقتل عمر -رضي الله عنه-، يعني أصل الوجود متقدم وجود الفتن، لكن المراد بظهورها يعني كثرتها، يعني كثرة الفتن نسأل الله السلامة والعافية من مضلات الفتن ما ظهر منها وما بطن.

يقول الإمام -رحمه الله تعالى-: "حدثنا عياش بن الوليد -البصري- قال: حدثنا عبد الأعلى" يعني ابن عبد الأعلى السامي، "قال: حدثنا معمر -بن راشد- عن الزهري -محمد بن مسلم بن شهاب- عن سعيد -بن المسيب- عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «يتقارب الزمان»" "يتقارب الزمان" يختلف أهل العلم في المراد بتقارب الزمان، فمنهم من يقول: باعتدال الليل والنهار، يتساوى الليل والنهار في آخر الزمان، لكن هذا فيه بعد، ومنهم من يقول: يتقارب يعني يدنو قرب قيام الساعة، ومثل هذا لا يحتاج إلى تنصيص، يعني كل ما تأخر الزمن قرب قيام الساعة، يعري الكلام عن الفائدة، منهم من يقول: تقصر الليالي والأيام، تقصر الليالي والأيام قصوراً حسياً هذا قول، لكنه أيضاً ضعيف؛ لأن اليوم والليلة منذ أن خلق الله السماوات والأرض، منذ أن فصل بين الليل والنهار ووقتهما وزمانهما واحد المجموع (24) ساعة، منهم من يقول: أن المراد بتقارب الزمان تسارع انقراض الدول، تنقرض دولة ويأتي بعدها أخرى، وتنقرض ثانية وثالثة وهكذا، نظراً لكثرة الفتن، وهذا يتمثل في الانقلابات الحاصلة في كثير من الدول، ولكن أيضاً هذا القول ضعيف؛ لأنه لا يعني أن جيلاً ينتهي ويأتي جيل آخر، أو أمة تذهب ويخلفها غيرها أن هذا من تقارب الزمان، منهم من يقول: المراد قصر الأعمار، قصر الأعمار، لكن أعمار هذه الأمة منذ بعثة نبيها -عليه الصلاة والسلام- إلى قيام الساعة متقاربة، معترك المنايا بين الستين والسبعين، قليلٌ من يجاوز ذلك، ولا وجد فرق بين عصره -عليه الصلاة والسلام- إلى يومنا هذا، نعم في الأمم المتقدمة -القديمة جداً- فيها طول في أعمارها، ولذا عوضت هذه الأمة عن طول الأعمار بليلة القدر.

روى الترمذي عن النبي -عليه الصلاة والسلام- مرفوعاً من حديث أنس مرفوعاً، قال: «لا تقوم الساعة حتى يتقارب الزمان فتكون السنة كالشهر، ويكون الشهر كالجمعة، وتكون الجمعة كاليوم، ويكون اليوم كالساعة، وتكون الساعة كإضرام النار أو كإحراق سعفة» وهذا أولى ما يفسر به حديث الباب؛ لأنه مرفوع وإن كان فيه ضعف؛ لأنه من رواية عبد الله بن عمر العمري المكبر، وهو ضعيف عند أهل العلم، في حفظه ضعف، لكن هذا أولى ما يفسر به الخبر، يتقارب الزمان فتكون السنة كالشهر، ويكون الشهر كالجمعة، وتكون الجمعة -يعني الأسبوع- كاليوم، ويكون اليوم كالساعة، والساعة كاحتراق سعفة، أو إضرام النار إيقادها، والمراد بذلك محق البركة من الأوقات، محق البركات من الأوقات، وإلا فالسنة: اثنا عشر شهراً ما زالت، ولن تزال كذلك، والشهر: تسعة وعشرون يوماً، وقد يكون بعضها إلى الثلاثين، والجمعة التي هي عبارة عن أسبوع سبعة أيام، والأيام معروفة لا تتغير، لكن تقارب الزمان معنوي وليس بحقيقي، فتكون الفائدة التي يجنيها المسلم خلال سنة تعادل ما يجنيه المسلم قبل هذا الوقت -الذي هو آخر الزمان- في شهر، وما يكتسبه المسلم خلال شهر يعادل ما يعمله المسلم قبل ذلك الوقت في أسبوع وهكذا، وهذا أقرب ما يفسر به الحديث، وهذا هو الواقع، يعني لو نظرنا بعين البصيرة إلى تلاحق الأيام وجدنا أن اليوم يمر بدون فائدة بالنسبة لكثيرٍ من الناس، لكثيرٍ من الناس والحكم للغالب، تجد الساعة لمحة بصر، تجد اليوم ينتهي بمشوار، تجد الليلة تنتهي بجلسة قيل وقال ثم خلاص تنظر الساعة تعجب كيف مشت الليلة؟ وهكذا، لكن هذا بالنسبة للغالب، أما من منَّ الله عليه وهم الأقلون الزمان هو الزمان، الذي يُقرأ من القرآن في عهد الصحابة في الوقت يقرأه بعض الناس اليوم بنفس الوقت، الذي يُقرأ..، وما يذكر عن بعض أهل العلم من قراءةٍ في كتب العلم في الصدر الأول يقرأ الآن عند بعض الناس ممن بورك له في الوقت، لكن غالب الناس تضيع أيامه سدى، اليوم نبدأ، لا غداً، ما يمدينا اليوم، غداً من رأس الشهر، من رأس الأسبوع، وتنتهي الأيام وهو ما هو بادي بشيء، هذا حال كثير من الناس لا سيما من ابتلي بالسهر مثلاً، ثم في وقت البكور ينام لا يستفيد من أول النهار، ثم يداوم إلى قرب العصر، ثم يحتاج إلى راحة بعد العصر، والمغرب يالله يمديه، هذه سالفة وهذا تلفون ينتهي، والعشاء مواعد الشلة والربع يبي يطلع يمين ويسار ويسهر، وهكذا تنقضي الأعمار دون جدوى عند كثيرٍ من المسلمين، هذا صورة، بل من أوضح الصور لمحق الأعمار، وهذا في المسلم الذي يمضي أوقاته في المباح، فكيف بمن يمضي أوقاته في المحرمات؟ نسأل الله السلامة والعافية.

لكن لو أراد المسلم أن يطبق العمل الذي شرحه ابن القيم -رحمه الله تعالى- في طريق الهجرتين للمقربين جدول يمشون عليه منذ استيقاظهم من النوم إلى أن يأتي النوم الثاني، جدول يمشون عليه، وهو في مقدور كل أحد، ما فيه يعني صعوبة، لكن يحتاج إلى توفيق، يحتاج إلى توفيق، أمرٌ في غاية اليسر والسهولة، لكن من يوفق لمثل هذا العمل، وابن القيم -رحمه الله- يشرح هذا العمل، والمظنون به أنه يطبق، ومع ذلكم يقول: "والله ما شممنا لهم رائحة" هذا من تواضعه -رحمه الله-، ولا يريد أن يبدي من عمله شيء وإلا هو معروف بالعمل المتعدي واللازم.

شباب الأمة تجدهم أكثر أوقاتهم في السيارات، وفي الاستراحات، والقيل والقال، ما تجد هناك إنتاج وعمل ينفع الشخص وينفع أمته إلا القليل النادر، يعني الخير موجود في أمة محمد، لكن أكثر الأمة على هذا -مع الأسف الشديد- فضلاً عن عوام الناس، فضلاً عن الفساق الذين يقضون أوقاتهم فيما يضرهم ويضر غيرهم، والله المستعان.

