التعليق على الموافقات (1430) - 02
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
طالب: أحسن الله إليك.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
يقول المؤلف العلامة الإمام الشاطبي -رحمه الله تعالى-: المسألة الثامنة: من مقصود الشارع في الأعمال دوام المكلف عليها، والدليل على ذلك واضح، كقوله تعالى: {إِلَّا الْمُصَلِّينَ (22) الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ} [المعارج: 22، 23]، وقوله: {وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ} [البقرة: 3]. وإقام الصلاة بمعنى الدوام عليها؛ بهذا فسرت الإقامة حيث ذُكرت مضافةً إلى الصلاة، وجاء هذا كله في معرض المدح، وهو دليل على قصد الشارع إليه، وجاء الأمر به صريحًا في مواضع كثيرة، كقوله: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة: 43]، وفي الحديث: «أحب العمل إلى الله ما داوم صاحبه وإن قل»".
أصرح من ذلك وأعم منه مما يشمل جميع أنواع العبادة: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} [الحجر: 99]؛ هذا الذي يدل على الدوام والاستمرار إلى الموت: {حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ}، {وَاعْبُدْ رَبَّكَ} بجميع أنواع العبادات التي أوجبها عليك، {حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ}: حتى يأتيك الموت. وقوله: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ} [البقرة: 43]، أما قوله: {إِلَّا الْمُصَلِّينَ (22) الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ} [المعارج: 22، 23] فهذا يدل على المراد، وقوله: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ} [البقرة: 43] هذا قول قيل في معنى الآية، أن المراد بذلك الإقامة بمعنى الدوام والاستمرار، ومنه الإقامة في المكان إذا دام فيه واستمر في لزومه.
وإقامتها عند كثير من أهل العلم: الإتيان بها على الوجه الموافق بما جاء عن النبي -عليه الصلاة والسلام-: «صلوا كما رأيتموني أصلي»، يعني: أقيموها على ضوء ما جاءكم عن النبي- عليه الصلاة والسلام-؛ ولذا لا يكفي مجرد الإتيان بصورة الصلاة حتى تكون موافقة لما جاء عنه -عليه الصلاة والسلام-. {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ} [البقرة: 43]، على القول الذي ذهب إليه من أنه من باب الإقامة والدوام والاستمرار واللزوم، كمن أقام بالمكان يعني لزمه وداوم على المكث فيه.
{وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة: 43]، ما قال: أقيموا الزكاة؛ لأن الصلاة تلزم جميع المكلفين، لازمة لجميع المكلفين، وأما الزكاة فلا تلزم إلا من ملك النصاب. في الحديث: «أحب العمل إلى الله ما داوم عليه صاحبه وإن قال»، فالدوام على العمل أفضل من الكثرة مع الانقطاع، العمل القليل الدائم أفضل، وكان عمله -عليه الصلاة والسلام- ديمة.
طالب: "وقال -عليه الصلاة والسلام-: «خذوا من العمل ما تطيقون، فإن الله لن يمل حتى تملوا»".
لأن ما يشق على الإنسان لا شك أنه يورث الملل ثم الانقطاع؛ ولذا جاء الأخذ من الدين بما يطاق ويُقدر عليه مما لا يشق بحيث يُضمن الاستمرار عليه.
طالب: أحسن الله إليك، «إن الله لن يمل...»....
نعم. هذا، إضافة الملل إلى الله -جل وعلا- في مثل هذا الحديث، أولاً الحديث جاء بصيغة النفي: «لن يمل»، لكن هذا النفي عُلق على أمر محقق وهو ملل الآدمي، والمعلق على أمر محقق يكون محققًا، لكن مع ذلك كله يُعبَّر عن هذا الأسلوب بأنه على سبيل المشاكلة، وما جاء على سبيل المشاكلة لا يُثبت على جهة الاستقلال: «لا يمل» يعني لا يترك الأجر والثواب لكم حتى تتركوا العمل.
طالب:.......
كيف؟
طالب:.......
لا شك أن المجازاة مدح، وإن كانت في حق المجازى ليست بمدح.
طالب: "وكان -عليه الصلاة والسلام- إذا عمل عملاً أثبته، وكان عمله ديمةً. وأيضًا، فإن في توقيت الشارع وظائف العبادات من مفروضات ومسنونات ومستحبات في أوقات معلومة الأسباب ظاهرة ولغير أسباب، ما يكفي في حصول القطع بقصد الشارع إلى إدامة الأعمال".
يعني ما دامت معلقة بأمر يتكرر، فهي تتكرر بتكرر ذلك المعلق عليه، إذا عُلقت العبادة أو عُلق الشيء على أمر متكرر فإن الأمر المعلق يتكرر بتكرر ما عُلق عليه. {أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} [الإسراء: 78]، ما معنى هذا؟ أنه كلما دلكت الشمس وزالت عن كبد السماء فأقم الصلاة، فهي تتكرر بتكرر ما عُلقت عليه.
طالب: "وقد قيل في قوله تعالى في الذين ترهبوا: {فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا} [الحديد: 27]، إن عدم مراعاتهم لها هو تركها بعد الدخول فيها والاستمرار.
