التعليق على الموافقات (1427) - 09
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله ومن والاه، وبعد:
فقال المؤلف –رحمه الله- في المسألة الرابعة: "فصل: ومنها: أنه إنما يصح في المسلك الأفهام والفهم".
"منها" يعني: من القواعد التي تنبني على المسألة الرابعة وهي القاعدة الثالثة، القاعدة الثالثة من القواعد التي تُبنى على المسألة الرابعة.
"ما يكون عامًّا لجميع العرب، فلا يُتكلف فيه فوق ما يقدرون عليه بحسب الألفاظ والمعاني، فإن الناس في الفهم وتأتي التكليف فيه ليسوا على وزانٍ واحدٍ ولا مُتقارب، إلا أنهم يتقاربون في الأمور الجمهورية وما والاها".
يعني: ما يُوجبه الله –جلَّ وعلا- على جميع خلقه على الجميع مثل هذا يكون فهم الناس له متيسرًا إلا لمن أعرض، ولم يرفع بالدين رأسًا، هذا شيء، أما من اهتم لدينه، فإنه يفهمه، كما يفهمه غيره، هذا ما يُطلب من جميع الناس، ثم يبقى مراتب ومنازل يتفاوت فيها الخواص، نعم.
"وعلى ذلك جرت مصالحهم في الدنيا، ولم يكونوا بحيث يتعمقون في كلامهم ولا في أعمالهم، إلا بمقدار ما لا يُخل بمقاصدهم، اللهم إلا أن يقصدوا أمرًا خاصًّا لأناسٍ خاصة، فذاك كالكنايات الغامضة، والرموز البعيدة، التي تخفى عن الجمهور، ولا تخفى عمن قُصد بها، وإلا كان خارجًا عن حكم معهودها".
ولذا يحرص أهل العلم في توجيه الناس عامة الناس، وما في أحكام العامة إلى المطالعة في الكتب المُيسرة التي يفهمونها، ويجعلون الكتب التي تحتاج إلى تعب ومعاناة ومراجعة شيوخ وشروح هذه يجعلونها لخواص طلاب العلم، يعني لو سأل طالب أو طبيب مثلاً أو مهندس أو تاجر أو مزارع أو غيرهم، يُريد متنًا مُختصرًا في الفقه يراجعه فيما يحتاج إليه، هل يُقال: اذهب إلى مختصر خليل، اقتنِ مختصر خليل وراجعه فيما أشكل عليك؟ مستحيل هذا، هذا صدٌّ له عما يُريد، أو يُقال له: تقتني زاد المستقنع كتاب مُختصر وفيه كل ما تُريد؟ ما يُمكن؛ لأنه لا يُدرك مثل هذه الأمور.
يُوصى بكتب سهلة مُيسرة كُتبت بأسلوب العصر؛ ولذا مثل الملخص الفقهي أو كُتب الشيخ ابن سعدي تُقرأ على كافة المستويات يستفيد منها الناس كلهم، أيضًا كُتب الشيخ/ ابن عثيمين يفهمونها، يفهمها المثقفون بدون تعب، يُوصى بها لهم، لكن المتون المتينة التي أُلِّفت ورُتبت لطلاب العلم الذين يُتوقع منهم أن يكونوا علماء هؤلاء يختلفون عن أولئك، يختلفون عن أولئك، فيشترك عامة الناس مع أوساط المثقفين في الكتب السهلة المُيسرة.
فعلى سبيل المثال لو جاء طبيب يسأل أو مهندس أو أي صاحب مهنة من المهن في غير العلم الشرعي يُريد أن يأخذ الفقه على طريقة السؤال والجواب بطريقةٍ مُيسرة هذا يُقال له: اقرأ في فتاوى اللجنة الدائمة، اقرأ في فتاوى الشيخ/ ابن عثيمين، اقرأ في فتاوى الشيخ/ ابن باز، لكن هل يُقال له: اقرأ في فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية؟ ما يُمكن، ما يُمكن أن يُقال له: اقرأ في فتاوى شيخ الإسلام؛ لأن هذه لا تناسبه، بينما طلاب العلم وخواصهم يُوصَون بأن يقرؤوا في الكتب المتينة التي تتعبهم وتشق عليهم، يشق عليهم فهمها، وعليها يتربون، وكل هذا يتفرع من هذه القاعدة.
"فكذلك يلزم أن يُنزَّل فهم الكتاب والسُّنَّة، بحيث تكون معانيه مشتركةً لجميع العرب، ولذلك أُنزل القرآن على سبعة أحرف".
"نعم معانيه مشتركة لجميع العرب" الذين نزل عليهم، لا يُقال: إنه الآن لا يُشكل شيء من القرآن على العامة؛ لأنهم عرب، لا، هؤلاء لبُعد العهد ودخول المؤثرات التي تعوق عن فهم ما أنزل الله، مثل هؤلاء يُقال لهم مثل هذا الكلام "تكون معانيه مشتركة لجميع العرب" يعني: يفهمه النجدي، ويفهمه التونسي، ويفهمه العراقي على حدٍّ سواء، يتفاوتون في فهمه لاسيما بعد أن أجمع الصحابة على كتابة المصحف على حرفٍ واحد.
أما في عصر التنزيل لو أُطروا لو أُطر العرب كلهم بقبائلهم وشعوبهم على حرفٍ واحد لشق عليهم، الهُزلي يصعب عليه أن ينطق بلهجة قريش، والتميمي يصعب عليه أن ينطق ويُؤدي الحروف كما تؤديها تميم أو هُذيل أو ثقيف، فاحتاجوا إلى أن يكون رفقًا بهم؛ لأن القرآن نزل وفيهم الشيخ الكبير، بل كلهم عوام.
على كل حال نزل القرآن على سبعة الأحرف؛ ليفهمه الجميع، ثم بعد ذلك اتفق الصحابة– رضوان الله عليهم- في عهد عثمان، وأن يكون على العرضة الأخيرة بالترتيب المدون بالحروف المدونة من غير زيادةٍ ولا نُقصان.
"واشتركت فيه اللغات حتى كانت قبائل العرب تفهمه".
يعني إن ما فهمه ثقيف على هذا الحرف فهموه على حرفٍ آخر، وقُل مثل هذا في سائر القبائل.
"وأيضًا فمقتضاه من التكليف لا يخرج عن هذا النمط؛ لأن الضعيف ليس كالقوي، ولا الصغير كالكبير، ولا الأنثى كالذكر".
الكلام الأول: في الألفاظ التي هي قوالب المعاني، والثاني: في المعاني وما يترتب عليها من أثرٍ عملي.
الناس كما يتفاوتون في فهمهم لاختلاف لهجاتهم ولغاتهم، يتفاوتون أيضًا في قدراتهم واستطاعتهم، فالقوي تكليفه ليس مثل تكليف الضعيف ولا العكس، نعم يشتركون في الأركان إلا من عجز، لكن يبقى أن هناك ما يستطيعها القوي ولا يستطيعها الضعيف فيتفاوتون في مثل هذا، نعم.