يعني البركة في العمر نزعها من تقارب الزمان، ووجودها من زيادة العمر، يعني كما قيل في قوله -عليه الصلاة والسلام-: «من سره أن يبسط له في رزقه، وينسأ له في أجله فليصل رحمه» ينسأ له في أجله، تجد زيد من الناس واصل بار واصل ويموت عن ثلاثين خمسة وثلاثين بحادث، قد يقول قائل: أين مصداق الحديث؟ ما بسط، ما نسئ له في أجله عجل عليه وهو بار، نقول: نعم، عمل في هذه الثلاثين السنة ما يعمله غيره في ستين سبعين سنة، وفق لأعمالٍ تضاعف له الحسنات بحيث يساوي من عُمِّر مائة سنة، على الخلاف بين أهل العلم هل هذه الزيادة حقيقية؟ يعني يزاد في سنيه أو هي معنوية بأن يبارك له فيما يعيشه من عمر، فينتج من الأعمال الصالحة، ويدخر من الحسنات ما يجنيه بعض الناس في أضعاف ما عاشه؟ النووي -رحمه الله- مات عن خمسة وأربعين عاماً، خمسة وأربعين سنة عمره، يعني في مساجد الدنيا كلها يقال: قال -رحمه الله-، ألف كتب البركة ظاهرة من عمره، البركة ظاهرة، ألّف (رياض الصالحين) ألف (الأذكار) كل مسلم بحاجة إلى هذين الكتابين، ألف (شرح مسلم) ألف (شرح المهذب) الذي لا نظير له في كتب الفقه لا سيما القسم الذي تولى شرحه وإلا الكتاب ما هو بكامل، يعني لو كمل كان أعجوبة.

قد يقول قائل: هذه أمور ليست بأيدينا، البركة من الله -عز وجل-، لكن يا أخي ابذل السبب وتجد البركة، اجلس واقرأ وشوف، يتصورون أنه يعيش بيننا الآن من يقرأ في اليوم خمسة عشر ساعة، تصورون أنه يوجد من يختم كل ثلاث، ويداوم الدوام الرسمي، ويصل رحمه، ويزور المقابر، ويزور المرضى، يزاول الأعمال طبيعي جداً، ويختم كل ثلاث، والإنسان إذا قيل له: يا أخي ما تقرأ قرآن، ما تعمل كذا، يقول: والله مشغولين، من يبي يشتغل معي، من يبي يقرأ، من يبي يرتاح، مشاغل الآن الحياة، يا أخي مشاغل الحياة، إيش مشاغل الحياة؟ هل هنا حياة تسوى، الحياة ممر وليست مقر، الحياة مزرعة ازرع يا أخي، والله المستعان.

«يتقارب الزمان، وينقص العمل» ينقص العمل نعم، نسمع في سير الصالحين من الأعمال ما هو عند كثيرٍ من الناس أساطير، أساطير، بل صرح بعضهم أن هذه خرافات؛ لأنه ما جرب المسكين، لكن لو جرب وجاهد ثم تلذذ فيما بعد وجد أن الأمر حقيقي.

نقرأ في سيرة ابن المبارك الذي ضرب من كل سهمٍ من سهام الإسلام بنصيب وافر، ثم يقال: هذا العمل لا يطاق، ورأينا من شيوخنا من قرب من عمل ابن المبارك، صار حياته كلها لله، فالخير في أمة محمد، لكن على الإنسان أن يبذل السبب، ويصدق مع الله -عز وجل-، ويعينه الله -سبحانه وتعالى- على أن تكون حياته كلها لله، {قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ} [(162) سورة الأنعام] تنقلب عاداته عبادات إذا صدق مع الله -عز وجل-، وبذل السبب، وليس معنى هذا أن الإنسان ينسى نصيبه من الدنيا، لا، لا ينس نصيبه من الدنيا، ولا يكون عالة يتكفف الناس لا، الإسلام دين التوازن، يعني أوجدك في هذه الدنيا لتزرع للآخرة، فما يعين على هذه الزراعة من الزراعة، كسب المال من وجهه، وإنفاقه في وجهه من خير ما يبذل الإنسان فيه جهده، لكن واقع كثير من الناس العكس، يوصى ألا ينسى نصيبه من الآخرة، كثير من الناس على هذه الحال، يعني تجده ما صرف من وقته إلا وقت الفريضة ويأتيها على وجهٍ -الله أعلم- أين قلبه بينما الأصل الآخرة، ولا يقول قائل: أن ديننا دين عبادة دون عمل، لا، عبادة وعمل، دين ودنيا، والدنيا تكون من أمور الآخرة إذا استغلت فيما يرضي الله -عز وجل-.

«ينقص العمل» ولا نحتاج إلى أن نضرب شواهد نظرية على نقص العمل، تجد ممن ينتسب إلى العلم مع الأسف، بل ممن يعلم الناس، أو يدعو الناس، أو يحكم بين الناس تجده كثيراً ما يقضون الصلاة، بينما المنتظر من مثل هؤلاء أن يكونوا قدوة وأسوة للناس، العلم موجود وكثير، لكن أين العلم النافع؟ «ينقص العمل» فإذا تلتفت إلى الصف الثاني والثالث الناس الذين فاتهم بعض الصلاة تجد مع الأسف الشديد منهم من ينتسب إلى العلم، وهذا مصداق قوله: «ينقص العمل» تجد الإنسان ممن ينتسب إلى طلب العلم ويسهر الليل ويأتي وقت النزول الإلهي ثم يصعب عليه أن يؤدي الوتر يصعب عليه، ما يعان، وإن كان يتمنى ذلك ويحرص عليه، ويعرف جميع ما ورد فيه نصوص، لكنه لا يعان على ذلك، والله المستعان.

«ويلقى الشح» والشح أشد من البخل، البخل مع الحرص، «ويلقى الشح» وهو على كافة المستويات تجد التاجر يبخل بما في يده، فإذا جيء وطلب منه الإنفاق اعتذر، بل تشبع قال: فعلنا وفعلنا وتركنا وأنتم ما تدرون عن شيء، يقول هذا وهو ما طلّع شيء، ويبتلى بوجوه من وجوه الإنفاق لا تنفعه لا في دينه ولا في دنياه، يسلط عليه أمور تقضي على أمواله من غير فائدة، بينما لو أنفقها في سبيل الله، وفيما يرضي الله -عز وجل- زادت بإذن الله.

أيضاً الشح عند بعض أهل العلم، فتجده يبخل لا يعلم الناس، ولا يعظ الناس ويرشدهم، فلا يستفيد منه متعلم، ولا يستفيد منه عامي، وإذا سئل عن مسألة قال: الحمد لله، دار الإفتاء أبوابه مفتوحة، وجد من يقول هذا الكلام، لكن أين العهد والميثاق الذي أخذ عليك؟ هذا أيضاً مظهر من مظاهر الشح، «يلقى الشح» وهذا أشد من الشح بالمال، نعم الزكاة ركن من أركان الإسلام، لكن قد يوجد للإنسان إذا بخل بالمال الذي تعب عليه، وأيضاً ما عنده من العلم ما يجعله يقدم وينفق بسخاء لا يلام مثل ما يلام العالم الذي أعطاه الله من العلم ما يستطيع به أن ينفع الناس، هذا مظهر من مظاهر الشح، والأمثلة على ذلك كثيرة، تجد الصانع يبخل بصناعته يحتكر، يأخذ ما يسمونه براعة الاختراع، ولا يطلع الناس على كيفية هذه الصناعة، يبخل بها ويشح بها على الناس.

