التعليق على الموافقات (1434) - 09
نعم.
طالب: الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.
أما بعد، يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "المسألة الثالثة: السنة راجعة في معناها إلى الكتاب، فهي تفصيل مجمله، وبيان مشكله، وبسط مختصره؛ وذلك لأنها بيان له، وهو الذي دل عليه قوله تعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل: 44]. فلا تجد في السنة أمرًا إلا والقرآن قد دل على معناه دلالةً إجماليةً أو تفصيليةً، وأيضًا فكل ما دل على أن القرآن هو كلية الشريعة وينبوع لها، فهو دليل على ذلك".
إن كان المراد رجوع السنة إلى قوله -جل وعلا-: {وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} [التغابن: 12] فهذا صحيح. أما فروع المسائل وتفصيلاتها، ففي السنة ما لا يوجد في القرآن، تشريع مستقل في السنة من النبي -عليه الصلاة والسلام-، ولكنه كما قال الله -عزَّ وجلَّ-: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: 3، 4].
طالب: .......
نعم، لكن بعض التفاصيل ما فيه، لو ترجع إلى القرآن ما وجدت لها أصلاً إلا: {وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} [التغابن: 12].
طالب: كما قال ابن مسعود.
ماذا؟
طالب: كما قال ابن مسعود .......
نعم.
طالب: ....... تستفتيه.
"فهو دليل"؟
طالب: "فهو دليل على ذلك؛ لأن الله قال: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم: 4]. وفسَّرت عائشة ذلك بأن خلقه القرآن، واقتصرت في خلقه على ذلك، فدل على أن قوله وفعله وإقراره راجع إلى القرآن؛ لأن الخلق محصور في هذه الأشياء، ولأن الله جعل القرآن تبيانًا لكل شيء، فيلزم من ذلك أن تكون السنة حاصلةً فيه في الجملة؛ لأن الأمر والنهي أول ما في الكتاب، ومثله قوله: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} [الأنعام: 38]، وقوله: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [المائدة: 3]، وهو يريد بإنزال القرآن. فالسنة إذًا في محصول الأمر بيان لما فيه، وذلك معنى كونها راجعةً إليه. وأيضًا فالاستقراء التام دل على ذلك حسبما يُذكر بعدُ بحول الله".
لكن هل مثل هذا الكلام يُفهم منه تقليل المؤلف من شأن السنة؟
طالب: لا.
أولاً لا يمكن بحال أن يكتفى بالقرآن عن السنة، القرآن كلام الله، وفضله على سائر الكلام كفضل الله على خلقه، ولا يشك أحد أن القرآن له خصائص وله مزايا ليست في السنة ولا لغيرها.
ومع ذلك السنة مصدر أصيل من مصادر التشريع، ترجع في جملتها إلى القرآن، وفي التفاصيل أحكام وردت في السنة لا توجد في القرآن.
طالب: "وقد تقدم في أول كتاب الأدلة أن السنة راجعة إلى الكتاب، وإلا وجب التوقف عن قبولها، وهو أصل كافٍ في هذا المقام. فإن قيل: هذا غير صحيح من أوجه؛ أحدها: أن الله تعالى قال: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ} [النساء: 65] الآية، والآية نزلت في قضاء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- للزبير بالسقي قبل الأنصاري من شراج الحرة؛ الحديث مذكور في الموطأ".
في الصحيحين وليس في الموطأ، لكنه في بعض رواياته عن مالك، يمكن هذا الذي غر المؤلف بأن قال: "في الموطأ"، الحديث في الصحيحين، ولا يوجد في الموطأ.
طالب: المغاربة.
ماذا؟
طالب: المغاربة يستأنسون بالموطأ أكثر .......
كيف؟
طالب: كونه مالكيًّا.
نعم، يستأنس، لكنه غير مذكور في الموطأ، هو ليس فيه؟
طالب: لأنه من طريق مالك.
لأنه من طريق مالك، ولا يلزم أن يكون من طريق مالك أن يرويه في الموطأ.
لما حكم النبي -عليه الصلاة والسلام- صلحًا: اسقِ يا زبير، ثم أرسل الماء إلى جارك، قال: أن كان ابن عمتك؟
اتهم النبي -عليه الصلاة والسلام- بأن جار عليه؛ لأن الخصم ابن عمة الزبير، فغضب النبي -عليه الصلاة والسلام- وقضى بينهما بالحق والعدل، وكان القضاء الأول بالصلح والفضل، ثم نزل: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ}؛ لأن ذاك وجد في نفسه، {ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ} [النساء: 65]. مع الأسف أن كثيرًا من الخصوم لا سيما من يُحكم عليه في القضايا الكثيرة جدًّا، تجد أن الخصم يخرج من المحكمة وفي نفسه شيء على القاضي، وقد يتكلم بحضرة القاضي، وقد يسب، ويشتم، والله المستعان.