فصل: فمن هنا يؤخذ حكم ما ألزمه الصوفية أنفسَهم من الأوراد في الأوقات، وأمروا بالمحافظة عليها بإطلاق، لكنهم قاموا بأمور لا يقوم بها غيرهم، فالمكلف إذا أراد الدخول في عمل غير واجب، فمن حقه أن لا ينظر إلى سهولة الدخول فيه ابتداءً حتى ينظر في مآله فيه، وهل يقدر على الوفاء به طول عمره أم لا؟ فإن المشقة التي تدخل على المكلف من وجهين".
نعم. الإنسان قد يصاب بنشاط، يعتريه نشاط في وقت من الأوقات، فيلتزم عبادة من العبادات ويكثر منها، تجده في أوقات فراغ ونشاط وصحة يقول: ما المانع من أن أصلي في اليوم مائة ركعة؟ نفي المطلق، وأن أقرأ في اليوم عشرة أجزاء؟ هو في هذا الظرف الذي يعيشه يمكن، لكن هو لا ينظر إلى المآل. يعني المفترض أن الإنسان يكلف من العمل ما يضمن الاستمرار، وليس معنى هذا أن الإنسان يتراخى ولا يفعل من النوافل شيئًا، لا، عليه أن يفعل ما يقربه إلى الله- جل وعلا-، لكن لا يشق على نفسه بحيث يؤول أمره إلى الانقطاع؛ ولذا عبد الله بن عمرو لما قال له النبي -عليه الصلاة والسلام-: «اقرأ القرآن في سبع، ولا تزد»، قال: إني أطيق أكثر من ذلك، فكان يقرأ القرآن في ثلاث، بعد ذلك لما تعب في آخر عمره قال: وددت أني عملت بوصية النبي -عليه الصلاة والسلام-. فهو بين أمرين: إما أن يترك، والانقطاع لا شك أنه نكوص عن الحق، وإما أن يستمر على مشقة تلحقه قد لا يطيقها فيما بعد.
فعلى الإنسان أن لا يُقحم نفسه في أمر ينقطع، يعني في النهاية يتركه وينقطع عنه، أو يلحقه بسببه مشقة. ولذلك قال بالنسبة للصوفية: "من هنا يؤخذ حكم ما ألزمه الصوفية أنفسهم من الأوراد في الأوقات"، بعضهم يلتزم في اليوم ألف تسبيحة أو ألف تكبيرة أو عشرة آلاف، مائة ألف، وهكذا، ويستمر عليها، هو في أول الأمر في حالة نشاط، ثم بعد ذلك ما يدرى ما يؤول إليه الأمر، على أن التحديد بعدد معين لا بد فيه من توقيف؛ هذا بالنسبة إذا كانت الأعمال في أصلها مشروعة، مثل الذكر عمومًا وجنس الصلاة وجنس غيرها من الصيام مثلاً، لكن إذا كان العمل غير مشروع في الأصل فهذا ابتداع، هو مذموم من أوله إلى آخره، لكن إذا كان أصله مشروعًا واستكثر منه الإنسان ما استكثر في وقت من الأوقات؛ فإنه ينظر فيه إلى المآل؛ لئلا ينقطع. وبعض طلاب العلم يأتي متحمسًا ليحفظ القرآن، فيقرر أن يحفظ كل يوم جزءًا، فيلحقه بذلك مشقة عظيمة، ثم ينقطع، لكن لو قرر أن يحفظ في كل يوم ورقة ما شق عليه، وأمكنه الحفظ واستمر على ذلك.
طالب: "فإن المشقة التي تدخل على المكلف من وجهين؛ أحدهما: من جهة شدة التكليف في نفسه، بكثرته أو ثقله في نفسه. والثاني: من جهة المداومة عليه وإن كان في نفسه خفيفًا. وحسبك من ذلك الصلاة، فإنها من جهة حقيقتها خفيفة، فإذا انضم إليها معنى المداومة ثقلت، والشاهد لذلك قوله تعالى: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ} [البقرة: 45]".
نعم. الصلاة ثقيلة على كثير من الناس، قد يُسهل له من أبواب العبادة ما يُسهل، لكن تبقى الصلاة ثقيلة، ويبقى الصيام ثقيلًا، يبقى حبس النفس للتلاوة والذكر في المسجد ثقيلًا؛ لكن على الإنسان ألا يشق على نفسه، وأن يستعمل ما يستعمله من العبادات برفق، يضمن معه الاستمرار.
طالب: "فجعلها كبيرةً حتى قرن بها الأمر بالصبر، واستثنى الخاشعين فلم تكن عليهم كبيرةً، لأجل ما وصفهم به من الخوف الذي هو سائق، والرجاء الذي هو حادٍ، وذلك ما تضمنه قوله: {الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ} [البقرة: 46] الآية".
نعم. إذا اقترن بالفعل الخوف والرجاء سهل الفعل، إذا كان يرجو عمل من أجل تحقيق ما يرجوه، إذا كان يخاف عملًا لينجو مما يخاف منه، وهذه حقيقة الأوامر والنواهي: إنما تُفعل ابتغاء مرضات الله، طلبًا لثوابه، وخوفًا من عقابه. الإنسان يشق عليه المشي، كثير من الناس يُخلد إلى الجلوس، ويصعب عليه المشي، لكن إذا خاف من مرض أو من سبع أو من شيء يلحقه بسببه ضرر مشى؛ بل جرى جريًا شديدًا؛ هربًا مما يخاف منه، وإذا كان يطلب شيئًا يخشى فواته، فإنه حينئذ يستعجل في مشيه، وقد يجري من أجل تحصيل ما يرجوه، فلا بد من الوازع والدافع والحادي.