«يلقى الشح، وتظهر الفتن» تكثر، وهذا هو الشاهد من الحديث للباب، "«ويكثر الهرج»، «ويكثر الهرج» قالوا: يا رسول الله: أيم؟»" لأن الهرج في الأصل الاختلاط مع الاختلاف هذا هو الأصل فيه، فأي نوعٍ من أنواع الهرج؟ فأجاب -عليه الصلاة والسلام- مفسراً الهرج بالقتل، قال: «القتل، القتل» القتل، القتل هذا هو الهرج، طيب إذا كثر الهرج ماذا نصنع؟ هذا خبر لا بد من وقوعه، لكنه لا يقال: لا بد من إيقاعه، يعني المسألة كونية لا بد من أن يقع، لكن شرعاً؟ لا، هل للمسلم أن يسعى لإيقاع ما أخبر به النبي -عليه الصلاة والسلام- في آخر الزمان؟ لا يجوز له ذلك، لكنه لا بد من وقوعه كوناً، فما الذي على المسلم إذا وجد مثل هذه العلامة من علامات قرب الساعة؟ يلزم العبادة، كما جاء في الحديث الصحيح: «العبادة في الهرج كهجرة إليّ» يترك القيل والقال؛ لأنه قد يكون له يد في مثل هذه الموبقة العظيمة التي هي القتل، يترك القيل والقال، ويقبل على العبادات الخاصة والنفع المتعدي بقدر المستطاع.

"وقال شعيب -وهو ابن أبي حمزة- ويونس -بن يزيد الأيلي- والليث -بن سعد- وابن أخي الزهري" محمد بن عبد الله بن مسلم، "عن الزهري"، هؤلاء أربعة يرون عن الزهري "عن حميد" بينما معمر يروي عن الزهري عن سعيد، هذه فائدة إسنادية يشيرون بمثل هذا إلى التعليل، لكن الحديث في كتابٍ التزمت صحته، واعتمد البخاري الرواية الأولى فساقها بإسناده: حدثنا معمر عن الزهري عن سعيد، هنا قال: "وقال شعيبٌ ويونس والليث وابن أخي الزهري عن الزهري عن حميد"، وكلاهما صحيح لا سيما إذا وقع هذا من مثل الزهري، فالزهري مكثر من الرواية ومن الشيوخ، ولا يعني أن هذا باستمرار يحكم بالصحة للجميع ولو كانوا ثقات؛ لأن الأطباء أطباء الحديث أهل العلل يعلون بمثل هذا، فالأكثر على أنه عن الزهري عن حُميد، ومعمر عن الزهري عن سعيد، عن إيش؟ عن الزهري عن سعيد بن المسيب، فلما ذكر الرواية الأولى معتمداً عليها مقرراً لها وأردفها برواية الأكثر لا يعني أنه يعل رواية الواحد برواية الجماعة، مثل هذه مردها إلى القرائن، والقرائن في مثل هذا السياق تدلنا على أن الكل صحيح، لا سيما من مثل الزهري، وهو مكثر من الرواية، ومكثر من الشيوخ.

ثم قال بعد ذلك: "حدثنا عبيد الله بن موسى عن الأعمش -سليمان بن مهران- عن شقيق بن سلمة -أبي وائل- قال: كنت مع عبد الله -يعني ابن مسعود- وأبي موسى فقالا: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «إن بين يدي الساعة -يعني قبلها قريبٌ منها- لأياماً ينزل فيها الجهل، ويرفع فيها العلم» وجاء بيان ذلك في الحديث الصحيح: «إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من صدور الرجال، وإنما يقبضه بقبض العلماء، فإذا لم يبقِ عالماً اتخذ الناس رؤوساً جهالاً، فسُئلوا فأفتوا بغير علم، فضلوا وأضلوا» يكثر الجهل، ويرفع العلم، يرفع بقبض أهله، ليس معناه أنه ينتزع من صدور الرجال، لا، إنما يرفع بقبض أهله، «ويرفع العلم -يعني بموت العلماء- ويكثر فيها الهرج» والهرج: القتل" هو في الرواية الأولى سئل النبي -عليه الصلاة والسلام-: أيم هو؟ قال: «القتل القتل» فهو مرفوع، وهنا في هذا الحديث يحتمل الرفع والوقف، أنه من قول عبد الله بن مسعود وأبي موسى، وجاء مرفوعاً في حديث أبي هريرة.

ثم قال: "حدثنا عمر بن حفص قال: حدثنا أبي حفص بن غياث حدثنا الأعمش -سليمان بن مهران- قال: حدثنا شقيق -أبو وائل هذا سبق- قال: جلس عبد الله وأبو موسى فتحدثا فقال أبو موسى: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «إن بين يدي الساعة أياماً يرفع فيها العلم، وينزل فيها الجهل، ويكثر الهرج» والهرج: القتل"، وهذا كسابقه يحتمل الرفع والوقف، وأنه من قول أبي موسى الراوي فقال أبو موسى.

ثم قال: "حدثنا قتيبة -كلها بمعنىً واحد- يقول: حدثنا قتيبة -يعني ابن سعيد- قال: حدثنا جرير -يعني ابن عبد الحميد- عن الأعمش عن أبي وائل قال: إني لجالس مع عبد الله وأبي موسى -رضي الله عنهما- فقال أبو موسى: سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- مثله"، والهرج بلسان الحبشة: القتل"، الهرج بلسان الحبشة: القتل، كيف يكون بلسان الحبشة والنبي -عليه الصلاة والسلام- فسره بالقتل؟ يمنع أن ينطق النبي -عليه الصلاة والسلام- باللغة الحبشية؟ نعم يكون من لسان الحبشة القتل معناه: الهرج، يعني تعريبه القتل وهو بالحبشية: الهرج، يعني كما قيل في بعض الألفاظ في القرآن الكريم بغير العربية على خلافٍ بين أهل العلم في وجود مثل هذا، هم أجمعوا على أنه لا يوجد تراكيب أعجمية بالقرآن هذا إجماع، ويوجد أعلام أعجمية إجماع، في القرآن أعلام، وما عدا ذلك من الكلمات المفردة مختلفٌ فيها، ومن أهل العلم من يرى أنه لا يمنع أن يوجد كلمات توافقت فيها اللغات، الرومية مع العربية، الفارسية مع العربية، الحبشية مع العربية وهكذا، وهنا فسر النبي -عليه الصلاة والسلام- الهرج بالقتل، وهنا يقول: "الهرج بلسان الحبشة: القتل".

قال القاضي عياض: "هذا وهمٌ من بعض الرواة، هذا وهمٌ من بعض الرواة فإنها عربية صحيحة" وكأنه استند إلى تفسير النبي -عليه الصلاة والسلام- لها بالقتل، والنبي -عليه الصلاة والسلام- أفصح الخلق، إذاً تكون عربية، على كل حال الأصل أصل الهرج في اللغة: الاختلاط، يقال: هرج الناس اختلطوا واختلفوا، والقاضي عياض يقول: هذه وهم، بل الكلمة عربية، ولعله استند إلى تفسير النبي -عليه الصلاة والسلام- لهذه الكلمة في القتل، والنبي -عليه الصلاة والسلام- عربي، لكن يستقيم كلامه أو لا يستقيم؟ إذا قلنا: إنه وقع في القرآن المنصوص على كونه {بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ} [(195) سورة الشعراء] أنه وجد فيه بعض الكلمات بغير العربية، فما المانع أن ينطق النبي -عليه الصلاة والسلام- بغير العربية في بعض الكلمات؟ ووجد بالفعل، الحافظ ابن حجر -رحمه الله تعالى- في فتح الباري يقول: أخطأ من قال: إن الهرج القتل بلسان العربية، وهمٌ من بعض الرواة" أخطأ من قال: إن الهرج القتل بلسان الحبشة، وهمٌ من بعض الرواة -يعني القاضي عياض-، "ووجه الخطأ أنها لا تستعمل في اللغة العربية بمعنى القتل"، هي لا تستعمل في اللغة العربية بمعنى القتل، إنما تستعمل بمعنى الاختلاط مع الاختلاف، هذا أصلها في العربية، ولا مانع من تعريبها لكن يبقى أن أصلها حبشي، نعم الاختلاط والاختلاف طريق ووسيلة إلى القتل فيكون هذا من باب إطلاق السبب على المسبب، من باب إطلاق السبب على المسبب، وكثيراً ما يسمى الشيء باسم ما يؤول إليه، واستعمالها في القتل بطريق الحقيقة إنما هو بلغة الحبشة، إنما هو بلغة الحبشة، فكيف يدّعى على مثل أبي موسى أنه وهم في تفسير لفظة لغوية؟ بل الصواب معه، واستعمال العرب الهرج بمعنى القتل لا يمنع كونها لغةً حبشية، يعني تعريبها، وكون العرب يتداولون كلمة وفدت إليهم من غيرهم لا يمنع منه مانع.

