التعليق على الموافقات (1436) - 11

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك.

نعم.

طالب: أحسن الله إليك.

 الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد، فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: الطرف الثاني: فيما يتعلق بالمجتهد من الأحكام من جهة فتواه، والنظر فيه في مسائل:

المسألة الأولى: المفتي قائم في الأمة مقام النبي -صلى الله عليه وسلم-. والدليل على ذلك أمور؛ أحدها: النقل الشرعي في الحديث: «إن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا دينارًا ولا درهمًا وإنما ورثوا العلم»، وفي الصحيح: «بينا أنا نائم أتيت بقدح من لبن فشربت، حتى إني لأرى الري يخرج من أظفاري، ثم أعطيت فضلي عمر بن الخطاب». قالوا: فما أولته يا رسول الله؟ قال: «العلم». وهو في معنى الميراث".

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

لا شك أن المفتي عليه مسئولية، وهو موقِّع عن الله -جل وعلا-، والأصل فيه أن لا يتصدر حتى يتم له ما يؤهِّله لذلك من العلم المبني على النصوص والدين والورع. والمؤلف يطلق الكلام في المفتي عمومًا، وينبغي أن يقيد بأن هذا هو الأصل، وهو المطلوب من المفتي، لا أنه موجود في سائر من يفتي كما يوحي به كلامه، ولذلك ما سُلم له هذا الكلام، وهو موقع عن الله -جل وعلا- في بيان أحكامه، وهو عرضة للخطأ.

 ومن تساهله -رحمه الله- أنه جعل حتى عمل المفتي يُقتدى به وهو أسوة وتشريع، لكن هذا الكلام ليس بصحيح؛ لأن عمل المفتي لا شك أنه منه ما يصح، ومنه ما لا يصح، منه ما هو صحيح، ومنه ما هو خطأ تبعًا لفتواه القولية، وقد يتحرى ويتحرز المفتي في الفتوى القولية أكثر مما يتحرى في عمله؛ لأنه قد يتسامح مع نفسه في بعض الأمور التي لا يرى فيها نكرة شديدة، بينما الكلام سهل أن يتكلم بما يدل عليه الدليل، لكن إذا جاء العمل فقد يتخلف العمل، وهذا الواقع في كثير من المفتين. نعم، قد يكون بعض المفتين يحمل نفسه على أمر أشد مما يفتي به، وهذا الذي يحمله عليه الورع. لكنْ كثير منهم لا سيما في العصور المتأخرة بعد طول الأمد وُجد من يتساهل ويتراخى، وإلا متى وجدنا من يفتي تفوته الصلاة كلها؟ والعامة خير منه في هذا الباب، هل هذا يصلح أن يقتدى به؟ لكنه يطلق، يقول: حتى إقرار المفتي تشريع، قياسًا على قول النبي -عليه الصلاة والسلام- وفعله وإقراره.

 يعني المفتي ما يحضر مجالس يحصل فيها بعض المخالفات ويسكت لمصلحة، هذا إذا أحسنا به الظن قلنا: سكت لمصلحة راجحة، وقد يسكت تساهلًا وتراخيًا وضعفًا. فكلامه فيه نظر من أوله.

طالب: .......

ماذا؟

طالب: .......

نعم. والله يعفو عنا وعنه.

طالب: "وبعث النبي -صلى الله عليه وسلم- نذيرًا؛ لقوله: {إِنَّمَا أَنْتَ نَذِيرٌ} [هود: 12]، وقال في العلماء: {فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ} [التوبة: 122] الآية، وأشباه ذلك".

يعني هذا المفترض في العلماء، هذا المفترض فيهم، أنهم ورثة الأنبياء ويبلغون، وينذرون، ويبينون الأحكام للناس، مثل وظيفته -عليه الصلاة والسلام-، لكن ننزل حالهم وأقوالهم وأفعالهم بمثابة فعله وقوله -عليه الصلاة والسلام-، لا.

طالب: "والثاني: أنه نائب عنه في تبليغ الأحكام؛ لقوله: «ألا ليبلغ الشاهد منكم الغائب»،
وقال: «بلغوا عني ولو آية»، وقال: «تسمعون ويسمع منكم، ويسمع ممن يسمع منكم». وإن كان كذلك؛ فهو معنى كونه قائمًا مقام النبي -صلى الله عليه وسلم-. والثالث: أن المفتي شارع من وجه، لأنه ما يبلغه من الشريعة"
.

"لأنَّ".

طالب: أحسن الله إليك.

 "أن المفتي شارع من وجه؛ لأن ما يبلغه من الشريعة إما منقول عن صاحبها وإما مستنبط من المنقول، فالأول يكون فيه مبلغًا".

هو ليس بشارع وإنما هو مبلغ، ولذا جاء أمره بقوله -عليه الصلاة والسلام-: «بلغوا»، ما قال: شرعوا.

طالب: "فالأول يكون فيه مبلغًا، والثاني يكون فيه قائمًا مقامه في إنشاء الأحكام. وإنشاء الأحكام إنما هو للشارع، فإذا كان للمجتهد إنشاء الأحكام بحسب نظره واجتهاده، فهو من هذا الوجه شارع، واجب اتباعه والعمل على وفق ما قاله".