طالب: "فإن الخوف والرجاء يسهلان الصعب، فإن الخائف من الأسد يسهل عليه تعب الفرار، والراجي لنيل مرغوبه يقصر عليه الطويلُ من المسافة، ولأجل الدخول في الفعل على قصد الاستمرار وُضعت التكاليف على التوسط، وأسقط الحرج، ونهي عن التشديد، وقد قال -عليه الصلاة والسلام-: «إن هذا الدين متين، فأوغل فيه برفق، ولا تبغض إلى نفسك عبادة الله؛ فإن المنبت لا أرضًا قطع ولا ظهرًا أبقى»".
هذا الحديث مضعف عند أهل العلم، وتقدم.
طالب: "وقال: «من يشاد هذا الدين يغلبه»، وهذا يشمل التشديد بالدوام كما يشمل التشديد بأنفَس الأعمال".
"بأنفُس".
طالب: "بأَنْفُس الأعمال".
يعني بالأعمال نفسها.
طالب: نعم. "بأنفُس الأعمال، والأدلة على هذا المعنى كثيرة".
نعم.
طالب: "المسألة التاسعة: الشريعة بحسب المكلفين كلية عامة، بمعنى أنه لا يختص بالخطاب بحكم من أحكامها الطلبية بعض دون بعض".
يعني الناس أمام التشريع شيء واحد، سواسية لا يتفاوتون؛ هذا في الجملة، لكن إذا جيء إلى التفاصيل: التشريع العام على الجميع، العبادات مفروضة على الجميع، المحرمات على الجميع لا يُستثنى أحد، إلا من حيث النظر إلى الأسباب والموانع، فإذا وُجد سبب يُعفي هذا المكلف من هذه العبادة يرتفع عنه التكليف إذا عجز. هناك تكاليف لبعض الناس دون بعض بسبب توافر هذه الأسباب وانعدامها، فمثلاً هل الناس كلهم مطالبون بالزكاة؟ الناس كلهم مطالبون بالصلاة، لكن هل الناس كلهم مطالبون بالزكاة؟ فهي في الجملة تشريع عام لجميع المسلمين، لكن من توافرت فيه الأسباب وجبت عليه، وكذلك إذا انتفت الموانع. قد يقول قائل: إن الصبي الأصل أنه غير مكلف أصلاً، والمجنون غير مكلف أصلاً، فكيف لا يُكلف بالصلاة التي هي في حق الجميع، ويكلف في الزكاة التي هي في حق البعض دون بعض؟ تكليفه بها ليس من باب التكليف من باب الحكم التكليفي، وإنما هو من باب الحكم الوضعي، من باب ربط الأسباب بالمسببات، وُجد السبب فيترتب عليه وجود المسبب.
طالب: "ولا يُحاشى من الدخول تحت أحكامها مكلف ألبتة، والدليل على ذلك مع أنه واضح أمور؛ أحدها: النصوص المتضافرة، كقوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا} [سبأ: 28]، وقوله: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا} [الأعراف: 158]، وقوله- عليه الصلاة والسلام-: «بعثت إلى الأحمر والأسود»".
نعم. هذا من حيث الجملة، الرسول -عليه الصلاة والسلام- بُعث للناس جميعًا، ولو استثني من ذلك فرض انخرم هذا التعميم؛ ولذا سيذكرون من النواقض أنه من كان يرى لنفسه أو لغيره أنه يسعه الخروج عن شريعة محمد -عليه الصلاة والسلام- كما وسع الخضر الخروج عن شريعة موسى؛ فهذا ناقض من نواقض الإسلام.
طالب: "وأشباه هذه النصوص، مما يدل على أن البعثة عامة لا خاصة، ولو كان بعض الناس مختصًّا بما لم يُخص به غيره لم يكن مرسلاً للناس جميعًا؛ إذ يصدق على من لم يكلف بذلك الحكم الخاص أنه لم يرسَل إليه به، فلا يكون مرسَلاً بذلك الحكم الخاص إلى الناس جميعًا، وذلك باطل، فما أدى إليه مثله. بخلاف الصبيان والمجانين ونحوهم ممن ليس بمكلف، فإنه لم يرسَل إليه بإطلاق، ولا هو داخل تحت الناس المذكورين في القرآن، فلا اعتراض به، وما تعلق بأفعالهم من الأحكام المنسوبة إلى خطاب الوضع، فظاهر الأمر فيه".
تصرفات الصبيان والمجانين، بحيث إذا أتلفوا أو جنوا، يلزمهم الآثار المترتبة عليها من باب الحكم الوضعي، من باب ربط الأسباب بالمسببات، وليس من باب الحكم التكليفي؛ لأن القلم مرفوع عنهم. فإذا جنوا، كسروا، أتلفوا مالًا، جنوا على أحد، يلزمهم أرش الجناية، يلزمهم قيمة المتلف، وليس هذا من باب التكليف؛ لأن التكليف مرفوع عنهم. فلا تنخرم القاعدة بهذا، قاعدة التكليف بالعام.