"بل كلٌّ له حدٌّ ينتهي إليه في العادة الجارية، فأُخذوا بما يشترك الجمهور في القدرة عليه، وأُلزموا ذلك من طريقهم بالحجة القائمة، والموعظة الحسنة، ونحو ذلك، ولو شاء الله لألزمهم ما لا يطيقون، ولكلفهم بغير قيام حُجة، ولا إتيانٍ ببرهان، ولا وعظٍ ولا تذكير، ولطوقهم فهم ما لا يُفهم وعلم ما لم يُعلم، فلا حجر عليه في ذلك، فإن حُجة الملك قائمة: {قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ} [الْأَنْعَامِ:149]".
أيضًا الله –جلَّ وعلا- لا يُسأل عما يفعل، فالخلق خلقه، والمُلك مُلكه، ولا يُسأل عما يفعل لو أراد ذلك لفعل، ولا يكون بذلك ظالمًا لخلقه، لكن من رحمته التي وسعت كل شيء رفق بهم ولطف بهم وأنزل عليهم من التكاليف ما يُطيقون.
"لكن الله سبحانه خاطبهم من حيث عهدوا، وكلفهم من حيث لهم القدرة على ما به كُلفوا، وغُذُّوا في أثناء ذلك بما يستقيم به منآدهم".
غذوا بالتشديد أم بالتخفيف؟
طالب: وغذُّوا.
التخفيف الأصل. «غُذيَ بِالْحَرَامِ» هي بالتخفيف.
طالب: مضبوطة هنا بالشكل.
حتى عندي مضبوطة، لكن ما يصلح، «وغُذيَ بِالْحَرَامِ» مثله.
غَذَوْتُكَ مولودًا وَعْلتُكَ يافعًا |
بالتخفيف.
"ويقوى به ضعيفهم، وتنتهض به عزائمهم من الوعد تارةً، والوعيد أخرى، والموعظة الحسنة أخرى، وبيان مجاري العادات فيمن سلف من الأمم الماضية والقرون الخالية، إلى غير ذلك مما في معناه، حتى يعلموا أنهم لم ينفردوا بهذا الأمر دون الخلق الماضين، بل هم مشتركون في مقتضاه، ولا يكونون مشتركين إلا فيما لهم مُنةٌ على تحمله، وزادهم تخفيفًا دون الأولين، وأجرى فوقهم فضلاً من الله ونعمة، والله عليمٌ حكيم.
وقد خرَّج الترمذي وصححه عن أُبي بن كعبٍ، قال: لقي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- جبريل، فقال: «يَا جِبْرِيلُ! إِنِّي بُعِثْتُ إِلَى أُمَّةٍ أُمِّيِّينَ، مِنْهُمُ الْعَجُوزُ وَالشَّيْخُ الْكَبِيرُ وَالْغُلَامُ وَالْجَارِيَةُ، وَالرَّجُلُ الَّذِي لَمْ يَقْرَأْ كِتَابًا قَطُّ» قال: يا محمد! إن القرآن أُنزل على سبعة أحرف.
فالحاصل أن الواجب في هذا المقام إجراء الفهم في الشريعة على وزان الاشتراك الجمهوري الذي يسع الأُميين كما يسع غيرهم".
هذا الكلام مناسب لمن نزل عليهم القرآن قبل اختلاط العرب بغيرهم كانوا يفهمون الغريب كما هو مدون في كتب الغريب؛ لأنهم هم المصادر في هذا الباب، فالعرب الذين أُنزل عليهم القرآن هم المصادر في تفسير الغريب، وكتب الغريب وكتب اللغة إنما أخذت عنهم، لكن لو قيل هذا الكلام لعوام الناس اليوم أو حتى كثير من طلاب العلم الذين لا يرفعون بهذا رأس، لو سُئل طالب علم عن {عَسْعَس} [التكوير:17] مثلا أو عن (جرز) أو ما أشبه ذلك من الكلمات الغريبة لصعب عليهم، فكيف بالعامة الذين يُنزلون الحقائق العرفية على النصوص الشرعية، البون شاسع الآن، ابتعد الناس عن لغتهم، وعما يتعلق بها مما نزل بها من كتابٍ وسُنَّة.
فلابد من العناية بهذه الأمور فطلاب العلم عليهم أن يُعنوا بهذا ويفهموا كتاب الله –جلَّ وعلا- على فهم الصحابة، ولا يجوز أن يُتعدى فهم الصحابة، نعم قد يُحيط الإنسان بأقوال الصحابة في الآية، وبما قيل في كُتب الغريب وكتب المُشكِل، وكتب التفسير، وكتب اللغة، ثم بعد ذلك يلوح له معنىً غير ما لاح لهم، وهذا لا يخلو من حالين:
إما أن يكون النص مما اتُفق على تفسيره، فلا يجوز إحداث قولٍ فيه.
وإن كان مما اختُلف في تفسيره، فالنظر فيه مجال، فيه مجال للنظر، لاسيما مع قوله –عليه الصلاة والسلام-: «يُبلِّغ الشاهد الغائب رُب مُبلَّغٍ أوعى من سامع» ولا شك أنه قد يأتي من بعض الصحابة من يلوح له غير ما لاح لهم عند اختلافهم.
أما إذا اتفقوا على شيء فلا كلام، إذا اتفقوا على شيء فلا يجوز الخروج عن أقوالهم، أما إذا اختلفوا، فحينئذٍ يكون للنظر مجال ممن لديه أهلية النظر، وليس لكل أحد؛ لأنه يُطالعنا في وسائل الإعلام من ليس من أهل النظر ومع ذلك يتكلم في النصوص بما يلوح له من خلال فطرته الممسوخة التي دخلها ما دخل، فتجدون في كلامهم البُعد الشديد عن مراد الله –جلَّ وعلا- ومراد رسوله –عليه الصلاة والسلام- وعن ما جاء من القواعد العامة، ومن المقاصد الشرعية.
طالب:.......
كيف؟
طالب:.......
لا القراءات العشر ما تغير السورة، كل هذه القراءات يحتملها مصحف عثمان، مجلس ومجالس، (تفسحوا في المجلس) { تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ} [المجادلة:11] ما الفرق؟ لأن الرسم يحتمل كل هذه القراءات ما فيها الإشكال.
هو الإشكال في آية التوبة، هذا الذي يُشكل عندي { تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ} [التوبة:100] قُرئ (من تحتها) هذه التي لا يحتملها الرسم، فما أدري هل قُرئ في السبع (من تحتها) في هذا الموضع؟ قال لي واحد من القراء: إنها قراءة، لكن ما يحتملها الرسم؛ ولذلك لا تصح بها الصلاة ولا يُستنبط بها، وإن جاءت في موضعٍ آخر.
"ومنها: أن يكون الاعتناء بالمعاني المبثوثة في الخطاب هو المقصود الأعظم".
يعني من القواعد المتعلقة بالمسألة الرابعة وهي القاعدة الرابعة.