طيب، لو اختلف مع غيره، مجتهد مع مجتهد، وهذا اجتهد وتوصل إلى حكم، وتوصل مجتهد نظيره في المستوى والمرتبة إلى حكم آخر. كلهم واجب اتباعهم؟

طالب: يسقط هذا الكلام.

ماذا؟

طالب: هذا الذي يسقط التوجه هذا.

نعم. الأمر الثاني المتفق عليه في تعريف الفتوى أنها بيان حكم من غير إلزام، فكيف نلزم بها بخلاف القضاء.

طالب: "وهذه هي الخلافة على التحقيق، بل القسم الذي هو فيه مبلغ لا بد من نظره فيه من جهة فهم المعاني من الألفاظ الشرعية، ومن جهة تحقيق مناطها وتنزيلها على الأحكام، وكلا الأمرين راجع إليه فيها، فقد قام مقام الشارع أيضًا في هذا المعنى، وقد جاء في الحديث: «أن من قرأ القرآن، فقد أُدرجت النبوة بين جنبيه»".

لكنه شديد الضعف، فلا يُعتد به، مع ما جاء في فضل من قرأ القرآن ومن حفظ القرآن ومن عمل بالقرآن، هذا كله فضله ثابت، لكن: «أدرجت النبوة بين جنبيه»!

طالب: "وعلى الجملة، فالمفتي مخبر عن الله كالنبي".

عليه الصلاة والسلام.

طالب: "عليه الصلاة والسلام، ومُوقِعٌ للشريعة".

"مُوَقِّع".

طالب: كأنها "مُوقِعٌ".

ماذا؟

نعم، مُنزل يعني، "مُوقِع" مُنزل.

طالب: نعم. "ومُوقِعٌ للشريعة على أفعال المكلفين بحسب نظره كالنبي، ونافذ أمره في الأمة بمنشور الخلافة كالنبي، ولذلك سُموا أولي الأمر، وقرنت طاعتهم بطاعة الله ورسوله في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء: 59]".

على خلاف بين المفسرين في المراد بأولي الأمر، هل هم العلماء أو الولاة أو كلاهما؟

طالب: "والأدلة على هذا المعنى كثيرة. فإذا ثبت هذا انبنى عليه معنى آخر وهي المسألة الثانية: وذلك أن الفتوى من المفتي تحصل من جهة القول والفعل والإقرار، فأما الفتوى بالقول فهو الأمر المشهور ولا كلام فيه. وأما بالفعل فمن وجهين؛ أحدهما: ما يُقصد به الأفهام في معهود الاستعمال، فهو قائم مقام القول المصرح به كقوله -عليه الصلاة والسلام-: «الشهر هكذا وهكذا وهكذا»، وأشار بيديه".

لأنه تابع للكلام، بل هو مجرد توضيح للكلام بالفعل.

طالب: "وسئل -عليه الصلاة والسلام- في حجته، فقال: «ذبحت قبل أن أرمي»، فأومأ بيده قال: «ولا حرج». وقال: «يقبض العلم، ويظهر الجهل والفتن، ويكثر الهرج». قيل: يا رسول الله! وما الهرج؟ فقال هكذا بيده، فحرفها كأنه يريد القتل".

الإشارة إلى القتل بالنسبة لما جاء في الحديث هو معروف: إشارة باليد، إمرار باليد على الحلق كإمرار السيف عليه.

طالب: "وحديث عائشة في صلاة الكسوف حين أشارت إلى السماء، قلت: آية؟ فأشارت برأسها أي نعم".

والإشارة بنعم معروفة بالرأس، كما أن الإشارة بلا معروفة يعني، والأحاديث كلها في الصحيح التي مرت.

طالب: "وحين سئل -عليه الصلاة والسلام- عن أوقات الصلوات، قال للسائل: «صل معنا هذين اليومين». ثم صلى، ثم قال له: «الوقت ما بين هذين»".

وكل هذه الأحاديث فيها جمع بين القول والفعل، يعني ليست بفعل محض، وإنما فيها قول.

طالب: "أو كما قال، وهو كثير جدًّا.

والثاني: ما يقتضيه كونه أسوة يُقتدى به، ومبعوثًا لذلك قصدًا، وأصله قول الله تعالى: {فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ} [الأحزاب: 37] الآية".

يعني تزوج امرأة مولاه الذي تبناه، فكان يدعى: زيد بن محمد، وبيَّن الحكم بالفعل، وهو أنه تزوجها -عليه الصلاة والسلام-، لكن ليس بالفعل المجرد وإنما هو بالآية قبل الفعل.

طالب: "وقال قبل ذلك: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الممتحنة: 6] الآية".

لا أحد يخالف في كونه -عليه الصلاة والسلام- أسوة حسنة يجب الاقتداء به والعمل بما يجيء عنه من قول أو فعل أو تقرير، لكن النزاع فمن يفتي بغيره -عليه الصلاة والسلام-، وواقع من يفتي حتى من الكبار من الأئمة فضلاً عمن يتصدر للفتوى في أيامنا وما قبلها، الواقع يشهد بأنهم الغالب الإصابة، لكن حصل عندهم مما هو خلاف الصواب أو من الأقوال المرجوحة، كل له نصيب من ذلك، لا يوجد واحد من الأئمة قوله هو الصواب في جميع المسائل، لا، بل الصواب موجود في أقوالهم، لا يخرج من أقوال من أئمة الإسلام.