قوله: "لو قُدر أن أحدًا لا يتجه إليه الأمر من جهة التكليف لانخرم عموم رسالته -عليه الصلاة والسلام- للناس أجمعين"، يعني لا يقال: إن الفقير يستطيع أن يقول: إن الرسول -عليه الصلاة والسلام- ما أرسل إليَّ في هذا الباب، يعني في باب الزكاة. هو مرسَل إليك وإلى غيرك، لكن متى وُجد النصاب يلزمك أن تزكي، ولا يعني هذا أنك لست بمخاطب، مخاطب، لكن ما الذي منعك من الامتثال؟ هو عدم القدرة والعجز، ما دام ما تملك النصاب فأنت عاجز، والعاجز يسقط عنه التكليف بسبب العجز لا في أمر من أصل التكليف.
طالب: شيخ أحسن الله إليك، الآن لما يقول: "ولا هو داخل تحت الناس المذكورين في القرآن"، يعني العبارة هذه دقيقة؟
يعني الصبي والمجنون.
طالب: مفهوم، لكن...
يعني هل هو داخل في {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ} [البقرة: 21].
طالب: والأصل داخل.
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ} [البقرة: 21]، وجدت مجنونًا تقول: أنت مخاطب بهذه الآية، تقول له هذا؟
طالب: لا، هو داخل دخولاً أوليًّا لكن هناك مانع.
يعني هل هو في الأصل مكلف ثم جاء ما يرفع التكليف، أو من الأصل غير مكلف؟ غير مكلف، الصبي والمجنون مرفوع عنه القلم، ما كُلف أصلاً.
طالب: نعم، لا بأس، لكن من حيث الخطاب نفسه.....؟
الخطاب عام ما يشمله، الخطاب بأمر: {اعْبُدُوا رَبَّكُمُ} [البقرة: 21] إنه واللهِ ما كُلف أصلاً بهذا الخطاب، هو غير مكلف بهذا الخطاب أصلاً، ما نقول: إنه مكلف ثم طرأ عليه ما يمنع من الامتثال.
طالب: "والثاني: أن الأحكام إذا كانت موضوعةً لمصالح العباد، فالعباد بالنسبة إلى ما تقتضيه من المصالح مرآة، فلو وضعت على الخصوص لم تكن موضوعةً لمصالح العباد بإطلاق، لكنها كذلك حسبما تقدم في موضعه، فثبت أن أحكامها على العموم لا على الخصوص، وإنما يُستثنى من هذا ما كان اختصاصًا برسول الله ﷺ، كقوله: {وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ} إلى قوله: {خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ} [الأحزاب: 50]، وقوله: {تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ} [الأحزاب: 51] الآية".
الخصائص النبوية لا يشركه فيها أحد، والخصائص لا تثبت بمجرد احتمال، بينما لا بد من دليل يدل عليها، وإلا فالأصل أنه هو القدوة وهو الأسوة، لكن إذا ثبت بالدليل أن هذا من خصائصه- عليه الصلاة والسلام- لم يتجه الخطاب إلى غيره، وكذلك إذا خُص فرد من أفراد الأمة بأمر فإنه لا يتجه الخطاب إلى غيره، مثل ما جاء في قصة سالم أبي حذيفة على الخلاف في رضاع الكبير، ومثل ما جاء في تضحية أبي بردة بن نيار، وغيرهما.
طالب: "وما أشبه ذلك مما ثبت فيه الاختصاص به بالدليل، ويرجع إلى هذا ما خَص هو به بعض أصحابه كشهادة خزيمة، فإنه راجع إليه -عليه الصلاة والسلام- أو غير راجع إليه، كاختصاص أبي بردة بن نيار بالتضحية بالعناق".
"راجع إليه"، خزيمة لما شهد للنبي -عليه الصلاة والسلام- وهو لم يحضر، واستدل بأنه يؤتمن على خبر السماء، فكيف بصفقة بيع لا تساوي شيئًا بالنسبة للوحي، فجعل النبي -عليه الصلاة والسلام- شهادته عن شهادة اثنين؛ فهذا خاص به. وأما بالنسبة لأمر غير راجع إليه -عليه الصلاة والسلام-، فالمسألة مسألة التضحية لأبي بردة بن نيار، ضحى بالعناق وهي لا تجزئ عن أحد غيره. وإن كان شيخ الإسلام يميل في مثل هذه الأحوال، لا سيما في مثل التضحية، أنه إذا كان الظرف ظرف غيره مطابقًا فإنه يشمله، وقل مثل هذا في إرضاع الكبير، يقول: إذا كان الظرف الموجود في هذا الكبير هو نفس الداعي إلى رضاع سالم مولى حذيفة؛ فإنه لا مانع، يعني عند الحاجة يجوز إرضاع الكبير وينشر الحرمة، أما عند عدم الحاجة فلا. هذا رأي شيخ الإسلام، والجمهور على خلافه.
طالب: لكن هذا يستقيم في الرضاع وما يستقيم في العناق؛ لوجود النص خاص: «ولن تجزئ لأحد بعدك»؟
ولن تجزئ لأحد يعني بغير ظرفك، ولذلك شيخ الإسلام يرى هذا، يرى مثلاً وُجد واحد ضحى قبل الناس ولا عنده إلا عناق يقول أضحي، مثله.