ثم قال: "حدثنا محمد بن بشار، حدثنا غندر، حدثنا شعبة عن واصل -بن حيان الأحدب- عن أبي وائل -وهو شقيق المذكور في الطرق السابقة- عن عبد الله وأحسبه رفعه"، وأحسبه رفعه: هذه العبارة توحي بالتردد، لكن الروايات السابقة كلها بالجزم فلا أثر لمثل هذا التردد- أحسبه رفعه، قال: «بين يدي الساعة أيام الهرج، يزول العلم، ويظهر الجهل» قال أبو موسى: والهرج: القتل بلسان الحبشة" الهرج: القتل بلسان الحبشة، "وقال أبو عوانة -الوضاح بن عبد الله اليشكري- عن عاصم -هو ابن أبي النجود"، "قال أبو عوانة" هذا معلَّق، عن عاصم بن أبي النجود، عاصم بن بهدلة القارئ المشهور، وفيه كلام بالنسبة لحفظه، لكن البخاري لم يعتمد عليه، "عن أبي وائل عن الأشعري أنه قال لعبد الله: تعلم الأيام التي ذكر النبي -صلى الله عليه وسلم- أيام الهرج نحوه" يعني نحو ما تقدم "قال ابن مسعود: سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: «من شرار الناس من تدركهم الساعة وهم أحياء»"، وعند مسلم: «لا تقوم الساعة إلا على شرار الناس»، وفي الحديث: «لا تقام الساعة والأرض يقال فيها: لا إله إلا الله» ولا ينافي ذلك ما جاء من بقاء الطائفة المنصورة، من بقاء الطائفة المنصورة؛ لأنه أيضاً جاء في الحديث الصحيح أنه تأتي ريح من جهة اليمن تقبض أرواح المؤمنين، فالطائفة المنصورة تبقى إلى قبيل قيام الساعة حتى تأتي هذه الريح فتقبض أرواح المؤمنين، ولا يبقى في الأرض بعد ذلك إلا شرار الناس.

«من شرار الناس من تدركهم الساعة وهم أحياء» نعم التدرج في انقراض الخير سنة إلهية، «لا يأتي زمان إلا والذي بعده شرٌ منه» كما في الباب اللاحق، نعم.

طالب:......

وين؟

طالب:......

من شرار الناس نعم؟

طالب:......

لا، لا، على بيانية هذه؛ نعم لأن رواية مسلم: «لا تقوم الساعة إلا على شرار الناس»، «لا تقوم الساعة والأرض يقال فيها: لا إله إلا الله» فكلهم شرار، نعم؟

طالب: الساعة ......

الساعة نفسها، الساعة نفسها.

بابٌ: لا يأتي زمانٌ إلا الذي بعده شرٌ منه.

حدثنا محمد بن يوسف قال: حدثنا سفيان عن الزبير بن عدي قال: أتينا أنس بن مالك فشكونا إليه ما نلقى من الحجاج، فقال: «اصبروا فإنه لا يأتي عليكم زمان إلا الذي بعده شر منه حتى تلقوا ربكم» سمعته من نبيكم -صلى الله عليه وسلم-.

حدثنا أبو اليمان قال: أخبرنا شعيب عن الزهري ح وحدثنا إسماعيل قال: حدثني أخي عن سليمان عن محمد بن أبي عتيق عن ابن شهاب عن هند بنت الحارث الفراسية أن أم سلمة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- قالت: استيقظ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليلة فزعاً يقول: «سبحان الله، ماذا أنزل الله من الخزائن؟! وماذا أنزل من الفتن؟! من يوقظ صواحب الحجرات؟ -يريد أزواجه لكي يصلين- رب كاسية في الدنيا عارية في الآخرة».

يقول -رحمه الله-: "بابٌ: لا يأتي زمانٌ إلا الذي بعده شرٌ منه"، لا يأتي زمانٌ إلا الذي بعده شرٌ منه، «وخير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم» فالخيرية على سبيل الترقي، والشرية على سبيل التدلي، فكل زمانٍ الذي قبله خيرٍ منه، وكل زمانٍ الذي بعده شرٌ منه في الجملة، في الجملة، يعني إذا استثنينا جيل الصحابة فالأزمنة والقرون التي بعدهم قد يوجد في المتأخر وإن كان الأقل خيرٌ من بعض من تقدم فالتفضيل إجمالي، يعني بمعنى أنه يوجد في القرن الخامس عشر أفضل ممن وجد من بعض من وجد في القرن العاشر، لكن الجيل كامل بالنظر إليه إجمالاً لا يمكن أن يكون القرن هذا أفضل من الذي قبله.

يقول الإمام -رحمه الله تعالى-: "حدثنا محمد بن يوسف -الفريابي- قال: حدثنا سفيان –الثوري- عن الزبير بن عدي -الهمداني- قال: أتينا أنس بن مالك فشكونا إليه ما نلقى من الحجاج" في القرن الأول الصحابة متوافرون، وشكوا من الحجاج، ولقوا منه الظلم والذل، حتى الصحابة ما سلموا من ظلمه -رضوان الله عليهم-، ولا شك أن في هذا تسلية لمن يعيش في مثل هذه الأيام، الصحابة ما سلموا من ظلم الحجاج وذله وإذلاله للصحابة، شكوا الظلم وما يلقونه من ظلم الحجاج، "فقال أنس -رضي الله عنه-: "اصبروا" يعني: اصبروا عليه وعلى ظلمه، "فإنه لا يأتي عليكم زمان إلا الذي بعده شر منه" ولا شك أن في مثل هذا تسلية، لماذا؟ لأنك تنظر في مثل هذه الأمور؛ لأن هذا الأمر لا شك أنه من أمور الدنيا، وأمور الدنيا أنت مأمورٌ بأن تنظر إلى من هو دونك، فإذا نظرت إلى أنه ضيق عليك في أمور الدنيا مثلاً، تقول: الحمد لله حنا أفضل من البلد الفلاني، وحنا بعد أفضل من اللي بيجون بعدنا، «لا يأتي زمانٌ إلا والذي بعده شرٌ منه» أما بالنسبة لأمور الدين لا شك أنه يوجد فيها بعض التضييق في بعض العصور، وفي بعض الأمصار، لكن من نعم الله على خلقه أن أبواب الدين متنوعة، فأنت منعت وضيق عليك من هذا الباب من أبواب الدين، وفتح لك آفاق وأبواب تلج من أوسعها ولله الحمد، هو الإشكال في أمور الدنيا التي يحصل فيها الضيق، وما في يعني بديل، إذا حصل مثل هذا في أمور الدنيا فأنت تقول: الحمد لله شوف البلدان الثانية يمين ويسار كلها أضيق منا، وأنت مأمور في مثل هذه الحالة أنت تنظر إلى من هو دونك، لكن في أمور الدين لا، لا بد أن تنظر إلى من هو أعلى منك لكي تعمل، أما في أمور الدنيا تنظر إلى من هو دونك لكي لا تزدري نعمة الله عليك، هذا فيه تسلية لك، في أمور الدين لا يجوز بحالٍ من الأحوال أن تنظر إلى من هو دونك؛ لأن مثل هذا بهذه الطريقة تنسلخ من الدين وأنت لا تشعر، تنظر إلى من هو فوقك.