"بناءً على أن العرب إنما كانت عنايتها بالمعاني، وإنما أصلحت الألفاظ من أجلها، وهذا الأصل معلومٌ عند أهل العربية، فاللفظ إنما هو وسيلةٌ إلى تحصيل المعنى المراد، والمعنى هو المقصود".
نعم المعنى هو المقصود؛ ولذلك كل ما يؤدي المعنى يُقتصر عليه إما باللفظ عند الموافقة في اللغة أو بالترجمة أو بالإشارة عند الأصم الأبكم بالإشارة، فهذا يُؤدي المعنى.
ويختلفون هل الإشارة تأخذ حكم اللفظ من كل وجه أو لا؟ يعني: الإشارة المُفهمة هل تأخذ حكم اللفظ؟ يعني جاء رد السلام بالإشارة، وأسماء سألت عائشة عن صلاة الكسوف، فأشارت إلى السماء، فقالت: آية –تقول لها أسماء- فأشارت عائشة برأسها نعم، أشارت برأسها، فهل مثل هذه الإشارات تُبطل الصلاة باعتبار أن هذه الإشارات مُفهمة ولها حكم اللفظ؟ هذا وقع من الصحابة، ووقع من النبي –عليه الصلاة والسلام- أشار بالسلام ولم يرد باللفظ، يعني لو كان حكمها حكم اللفظ من كل وجه لرد باللفظ؛ لأن هو الأصل، لكن الرد باللفظ مُبطل للصلاة، والإشارة لا تُبطل الصلاة، فافترقا من هذه الحيثية، والأصل المعنى كل ما أدى المعنى المقصود سواءً اتفقت اللغة أو اختلفت سواءً كان الإنسان ناطقًا أو لا.
"ولا أيضًا كل المعاني، فإن المعنى الإفرادي قد لا يُعبأ به، إذا كان المعنى التركيبي مفهومًا دونه، كما لم يعبأ ذو الرُّمة (ببائس ولا يابس)".
تقدم بيته قبل ورقتين أو ثلاث تقدم، "فقلت: أنشدتني: من بائس، فقال: (يابس وبائس) واحد".
"اتكالاً منه على أن حاصل المعنى مفهوم.
وأبين من هذا ما في (جامع الإسماعيلي) المُخرَّج على صحيح البخاري عن أنس بن مالك".
المستخرج على صحيح البخاري مستخرج الإسماعيلي أبي بكر الإسماعيلي له مُستخرج على صحيح البخاري، والاستخراج أن يعمد حافظ كالإسماعيلي مثلاً أو أبي عوانة أو أبي نُعيم أو غيرهما من أصحاب المستخرجات يعمد إلى كتابٍ من كتب السُّنَّة من الأصول المُعتبرة كالبخاري أو مسلم أو غيرهما يعمد إليه فيُخرِّج أحاديثه بأسانيده هو بأسانيد المُستخرِج لا أسانيد الأصل، ومن غير طريق صاحب الأصل هذا يُسمونه مُستخرجًا، فيُخرِّج أنفسها، وقد يكون فيه اختلاف في اللفظ، وهذا كثير، وقد يكون الاختلاف في المعنى وهذا موجود، إذا ربما خالفت....
وَمَا تَزِيْدُ فاحْكُمَنْ بِصِحَّتِه |
| فَهْوَ مَعَ العُلُوِّ مِنْ فَائِدَتِهْ |
إذْ خَالَفتْ لَفْظًا وَمَعْنىً رُبَّمَا |
نبدأ الباب من أوله:
وَاسْتَخْرَجُوا عَلى الصَّحِيْحِ |
| كَأَبي عَوَانَةٍ وَنَحْوِهِ، فاجْتَنِبِ |
عَزْوَكَ ألفَاظَ المُتُونِ لَهُمَا |
| إذْ خَالَفتْ لَفْظًا وَمَعْنىً رُبَّمَا |
ولذا الذي يُخرِّج من المستخرجات ويعزو إلى الأصل هذا يُخطئ كثيرًا، وإن فعله من فعله كالبيهقي وابن الأثير في (جامع الأصول) يعتمدون على المستخرجات، ويقولون: رواه البخاري، هذه المستخرجات فيها زوائد، وفيها ألفاظ غير ألفاظ الصحيح، ولو كان (جامع الأصول) مأخوذًا مباشرةً من الكتب الخمسة الأصلية لنفع الله به نفعًا عظيمًا، مع أن الناس ينتفعون به، لكن اعتماده على المستخرجات قلل من فائدته، يعني لو وُجد بمثابته كتاب يجمع بين الأصول الستة بحروفها لكان الغاية هو المطلب.
طالب:........
هم يقولون: من فائدته الزيادة في قدر الصحيح، الزيادة في قدر الصحيح تُؤخذ من المستخرجات، لكن أصحاب المستخرجات لم يلتزموا برجال أصحاب الأصل؛ ولذلك خُرِّج فيها لرواة ضعفاء، وعلى هذا:
وَمَا تَزِيْدُ فاحْكُمَنْ بِصِحَّتِه |
يقول الحافظ العراقي تبعًا لابن الصلاح:
وَمَا تَزِيْدُ فاحْكُمَنْ بِصِحَّتِه |
| فَهْوَ مَعَ العُلُوِّ مِنْ فَائِدَتِهْ |
لكن ليس هذا على إطلاقه، إنما يحكم بصحته إذا صح السند، نعم وجود أصل الحديث في كتابٍ التُزمت صحته يجعل لهذا الفرع شيئًا من الاستئناس، يجعل له شيئًا يُركن إليه ويُؤنس به كما قال ابن الصلاح وغيره.
طالب:........
المهم أنه ما يكون من طريقه، ما يأتي الإسماعيلي ويروي حديث الأعمال بالنيات، ويقول: حدَّثنا البخاري، قال: حدَّثنا الحُميدي، لا، إن كان من طريق البخاري فما هذا باستخراج، إن كان من طريق غير البخاري عن الحُميدي استخراج، لكن قد يضيق عليه المخرج ولا يجد الحديث إلا عند البخاري، فإما أن يتركه، يترك الحديث ولا يذكره، أو يعلقه بدون إسناد أو يذكره من طريق المؤلف ويُخل بالشرط.
"أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قرأ: {فَاكِهَةً وَأَبًّا} [عَبَسَ:31] قال: ما الأب؟ ثم قال: ما كُلفنا هذا. أو قال: ما أُمرنا بهذا.
وفيه أيضًا عن أنس، أن رجلاً سأل عمر بن الخطاب عن قوله: {فَاكِهَةً وَأَبًّا} [عَبَسَ:31] ما الأب؟ فقال عمر: نُهينا عن التعمق والتكلف".