طالب: يعني النص واضح في هذا يا شيخ، يعني في القياس على الرضاع.
المقصود أن الشيخ «لن تجزئ لأحد بعدك»، هذا شيخ الإسلام إمام.
طالب: إمام نعم.
إمام، ويؤول إلى علم، ويؤول إلى إحاطة بنصوص الشريعة وقواعدها العامة، لكن غيره ما يقدر أن يقول مثل هذا الكلام؛ لأن هذا في ظاهره مصادمة للنص.
طالب:........
طيب.
طالب: هل هذه خاصة بنساء النبي....
لا لا لا .... لأن التطهير المطلوب لنساء النبي ﷺ والعفاف المطلوب والحرص على أعراضهن موجود، هذه العلة موجودة في جميع نساء المؤمنين، فالعلة عموم العلة يشمل الجميع.
طالب: "أو غير راجع إليه، كاختصاص أبي بردة بن نيار بالتضحية بالعناق الجذعة، وخصه بذلك بقوله: «ولن تجزئ عن أحد بعدك»، فهذا لا نظر فيه؛ إذ هو راجع إلى جهة رسول الله ﷺ، ولأجله وقع النص على الاختصاص في مواضعه إعلامًا بأن الأحكام الشرعية خارجة عن قانون الاختصاص".
طالب: عفا الله عنك يا شيخ.
نعم.
طالب:........
أي حديث؟
طالب:........
أي محقق، التحقيق من عندك؟
طالب:........
يقول: أخرجه البخاري في الصحيح، أيضًا ومسلم في الصحيح والترمذي وأبو داود والنسائي.
طالب:........
لا لا، غلط.
طالب: "والثالث: إجماع العلماء المتقدمين على ذلك من الصحابة والتابعين ومن بعدهم، ولذلك صيَّروا أفعال رسول الله ﷺ حجةً للجميع في أمثالها، وحاولوا فيما وقع من الأحكام على قضايا معينة، وليس لها صيغ عامة أن تجري على العموم، إما بالقياس أو بالرد إلى الصيغة، أن تجري على العموم المعنوي، أو غير ذلك من المحاولات، بحيث لا يكون الحكم على الخصوص في النازلة الأولى مختصًّا به، وقد قال تعالى: {فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ} [الأحزاب: 37] الآية، فقرر الحكم في مخصوص ليكون عامًّا في الناس، وتقرير صحة الإجماع لا يحتاج إلى مزيد؛ لوضوحه عند من زاول أحكام الشريعة".
نعم. الإجماع حجة عند عامة أهل العلم، لكن الأصل الثالث الذي ذكره وهو "إجماع العلماء المتقدمين على ذلك من الصحابة والتابعين ومن بعدهم؛ ولذلك صيروا أفعال الرسول -عليه الصلاة والسلام- حجة للجميع". الأصل أن الفعل لا عموم له، ولذلك إذا تعارض مع القول يقدَّم القول عليه، ويحمل الفعل على أنه من خواصه -عليه الصلاة والسلام-، أو يكون صارفًا للأمر أو النهي من الوجوب أو التحريم إلى الاستحباب أو الكراهة.
المقصود أن قولهم: الفعل لا عموم له؛ هذا إنما هو عند المعاضة، وإلا فالأصل أن فعله -عليه الصلاة والسلام- له ولأمته، كما جاء التصريح بذلك: «صلوا كما رأيتموني أصلي»، «خذوا عني مناسككم»، فأفعاله حجة للجميع، وهو القدوة وهو الأسوة.
طالب: "والرابع: أنه لو جاز خطاب البعض ببعض الأحكام حتى يُخص بالخروج عنه بعض الناس، لجاز مثل ذلك في قواعد الإسلام أن لا يخاطب بها بعض من كملت فيه شروط التكليف بها، وكذلك في الإيمان الذي هو رأس الأمر، وهذا باطل بإجماع، فما لزم عنه مثله، ولا أعني بذلك ما كان نحو الولايات وأشباهها: من القضاء والإمامة والشهادة والفتيا في النوازل والعرافة والنقابة والكتابة والتعليم للعلوم وغيرها؛ فإن هذه الأشياء راجعة إلى النظر في شرط التكليف بها".
أصل الكلام في الواجبات العينية التي تلزم الناس كلهم، أما في الواجبات الكفائية مما هو من فروض الكفايات فهذا لا يلزم الناس كلهم، يلزم من توافرت فيه الشروط وانتفت فيه الموانع واحتاج الناس إليه، أما من عداهم فلا يكون في حقه واجبًا، وإنما يكون على جهة التخيير، يعني مستحب.
طالب: "وجامع الشروط في التكليف القدرة على المكلف به، فالقادر على القيام بهذه الوظائف مكلف بها على الإطلاق والعموم، ومن لا يقدر على ذلك سقط التكليف عنه بإطلاق، كالأطفال والمجانين بالنسبة إلى الطهارة والصلاة ونحوها، فالتكليف عام لا خاص، وبسقوطه أيضًا عام لا خاص من جهة القدرة أو عدمها لا من جهة أخرى، بناءً على منع التكليف بما لا يطاق، وكذلك الأمر في كل ما كان موهمًا للخطاب الخاص: كمراتب الإيغال في الأعمال، ومراتب الاحتياط على الدين، وغير ذلك".