طالب: هذا الأثر ما ....... «كان لا يغضب لنفسه قط»؟
هذا غضب للحق، هذا غضب للحق، حكم الله، لرده حكم الله -جل وعلا-.
طالب: .......
ماذا؟
طالب: على رده.
على رده، نعم.
طالب: "وذلك ليس في كتاب الله تعالى. ثم جاء في عدم الرضا به من الوعيد ما جاء، وقال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} [النساء: 59].
والرد إلى الله هو الرد إلى الكتاب، والرد إلى الرسول هو الرد إلى سنته بعد موته".
الرد إليه نفسه في حياته، وبعد موته الرد إلى سنته -عليه الصلاة والسلام-.
طالب: "وقال: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا} [المائدة: 92]. وسائر ما قَرن فيه طاعة الرسول بطاعة الله، فهو دال على أن طاعة الله ما أمر به ونهى عنه في كتابه، وطاعة الرسول ما أمر به ونهى عنه مما جاء به مما ليس في القرآن؛ إذ لو كان في القرآن لكان من طاعة الله".
ولا انفكاك بين طاعة الله وطاعة الرسول، فطاعة الرسول طاعة لله، وطاعة الله طاعة للرسول.
طالب: "وقال: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ} [النور: 63] الآية، فقد اختص الرسول -عليه الصلاة والسلام- بشيء يطاع فيه، وذلك السنة التي لم تأتِ في القرآن، وقال: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} [النساء: 80]، وقال: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر: 7].
وأدلة القرآن تدل على أن كل ما جاء به الرسول وكل ما أمر به ونهى، فهو لاحق في الحكم بما جاء في القرآن، فلا بد أن يكون زائدًا عليه.
والثاني: الأحاديث الدالة على ذم ترك السنة واتباع الكتاب؛ إذ لو كان ما في السنة موجودًا في الكتاب، لما كانت السنة متروكة على حال، كما رُوي أنه -عليه الصلاة والسلام- قال: «يوشك بأحدكم أن يقول: هذا كتاب الله، ما كان فيه من حلال أحللناه، وما كان فيه من حرام حرمناه، ألا من بلغه عني حديث فكذب به، فقد كذَّب الله ورسوله والذي حدثه»".
هذا حديث ضعيف يعتضد بما بعده.
طالب: "وعنه أنه قال: «يوشك رجل منكم متكئًا على أريكته يحدث بحديث عني، فيقول: بيننا وبينكم كتاب الله، فما وجدنا فيه من حلال استحللناه، وما وجدنا فيه من حرام حرَّمناه، ألا وإن ما حرم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مثل الذي حرم الله»، وفي رواية: «لا أُلفين أحدكم متكئًا على أريكته يأتيه الأمر من أمري مما أمرت به أو نهيت عنه، فيقول: لا أدري، ما وجدنا في كتاب الله اتبعناه»".
كأن هذا تحذير مما وقع من الخوارج الذين اكتفوا بتحكيم كتاب الله دون النظر إلى سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فهم يحتجون بالقرآن فقط، ولا يحتجون بالسنة. وكما يقال: لكل قوم وارث، يوجد الآن من يسمون أنفسهم بالقرآنيين، فلا يرجعون إلى السنة، فيكتفون بالقرآن.
ولا شك أن بالقرآن أمورًا مجملة لا يمكن العمل بها بمفردها حتى يُعرف بيانها في السنة، وأمورًا عامة لا تُعرف مفرداتها إلا بما جاء في السنة، وأمورًا مطلقة جاء تقييدها بسنة النبي -عليه الصلاة والسلام-، فلا انفكاك بين الكتاب والسنة.
وبعض الشيوخ المعاصرين قال بالاكتفاء بالقرآن والصحيحين، يكفي، ما نحتاج إلى بقية الكتب، يكفي القرآن والصحيحان، وأُلف في ذلك: تيسير الوحيين بالاقتصار على القرآن مع الصحيحين. ولا شك أن هذا خطأ فادح؛ لأن في بقية كتب السنة من السنن والمسانيد والجوامع، يصفو منها أحاديث كثيرة جدًّا صحيحة ليست في الصحيحين. ولعل معول هذا المؤلف على قول ابن الأخرم، ابن الأخرم يقول: قل من فات الصحيحين من الأحاديث، ولكن قلما عند ابن الأخرم منه قد فاتهما.
ورُد، هذا قول مردود؛ لأن فيه أحاديث كثيرة في السنن والمسانيد، يصفو أحاديث كثيرة جدًّا صحيحة.
ورُد. لكن قال يحيى البر، يعني النووي، لم يفت الخمسة إلا النذر، يعني الاختصار على الكتب الستة، يعني فيه مادة وكبيرة جدًّا من الأحاديث الصحيحة زائدة على الصحيحين، لكن أيضًا يصفو أحاديث صحيحة كثيرة خارج الكتب الستة، ولذا قال: وفيه ما فيه لقول الجعفي، يعني البخاري، أحفظ منه عشر ألف ألف، يعني مائة ألف من الأحاديث الصحيحة.