ولعل عمر –رضي الله تعالى عنه- فهم من حال السائل أن سؤاله لا يُقصد به الاستفهام، وإنما يُقصد به التعنيت كما ترجم الإمام البخاري: باب ما يُكره من كثرة السؤال وهذا جاء فيه النص "نهى عن قيل وقال وكثرة السؤال"، لكن إذا جاء شخص أشكلت عليه هذه المسألة وأشكل عليه لفظ (الجرز) أو (عسعس) أو ما أشبه ذلك لا شك أنه له أن يسأل عنها وعلى المسؤول إذا كان عنده أن يُجيبه ويُحيله على ما ينتفع به؛ ولذا معرفة غريب القرآن من أهم المهمات، لأنها تُعين على التدبر، يعني كيف يتدبر الإنسان كلام لا يفهم معناه؟ لا يُمكن أن يتدبر الكلام إلا إذا فهم معناه.
"ومن المشهور تأديبه لصبيغٍ حين كان يُكثر السؤال عن المرسلات والعاصفات ونحوهما.
وظاهر هذا كله أنه إنما نُهى عنه؛ لأن المعنى التركيبي معلومٌ على الجملة، ولا ينبني على فهم هذه الأشياء حكمٌ تكليفي، فرأى أن الاشتغال به عن غيره مما هو أهم منه تكلف، ولهذا أصلٌ في الشريعة صحيح، نبَّه عليه قوله تعالى: {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ} [الْبَقَرَةِ:177] إلى آخر الآية، فلو كان فهم اللفظ الإفرادي يتوقف عليه فهم التركيبي، لم يكن تكلفًا، بل هو مضطرٌ إليه كما روي عن عمر نفسه في قوله تعالى: {أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّف} [النَّحْلِ:47] فإنه سأل عنه على المنبر".
سأل أم سُئل؟
طالب: سأل هو الذي سأل عمر.
عندك على همزة.
طالب: لا هنا على نبرة.
نعم، السياق يدل على أن عمر هو السائل "وأجابه رجلٌ من هذيل"، لكن الصورة صورة اللفظ سُئل وصوابها سأل.
"فقال له رجلٌ من هُذيل: التخوف عندنا التنقص، ثم أنشده:
تَخَوَّفَ الرَّحْلُ مِنْهَا تَامِكًا قَرِدًا |
| كَمَا تَخَوَّفَ عُودَ النَّبْعَةِ السَّفَنُ |
فقال عمر: أيها الناس! تمسكوا بديوان شعركم في جاهليتكم، فإن فيه تفسير كتابكم".
نعم ديوان العرب دواوينهم وأشعارهم في غاية الأهمية لطالب العلم، نعم فيها من الشعر الذي لا يجوز لا نظمه ولا روايته من فخر وهجاء وغزل وتشبيب، لكن يبقى أنه ديوان العرب، وبه يُفسَّر القرآن، لكن من هذه الأبيات التي فيها شيء من الإسفاف نجد أهل العلم يتداولونها في كتبهم، وقد توجد في كتب التفسير، يعني ذكر الحافظ ابن كثير وغيره من المفسرين البيت المنسوب عن ابن عباس في المزدلفة، "إن تصدق الطير" المقصود أن مثل هذا موجود في كتب أهل العلم، والشواهد النحوية وغيرها فيها شيءٌ من هذا، فهل يُغتفر مثل هذا للفائدة الراجحة المترتبة عليه أو نقول: ينبغي أن يكون المسلم لا سيما طالب العلم عفيف اللسان عن رواية مثل هذه الأشياء؟ لكنهم يتتابعون على هذا، يعني كتب التفسير فضلاً عن غيرها مملوءة بهذه الأبيات؛ لأن الشاهد منها واضح، والبيت ممن يُستشهد به أو مما يُستشهد به، والشاعر حُجة في مثل هذا الكلام؛ ولذلك يقول: عليكم بديوان العرب "تمسكوا بديوان شعركم في جاهليتكم، فإن فيه تفسير كتابكم".
كتب النحو أيضًا مملوءة من هذا، فلعل المفسدة هذه تكون مغمورةً في جانب المصلحة العظمى التي منها تحصيل تفسير القرآن والسُّنَّة.
طالب:.........
نعم.
طالب:.........
على كل حال جرت عادة العرب في افتتاح القصائد بالغزل، العرب جرت عادتهم بهذا وتبعهم بعض العلماء، تجد القصيدة في العقائد مثلاً مُفتتحة بأبياتٍ من الغزل، يعني لو اطلعت على مطلع النونية مثلاً لوجدت شيئًا من هذا، ومطلع الميمية لابن القيم، وكثير من القصائد تُفتتح بهذا، فلعل هذا مما تترتب عليه مصلحة راجحة.
"فليس بين الخبرين تعارض؛ لأن هذا قد توقف فهم معنى الآية عليه بخلاف الأول.
فإذا كان الأمر هكذا، فاللازم الاعتناء بفهم معنى الخطاب؛ لأنه المقصود والمراد، وعليه ينبني الخطاب ابتداءً، وكثيرًا ما يغفل هذا النظر بالنسبة للكتاب والسُّنَّة، فتُلتمس غرائبه ومعانيه على غير الوجه الذي ينبغي، فتستبهم على الملتمس، وتستعجم على من لم يفهم مقاصد العرب، فيكون عمله في غير معمل، ومشيه على غير طريق، والله الواقي برحمته".
"فتُلتمس غرائبه ومعانيه على غير الوجه الذي ينبغي" ولذا لا ينبغي أن يُتصدى لتفسير القرآن أو شرح السُّنَّة إلا من لديه الخبرة بالكتاب والسُّنَّة إضافةً إلى معرفته بلغة العرب، فقد يختار من المعاني لهذا اللفظ الذي يُريد تفسيره غير ما يدل عليه السياق، فتُبعد به النجعة، يُبعد النجعة في مثل هذا لاختياره لفظًا لا يُوافق ما يُؤيده السياق؛ لأن كل لفظة لها معانٍ في لغة العرب قد يصل في بعض الألفاظ إلى عشرة معانٍ أو أكثر، ثم هذا يأخذ أدنى معنى لهذا اللفظ ويُركبه وينقلب المعنى رأسًا على عقب، وحينئذٍ يكون عمله في غير معمل، ومشيه على غير طريق.
"فصل: ومنها: أن تكون التكاليف الاعتقادية والعملية مما يسع الأمِّي تعقلها، ليسعه الدخول تحت حكمها.
أما الاعتقادية بأن تكون من القرب للفهم، والسهولة على العقل، بحيث يشترك فيها الجمهور من كان منهم ثاقب الفهم أو بليدًا، فإنها لو كانت مما لا يُدركه إلا الخواص، لم تكن الشريعة عامة، ولم تكن أُمية، وقد ثبت كونها كذلك، فلا بد أن تكون المعاني المطلوب علمها واعتقادها سهلة المأخذ".