يعني كمراتب، يقول هنا: "وكذلك الأمر في كل ما كان موهمًا للخطاب الخاص، كمراتب الإيغال في الأعمال، ومراتب الاحتياط في الدين، وغير ذلك"، يعني الناس لا شك أنهم يتفاوتون، هم أمام التشريع في الأصل واحد سواسية، لكن قد تكون التبعة على من عرف أكثر من التبعة على من لم يعرف، التبعة على من عنده شيء من العلم أكثر من التبعة على العامي الذي ليس عنده شيء من العلم؛ ولذا يقرر أهل العلم ويقررون أن حسنات الأبرار سيئات المقربين. ولو أن الإمام لما سلم وجد شخصًا يقضي الصلاة كلها وآخر فاتته تكبيرة الإحرام، يمكن أن يوجه اللوم على هذا الشخص الذي فاتته تكبيرة الإحرام، أم يوجه اللوم على من فاتته الصلاة كلها، لماذا؟ لأن الناس مقامات، هذا من أهل العلم والفضل والدين، يعني يلام إذا تأخر، وهو أيضًا قدوة لغيره، قد يقتدي به غيره من الناس، فيتساهلون في مثل هذه الأمور، لكن الثاني الحمد لله الذي جاء يصلي مع الناس ولو فاتته الصلاة؛ لأن الناس بلا شك يتفاوتون من هذه الحيثية، قال: "وكذلك الأمر في كل ما كان موهمًا للخطاب الخاص، كمراتب الإيغال في الأعمال"، يعني بحسب تفاوت مراتب الناس في إيغالهم في تدينهم وعلمهم وعملهم.
طالب: "فصل: وهذا الأصل يتضمن فوائد عظيمةً؛ منها: أنه يعطى قوةً عظيمةً في إثبات القياس على منكريه، من جهة أن الخطاب الخاص ببعض الناس والحكم الخاص كان واقعًا في زمن رسول الله ﷺ كثيرًا".
نعم. بدليله، لا تُثبت الخصوصية إلا بالدليل، فدل على أن ما لم تثبت فيه الخصوصية يكون عامًّا للجميع، إما بلفظه أو بعموم علته، والذي يثبت به القياس ما ثبتت علته العامة.
طالب: "ولم يؤت فيها بدليل عام يعم أمثالها من الوقائع، فلا يصح مع العلم بأن الشريعة موضوعة على العموم والإطلاق، إلا أن يكون الخصوص الواقع غير مراد، وليس في القضية لفظ يُستند إليه في إلحاق غير المذكور بالمذكور، فأرشدنا ذلك إلى أنه لا بد في كل واقعة وقعت إذ ذاك أن يُلحَق بها ما في معناها، وهو معنى القياس، وتأيد بعمل الصحابة -رضي الله عنهم-، فانشرح الصدر لقبوله، ولعل هذا يبسط في كتاب الأدلة بعد هذا إن شاء الله. ومنها: أن كثيرًا ممن لم يتحقق بفهم مقاصد الشريعة، يظن أن الصوفية جرت على طريقة غير طريقة الجمهور".
يعني مراده بالصوفية الذين هم على الجادة، لكنهم يكثرون من الأعمال أكثر من غيرهم، ويلزمون العبادات والعمل أكثر من العلم والتعليم. ليس مراده بالصوفية الذين عندهم مخالفات وعندهم شطحات وعندهم بدع مغلظة؛ إنما الذين هم على الجادة، لكنهم يميلون إلى العمل أكثر من العلم والتعليم.
طالب: "وأنهم امتازوا بأحكام غير الأحكام المبثوثة في الشريعة، مستدلين على ذلك بأمور من أقوالهم وأفعالهم، ويرشحون ذلك بما يحكي عن بعضهم أنه سئل عما يجب في زكاة كذا، فقال: على مذهبنا أو على مذهبكم؟
ثم قال: أما على مذهبنا فالكل لله، وأما على مذهبكم فكذا وكذا، وعند ذلك افترق الناس فيهم، فمن مصدق بهذا الظاهر، مصرح بأن الصوفية اختصت بشريعة خاصة، هي أعلى مما بُث في الجمهور، ومن مكذِّب ومشنِّع يحمل عليهم، وينسبهم إلى الخروج عن الطريقة المثلى والمخالفة للسنة، وكلا الفريقين في طرف، وكل مكلف داخل تحت أحكام الشريعة المبثوثة في الخلق، كما تبين آنفًا، ولكن روح المسألة الفقه في الشريعة؛ حتى يتبين ذلك، والله المستعان".