 ويحسن أن نورد كلامًا لمحمد رشيد رضا لما سئل عن شيخ الإسلام ابن تيمية، قيل له: هل شيخ الإسلام ابن تيمية أعلم من الأئمة الأربعة، أو هم أعلم منه؟ يعني يبين ها الكلام أنه مهما بلغ الإنسان من الإحاطة والإمامة في الدين، والأئمة الأربعة يعني أمرهم مشهور من الأمة، ولهم من التبع على مدى القرون الماضية كلها، بمَ أجاب محمد رشيد رضا؟ قال: باعتباره تخرج على كتبهم وكتب أتباعهم فهم أعلم، ولهم الفضل عليه من هذه الحيثية، ونظرًا لكونه أحاط بكتبهم وكتب أتباعهم. شيخ الإسلام له اطلاع واسع جدًّا على ما كتبه الناس ويطالع في الآية الواحدة أكثر من مائة تفسير، وقد أوتي من الفهم والحفظ ما يشهد به مؤلفاته وردوده. قال: وباعتباره أحاط بكتبهم وكتب أتباعهم. مع أن الإحاطة بكتب الأتباع تحتاج إلى تحرير، كتب الأتباع ألوف مؤلفة العمر لا يستوعبها. فهو من هذه الحيثية أعلم منهم؛ لأن علم مالك وأتباع مالك منحصر في مسائله وأصوله، يعني ما يتعدى إلى أصول الحنفية مثلاً، وعلم الشافعي يعني في أصوله وفروعه لا يتخطى إلى مذهب الحنابلة مثلاً، وإن كان هناك قدر مشترك بين المذاهب الأربعة.

 فشيخ الإسلام قرأ في هذه المذاهب كلها وهضم أصولها، وطبق عليه كثيرًا من الفروع التي قررها أتباعه. من هذه الحيثية فيه نوع إحاطة. ومهما كان، وعلم جميع الخلق لا يخرج عن قوله -جل وعلا-: {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً} [الإسراء: 85]. وفي قصة موسى مع الخضر لما جاء العصفور ونقر من البحر ما نقر، قال: «ما علمي وعلمك إلا كما نقص هذا العصفور من هذا البحر».

طالب: "وقال في إبراهيم: {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ} [الممتحنة: 4] إلى آخر القصة.

 والتأسي: إيقاع الفعل على الوجه الذي فعله، وشرع من قبلنا شرع لنا. وقال -عليه الصلاة والسلام- لأم سلمة".

نحتاج إلى قوله: "وشرع من قبلنا شرع لنا" في توضيح الآية، الله -جل وعلا- يقول: {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ} [الممتحنة: 4]، نحتاج إلى أن نقرر هذه المسألة التي اختلف فيها لندخل الآية في هذه المسألة المختلف فيها؟

طالب: لا.

ماذا؟

طالب: .......

ما نحتاج، نعم.

طالب: "وقال -عليه الصلاة والسلام- لأم سلمة: «ألا أخبرتيه أني أقبل وأنا صائم؟»".

يعني فتوى بالفعل، مع أنها مقررة بالقول. وما يُعترض على فعله -عليه الصلاة والسلام- وأنه حجة، هذا ما هو محل خلاف، لكن الكلام في المسألة التي قررها وأن ما يصدر عن المجتهدين كما كالذي يصدر عنه -عليه الصلاة والسلام-، هذا محل النزاع.

طالب: "وقال: «صلوا كما رأيتموني أصلي»، و: «خذوا عني مناسككم»، وحديث ابن عمر وغيره في الاقتداء بأفعاله أشهر من أن يخفى".

"حديث" أو أحاديث؟ ابن عمر يتتبع أفعال النبي -عليه الصلاة والسلام- ويقتدي به في العبادات وغيرها، حتى في الأمور العادية، ذكر ابن عبد البر أنه كان يكفكف دابته حتى تطأ أخفافها على موطئ أخفاف ناقة النبي -عليه الصلاة والسلام-. يعني مثل هذا لا شك أنه ناشئ عن محبة، لكن هل هذا الاجتهاد هو الراجح في مثل هذا؟ هذا لا، أبو بكر وعمر وهما أفضل منه ما فعلوا ذلك.

طالب: "ولذلك جعل الأصوليون أفعاله في بيان الأحكام كأقواله. وإذا كان كذلك، وثبت للمفتي أنه قائم مقام النبي ونائب منابه؛ لزم من ذلك أن أفعاله محل للاقتداء أيضًا، فما قصد بها البيان والإعلام فظاهر، وما لم يقصد به ذلك فالحكم فيه كذلك أيضًا من وجهين؛ أحدهما: أنه وارث، وقد كان المورِّث قدوة بقوله وفعله مطلقًا، فكذلك الوارث، وإلا لم يكن وارثًا على الحقيقة، فلا بد من أن تنتصب أفعاله مقتدًى بها كما انتصبت أقواله".

يعني افترضنا أن عالمًا من العلماء حضر مناسبة، إما في عيد أو في وليمة عرس أو ما أشبه ذلك، وحصل في هذه المناسبة تجاوزات، وهذا العالم آثر ألا يخرج؛ لأمور قدرها هو في نفسه، باعتبار أنه ابن لصاحب هذه المناسبة مثلاً، أبوه متزوج أو أخوه، ويرى أنه لو خرج أغضب أباه، وقدم البقاء مع وجود هذه المفسدة مراعاة لمصلحة هي أعظم عنده في تقديره. هل نقول: إنه حجة وأقر المنكر فالمنكر حلال؟

طالب: لا.