نعم كانت العقائد ومسائل الاعتقاد في عهد الصحابة والتابعين هي أسهل العلوم، ثم دخلها ما دخلها من الدخل من علم الكلام وغيره حتى صارت أعقد العلوم، أسهل العلوم؛ لأنها مبنية على التسليم، سمعت هذا اللفظ، وفهمت معناه من لغة العرب، وسلمت الكيفية لله –جلَّ وعلا- ثم بعد ذلك ليس وراء ذلك شيء، بينما ما يتعلق بالأحكام، ويتعلق بالآداب ويتعلق بغيرها ورائها عمل، فتحتاج إلى استفصالٍ أكثر، ويترتب على ذلك أنها أشد من مسائل الاعتقاد.
لكن الذي حصل العكس، الذي حصل فيما بعد العكس تساهل الناس في العمل، فتركوا التفقه، فسهُل عليهم أن تمر آيات أحكام وفهموها، لكن ماذا وراء هذا الفهم؟ وأما مسائل الاعتقاد فإنهم أقحموا فيها ما ليس منها ومزجوها بما لا يجوز مزجها فيه، وأدخلوا فيها علم الكلام الذي هو شؤم على العلم جملةً، فصار من أعقد العلوم علم العقائد، وبنوه على مقدمات ونتائج ليست مأخوذة من الكتاب والسُّنَّة فزادت صعوبته على المتعلمين.
"وأيضًا فلو لم تكن كذلك لزم بالنسبة إلى الجمهور تكليف ما لا يُطاق".
نعم لو كلفنا العوام والأميين الذي نزل عليهم القرآن بما كُلِّف به أتباع المذاهب المخالفة من الجهمية والمعتزلة والأشاعرة وغيرهم مما دونوه في كتبهم في علم الكلام كُلِّفوا عنتًا هذه مقدمات ونتائج لا يفهمها إلا الحذاق فضلاً عن المتوسطين فضلاً عن العامة، وقد يخفى كثيرٌ منها حتى على الحذاق، فكيف يُكلَّف بها عامة الناس؟!
وإذا فُهِمت أدت إلى نتائج غير مراد الله –جلَّ وعلا-، ولذلك أوصلت أصحابها إلى الابتداع، يعني لو أنها مع هذه المقدمات التقت مع النتائج الشرعية، قلنا: إنها مُخالفة للصراط المستقيم؛ لأن النتيجة عُرِفت بدون مقدمات، فكوننا نحتاج إلى مقدمات ليست من الكتاب والسُّنَّة لنصل إلى النتائج التي في الكتاب والسُّنَّة!! كل هذا عناء ما له داعٍ للمقدمات، والصراط المستقيم أقرب طريق يُوصل إلى المقصود، وهذا هو أسلوب الكتاب والسُّنَّة بلا مقدمات بلا نتائج، النتائج ابتداءً ومفهومة وواضحة.
"وهو غير واقع، كما هو مذكورٌ في الأصول، ولذلك تجد الشريعة لم تُعرِّف من الأمور الإلهية إلا بما يسع فهمه، وأرجت غير ذلك، فعرَّفته بمقتضى الأسماء والصفات، وحضت على النظر في المخلوقات، إلى أشباه ذلك، وأحالت فيما يقع فيه الاشتباه إلى قاعدةٍ عامة، وهو قوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشُّورَى:11]، وسكتت عن أشياء لا تهتدي إليها العقول، نعم، لا يُنكر تفاضل الإدراكات على الجملة، وإنما النظر في القدَر المكلف به".
"القدر المكلف به" يعني: النصيب المكلف به.
"ومما يدل على ذلك أيضًا أن الصحابة -رضي الله عنهم- لم يبلغنا عنهم من الخوض في هذه الأمور ما يكون أصلاً للباحثين والمتكلفين، كما لم يأتِ ذلك عن صاحب الشريعة -عليه الصلاة والسلام- وكذلك التابعون المقتدى بهم لم يكونوا إلا على ما كان عليه الصحابة، بل الذي جاء عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وعن أصحابه النهي عن الخوض في الأمور الإلهية وغيرها، حتى قال: «لَنْ يَبْرَحَ النَّاسُ يَتَسَاءَلُونَ، حَتَّى يَقُولُوا: هَذَا اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ، فَمَنْ خَلَقَ اللَّهَ؟».
وثبت النهي عن كثرة السؤال، وعن تكلف ما لا يعني عامًا في الاعتقاديات والعمليات، وأخبر مالكٌ أن من تقدم كانوا يكرهون الكلام إلا فيما تحته عمل، وإنما يُريد ما كان من الأشياء التي لا تهتدي العقول لفهمها مما سُكت عنه، أو مما وقع نادرًا من المتشابهات مُحالاً به على آية التنزيه".
هل يُفهم من كلام مالك –رحمه الله- أن العناية ينبغي أن تتجه إلى الأحكام التي يُعمل بها، ولها فائدة عملية مثل أحكام الصلاة والزكاة والصيام وغيرها من العبادات والمعاملات دون العقائد؟
إن كان المراد بالعقائد التشقيقات التي شَققها وفرَّعها أهل الكلام فنعم، يعني (المواقف) أصله مجلد، ثم شُرح في مجلدين، وبلغت شروحه العشرات، وبعض الشروح يقع في ثمانية مجلدات، ولو اختُصر لأمكن في قدرٍ يسير من هذا، كل هذا يبني هذا على هذا، وهذا يُحشي وهذا يزيد وهذا يُنقص، وذاك يضع احتمالات، وهذا فهمه غير فهم هذا، ثم يعد ذلك يصد عما تحته فائدة وعمل، فمثل هذا لا ينبغي الاشتغال به.
أما الكتب كتب العقائد التي عُمدتها الكتاب والسُّنَّة والردود على المخالفين فهذه لابد منها، بل هي أهم المهمات ودخولها في الفقه الذي جاء الحث عليه «مَن يُرد الله به خيرًا يُفقهه في الدين» دخولاً أوليًّا حتى كان من السلف من يُسميه الفقه الأكبر، فالعناية بالعقائد المعتمدة على الكتاب والسُّنَّة أمرٌ لابد منه، وينبغي أن تكون العناية به أكثر من العناية بالأحكام؛ لأنها متعلقة بأشرف مقصود الله –جلَّ وعلا-، ثم بعد ذلك تأتي الأحكام والآداب وغيرها.
هذا ما أردت التنبيه عليه؛ لأن هذا الكلام مُوهم "كانوا يكرهون الكلام إلا فيما تحته عمل" الاعتقاد عمل، فنحتاج إلى أن نُصحح الاعتقاد ولا نستطيع ذلك إلا بمعرفة كتب العقيدة التي ألَّفها العلماء المُحققون، أما ما أُلِّف من قِبل المتكملين أو من قِبل الخلف -كما يقولون- فهذه الاشتغال بها مضيعة للوقت، وهي التي تصد عن العمل، ....
طالب: أقول: هذا جاء في الأول "إلا فيما ينبني عليه عملٌ يُراد به عمل الجوارح والقلوب".
بلا شك نعم.