«لا يأتي زمانٌ إلا والذي بعده شرٌ منه حتى تلقوا ربكم» يعني: حتى تموتوا ثم تبعثون، "سمعته من نبيكم -صلى الله عليه وسلم-" وهذا مثل ما قلنا: إجمالي، «لا يأتي زمانٌ إلا والذي بعده شرٌ منه» قد يقول قائل: كيف هذا حديث مرفوع وصحيح، وقاله النبي -عليه الصلاة والسلام-، مخرج في أصح الكتب؟ والآن في عصر الصحابة شكوا من الحجاج، اختفوا عن الحجاج وهم صحابة، أفضل الناس بعد الأنبياء، ثم بعد كم سنة؟ ثلاثة عقود جاء عمر بن عبد العزيز هل نقول: إن العصر الذي عاش فيه الحجاج أفضل من عصر عمر بن عبد العزيز؟ انتشر العدل، وعم الأمن، وفاض الخير، هل نقول: إنه أفضل؟ أن العصر الذي فيه الحجاج أفضل من عصر عمر بن عبد العزيز؟ إن قلنا: هذا..، لا بد أن نقول: إن عصر الحجاج أفضل من عصر عمر بن عبد العزيز وإلا خالفنا الحديث؛ لأن عمر بن عبد العزيز بعد الحجاج، كيف نقول: إن عصر عمر بن عبد العزيز الذي عم فيه العدل والأمن والرخاء، وفي عهد الحجاج عم الظلم، حتى الصحابة أصابهم ما أصابهم من الظلم والذل من الحجاج، وأعوان الحجاج، ماذا نقول؟ لا شك أن هذا استشكله بعضهم، وأيضاً وجد في العصور المتأخرة في بعض الأقطار ما هو أفضل مما هو قبله في القطر نفسه.

ونعود ونقول: إن هذا إجمالاً، إذا نظر إلى الأمة بكاملها، إذا نظرنا إلى الأمة في عصر الحجاج نعم، في البلد الذي تسلط فيه الحجاج لا شك أنه الظلم ظاهر، لكن في البلدان الأخرى والصحابة متوافرون، عصرٌ يعيش فيه كثيرٌ من الصحابة لا شك أنه خيرٌ بكثير من العصر الذي يليه، ولو كان الظاهر أن الخير والظلم أو بعض الظلم ارتفع قد يكون في بعض الجهات في عصر الحجاج أفضل بكثير مما حصل في عهد عمر بن عبد العزيز والعكس، فالحديث صحيحٌ لا إشكال فيه، وأفعل التفضيل هنا على سبيل الإجمال، والله المستعان.

ثم قال: "حدثنا أبو اليمان -الحكم بن نافع- قال: أخبرنا شعيب -هو ابن أبي حمزة- عن الزهري ح" هذه حاء التحويل من إسناد إلى آخر، "وحدثنا إسماعيل -هو ابن أبي أويس بن أخت مالك- قال: حدثني أخي" أبو بكر عبد الحميد، "عن سليمان بن بلال عن محمد بن عبد الله بن أبي عتيق عن ابن شهاب عن هند بنت الحارث الفراسية" قيل لها: صُحبة، "أن أم سلمة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- قالت: استيقظ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" يعني: من نومه "ليلة فزعاً" حال كونه فزعاً، خائفاً وجلاً، "يقول: «سبحان الله! ماذا أَنزل الله من الخزائن؟! وماذا أُنزل من الفتن؟!»" أنزل خزائن، وأنزل فتن، أنزل خير، وأنزل شر، يعني مثل هذا الكلام ينبغي أن يستغل، يستغل الخير فيعمل به، والشر يستعاذ منه ويتقى، هذه الخزائن والأيام والليالي خزائن، ينبغي أن يودع فيها ما يسر في القيامة، هذه خزائن، «ماذا أنزل من الخزائن؟!» والخزائن: ما يحفظ فيه الشيء، الخزانة: هي التي يحفظ فيها المتاع، والليالي والأيام خزائن للأعمال، وهي عمر الإنسان، هي نفس الإنسان، هي الإنسان، فإذا ضاعت سدى فمعناه أن الإنسان ضيع نفسه، إذا لم يستغل هذه الخزائن، إذا لم يملأ هذه الخزائن بما يسره يوم القيامة فهو مغبون، «نعمتان مغبونٌ فيهما كثيرٌ من الناس: الصحة والفراغ» إيش معنى مغبون؟ يعني باعها برخص، يعني لو شخص يطلع بسيارته للمعارض بدلاً من أن تسوى مائة ألف يبيعها بألف وألفين هذا مغبون وإلا لا؟ مغبون، ما في أحد ما يضحك عليه، لكن أين هذا من الغبن الحقيقي؟ حتى أنكر بعض أهل العلم أن يوجد في الدنيا غبن، ما في شيء اسمه غبن في الدنيا؛ لأن الله -سبحانه وتعالى- يقول: {ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ} [(9) سورة التغابن] ما هو باليوم، إذا جاء زيد من الناس بأعمال أمثال الجبال وجئت مفلساً {ذلك يوم التغابن} [(9) سورة التغابن] ما هو باليوم، لكن لو أن إنسان باع سلعته بربع القيمة أو عشر القيمة قامت الدنيا عليه وكلٌ يلومه من كل وجه، بل يحجر عليه، ويلوكه الناس بألسنتهم، لكن شخص تضيع أيامه سدى، وتذهب الخزائن فارغة أو شبه فارغة هذا الغبن الحقيقي.

«ماذا أنزل الله من الخزائن؟! وماذا أُنزل من الفتن؟!» أنزل فتن، ورأى النبي -عليه الصلاة والسلام- لما أطل على المدينة من الأطم كما في الدرس السابق، رأى مواقع الفتن خلال البيوت كمواقع القطر، ماذا يريد النبي -عليه الصلاة والسلام- من هذا الكلام؟ يريد أن نستغل هذه الخزائن، ويريد أن نتقي هذه الفتن، نتقي هذه الفتن.

«من يوقظ صواحب الحجرات؟» من يوقظ صواحب الحجرات؟ والمراد بذلك أزواج النبي -عليه الصلاة والسلام-، يوقظن لأي شيء؟ للصلاة والوقوف بين يدي الله -عز وجل- في مثل هذا الوقت الذي استيقظ فيه النبي -عليه الصلاة والسلام-، وكأنه في وقت النزول الإلهي، يوقظ صواحب الحجرات أقرب مذكور، يعني هؤلاء النسوة بجوارنا ليودعن شيئاً في هذه الخزائن، ويعملن عملاً يحفظهن من هذه الفتن؛ لأن الأعمال الصالحة تقي الفتن، «من يوقظ صواحب الحجرات؟ -يريد أزواجه- لكي يصلين» فيستفدن من هذه، أو يضعن شيئاً في هذه الخزائن، ويتقين الفتن بالعمل الصالح، ويستعذن بالله منها، ثم قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: «رب كاسية في الدنيا عارية في الآخرة» كم من امرأة تنفق الأموال الطائلة في شراء الثياب الغالية لتكتسي بها، وهي في حقيقة الأمر عارية، وإن زعمت أنها مكتسية، وإن زعم الناس أنها مكتسية، فالشفاف وإن سماه الناس لباس هو عارٍ، الضيق الذي يبين التفاصيل عاري، وإن سماه الناس كساء، ولا نحتاج إلى أن نذكر أمثلة من ألبسة النساء الموجودة الآن التي تظهر فيها..، في أسواق المسلمين ومجامعهم فضلاً عن كونها بين النساء أو كونها في بيتها هذا أمر قد يكون أخف، لكن لو نظرت في لباس نساء المسلمين في المجامع العامة، في أقدس البقاع ماذا تجد؟ تجد العباءات الشفافة الضيقة التي يرى ما تحتها، تجد الثياب القصيرة، تجد..، هذا العُري، «رُبَّ كاسية في الدنيا عارية في الآخرة» تزعم أنها مكتسية وهي في الحقيقة عارية، وأهل العلم قالوا كلام كثير حول تفسير أو شرح هذا الكلام؛ لأنهم لم يقفوا على ما وقفنا عليه من لباس النساء في هذه الأزمان، وإلا واضح واضح جداً تفسير الحديث.