مثل ما قالوا إن الشيخ فلان حضر مناسبة فيها سلام وطني وفيها عزف، ولو كان منكرًا ما... هذا مشهور يتداوله الناس، لو كان منكرًا لأنكره. هل يكفي هذا في الاحتجاج على تقرير هذا المنكر؟

طالب: .......

هو ما تدري عنه، ما تدري عن تأويله، وقد يكون ضعفًا، بعض الناس يضعف، يجبن عن مواجهة صاحب المنكر، نفترض أن صاحب الوليمة له نفوذ وسلطة، هذا مشكلة.

طالب: وهو خائف.

ماذا؟

طالب: وهو حضر أو سكت خوفًا.

على كل حال خوف، والناس وما يدريهم؟ هو بتقريره هذا سكوته تشريع.

طالب: ....... ما يمكن.

نعم.

طالب: "والثاني: أن التأسي بالأفعال -بالنسبة إلى من يُعظَّم في الناس- سر مبثوث في طباع البشر، لا يقدرون على الانفكاك عنه بوجه ولا بحال، لا سيما عند الاعتياد والتكرار، وإذا صادف محبة وميلاً إلى المتأسى به، ومتى وجدت التأسي بمن هذا شأنه مفقودًا في بعض الناس؛ فاعلم أنه إنما ترك لتأسٍّ آخر، وقد ظهر ذلك في زمان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في محلين".

هذا الكلام الذي يقوله الشاطبي كان موجودًا عند الناس، يعني قبل ثلاثين وأربعين سنة باعتبار أن البلد ليس فيه إلا عالم واحد، وهو مصدر لجميع الأمور الشرعية، فهو القاضي وهو المفتي وهو الذي يقضي حوائج الناس، ومحل ثقة الجميع، ولا يوجد غيره ولم يطلعوا على أقوال أخر، لم يطلعوا على أقوال أخرى، فكل ما يقوله الشيخ صحيح عندهم. لكن ما يمكن أن يقرر هذا، ويغرس في نفوس الناس بعد ذلك حينما كثر طلاب العلم وتعددت الأقوال وانتشرت المسائل بأدلتها. مع ما وُجد ما واكب ذلك من تساهل بعض طلاب العلم أو بعض العلماء في التطبيق، وإن وُجد عند كثير منهم سعة في التنظير والاطلاع.

طالب: "وقد ظهر ذلك في زمان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في محلين؛ أحدهما".

نعم.

طالب: .......

ماذا؟

طالب: .......

نعم.

طالب: .......

لا، هو ينظر، أولاً الفعل، فعل الرسول -عليه الصلاة والسلام- قرر العلماء أنه لا عموم له بخلاف القول، الفعل لا عموم له بخلاف القول، فنأتي إلى فعل المجتهد، من باب أولى وهو أضعف. يبقى النظر في قوله، وهو كغيره من المجتهدين يُنظر في قوله مع دليله.

طالب: .......

هو أصلاً حتى العامة يعرفون انطباق الشروط على المفتي، إلهام من الله -جل وعلا-، يعرفون الورع من غير الورع، الديِّن من غير الديِّن، من خلال تصرفاته، وهذا تكفي فيه الاستفاضة. الناس في مجالسهم يتكلمون في أهل العلم بكلام مما بدر منهم وحفظ عنهم وقيل فيهم، كثير منه صواب.

طالب: "أحدهما: حين دعاهم -عليه الصلاة والسلام- إلى الخروج من الكفر إلى الإيمان، ومن عبادة الأصنام إلى عبادة الله، فكان من آكد متمسكاتهم التأسي بالآباء، كقوله: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا} [البقرة: 170]".

هو يريد أن يقرر أن التقليد فطري، وهذا موجود في جماهير الناس يتبع بعضهم بعضًا. الآن لو أنت في الصف العاشر في الجامع يوم الجمعة، وسلم الإمام، وبدأ السرعان يخرجون من الصف الأول والثاني وكذا وكذا، تجد طريقهم واحدًا، يتبع بعضهم بعضًا، ولو وجد فُرج أوسع مما يطرقونه يمينًا أو شمالًا، هذا دليل على أن التقليد فطري بالنسبة لكثير من الناس، كثير من الناس ليسوا برءوس وإنما هم تبع، يوجد رءوس، وتجد واحدًا يميل يمينًا أو شمالًا؛ لأنه أوسع.

 ولذلك يقول ابن الجوزي: إذا أردت أن تعرف هل الشخص رأس أو غير رأس في عصر الطفولة تعرف، في وقت الطفولة، تجد واحدًا يقول: من يلعب معي؟ وآخر يقول: من ألعب معه؟ هذا يقول: من يلعب معي؟ هذا متزعم من الطفولة، والثاني عارف قدره!

طالب: "وما أشبهه من الآيات، وقالوا: {أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ} [ص: 5]، ثم كرّر عليهم التحذير من ذلك، فكانوا عاكفين على ما عليه آباؤهم، إلى أن نوصبوا بالحرب وهم راضون بذلك".

تمسكًا بما وجدوا عليه آباءهم.