أو ممن وقع نادرًا من المتشابهات مُحالاً به على آية التنزيه، كأن الكلام قد يُفهم منه ويُؤيد ما يُنسب للإمام مالك أن آيات الصفات ينبغي ألا تُلقى على العامة؛ لأنها من المتشابه، والصواب أنها من المُحكم، وحجبها عن العامة ليس بأشد من حجب آيات القرآن، فالصفة جاءت في آيات القرآن، يعني تُحجب عن العامة؟ يُمكن حجب القرآن عن العامة؟ ما يُمكن، فكما أنه لا يُمكن حجب آيات الصفات لا يُمكن أيضًا حجب أحاديث الصفات، وإنما يُعلَمون ما تُطيقه عقولهم منها برفقٍ؛ ليعتقدوا ما يُمكن معرفته، أما ما لا تُدركه عقولهم فإنه لا يُكلفون به.
"وعلى هذا، فالتعمق في البحث فيها وتطلب ما لا يشترك الجمهور في فهمه خروجٌ عن مقتضى وضع الشريعة الأمية، فإنه ربما جمحت النفس إلى طلب ما لا يُطلب منها فوقعت في ظلمةٍ لا انفكاك لها منها، ولله در القائل:
وَلِلْعُقُولِ قُوًى تَسْتَنُّ دُونَ مَدًى |
| إِنْ تَعْدُهَا ظَهَرَتْ فِيهَا اضْطِرَابَاتُ |
نعم؛ لأن العقل له حد يُدرك بقدر ما أودعه الله فيه من الإدراك، لكن لو قيل لأعقل الناس: أخبرنا ما وراء هذا الجدار. لا يستطيع الذي لا يستطيعه ويخوض فيه لا شك أن هذا تكلف ما لا يعنيه، وهذا في النهاية يُوصله إلى نتائج مُرة فوق طاقته، وقد ينحرف بسببها وقد حصل؛ لأن الذين أعملوا الأفهام والأوهام في العقائد وصلوا إلى عقائد مُضحكة، وأوصلتهم هذه العقائد إلى نتائج مضحكة، فمنهم من يقول إن الله –جلَّ وعلا- تعالى الله عما يقول: ليس بداخل العالم ولا خارجه ولا فوق ولا تحت ولا كذا...إلى آخره.
ومنهم من يقول: سبحان ربي الأسفل، ومنهم من يقول:...إلى آخره.
كلام النطق به مُقلق للنفس، وأيضًا قراءته في الكتب قذىً للعيون، وسماعه أيضًا مُتعب للأسماع، وموجود ومُسطَّر ومُدون في كتب مطولة ومختصرة، ومن ناس يزعمون أنهم أعقل الناس، ولديهم من العلوم والفهوم والعبقرية ما عندهم، حتى قال القائل منهم من الأشعرية: إن أعمى الصين يجوز أن يرى بقة الأندلس، أين العقول؟ أين العقول؟ يعني يمكن القائل هذا يُعتبر من أذكياء العالم يعني مثل الرازي وغيره ويقول مثل هذا الكلام؟!! أذكياء ما هم بأغبياء؛ ولذلك العقل له طاقة ينبغي أن يُحد بقال الله، وقال رسوله، فالعلم قال الله وقال رسوله.
أما أن يسرح وراء الأفهام، ووراء الأوهام فلا شك أنه يُؤدي إلى مثل هذه النتائج.
طالب:........
أي معاملات؟
طالب:........
في المعاملات، المعاملات من الدِّين، وما أهملها الشرع، وفيها النصوص الكافية لمعاملات المسلمين ما فيه شيء يفوت {مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ} [الأنعام:38].
"ومن طماح النفوس إلى ما لم تكلف به نشأت الفرق كلها أو أكثرها.
وأما العمليات، فمن مراعاة الأمية فيها أن وقع تكليفهم بالجلائل في الأعمال والتقريبات في الأمور، بحيث يُدركها الجمهور كما عُرِّف أوقات الصلوات بالأمور المشاهدة لهم، كتعريفها بالظلال، وطلوع الفجر والشمس، وغروبها وغروب الشفق، وكذلك في الصيام في قوله تعالى: {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ} [الْبَقَرَةِ:187]، ولما كان فيهم من حمل العبارة على حقيقتها، نزَّل {مِنَ الْفَجْرِ} [الْبَقَرَةِ:187].
وفي الحديث: «إِذَا أَقْبَلَ اللَّيْلُ مِنْ هاهنا، وأدبر النهار من هاهنا، وغربت الشمس، فقد أفطر الصائم»".
نعم كل هذا يدل على أن الأمور تقريبية، الناس يتعبدون بهذه العبادات منذ شرعيتها على لسان النبي –عليه الصلاة والسلام-، وهذه الأمور التي عُلِّقت بها مثل طلوع الشمس، مثل غروبها، ومثل الزوال، ومثل الشفق، ومثل رؤية الهلال، ومثل هذه الأمور ليست عندهم ساعات، كل واحد بجيبه ساعة يعرف الوقت بدقة، إنما هي أمور تقريبية.
وجاء التحذير من الصلاة قبل دخول وقتها، ومن تأخيرها عن وقتها، وجُعل في الوقت مساحة بحيث يحتاط لنفسه دخولاً وخروجًا، وأما ضبط الوقت بدقة فهذا لم يُعرف إلا في الأوقات المتأخرة، فعلى الإنسان أن يحتاط لدينه.
ولذلك أهل العلم كتبوا في مواقيت الصلاة أن النجار يستطيع أن يعرف دخول الوقت وخروجه، وقارئ القرآن يعرف متى يدخل وقت الظهر، ومتى يدخل وقت العصر من خلال قراءته إذا كان مًعتادًا ليقرأ خمسة أجزاء في الساعة يعرف الساعة بقراءته، هذا مطَّرد أو أربعة أجزاء، على حسب ما اعتاد، الصانع إذا كان يصنع هذه الآلة بمقدار ساعتين أو ثلاثة، وفرغ منها في الوقت المحدد، يكون دخل وقت الصلاة التي تليها، فأهل العلم ذكروا هذا.
"وقال: «نَحْنُ أُمَّةٌ أُمِّيَّةٌ لَا نَحْسُبُ وَلَا نَكْتُبُ، الشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا».
وقال: «لَا تَصُومُوا حَتَّى تَرَوُا الْهِلَالَ، وَلَا تُفْطِرُوا حَتَّى تَرَوْهُ فَإِنَّ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا الْعِدَّةَ ثَلَاثِينَ»".
طالب: ما ورد يا شيخ العدة ثلاثون؟
«فَأَكْمِلُوا الْعِدَّةَ» لا لا العدد عدد الأيام.
طالب: يعني من العدد؟
نعم.
"ولم يُطالبنا بحساب مسير الشمس مع القمر في المنازل؛ لأن ذلك لم يكن من معهود العرب ولا من علومها، ولدقة الأمر فيه، وصعوبة الطريق إليه، وأجرى لنا غلبة الظن في الأحكام مجرى اليقين، وعذر الجاهل فرفع عنه الإثم، وعفا عن الخطأ، إلى غير ذلك من الأمور المشتركة للجمهور، فلا يصح الخروج عما حُدَّ في الشريعة، ولا تَطلب ما وراء هذه الغاية، فإنها مظنة الضلال، ومزلة الأقدام.