هذه الألبسة التي يزعم الناس أنهم يلبسونها هي عُري، منهم من يقول: كاسية بالثياب عارية عن الثواب، رب كاسية بالثياب عارية عن الثواب، ومنهم من قال: كاسية من النعم عارية عن الشكر، لكن العُري وإن وجد اللباس المزعوم إلا أن العُري موجود، نسأل الله السلامة والعافية، تلبس العباءة الشفافة وتربطها بحبل يبين مفاصلها، هذا اكتساء؟! هذا شكرٌ للنعم؟! ليقول قائل: ما الفرق بين هذه العباءة وبين الثوب الضيق؟ ما يوجد فرق، تلبس العباءة التي طرزت وزينت وقد نهيت عن إبداء زينتها، هذا تصرف من يرجو الله والدار الآخرة؟ هذا تصرف من يترك أعماله يتجشم الكيلوات بل مئات الكيلوات ويرجو ما عند الله في أقدس البقاع في أشرف الأزمان؟ هؤلاء فاتنات مفتونات، نسأل الله السلامة والعافية، هؤلاء معرضات لعقوبة الله -عز وجل-، ومن ورائهن أولياء الأمور، لا شك أنهن مباشرات لكن يشترك معهن من تسبب في ذلك في الإثم والعقوبة، ألا يخشى مثل هذا..، ألا تخشى مثل هذه أن تسلب بعض النعم التي تتقلب فيها، أو تبتلى بمرض تتمنى معه أن تعيش حياة أفقر الناس لكن بدون هذا المرض.

الله -سبحانه وتعالى- يغار من ارتكاب المحارم، الله -سبحانه وتعالى- يملي للظالم ثم إذا أخذه لم يفلته، فلا بد من رجعة نتقي بها هذه الفتن، ونحن في زمنٍ أحوج ما نكون فيه إلى الرجوع إلى الله -عز وجل-؛ لنتقي شر هذه الفتن، لنتقي شر هذه المحن التي ظهرت علاماتها وأماراتها، لكي يدفع الله عنا هذه الأمم التي تكالبت علينا من كل حدب، ومن كل صوب، ومن كل جهة.

طالب:......

هذا يقول: أليس المراد بالخزائن ما فتح على المسلمين من الدنيا؟ ففتنوا بها، ووقعوا في الفتنة والقتل والتقاطع؟

هذا قاله الشراح، والمراد بذلك خزائن فارس والروم وغيرها، أنزلت الخزائن، على كل حال الخزائن: ما يحفظ فيها المتاع هذا الأصل، فأنزلت هذه الخزائن لتحفظ فيها متاعك الذي ينفعك في الآخرة، ولا يمنع أن يكون الله -سبحانه وتعالى- أنزل وقدر وقسم وأنزل في تلك الليلة البشارة بفتح خزائن، أو بالحصول والاستيلاء على خزائن كسرى والروم وغيرها من الخزائن، لكن هذه الخزائن إذا استعملت فيما يرضي الله -عز وجل- فهي نعم، وإن استعملت فيما يصد عن الله وعن ذكره وعن شكره فهي محن.

باب: قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «من حمل علينا السلاح فليس منا».

حدثنا عبد الله بن يوسف قال: أخبرنا مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «من حمل علينا السلاح فليس منا».

حدثنا محمد بن العلاء قال: حدثنا أبو أسامة عن بريد عن أبي بردة عن أبي موسى عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «من حمل علينا السلاح فليس منا».

حدثنا محمد قال: أخبرنا عبد الرزاق عن معمرٍ عن همام قال: سمعت أبا هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «لا يشير أحدكم على أخيه بالسلاح فإنه لا يدري لعل الشيطان ينزغ في يده فيقع في حفرة من النار».

حدثنا علي بن عبد الله قال: حدثنا سفيان قال: قلت لعمرو:ٍ يا أبا محمد سمعتَ جابر بن عبد الله يقول: مرَّ رجل بسهام في المسجد فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «أمسك بنصالها» قال: نعم.

حدثنا أبو النعمان قال: حدثنا حماد بن زيد عن عمرو بن دينار عن جابر أن رجلاً مر في المسجد بأسهم قد بدا نصولها فأُمر أن يأخذ بنصولها، لا يخدش مسلماً.

حدثنا محمد بن العلاء قال: حدثنا أبو أسامة عن بريد عن أبي بُردة عن أبي موسى عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «إذا مر أحدكم في مسجدنا أو في سوقنا ومعه نبل فليمسك على نصالها» أو قال: «فليقبض بكفه أن يصيب أحداً من المسلمين منها شيء».

يقول الإمام -رحمه الله تعالى-: "باب قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «من حمل علينا السلاح فليس منا»" إن كان حمله للسلاح مستحلاً قتل المسلمين فلا شك أن قوله: «ليس منا» على حقيقته، يعني يكفر بذلك؛ لأنه استحل أمراً محرماً معلوماً تحريمه بالضرورة من دين الإسلام، إذا استحل ذلك فهو يكفر بذلك، وأما من حمل السلاح يريد قتل المسلم مع علمه بتحريمه واعتقاده بذلك فالأمر خطيرٌ جداً، «فزوال الدنيا أهون عند الله من إراقة دمِ مسلم»، «ولا يزال المسلم في فسحة من دينه حتى يصيب دماً حراماً» وفي ذلكم الوعيد الشديد: {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا} [(93) سورة النساء] حتى قال ابن عباس: إنه لا توبة له، فالأمر خطير، جدُّ خطير، «من حمل علينا السلاح فليس منا» وكلام أهل العلم في مثل هذا بحمله على الخروج عن الإسلام والحكم عليه بالكفر المخرج عن الملة إن استحل ذلك، إن استحل قتل المسلم المعصوم معصوم الدم؛ لأن من استحل المحرّم المعلوم تحريمه بالضرورة من دين الإسلام كفر، كما أن من حرم ما أحله الله المعلوم حله بالضرورة من دين الإسلام كفر، نسأل الله العافية، وحينئذٍ يكون قوله: «فليس منا» على حقيقته ليس من أهل ديننا.

أما إذا لم يستحل قتل المسلم بل أقدم على قتله معتقداً تحريم القتل فإنه لا يكفر بذلك، وإن تعمد قتله في قول جمهور العلماء، لكنه على خطرٍ عظيم، فابن عباس يرى أنه لا توبة له، {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا} [(93) سورة النساء] نسأل الله العافية، والحديث من نصوص الوعيد التي تُمَرُّ كما جاءت؛ لأنه أبلغ في الزجر عند جمعٍ من أهل العلم.

