التعليق على الموافقات (1436) - 17

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

نعم.

طالب: أحسن الله إليك. الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد، فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى- إتمامًا للمسألة الثالثة: وأما الثاني من الوصفين فله وجهان أيضًا".

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

لا يزال الكلام في شأن الدنيا الوصف الأول في ذمها، وقد تقدم، والوصف الثاني في مدحها. وعدَّ المؤلف -رحمه الله- ما جاء في الدنيا ذمًّا ومدحًا، عده من التعارض الذي يُطلب له الجمع، والجمع ممكن، والأمر سهل، والمسألة في غاية الوضوح.

طالب: يقول: "أحدهما: ما فيها من الدلالة على وجود الصانع ووحدانيته وصفاته العلى".

فهي ممدوحة من هذه الحيثية، نعم.

طالب: "وعلى الدار الآخرة، كقوله تعالى: {أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ} [ق: 6] إلى {كَذَلِكَ الْخُرُوجُ} [ق: 11]، وقوله: {أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا} [النمل: 61] الآية،
وقوله: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ} [الحج: 5] الآية، إلى قوله: {وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ} [الحج: 7]،
وقوله: {قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (84) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ} [المؤمنون: 84، 85] إلى قوله: {سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ} [المؤمنون: 91]"
.

وليس في هذا ما يدل على مدح الدنيا لذاتها، وإنما لما يُستفاد منها من الدلالة على وجود الله -جل وعلا-.

طالب: "إلى غير ذلك من الآيات التي هي دلائل على العقائد وبراهين على التوحيد. والثاني: أنها منن ونعم امتن الله بها على عباده، وتعرف إليهم بها في أثناء ذلك، واعتبرها ودعا إليها بنصبها لهم وبثها فيهم، كقوله تعالى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ} [إبراهيم: 32] إلى قوله: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا} [إبراهيم: 34]".

الحمد لله.

طالب: "وقوله: {الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ} [البقرة: 22]،
وقوله: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ} [النحل: 10] إلى قوله: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا} [النحل: 18]، وفيها: {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ ظِلَالاً وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبَالِ أَكْنَانًا} [النحل: 81] الآية، وفي أول السورة: {وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ} [النحل: 5]، ثم قال: {وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ} [النحل: 6]، ثم قال: {وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً} [النحل: 8]"
.

كل هذه من النعم التي امتن الله بها على عباده، لكن هل هي غاية أم وسيلة؟

طالب: وسيلة.

هي وسيلة يُتوصل بها إلى الغاية التي هي تحقيق العبودية لله -جل وعلا-، وإلا فما نسبة هذه النعم فيما أُعد للمؤمن في دار النعيم المقيم؟

طالب: لا شيء.

لا شيء.

طالب: "فامتن تعالى هاهنا وعرف بنعم من جملتها الجمال والزينة، وهو الذي ذم به الدنيا في قوله: {أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ} [الحديد: 20]، إلى غير ذلك".

انظر، جاءت الزينة هنا في سياق الذم، وفيما تقدم في سياق الامتنان، مما يدل على أن الزينة المذمومة إذا استعملت في يُرضي الله -جل وعلا- ويوصل إلى مرضاته أنها تنقلب نعمًا، نعم.

طالب: "إلى غير ذلك، بل حين عرَّف بنعيم الآخرة امتن بأمثاله في الدنيا، كقوله: {فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ (28) وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ (29) وَظِلٍّ مَمْدُودٍ} [الواقعة: 28 - 30]، وهو قوله: {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ ظِلَالاً} [النحل: 81]، وقال: {وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ} [البقرة: 25]، وقال: {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا} [النحل: 72]، وهو كثير، حتى إنه قال في الجنة: {فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ} [محمد: 15]، إلى آخر أنواع الأنهار الأربعة، وقال: {وَاللَّهُ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا} [النحل: 65]، إلى أن قال: {وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا} [النحل: 68] إلى قوله: {فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ} [النحل: 69]، وهو كثير أيضًا.

 وأيضًا فأنزل الأحكام وشرع الحلال والحرام تخليصًا لهذه النعم التي خلقها لنا من شوائب الكدرات الدنيويات والأخرويات. وقال تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً} [النحل: 97] يعني في الدنيا {وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ} [النحل: 97] يعني في الآخرة".