فإن قيل: هذا مُخالفٌ لما نقل عنهم من تدقيق النظر في مواقع الأحكام، ومظان الشبهات، ومجاري الرياء والتصنع للناس، ومُبالغتهم في التحرز من الأمور المُهلكات، التي هي عند الجمهور من الدقائق التي لا يهتدي إلى فهمها والوقوف عليها إلا الخواص، وقد كانت عندهم عظائم وهي مما لا يصل إليه الجمهور.
"وأيضًا لو كانت كذلك، لم يكن للعلماء مزيةٌ على سائر الناس، وقد كان في الصحابة والتابعين ومن بعدهم خاصةٌ وعامة، وكان للخاصة من الفهم في الشريعة ما لم يكن للعامة، وإن كان الجميع عربًا وأمةً أمية، وهكذا سائر القرون إلى اليوم، فكيف هذا؟".
على كل حال ما قرره من أنهم لا يُحسنون النظر في مسير الشمس والقمر يُخالف ما قرره من أن العرب يهتمون بعلم التنجيم وما أشبه ذلك، والطوالع والمشارق والمغارب يعرفونها.
وأما ما أورده من الإشكال فلا شك أن الجواب سيأتي، لكن يبقى أن الواقع يشهد بأن العوام يتفاوتون، وطلاب العلم يتفاوتون، والعلماء يتفاوتون، كل واحدٍ عنده ما ليس عند غيره، يمتاز بشيء دون غيره، وغيره يمتاز عليه بأشياء، فالأمور مقسومةٌ عليهم، والنبي –عليه الصلاة والسلام- يقول: «إنما أنا قاسم والله المُعطي» والأسباب مُتيسرة، أسباب المعرفة، وأسباب العلم والنظر متيسرة- ولله الحمد- للجميع، ومتاحة للجميع. فالنبي –عليه الصلاة والسلام- عدل في القسمة، يعني ما خص أحدًا بعلم دون أحد، أتاح العلم للجميع إلا ما حُجب عن ما يُخشى عليه من هذا العلم، كما في حديث مُعاذ: أفلا أُبشر الناس؟ قال: «لا، فيتكلوا»، فمن خُشي عليه أنه يتكل على بعض العلم إذا سمعه أو خُشي عليه أن هذا العلم لا يُناسبه؛ لأنه يؤيد بدعته أو ما أشبه ذلك أو لا يُطيقه عقله "حدِّثوا الناس بما يعرفون" فإن مثل هذا يُحجب عنه، وإلا فالأصل أن العلم للجميع، والتفقه مطلوب من الجميع، وكلُّ على حسب ما قدِّر له من هذا العطاء.
"وأيضًا فإن الشريعة قد اشتملت على ما تعرفه العرب عامة، وما يعرفه العلماء خاصة، وما لا يعلمه إلا الله تعالى، وذلك المتشابهات، فهي شاملةٌ لما يوصل إلى فهمه على الإطلاق، وما لا يُوصل إليه على الإطلاق، وما يصل إليه البعض دون البعض، فأين الاختصاص بما يليق بالجمهور خاصة؟
فالجواب أن يُقال: أما المتشابهات، فإنها من قبيل غير ما نحن فيه؛ لأنها إما راجعةٌ إلى أمورٍ إلهية لم يفتح الشارع لفهمها بابًا غير التسليم والدخول تحت آية التنزيه، وإما راجعةٌ إلى قواعد شرعيةٍ، فتتعارض أحكامها، وهذا خاصٌّ مبنيٌّ على عام هو ما نحن فيه، وذلك أن هذه الأمور كلها يُجاب عنها بأوجه:
أحدها: أنها أمورٌ إضافيةٌ لم يُتعبد بها أول الأمر للأدلة المتقدمة، وإنما هي أمورٌ تعرض لمن تمرن في علم الشريعة وزاول أحكام التكليف، وامتاز عن الجمهور بمزيد فهمٍ فيها، حتى زايل الأمية من وجه، فصار تدقيقه في الأمور الجليلة بالنسبة إلى غيره ممن لم يبلغ درجته، فنسبته إلى ما فهمه العامي إلى ما فهمه".
فنسبته إلى ما فهمه نسبة العامي إلى ما فهمه.
طالب: تظهر ناقصة.
"والنسبة إذا كانت محفوظةً، فلا يبقى تعارضٌ بين ما تقدم وما ذُكر في السؤال.
والثاني: أن الله تعالى جعل أهل الشريعة على مراتب ليسوا فيها على وزانٍ واحد، ورفع بعضهم فوق بعض، كما أنهم في الدنيا كذلك، فليس من له مزيدٌ في فهم الشريعة كمن لا مزيد له، لكن الجميع جارٍ على أمرٍ مشترك.
والاختصاصات فيها هباتٌ من الله لا تُخرج أهلها عن حكم الاشتراك، بل يدخلون مع غيرهم فيها، ويمتازون هم بزياداتٍ في ذلك الأمر المشترك بعينه".
نعم يُوجد قدر مُشترك يشترك فيه المسلمون كلهم عالمهم وعاميهم، القارئ والأمي يشتركون في قدر مشترك من الشرع، ومن جميع أنواع المعارف، ثم بعد ذلك يتفاوتون في الباقي.
"كما نقول: إن الورع مطلوب من كل أحدٍ على الجملة، ومع ذلك، فمنه ما هو من الجلائل، كالورع عن الحرام البيِّن، والمكروه البيِّن، ومنه ما ليس من الجلائل عند قوم، وهو منها عند قوم آخرين، فصار الذين عدوه من الجلائل داخلين في القسم الأول على الجملة، وإن كانوا قد امتازوا عنهم بالورع على بعض ما لا يُتورع عنه القسم الأول، بناءً على الشهادة بكون الموضع متأكدًا لبيانه أو غير متأكد لدقته".
في هذا الموضوع ذكر البخاري –رحمه الله تعالى- عن حسان بن أبي سنان يقول: ما رأيت شيئًا أهون من الورع، يعني أسهل من الورع «دع ما يُريبك إلى ما لا يُريبك» سفيان إمام من أئمة المسلمين من أهل الزُّهد والورع يقول: كلٌّ يتحدث على حسب مقامه، فحسان يتحدث على حسب مقامه، وهذا الذي عجزنا عنه، يعني الذي يتحدث عنه حسان منزلة مَن يُطيقها؟ الذي يقول: ما رأيت شيئًا أهون من الورع، مَن الذي قطع أعناق الناس وأرداهم في أوحال عبادة الدنيا، حتى بعض من ينتسب إلى طلب العلم مع الأسف؟ إلا شدة الورع وصعوبة الورع؛ لأن الإنسان يُخير بين أمرين وبين يديه شيء لا يُطيق الصبر عنه، وهذا يقول: ما رأيت شيئًا أهون من الورع!! لا شك أن المسألة مقامات.