يعني مراد المؤلف هنا ليبين أن هناك فقهاء ظاهر وفقهاء باطن، فقهاء الظاهر الذين يسعون إلى تصحيح الأعمال وإبراء الذمة ظاهرًا بحيث لا يطالبون بإعادتها، بغض النظر هل هي موافقة لمراد الشرع؟ مقبولة أو غير مقبولة؟ ترتبت عليها آثارها أو لم تترتب؟ هذا شيء لا يعنيهم، فإذا توافرت الشروط والأركان والواجبات صحت عند الفقيه العبادة، لكن قد يكون فيها خلل في القصد، هذا مما يُعنى به أهل الباطن؛ ولذلك لما تكلموا عن النية جعلوها على جهتين أو على نوعين:
منها ما يتعلق بالأعمال الظاهرة التي تُصحح بها الأعمال؛ وهذا محط نظر الفقهاء، ومنها ما يترتب عليه القبول والأجر والثواب المرتب عليه؛ وهذا ما يتجه إليه نظر أرباب القلوب، كما يقول ابن رجب -رحمه الله-. ولكل نظر، يعني إنسان صاحب عبادة وصاحب تذوق للنصوص وصاحب فهم دقيق وإيغال في معاني ما جاء عن الله وعن رسوله مثل ابن رجب وابن القيم، وغيرهم من أمثالهم لهم نظرات قد تخفى على كثير من الفقهاء الذين يتعاملون مع الأحكام على أنها وُجدت، الشروط والأركان والواجبات هذه صحيحة ما فيها إشكالها، توافرت شروطها وأركانها أيضًا صحيحة.
وضربنا مثلًا بمناسبات كثيرة بالذي حج من بغداد على قدميه ثلاث مرات، حج من بغداد ثلاث مرات على القدمين، فلما رجع من الحجة الثالثة دخل البيت، فإذا أمه نائمة، وكره أن يوقظها فنام بجوارها، ثم طلبت منه أمه أن يسقيها ماءً، فكأنه لم يسمع وهو يسمع، ثم ثانية كأنه لم يسمع، ثالثة حاسب نفسه وقال: أحج من بغداد ماشيًا ثلاث مرات، قد تكون الأولى هي الفريضة والثانية والثالثة نفلًا، نفلًا لا يأثم بتركه، لكن الماء طلب الأم، البر واجب، حاسب نفسه فقال: ثم أحضر لها الماء، فقام ولما أصبح سأل، سأل فقيهًا من النوع الثاني من فقهاء الباطن؟ قال له: أعد حجة الإسلام.
طيب، حجة الإسلام جاءت بشروطها وأركانها وواجباتها، كيف يعيدها؟ يعني الفقيه لا يأمره بإعادتها باعتبار أنها حجة متوافرة الشروط والأركان والواجبات؛ إذًا هي مسقطة للطلب فلا يلزمه إعادتها، لكن هذا نظر من ناحية القصد، قصده فيه خلل، لو كان ما فيه خلل ما تقاعس عن إحضار الماء لوالدته من بضع خطوات، يمشي آلاف الأميال على قدميه ثم يتقاعس عن الخطوات، لا شك أن في قصده في الحج خللًا، فقال له: أعد حجة الإسلام. لكن ما يمكن أن يؤمر باعتبار أن حجة الإسلام وقعت، يعني في ظاهرها، والباطن يتولاه الله -جل وعلا-. فهذا فرق ما بين الفريقين الذين أشار لهم المؤلف، فقال: "سئل عما يجب في زكاة كذا وكذا، فقال: على مذهبنا أو على مذهبكم؟"، إن كان على مذهبكم يجب ربع العشر، مبلغ كذا يعني ألف ريال فيه خمسة وعشرون ريالًا، أما على مذهبنا فالمال كله لله: {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} [النور: 33]؛ هذا الأصل عندهم.
طالب:.........
نعم. عندهم، عند الفقهاء هكذا، يعني بمعنى أنها مسقطة للطلب في الظاهر، يعني هل تترتب عليها آثارها؟ وهل تكون مقبولة عند الله -جل وعلا-؟ هذا أمر ثانٍ: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [المائدة: 27].
طالب: لا لا، أقصد يعني هذا القول ما فيه دليل صريح من السنة ولا من القرآن.
نعم.
طالب: فليس لهم دليل إلا......
هذا الاستقراء، وما معنى شروطه وأركانه؟ الشروط ما تتوقف عليه الصحة، الركن أيضًا جزء الشيء الأعظم الذي تبطل بتركه.
طالب:.......
نعم.
طالب:.......
عندهم هذا نعم مطرد.
طالب: ألم يرد عن السلف وطائفة كبيرة من السلف رأت أن الصوم إن لم يمنع صاحبه عن الفحشاء والمنكر وعن المعاصي.......
هذا النظر الثاني، أما بالنسبة للنظر الأول فإذا أمسكت من طلوع الفجر إلى غروب الشمس عن المفطرات مهما فعلت ولو لم تتق الله، لو سرقت، ما عليك شيء، صيامك صحيح، ما تؤمر بإعادته.
طالب:.........
قالوا في الغيبة مثلاً إنها تبطل.
طالب:.........
والزور عمومًا، نعم: «من لم يدع قول الزور فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه»، لكن وما معنى مفطر؟ المفطرات مجمع عليها: الأكل والشرب والجماع، لكن هذه ما فيه حديث يقول إنه مفطر.
طالب:........
لكن هل فيه أحد يُلزم الفاسق أن يعيد صلاته؟ {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [المائدة: 27]، ولذلك يفرق الفقهاء بين قبول وقبول، قبول تترتب عليه الصحة، وقبول يترتب عليه الثواب، {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [المائدة: 27] قالوا: هذا قبول الثواب، «لا يقبل الله صلاة من أحدث حتى يتوضأ»، هذا يترتب عليه الصحة؛ لأنه مخل بشرط.