طالب: "حتى كان من جملة ما دُعوا به التأسي بأبيهم إبراهيم، وأضيفت الملة المحمدية إليه، فقال تعالى: {مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ} [الحج: 78]، فكان ذلك بابًا للدعاء إلى التأسي بأكبر آبائهم عندهم، وبيَّن لهم مع ذلك ما في الإسلام من مكارم الأخلاق ومحاسن الشيم التي كانت آباؤهم تستحسنها وتعمل بكثير منها".

الآن لو دُعي إلى عقيدة صحيحة، دُعي إليها أقوام عندهم خلل في الاعتقاد، ووجدت مؤلفات تدعو وتبين هذه العقيدة الصحيحة من بلد معين هو الذي تبنى هذه الدعوة مثلاً، ويُدعى إليها فئام من بلدان أخرى، ووجدت من أهل تلك البلدان من ألف في العقيدة على الجادة على الصحيح. الآن تدعوهم بكتاب من ألف من قومهم أو بكتبك أنت؟

طالب: من قومهم أحسن.

نعم، ولذلك يُفرح بما يوجد من المؤلفات على العقيدة الصحيحة من البلدان الأخرى من أجل دعوة قومه، وهذا ظاهر.

 لما وجدنا كشف الشبهات مطبوعًا في المغرب قبل ثمانين سنة، يمكن من قبل أن يُطبع عندنا، يعني هذا جيد، يعني أن يوجد مثل هذا الكتاب ويقال للمغاربة أن لكم عناية بهذا الكتاب من قديم، ولا شك أن الذي تبناه من علماء المغرب تبنى طباعته. وكذلك في اليمن مثلاً نفرح بمثل كتاب الشوكاني في العقيدة وكتاب الصنعاني لندعو به أقوامهم الذين عندهم نوع بدعة. وأيضًا تجريد التوحيد للمقريزي، وهو مصري يُدعى به من تلبس بنوع بدعة من المصريين، وهكذا. كل هذا تقرير لما يقوله المؤلف.

 لكن كونه ينزع إلى هذا وأن العرب دُعوا إلى اتباع إبراهيم؛ لأنه أبوهم الأكبر، من باب الاقتداء بالآباء، أما هذا ما قرره المؤلف. هو ما فيه شك أنه مقبول في الجملة، لكن يبقى أن ملة إبراهيم هي ملة محمد، وهي ملة آدم، وهي ملة نوح، وهي ملة... متفقون. لكن استغل الاسم.

طالب: كيف يدعوهم إلى ما عاداهم به؟

ماذا؟

طالب: كيف يدعوهم إلى ما عاداهم به .......

لا، أي آباء؟ هو قال: اقتدوا بعبد المطلب أم بفلان؟ اقتدوا بإبراهيم.

طالب: الجد.

إمام الحنيفية. نعم.

طالب: "فكان التأسي داعيًا إلى الخروج عن التأسي، وهو من أبلغ ما دُعوا به من جهة التلطف بالرفق ومقتضى الحكمة".

"فكان التأسي" بإبراهيم -عليه السلام- "داعيًا إلى الخروج عن التأسي" بالآباء الذين هم على الشرك.

طالب: "وبذلك جاء في القرآن بعد قوله: {ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا} [النحل: 123]، قولُه: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ} [النحل: 125]. فكان هذا الوجه من التلطف في الدعاء إلى الله نوعًا من الحكمة التي كان -عليه الصلاة والسلام- يدعو بها.

 وأيضًا فإن ما ذُكر في القرآن من مكارم الأخلاق كان خلق رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فصدق الفعلُ القولَ بالنسبة إليهم".

يعني كما جاء عن عائشة: «كان خلقه القرآن».

طالب: "فكان ذلك مما دعا إلى اتباعه والتأسي به، فانقادوا ورجعوا إلى الحق. والمحل الثاني: حين دخلوا في الإسلام وعرفوا الحق، وتسابقوا إلى الانقياد لأوامر النبي -عليه الصلاة والسلام- ونواهيه، فربما أمرهم بالأمر وأرشدهم إلى ما فيه صلاح دينهم، فتوجهوا إلى ما يفعل ترجيحًا له على ما يقول، وقضيته -عليه الصلاة والسلام- معهم في توقفهم عن الإحلال بعد ما أمرهم، حتى قال لأم سلمة: «أما ترين أن قومك أمرتهم فلا يأتمرون؟». فقالت: اذبح واحلق. ففعل النبي -صلى الله عليه وسلم-، فاتبعوه".

نعم. لما فعل، كانوا يرجون أن يتم لهم ما أتوا من أجله، وهو العمرة، والوصول إلى الحرم، ولم ييئسوا من ذلك، وأمرهم النبي -عليه الصلاة والسلام- بالإحلال، فما زالوا يرجون. لكن لما حلق شعره انتهى، خلاص ما فيه فائدة، ما فيه فرصة، خلاص انتهى. وهذه المشورة من أم سلمة لا شك أنها دالة على رجاحة عقلها وحنكتها، وليس كل النساء كذلك، ولا أكثر النساء كذلك حتى يحتج به على استشارة النساء في أمور المسلمين العامة وغوغاء النساء، والله المستعان.

طالب: .......

كونهم تأخروا؟

طالب: نعم.

لما في قلوبهم من الرغبة إلى الوصول إلى البيت؛ لأنهم أُخرجوا منهم فأرادوا أن يرجعوا إليه ويؤدوا النسك الذي كانوا بأشد الشوق إليه، وما دام فيه فرصة يحاولوا، لكن لما انتهت الفرصة خلاص ما فيه فائدة.