يقول الإمام -رحمه الله تعالى-: "حدثنا عبد الله بن يوسف" مر مراراً، وهو التنِّيسي، "قال: أخبرنا مالك" الإمام، "عن نافع عن عبد الله بن عمر" نافع مولى عبد الله بن عمر، "عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «من حمل علينا السلاح فليس منا»" وحمل السلاح على المسلم كبيرة من كبائر الذنوب إجماعاً، بالإجماع كبيرة من كبائر الذنوب، وعلى التفصيل الذي مضى، فلا يخلو: إما أن يكون مستحلاً لذلك أو يقتل المسلم مع اعتقاده التحريم فالأمر جدُّ خطير، "ولا يزال المسلم في فسحة من دينه حتى يصيب دماً حراماً" يعني يضيق عليه الأمر أشد الضيق، «ومن أعان على قتل مسلم بشطر كلمة»، بشطر كلمة، فالأمر ليس بالسهل ليس بالهين، فعلى المسلم أن يتقي هذا الباب لا سيما في مثل هذه الظروف التي تكالبت فيها الأعداء على الأمة، نحن بحاجة ماسة إلى اتحاد، نحن بحاجة إلى ائتلاف قلوب لنقف صفاً واحداً ضد العدو المشترك الذي يريد النيل من ديننا قبل أموالنا ودمائنا، نعم يوجد مخالفات، يوجد منكرات، يوجد معاصي هذه تعالج، تعالج، لا يعالج المنكر بمنكرٍ أعظم منه، لا يجوز إنكار المنكر بما يترتب عليه مفسدة أعظم منه باتفاق أهل العلم، لكن إنكار المنكر واجب على كل مستطيع، «من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه» الدين -ولله الحمد- جعل لكل شخصٍ ما يناسبه وما يستطيعه، أنت في بيتك بإمكانك أن تغير بيدك، بالنسبة لمن تحت يدك تستطيع أن تغير، وفي غالب الأحوال تغير بلسانك، إذا لم تستطع فأنت معذور تغير بقلبك، تنكر المنكر، لكن لا ترضى بإقرار المنكر ووجوده.

ولا يجوز لأحدٍ كائناً من كان أن يعتدي على مسلم بأي حجة كانت، فإذا كان في حديث اللعان في حديث عويمر العجلاني، سأل النبي -عليه الصلاة والسلام- عن الرجل يجد رجلاً عند امرأة، أو على امرأته، أيقتله فتقتلونه؟ قال: «نعم» لو وجده على امرأته لا يجوز له أن يقتله ولو كان محصناً مستحقاً للقتل؛ لأن مثل هذا يفتح باب شرٍ عظيم، وهو في الأصل مستحق للقتل، إذا زنى المحصن استحق الرجم، لا يجوز لمن وجد عند امرأته رجلاً محصناً أن يقتله بحال، وإن قتله يقاد به، "أيقتله فتقتلونه؟" لماذا؟ حسماً للشر، وقطعاً لدابر الفوضى، الإنسان ينضبط بضوابط الشرع، نعم يوجد غيرة يوجد.، نعم الناس يغارون على محارمهم، «أتعجبون من غيرة سعد؟» النبي -عليه الصلاة والسلام- أغير من سعد، لكن لا بد أن تكون الغيرة مضبوطة بضوابط شرعية وإلا صارت المسألة فوضى، لا بد أن تضبط هذه الغيرة بضوابط شرعية، والذي يجد عنده -نسأل الله السلامة والعافية- عند امرأته رجلاً ولو وجده يفعل معها ما يفعل الرجل مع امرأته هناك حلول شرعية، الطلاق بيد الرجل، في حالة وجود حمل اللعان، ويبرأ من الولد، لكن "أيقتله فتقتلونه؟" كل هذا إيش؟ من أجل قطع دابر الفوضى، الناس.. لا يصلح الناس فوضى بلا شك.

يقول بعد ذلك: "حدثنا محمد بن العلاء -أبو كريب- قال: حدثنا أبو أسامة -حماد بن أسامة- عن بريد -بن عبد الله عن –جده- أبي بردة عن أبي موسى -عبد الله بن قيس- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «من حمل علينا السلاح -معاشر المسلمين- فليس منا» فليس منا، لا شك أن في حمل السلاح إخافة للمسلمين، وإدخال للرعب في قلوبهم، ولا شك أن الأمن أهم من الطعام والشراب، الأمن أهم من الطعام والشراب، {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ} إيش؟ {مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ} [(155) سورة البقرة] بعد الخوف، البلوى بالخوف أعظم من البلوى بالجوع، وذكر بعض المفسرين أنه أراد أن يطبق ما جاء في هذه الآية، فجاء بشاةٍ صحيحة سليمة ووضع عندها الطعام، وربط أمامها ذئب وقفل عليها، مربوط الذئب لا يستطيع الوصول إليها، وهذه بجوارها العلف، الطعام، وجاء بأخرى مريضة –كسيرة- وجعل عندها الطعام وقفل عليها الباب، هاه؟ لما أصبح فتح الباب وجد الشاة التي عند الذئب ما تحرك طعامها ما نقص، ما نقص، والأخرى قد أكلت الطعام كله، وهي مريضةٌ كسيرة.

بعد هذا يقول الإمام -رحمه الله تعالى-: "حدثنا محمد" وهو ابن يحيى الذهلي أو ابن رافع، لكن الأكثر على أنه الذهلي، والإمام البخاري -رحمه الله تعالى- يروي عنه ولا يسميه، ما يمكن أن يسميه باسمه الكامل الواضح الذي يعرف به؛ لما عرف بينهما من خلاف في مسألة اللفظ، اللفظ بالقرآن، فالذهلي إمام حافظ، متقن من أوعية العلم، لا مندوحة ولا مفر عن الرواية عنه، ولاختلافه مع البخاري في مسألة اللفظ خشي البخاري أن يصرح باسمه فتظن موافقته له في هذه المسألة، فالإمام البخاري -رحمه الله- لورعه روى عنه، ولخوفه من أن تظن به الموافقة له في الرأي أبهمه.

قال: "حدثنا محمد، قال: حدثنا عبد الرزاق -بن همام الصنعاني المعروف- عن معمرٍ -بن راشد- عن همام -بن منبه- قال: سمعت أبا هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «لا يشير أحدكم على أخيه بالسلاح» (لا يشير) "لا" هذه إيش؟ نافية وإلا ناهية؟

طالب:.......

إيش؟

طالب:.......

نافية، لماذا؟

طالب:.......

بلا شك؛ لأن لو كانت ناهية لكان: "لا يُشر"، وهي في بعض الروايات، في بعض الروايات جاءت: "لا يُشر" بالجزم، وعلى كل حال سواءً كانت نافية أو ناهية النهي الصريح بـ"لا" الناهية، والنفي يراد به النهي، وحينئذٍ يكون أبلغ من النهي الصريح.

«لا يشير أحدكم على أخيه بالسلاح، فإنه لا يدري لعل الشيطان ينزع»، وفي رواية: «ينزغ»، {وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ} [(200) سورة الأعراف] «ينزع في يده»، يعني يتصرف الشيطان فيحرك اليد، أو يدفع اليد، «فيقع في حفرة من النار» يعني إذا قتل أخاه، ولو لم يقصد قتله، ولو لم يقصد قتله، لكنه فعل ما نهي عنه من الإشارة والشيطان أيضاً تدخل، إما باليد أو في قلبه، وألقى في روعه، أو شغله بما يذهله، فتصرف مثل هذا التصرف وقتل أخاه، وحينئذٍ يقع في حفرة من النار، وهو في الأصل لم يقصد القتل، فكيف لو قصد؟!

يقول الإمام -رحمه الله تعالى- بعد ذلك: "حدثنا علي بن عبد الله، قال: حدثنا سفيان -يعني ابن عيينة- قال: قلت لعمروٍ -هو ابن دينار-: يا أبا محمد سمعتَ جابر -بن عبد الله- يقول: مَرَّ رجلٌ بسهام" هذا رجل ما سُمي ستراً عليه، لا يعرف اسمه، "بسهام في المسجد" والمسجد النبوي، "فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «أمسك بنصالها؟»" أمسك بنصالها: جمع نصل، وهو الحديدة، حديدة السهم المحددة التي تجرح من باشرها، فمثل هذا إذا كان في مجامع الناس لا بد أن يمسك بنصالها لئلا يؤذي أحد، يجرح أحد، أو يقتل أحد، ولو لم يقصد "«أمسك بنصالها» قال: نعم".