طالب: على غير شرطه.
ماذا؟
طالب: على غير شرطه؟
يعني غير شرطه، وبعضها قد يكون على شرطه، لكنه ما استوعب.
طالب: .......
لا، فيه أحاديث كثيرة، يصفو منها أحاديث كثيرة جدًّا.
طالب: "وهذا دليل على أن في السنة ما ليس في الكتاب".
ماذا؟
طالب: .......
مثل هذا الكلام عند الشاطبي طيب.
طالب: .......
نعم، فيه، فيه حجية السنة للشيخ عبد الغني عبد الخالق، مجلد كبير.
طالب: .......
نعم، القرآنيين مثل الخوارج.
طالب: "وهذا دليل على أن في السنة ما ليس في الكتاب. والثالث: أن الاستقراء دل على أن في السنة أشياء لا تحصى كثرة، لم ينص عليها في القرآن، كتحريم نكاح المرأة على عمتها أو على خالتها، وتحريم الحمر الأهلية، وكل ذي ناب من السباع، والعقل، وفكاك الأسير، وأن لا يقتل مسلم بكافر".
يعني في القرآن: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} [النساء: 24]، والنبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: «لا تنكح المرأة على عمتها ولا على خالتها»، أين تجده في القرآن؟
طالب: "وأن لا يقتل مسلم بكافر، وهو الذي نبَّه عليه حديث علي بن أبي طالب، حيث قال فيه: «ما عندنا إلا كتاب الله، أو فهم أعطيه رجل مسلم، وما في هذه الصحيفة». وفي حديث آخر عن علي، أنه خطب وعليه سيف فيه صحيفة معلقة، فقال: والله ما عندنا كتاب نقرؤه إلا كتاب الله، وما في هذه الصحيفة. فنشرها، فإذا أسنان الإبل، وإذا فيها: المدينة حرم من عير إلى كذا، فمن أحدث فيها حدثًا".
"إلى كذا"، يعني إلى ثور، مع أنهم قالوا: إن ثور بمكة، جبل ثور غار ثور بمكة، ولذلك يكنون عنه ولا يذكرونه؛ لأنه يشكل عليهم، مع أنه وُجد في المدينة جبل صغير وراء أُحد يقال له ثور، وهو يشبه الثور، فلا إشكال.
طالب: "فمن أحدث فيها حدثًا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه صرفًا ولا عدلاً. وإذا فيها: ذمة المسلمين واحدة يسعى بها أدناهم، فمن أخفر مسلمًا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه صرفًا ولا عدلاً، وإذا فيها: من والى قومًا بغير إذن مواليه، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه صرفًا ولا عدلاً.
وجاء في حديث معاذ: «بم تحكم؟ قال: بكتاب الله. قال: فإن لم تجد؟ قال: فبسنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-»، وما في معناه مما تقدم ذكره، وهو واضح في أن في السنة ما ليس في القرآن، وهو نحو قول من قال من العلماء: ترك الكتاب موضعًا للسنة، وتركت السنة موضعًا للقرآن.
والرابع: أن الاقتصار على الكتاب رأي قوم لا خلاق لهم".
يكفي يكفي، يعني هنا رأي الخوارج، نقف عليه.
طالب: .......
كيف؟ ابن دؤاد غير، هذاك شاعر.
طالب: .......
ولو كان شاعرًا، لكن ما هو بالإيادي. أحمد بن أبي دؤاد هذا إمام المعتزلة في عصر المأمون الذي امتحن الأئمة.
طالب: .......
أوس بن حجر؟
طالب: .......
أين هو؟
طالب: .......
وابن أبي دؤاد؟
طالب: .......
أحمد هذا الذي امتحن الأئمة، إمام المعتزلة، غير ذاك شاعر في الجاهلية.
طالب: إيادي أيضًا؟
إيادي ما يمنع، هذا أحمد بن أبي دؤاد من أشهر المبتدعة.
طالب: شيخ، أحسن الله إليك، عمر سأل النبي -صلى الله عليه وسلم- في الأثر .......، قال: «أخذها باريها».
ماذا؟
طالب: قال: «أخذها باريها»، هذا قول النبي -صلى الله عليه وسلم-؟
يرفع إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، والخبر من حديث عمر، ما أدري عن ثبوته، لكن معروف عند أهل العلم.
طالب: النبي -صلى الله عليه وسلم- بُعث للثقلين؟
إلى الجن والإنس.
طالب: .......
ما فيه رسول إلا يُبعث إلى قومه خاصة، وعموم الرسالة لجميع من في الأرض من الجن والإنس من خصائصه -عليه الصلاة والسلام-.
اللهم صل وسلم على البشير النذير.