طالب: .......

لا، تذرَّعوا بأمور أخرى، قالوا: أمره -صلى الله عليه وسلم- أو نهيه في مقابل تعظيمه وتقديره، يريدون أن يتوصلوا إلى شيء وهو أنه نهى عن الغلو، والغلو الذي يفعلونه من باب تقدير الرسول وتعظيمه، يستدلون على ذلك بأن النبي -عليه الصلاة والسلام- أمر أبا بكر أن يثبت في مكانه وهو يصلي بالناس، فتأخر أبو بكر. قالوا: خالف الأمر من أجل تعظيم الرسول -عليه الصلاة والسلام-، ونحن نفعل هذا من هذا الباب. يعني هل التعظيم مقدم على الأمر والنهي، أو أن الأصل الأمر والنهي، والتعظيم تابع لذلك؛ لأن حقيقة التعظيم هي في اتباع الأمر والنهي.

طالب: النبي أقره.

ماذا؟

طالب: النبي -صلى الله عليه وسلم- أقر أبا بكر .......

هو الكلام في وجوده -عليه الصلاة والسلام- التشريع موجود، ومثل ما يُنهى من التشدد في بعض الأمور التي النهي فيها سببه الرفق بالمكلف، يعني عبد الله بن عمرو لما قال له النبي- صلى الله عليه وسلم-: «اقرأ القرآن في سبع ولا تزد»، صار يقرأ في ثلاث؛ لأن عبد الله بن عمرو فهم وعرف أن المقصود من النهي الرفق به، ويقول: أنا أتحمل، المسألة راجعة إلي، أنا أتحمل، ولذلك ما منعوا قراءة القرآن في ثلاث ولا في أقل من ذلك.

طالب: "ونهاهم عن الوصال فلم ينتهوا، واحتجوا بأنه يواصل، فقال: «إني أبيت عند ربي يطعمني ويسقيني»، ولما تابعوا في الوصال واصل بهم حتى يعجزوا، وقال: «لو مد لنا في الشهر لواصلت وصالاً يدع المتعمقون تعمقهم»".

نعم. واصل بهم ليلتين أو ثلاث أو أكثر، لكن انتهى الشهر، وهذا من باب التأديب.

طالب: "وسافر بهم في رمضان وأمرهم بالإفطار وكان هو صائمًا، فتوقفوا أو توقف بعضهم حتى أفطر هو فأفطروا".

نعم. دعا بإناء فيه لبن فشربه وهم يرونه؛ لأن الوازع وازع التعبد في قلب المسلم لا سيما إذا اعتاد على العبادة وداوم عليها، فإنه لا يتركها لأدنى سبب، وتجد كثيرًا من المسلمين يصوم عرفة بعرفة، مع أنه جاء النهي عن صيام يوم عرفة بعرفة، لكنهم عرفوا العلة: ليتفرغوا للدعاء، ولينشطوا على الوقوف وما أشبه ذلك، فيقولون: ندعو والنشاط موجود، فهم عرفوا العلة، وخالفوا الأمر؛ من أجل تحقيق ما ساروا عليه في حياتهم، فإن مفارقة المألوف شاقة على النفس لا سيما إذا كان عبادة، إذا كان عبادة في مثل هذه الحال. والمسألة خلافية في صيام يوم عرفة بعرفة، ابن عمر وغيره يصومون، لكن الحديث إذا صح ما لأحد كلام: «نهى عن صوم يوم عرفة بعرفة».

طالب: "وكانوا يبحثون عن أفعاله كما يبحثون عن أقواله، وهذا من أشد المواضع على العالم المنتصب، وقد تقدم له بيان آخر في باب البيان لكن على وجه آخر، والمعنى في الموضعين واحد".

نعم، "يبحثون عن أفعاله كما يبحثون عن أقواله"، ولذلكم نام ابن عباس عند النبي -عليه الصلاة والسلام- لينظر ماذا يفعل في ليلته، كما في الصحيح.

طالب: "ولعل قائلاً يقول: إن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان معصومًا، فكان عمله للاقتداء محلًّا بلا إشكال بخلاف غيره، فإنه محل للخطأ والنسيان والمعصية والكفر فضلاً عن الإيمان، فأفعاله لا يوثق بها، فلا تكون مقتدًى بها. فالجواب: أنه إن اعتُبر هذا الاحتمال في نصب أفعاله حجة للمستفتي".

ولا شك أنه معتبر، المجتهد غير النبي -عليه الصلاة والسلام- ليس بمعصوم، احتمال الخطأ وارد، والصواب كما يكون عنده يكون عند غيره، والاقتداء به في جميع ما يقول لا يتجه. يعني قد يقول قائل: إن هذا عامي لا يفهم شيئًا أصلاً، خِلْوٌ من العلم، وليس عنده إلا هذا العالم في هذا البلد؟ نقول: لا شك أن فرضه حينئذٍ التقليد، وإذا لم يوجد غيره في البلد وهو محل ثقة، ويرى أنها تبرأ الذمة بتقليده من باب: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [النحل: 43]، هذه مسألة غير كونه واجب الاقتداء كما قرر المؤلف.

طالب: "فالجواب: أنه إن اعتبر هذا الاحتمال في نصب أفعاله حجة للمستفتي فليعتبر مثله في نصب أقواله، فإنه يمكن فيها الخطأ والنسيان".