طالب: لا أقصد يا شيخ،.......
هذا مذهب الحنابلة.
طالب: وغيرهم.
نعم.
طالب: لكن على أي أساس قالوا إذا كانت........ وأعملنا قاعدة أن العبادة إذا استوفت......
لكن هذا القول هو الراجح: أن صلاة الفاسق إمامة الفاسق لا تصح؟ ما هو براجح.
طالب: لكن لهم نظر.
لهم نظر بلا شك، يعني أنت تتبع الخلافات كلها وتلزم الناس بقول واحد، ما يجيء، المسائل تُبسط، والخلاف يُذكر وكل يأخذ ما يناسبه، كل يرجح ما ترجح عندهم، يعني ما نلزم، ما نحن نلقن مسائل نرجح في كل مسألة ولا يلزم أن نوازن في كل مسألة، لا، أنتم كبار أنتم، يعني أنت الآن بإمكانك أن ترجح غير ما رجحت، أنا لا ألقي الشيء على سبيل الإلزام أبدًا، ولست في حلقة تلقين إطلاقًا، يعني كوني أبسط المسائل، وأذكر الخلاف، وأبين وجهة نظر هؤلاء ووجهة نظر هؤلاء، أنت لك الخيار.
أما كون العبادة المتوافرة في شروطها وأركانها صحيح هذا قول عامة أهل العلم؛ لأن البواطن ما يمكننا نحكم عليها، ما يمكن تبطل صلاة شخص تقول: واللهِ قصده سيئ، ما تدري عنه، الذي ينظر إليه من ينظر، لكن هناك الفريق الثاني عندهم قرائن قد يستدلون بها، وعمومًا الحكم في الشريعة على الظاهر، تصحح العبادة من حيث الظاهر بمعنى، ما معنى التصحيح؟ أنها مسقطة للطلب، فلا يطالب بإعادتها، هذا معنى الصحة عند الفقهاء.
طالب: تبرئ الذمة.
لا معنى قبولها أنها مقبولة، هذا عند الله -جل وعلا-.
طالب: "ومن ذلك أن كثيرًا يتوهمون أن الصوفية أبيح لهم أشياء لم تُبح لغيرهم؛ لأنهم ترقوا عن رتبة العوام المنهمكين في الشهوات، إلى رتبة الملائكة الذين سُلبوا الاتصاف بطلبها والميل إليها، فاستجازوا لمن ارتسم في طريقتهم إباحة بعض الممنوعات في الشرع بناءً على اختصاصهم عن الجمهور، فقد ذكر نحو هذا في سماع الغناء وإن قلنا بالنهي عنه، كما أن من الفلاسفة المنتسبين إلى الإسلام من استباح شرب الخمر بناءً على قصد التداوي بها، واستجلاب النشاط في الطاعة، لا على قصد التلهي، وهذا باب فتحته الزنادقة بقولهم: إن التكليف خاص بالعوام، ساقط عن الخواص، وأصل هذا كله إهمال النظر في الأصل المتقدم، فليُعتن به، وبالله التوفيق".
"الأصل المتقدم": أن الشريعة للجميع، ولا يخرج منها أحد، حتى النبي -عليه الصلاة والسلام- مأمور بالعبادة حتى يأتيه اليقين، وهو الموجه إليه: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ} [الحجر: 99]، لا يخرج من هذا الأمر أحد.
لكن بعض غلاة الصوفية يرى أنه إذا وصل إلى حد تسقط عنه التكاليف! هذه زندقة هذه، هذا يرى أنه أفضل من محمد -عليه الصلاة والسلام-، وتجدهم يزاولون من المنكرات ما ينكرونها على غيرهم؛ لأنه على حد زعمه وصل إلى حد ما عاد، وصل إلى حد الملائكة يفعل ما يشاء، لكن هل الملائكة يفعلون المنكرات؟ وصل إلى حد ارتفع عنه التكليف، فتجدهم يتعبدون منهم من يتعبد بشرب الخمر، يتعبد وهو محرم على الناس، لكنه وصل إلى حد ما يطالب بما يطالب به عامة الناس.
الفارابي في آخر عمره جاور بمكة، ولزم الصيام والقيام، لكن يفطر على ماذا؟ على الخمر المعتق وأفئدة الحملان، نسأل الله السلامة والعافية. هو من هذا النوع، يعني وصل إلى حد أنه لا يطالب بما يطالب به الناس، ارتفع عنه التكليف. وهذا لا يرتفع التكليف إلا بالجنون، بارتفاع مناط التكليف الذي هو العقل، فإذا دخل في حيز المجانين، ارتفع عنه التكليف، فليصنع ما شاء.
طالب: شيخ أحسن الله إليك......
نعم.
طالب:..........
المعاملة بالظاهر، باعتبار أن عباداته صحيحة، ويتعامل معه على هذا الظاهر، لكن إذا أريد به، أو أريد منه ما يتعدى إلى غيره، فلا بد من التثبت في التضييق؛ لأن هذا ليس خاصًّا به. نعم.
"