"سمعتَ جابر بن عبد الله يقول: مر رجلٌ بسهامٍ في المسجد فقال -صلى الله عليه وسلم-: «أمسك بنصالها؟»" هذا استفهام، استفهام، الآن هذا الحديث روايته بطريق الأيش؟ أي طريق من طرق التحمل؟ "قلتُ لعمروٍ: يا أبا محمد سمعتَ جابر بن عبد الله يقول: مرّ رجل بسهام".. إلى آخره.

طالب:.......

نعم، العرض، العرض على الشيخ، القراءة على الشيخ، لكن هل يشترط في العرض أن يقول المروي عنه: نعم؟ إذا قيل: حدثك فلان بن فلان عن فلان عن النبي..، قال -عليه الصلاة والسلام- كذا، هل يلزم أن تقول: نعم؟ لأن هنا قال: نعم، في طريق التحمل بالعرض في القراءة على الشيخ يلزم أن يقول الشيخ: نعم أو يسكت؟ لأنه في بداية السند ماذا يقول القارئ على الشيخ؟ يقول: حدثنا فلان بن فلان عن فلان عن فلان؟ يعرض ما يرويه الشيخ على الشيخ، وهو ما يريد روايته عن الشيخ، افترضنا أن الشيخ ما قال: نعم، الجمهور على أنه لا يشترط أن يقول: نعم، بل مجرد سكوته إقرار؛ لأنه لا يجوز له أن يسكت عن شيء لم يروه، إن سكت وهو لم يروه في الحقيقة دخل في حديث التشبع، ولذا جمهور أهل العلم لا يرون اشتراط قول الشيخ: نعم، وإن قال بوجوبه أهل الظاهر، ولا شك أنه أكمل إذا قال: نعم، صرح، أكمل كما هنا، لكن لو لم..، لو سكت خلاص، سكوته إقرار.

ثم قال: "حدثنا أبو النعمان" محمد بن الفضل، "قال: حدثنا حماد بن زيد" يعني ابن درهم "عن عمرو بن دينار عن جابر أن رجلاً مر بالمسجد -يعني النبوي- بأسهم قد أبدى نصولها" نصولها: أطرافها المحددة هذه ظاهرة وبادية للناس، من مرت به صار بجوارها أثّرت عليه "قد أبدى نصولها، فأُمر أن يأخذ –يقبض- على نصولها –بكفه- لئلا يخدش مسلماً" هذا أُمر فلو خالف هذا الأمر أثم، وإذا كان يأثم بالخدش فالقتل أعظم وكلُّ هذا من الاحتياط لحقوق الناس، وإذا شدد الإسلام في حقوق الناس المالية، وشدد في أعراض المسلمين التي هي كما قال ابن دقيق العيد: "حفرةٌ من حفر النار" فما بالكم بدماء المسلمين؟!

يقول: "حدثنا محمد بن العلاء -أبو كريب- قال: حدثنا أبو أسامة" تقدم، "عن بريد -بن عبد الله بن أبي بردة- عن –جده- أبي بُردة عن أبي موسى عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «إذا مر أحدكم في مسجدنا أو في سوقنا» و(أو) هذه ليست للشك، وإنما هي للتنويع، والمقصود إذا مر من معه شيءٌ يمكن أن يؤثر أو يؤذي أحداً في مجامع الناس سواءً كان في المسجد، في السوق، في المدرسة، في الشارع المزدحم، في أي مكان يمكن أن يتضرر بمرورها أحد فهو مأمور بأن يمسك، «ومعه نبل فليمسك على نصالها» أو قال: «فليقبض»"، يعني هذا شك، هل قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: «فليمسك» أو قال: «فليقبض»؟ والمعنى واحد؟ «بكفه كراهية أن يصيب أحداً من المسلمين منها شيء» فالمسلم محترم معصوم الدم والمال، عرضه مصان، فإذا كان المماطل «ليُّ الواجد ظلم، يبيح عرضه وعقوبته» يبيح عرضه وعقوبته، هل معنى هذا أنه يتفكه بعرضه؟ كل مجلس خلاص أباح الشرع عرضه في كل مجلس يتحدث عنه، «ليُّ الواجد ظلم» هذا المماطِل ظالم، ظالم لهذا المماطَل، {لاَّ يُحِبُّ اللّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوَءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَن ظُلِمَ} [(148) سورة النساء] خلص، ليس لأحد من المسلمين أن يتعدى على عرض هذا المماطل {إِلاَّ مَن ظُلِمَ} [(148) سورة النساء] الذي هو المماطَل، وهذا المظلوم المماطَل ماذا يقول عن ذلك الشخص المماطِل، ماذا أبيح له من عرض هذا المماطِل؟ لا يجوز له أن يقول أكثر من قوله: فلان مطلني، يعني هذا منصوص على أن عرضه مباح، لكن ليس معنى هذا أن يتخذ فاكهة، يتفكه بعرضه، وينكت عليه، هذا من أبيح عرضه، فكيف بمن صان الشرع عرضه، وجعل أكل لحمه -الكلام فيه- مثل أكل الميتة؟! مثل أكل لحمه إذا مات، تصور أكل لحم آدمي وميت، الكلام فيه مثل هذا، والله المستعان.

كم باقي على الإقامة؟ خلاص؟

نشوف سؤال وإلا..؟ 

يقول: جاء في صحيح مسلم أن العبادة في الهرج كهجرة إلي، فهل يفسر الهرج في هذا الحديث بالقتل؟ كما في حديث الباب أو يقال: هو على أصله أي الاختلاط مع الاختلاف؟

على كل حال العبادة مندوبٌ إليها في كل وقت وفي كل حين، وجاء قوله -عليه الصلاة والسلام-: «أعني على نفسك بكثرة السجود» وجاء الحث على العبادات الخاصة والعامة في كل وقت وفي كل حين، وفي كل زمان، لكن العبادات في مثل هذه الظروف التي يغفل بها الإنسان، يعني مع كونها جالبة للحسنات هي تكفه في مثل هذه الظروف عن كثيرٍ من المشاكل والسيئات، فالإنسان إذا كان في وقت الرخاء مأمور بالعبادة فكيف بالعبادة إذا كانت عبادة من جهة، وصارف وواقي ومانع من الوقوع في المحرمات؟ لا شك أن مثل هذا يتضاعف، وأيضاً في مثل هذه الظروف القلوب تنشغل، و...  الناس، وينشغلون بالقيل والقال، ويستطلعون الأخبار، لكن ماذا عن شخصٍ لم يلقِ لهذه الأمور بالاً؟ لأنه لا حول له فيها ولا قوة، لا يستطيع أن يقدم ولا يؤخر، فمثل هذا إذا التجأ إلى ربه، لجأ إلى الله بصدق، وعبده حق عبادته، مثل هذا لا شك أنه من أفضل الناس جهادًا في هذه الظروف، اللهم إلا من يستطيع أن يؤثر على غيره وينفع، ويساهم بما يكشف هذه الفتن هذا أعظم من العبادات الخاصة.

قد يقول قائل: كثيرٌ من الناس لا يستطيع أن يؤثر في مثل هذه الظروف فهل العزلة مطلوبة؟ جاءت أحاديث تحث على العزلة: «يوشك أن يكون خير مال المسلم غنم يتبع بها شعف الجبال، يفرُّ بدينه من الفتن» يوشك: يقرب، يفر بدينه من الفتن هذا الكلام يتجه إلى شخص يخشى عليه من التأثر، ولا يرجى منه التأثير، بينما لو كان الأمر بالعكس شخص مؤثر، ويستطيع أن يقدم ما ينفع في كشف هذه الفتن، مثل هذا يتعين عليه الاختلاط، ولا تجوز له العزلة بحال، ثم يبقى بين هذين القسمين والنوعين سائر الناس ممن يستطيع أن يؤثر ويتأثر، ومن يتأثر كثيراً ويؤثر قليلاً، ومن قرب من هذا رجح فيه حكم هذا، ومن قرب من هذا ترجح فيه حكم هذا، والله أعلم.

وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

"