والأمر كذلك، يعني هذا إلزام يُلتزم به، يعني كما يحتمل الخطأ في أفعاله، كذلك الاحتمال أيضًا في أقواله، كأن المؤلف يريد أن يلزم من يقول بخطأ أو باحتمال الخطأ في الأفعال باحتمال الخطأ بالأقوال، نعم نلتزمه، كما أنه يحتمل الخطأ في الأفعال أيضًا فالاحتمال وارد في الأقوال، فبابهما واحد. وإن كان المفتي يتحرى ويتحرز في أقواله أكثر مما يتحرز في أفعاله، وإن كان أيضًا يمكن أن يقال أن المفتي المتصف بالورع قد يحمل نفسه على أمر أكثر مما وأشد مما يفتي به.

 "ولعل قائلاً"....

طالب: "ولعل قائلاً يقول: إن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان معصومًا، فكان عمله للاقتداء محلًّا بلا إشكال بخلاف غيره، فإنه محل للخطأ والنسيان والمعصية والكفر فضلاً عن الإيمان".

يعني الغير من المجتهدين غير النبي -عليه الصلاة والسلام-؛ لأنه غير معصوم، محل الخطأ والنسيان، ومن يعرى من الخطأ والنسيان؟

طالب: "فأفعاله لا يوثق بها، فلا تكون مقتدى بها.

 فالجواب: أنه إن اعتبر هذا الاحتمال في نصب أفعاله حجةً للمستفتي، فليعتبر مثله في نصب أقواله".

ونقول: الأمر كذلك، يعني هو يريد أن يلزم ونحن نلتزم.

طالب: "فإنه يمكن فيها الخطأ والنسيان والكذب عمدًا وسهوًا، لأنه ليس بمعصوم، ولما لم يكن ذلك معتبرًا في الأقوال، لم يكن معتبرًا في الأفعال".

ويريد أن يقرر أن الأقوال أقوى من الأفعال.

طالب: .......

لا، الأقوال، يريد أن يقرر أن الأقوال أقوى من الأفعال. ولكن الإيراد وارد على الأفعال كما هو وارد على الأقوال. هو يجعل الأقوال أصل والأفعال مقيسة عليها، وإذا وجد هذا الاحتمال في الأصل وُجد أيضًا في الفرع.

على كل حال أصل المسألة منازع فيها المؤلف -رحمه الله-، ولا شك أن للأقوال نوع قوة، وللأفعال نوع قوة، وللأفعال ما يدعو للتشدد فيها، وللأقوال كذلك، يعني المسألة فيها نوع تعادل، فكما أن الإنسان في أقوال وتحريراته يتحرى في العبارة، وينظر في المسألة نظرًا دقيقًا إذا أراد أن يكتب فيها، كذلك في الأفعال قد يكون تحريه أشد؛ لأنها تخصه أكثر من غيره، فيتحرى فيها؛ لأنه يعمل بها، ولا يلزم بها غيره، فيكون عمله أشد من قوله، وقوله وكتابته مثل القول أشد تحريرًا من مجرد الفعل. فهذا له نوع قوة، وذاك له نوع قوة.

طالب: "ولأجل هذا تُستعظم شرعًا زلة العالم كما تبين في هذا الكتاب وفي باب البيان، فحقٌّ على المفتي أن ينتصب للفتوى بفعله وقوله، بمعنى أنه لا بد له من المحافظة على أفعاله حتى تجري على قانون الشرع، ليُتخذ فيها أسوة.

 وأما الإقرار".

لحظة، لحظة: "فحق على المفتي أن ينتصب للفتوى بفعله وقوله"، صحيح. لكن هل يلزم أن يكون جميع ما يفعله أو جميع ما يقوله على الجادة؟ النفس تمل بعد، النفس تمل، المفتي والعالم يفترض أن يكون قدوة للناس عمومًا، ولأهل حيه على وجه الخصوص، لكن هل معنى هذا أنه يحضر إلى المسجد قبل الناس كلهم؛ لأنه هو القدوة؟ يعني لو حضر مدة، يعني الالتزام بجميع أحواله على هذه الحال فيه مشقة شديدة، يعني سمعنا عن ابن المسيب وغيره أنه أربعين سنة ما فاتته تكبيرة الإحرام، لكن من يطيق مثل هذا؟ حتى نقول: إن المفتي هو القدوة، ويلزم أن يكون باعتباره قدوة لا يتساهل في شيء من أحواله، هو بشر يعتريه ما يعتريهم.

 طالب: .......

ماذا؟

طالب: .......

مثل هذا؟

طالب: .......

لا، القول يرد عليه أمور أخرى، كثرة الطرق على المسائل، وأن فلانًا متشدد وكذا وكذا، ترى تؤثر به مع الوقت. لا، هو من بني آدم جُبلوا على ما جبلوا عليه، وما نُزل من السماء، ولذلك تسمعون فتاوى من أشخاص ما تليق بهم، لكن الظروف حضته على ذلك، ولا نقول: إنه انتهى إذا فعل ذلك؛ لأنه قد يلحظ مصلحة أخرى.

طالب: "وأما الإقرار فراجع في المعنى إلى الفعل".