"وهكذا سائر المسائل التي يمتاز بها الخواص عن العوام لا تخرج عن هذا القانون، فقد بان أن الجميع جارون على حكم أمرٍ مشتركٍ مفهومٍ للجمهور على الجملة.
والثالث: أن ما فيه التفاوت إنما تجده في الغالب في الأمور المُطلقة في الشريعة التي لم يوضع لها حدٌّ يُوقف عنده، بل وُكِلت إلى نظر المكلف، فصار كل أحد فيها مطلوبًا بإدراكه، فمن مدركٍ فيها أمرًا قريبًا فهو المطلوب منه".
مثل الصدقة المطلقة، النوافل المطلقة التي ليس لها حد معين، تجد هذا يتصدق بريال، وهذا بعشرة، وهذا بمائة، يتفاوتون، وهذا بألف، وهذا بمائة ألف في الأمور المطلقة، هذا يتنفل في الوقت المطلق في الضحى مثلاً بركعتين، وهذا بأربع ركعات، وهذا بمائة ركعة، وحُفظ عن الأئمة أكثر من ذلك، فكلٌّ له نصيبه من هذا المُدرك في هذه الأمور المطلقة، أما الأمور المحددة فيتفقون في عددها، وإن اختلفوا في كيفيتها.
"ومن مدركٍ فيها أمرًا هو فوق الأول، فهو المطلوب منه، وربما تفاوت الأمر فيها بحسب قدرة المكلف على الدوام فيما دخل فيه وعدم قدرته، فمن لا يقدر على الوفاء بمرتبةٍ من مراتبه لم يؤمر بها، بل بما هو دونها، ومن كان قادرًا على ذلك كان مطلوبًا، وعلى هذا السبيل يُعتبر ما جاء مما يظن أنه مُخالفٌ لما تقدم، والله أعلم.
فلهذا المعنى بعينه وضِعت العمليات على وجهٍ لا تُخرج المكلف إلى مشقةٍ يمل بسببها، أو إلى تعطيل عاداته التي يقوم بها صلاح دنياه".
بل جاء النهي عن كثرة التعبد الذي يعوق الإنسان عن مصالحه الأخرى، وعما هو أهم منها، ولو أن إنسانًا قرر أنه يقرأ القرآن في يوم، ويصوم الدهر، ويقوم الليل، ثم ترتب على ذلك تعطيل المصالح، مصالح الدين والدنيا، مثل هذا جاء النهي عنه بالنص، فالنبي –عليه الصلاة والسلام- نهى عبد الله بن عمرو لمَّا أراد أن يفعل ذلك، فالمسألة مسألة توازن، وتنوع العبادات في الشرع مقصود، فلا يكون شيء على حساب شيء، لا سيما إذا كان أهم منه، نعم.
"ويتوسع بسببها في نيل حظوظه، وذلك أن الأُمِّي الذي لم يُزاول شيئًا من الأمور الشرعية ولا العقلية -وربما اشمأز قلبه عما يُخرجه عن معتاده- بخلاف من كان له بذلك عهد، ومن هنا كان نزول القرآن نجومًا في عشرين سنة، ووردت الأحكام التكليفية فيها شيئًا فشيئًا، ولم تنزل دفعةً واحدة؛ وذلك لئلا تنفر عنها النفوس دفعة واحدة.
وفيما يُحكى عن عمر بن عبد العزيز أن ابنه عبد الملك قال له: ما لك لا تُنفذ الأمور؟ فوالله ما أبالي لو أن القدور غلت بي وبك في الحق، قال له عمر: لا تعجل يا بني، فإن الله ذمَّ الخمر في القرآن مرتين، وحرَّمها في الثالثة، وإني أخاف أن أحمل الحق على الناس جملة، فيدفعوه جملة، ويكون من ذا فتنة".
يعني ما خاف على نفسه –رحمه الله-، وإنما خاف على غيره أن يردوا الحق –والله المستعان-.
"وهذا معنىً صحيحٌ معتبرٌ في الاستقراء العادي، فكان ما كان أُجرى بالمصلحة وأُجرى على جهة التأنيس، وكان أكثرها على أسبابٍ واقعة، فكانت أوقع في النفوس حين صارت تنزل بحسب الوقائع، وكانت أقرب إلى التأنيس حين كانت تنزل حكمًا حكمًا وجزئيةً جزئية؛ لأنها إذا نزلت كذلك، لم ينزل حكمٌ إلا والذي قبله قد صار عادة، واستأنست به نفس المُكلف الصائم عن التكليف وعن العلم به رأسًا، فإذا نزل الثاني كانت النفس أقرب للانقياد له، ثم كذلك في الثالث والرابع.
ولذلك أيضًا أونسوا في الابتداء بأن هذه الملة ملة إبراهيم -عليه السلام- كما يؤنس الطفل في العمل بأنه من عمل أبيه، يقول تعالى: {مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ} [الْحَجِّ:78]، {ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِي} [النَّحْلِ:123] {إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوه} [آلِ عِمْرَانَ:68]".
نعم لأن إبراهيم –عليه السلام- أبوهم، فكونهم يُربطون بأبيهم لا شك أنهم يأنسون بمثل هذا.
يقول المؤلف: "كما يؤنس الطفل في العمل بأنه من عمل أبيه" يعني كان أبوك يفعل كذا، وكان أبوك يفعل كذا حينما يُؤمر بشيء أو يُنهى عن شيء.
"إلى غير ذلك من الآيات".
وهذا منطلق من الإعجاب بالآباء كما جاء في المثل: كل فتاة بأبيها مُعجبة، كذلك الفتيان ليس خاص بالفتيات، فالناس يُعجبون بآبائهم وبما يفعلون، ولو كانت بعض أفعالهم غير مرضية، فتجدهم يقتدون بهم، ويأنسون بأفعالهم؛ ولذلك أُلحق العرب ورُبِطوا بأبيهم إبراهيم.
"فلو نزلت دفعةً واحدةً لتكاثرت التكاليف على المكلف، فلم يكن لينقاد إليها انقياده إلى الحكم الواحد أو الاثنين.
وفي الحديث: «الخير عادة» وإذا اعتادت النفس فعلاً ما من أفعال الخير حصل له به نورٌ في قلبه، وانشرح به صدره، فلا يأتي فعلٌ ثانٍ إلا وفي النفس له القبول، هذا في عادة الله في أهل الطاعة، وعادةٌ أخرى جاريةٌ في الناس أن النفس أقرب انقيادًا إلى فعلٍ يكون عندها فعلٌ آخر من نوعه، ومن هنا كان -عليه الصلاة والسلام- يكره أضداد هذا، ويُحب ما يلائمه، فكان يُحب الرفق، ويكره العنف، وينهى عن التعمق والتكلف والدخول تحت ما لا يُطاق حمله؛ لأن هذا كله أقرب إلى الانقياد، وأسهل في التشريع للجمهور".
اللهم صلِّ على محمد.
"