"الإقرار"، كونه يرى أو يسمع شيئًا ثم يقره ولا ينكره، يقول المؤلف: حجة مثله، كإقرار النبي- عليه الصلاة والسلام- ونحن تحدثنا في هذه المسألة في أول الدرس، وبينا أن مثل هذا لا يليق؛ لأن المفتي قد يسكت، لا أقول يقر؛ لأن الإقرار السكوت وعدم الإنكار، يسكت على شيء مما فيه نوع مخالفة مراعاة لمصلحة أكبر، وارتكابًا لأخف الضررين؛ دفعًا لضرر أعظم.

طالب: .......

لا، خلنا في المسائل الواضحة كما يستدل به في إقرار أو سكوت بعض أهل العلم عن بعض المسائل التي يسكت من أجل مصلحة راجحة.

طالب: "لأن الكف فعل، وكف المفتي عن الإنكار إذا رأى فعلاً من الأفعال كتصريحه بجوازه، وقد أثبت الأصوليون ذلك دليلاً شرعيًّا بالنسبة إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-".

هذا ما فيه إشكال بالنسبة للنبي -صلى الله عليه وسلم-؛ لأنه لا يتصور أن يقر محرمًا أو يقر مخالفة. لكن غيره يقر لمصلحة راجحة، ويدفع مفسدة أعظم، ولكن قد يقول قائل: هل يجوز أن تُرتكب المفسدة الدنيا المقطوع بها لدفع مفسدة أعظم مظنونة؟ إذا كانت المفسدة العظمى مظنونة ما هي بمجزوم بها، متوقعة، والمفسدة الدنيا مقطوعًا بها؟

طالب: يعني كحادثة قتل الغلام؟

ماذا؟

طالب: .......

ما غلبة الظن؟ {الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ} [آل عمران: 175]، يعنيحقوق الإنسان والأمم المتحدة وكذا وضغوط وفرض عقوبات ومن هذا الكلام. هل يجوز أن نرتكب المحرمات الصريحة بهذه الأشياء؟ الآن لما خرق السفينة وعلى متنها فئام من الناس، المفسدة مقطوع بها أم مظنونة؟

 مظنونة، لكن قتل الغلام وهو واحد مقطوع به، قال في الأولى: {إِمْرًا} [الكهف: 71]، وقال في الثانية: {نُكْرًا} [الكهف: 74]، وجاء في البخاري: «وهذه أشد» التي هي قتل الغلام وهو واحد؛ لأنه مقطوع به، خلاص حصل، أبان رأسه عن جسده، وتلك مظنونة، يمكن يحتمل أن يغرق، ويحتمل أن ينجو، وقد نجوا. على كل حال تقرير مثل هذه المسائل يعني لا يُحكم بحكم عام مضطرد والظنون تختلف. وعلى كل حال لها وقتها.

طالب: .......

ماذا؟

طالب: .......

أن ينظر في هذه الأمور بدقة.

طالب: .......

كيف؟

نأتي إلى المصالح والمفاسد، والأحوال تختلف والظروف تتفاوت، يعني كان العلماء قبل ثلاثين سنة، وأربعين سنة لما كان الناس كتلة واحدة عامتهم مع علمائهم، مع ولاتهم، ما فيه إشكال أن تقول في الدرس: وهل أفسد الدين إلا الملوك وأحبار سوء ورهبان، لكن اليوم تقول مثل ها الكلام لما تفرق الناس ودخلت الأفكار والأهواء، ووجد الشقاق؟ ما تقول ذلك، فالمسألة لها ظروفها وأحوالها.

طالب: "فكذلك يكون بالنسبة إلى المنتصب بالفتوى، وما تقدم من الأدلة في الفتوى الفعلية جارٍ هنا بلا إشكال، ومن هنا ثابر السلف على القيام بوظيفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر".

"ومن هنا ثابر".

طالب: "ومن هنا ثابر السلف على القيام بوظيفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولم يبالوا في ذلك بما ينشأ عنه من عود المضرات عليهم بالقتل فما دونه".

لأن ارتكاب العزيمة شيء، والترخص شيء آخر، فإذا خشي على الإنسان، لو خشي الإنسان على نفسه، فله أن ينتقل من مرتبة إلى أخرى من مراتب الإنكار، لكن من أراد أن يرتكب العزيمة فأجره على الله، ما أحد يمنعه.

طالب: .......

ماذا؟

طالب: .......

إذا تعين عليه فلا بد من بيان الحق.

طالب: "ومن أخذ بالرخصة في ترك الإنكار فر بدينه واستخفى بنفسه، ما لم يكن ذلك سببًا للإخلال بما هو أعظم من ترك الإنكار، فإن ارتكاب خير الشرين أولى من ارتكاب شرهما".

لو قال: أخف، أما "خير الشرين" فما فيه خير.

طالب: .......

لا، هذا تنافر لفظي، أخف الشرين أو أخف الضررين كما يقول أهل العلم، أما "خير الشرين" فالشر ما فيه خير.

طالب: .......

ماذا؟

طالب: من باب المشاكلة يقول.

نعم، لا ما ينفع، الشر ما هو، تنافر لفظي.

طالب: "وهو راجع في الحقيقة إلى إعمال القاعدة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والمراتب الثلاث في هذا الوجه".

باليد واللسان والقلب.

طالب: "مذكورة شواهدها في مواضعها من الكتب المصنفة فيه".

يكفي يكفي بركة.

اللهم صلَّ على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

"