لكن الحياة الطيبة مشروطة بالعمل الصالح، فما دون العمل الصالح هذه الممدوحات وهذه النعم التي امتن بها على عباده تنقلب نقمًا.

طالب: "وقال حين امتن بالنعم: {انْظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ} [الأنعام: 99]، {كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ} [سبأ: 15]، وقال في بعضها: {وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ} [النحل: 14]، فعدَّ طلب الدنيا فضلاً، كما عد حب الإيمان وبغض الكفر فضلاً. والدلائل أكثر من الاستقصاء. فاقتضى الوصف الأول المضادة للثاني، فالوجه الأول من الوصف الأول يضاد هذا الوجه الأخير من الوصف الثاني، وهو ظاهر؛ لأن عدم اعتبارها وأنها مجرد لعب لا محصول له مضاد لكونها نعمًا وفضلاً، والوجه الثاني من الوصف الأول مضاد للأول من الوصف الثاني؛ لأن كونها زائلةٌ".

"زائلةً".

طالب: "لأن كونها زائلةً وظلًّا يتقلص عما قريب مضادٌّ لكونها براهين على وجود الباري ووحدانيته واتصافه بصفات الكمال".

ما فيه "مضادة".

طالب: "مضادٌّ".

لا، لا فيها مضادة أصلاً، هي ظل وزائلة، لكن هذا الظل استدل به على وحدانية الله؟ فيه تضاد؟ ما فيه تضاد.

طالب: "وعلى أن الآخرة حق، فهي مرآة".

نعم. قد يقال إن السياق سياق ذم، لا مانع أن يكون السياق سياق ذم، لكن مع ذلك من استفاد من هذا المذموم وأوصله إلى الإقرار بالله -جل وعلا- وبوجوده وبروبيته وألوهيته، وأنه مستحق للعبادة، استفاد من هذا الظل الزائل الذي سيق في الأصل مساق الذم، لكن هو يساق مساق الذم باعتبار موقف أكثر الخلق منه.

طالب: "وعلى أن الآخرة".

لحظة، لحظة.

طالب: .......

لا، هو قال ما دام زائل هو مذموم، والسياق سياق ذم: {لَعِبٌ وَلَهْوٌ} [محمد: 36]، لكن هذا اللعب وهذا اللهو وهذه الدنيا بمتعها الذي هذا مآلها يُستدل بها على وجود الله، فهي من هذه الحيثية لا شك أنها، ولا يغير من واقعها شيء، نعم. هو لو كان مع اتحاد الجهة قلنا بالتضاد والتناقض، لكن الجهة منفكة، أنت تنظر إلى هذه الدنيا من زاوية، وينظر إليها غيرك من زاوية، هي لهو وزينة، لهو ولعب وزينة، لكنها في منظار المؤمن شيء، وفي منظار الكافر شيء آخر.

طالب: "وعلى أن الآخر حق، فهي مرآة يُرى فيها الحق في كل ما هو حق، وهذا لا تنفصل الدنيا فيه من الآخرة، بل هو في الدنيا لا يفنى؛ لأنها إذا كانت موضوعةً لأمر وهو العلم الذي تعطيه، فذلك الأمر موجود فيها تحقيقه وهو لا يفنى، وإن فني منها ما يظهر للحس، وذلك المعنى ينتقل إلى الآخرة، فتكون هنالك نعيمًا. فالحاصل أن ما بُث فيها من النعم التي وُضعت عنوانًا عليه -كجعل اللفظ دليلاً على المعنى-، فالمعنى باقٍ وإن فني العنوان، وذلك ضد كونها منقضيةً بإطلاق، فالوصفان إذًا متضادان، والشريعة منزهة عن التضاد مبرأة من الاختلاف، فلزم من ذلك أن توارد الوصفين على جهتين مختلفتين أو حالتين متنافيتين، بيانه أن لها نظرين".

يعني مع اختلاف الجهة، أما مع اتحاد الجهة يمكن أن يقال بالتضاد، لكن مع اختلاف الجهة ينتفي التضاد أصلاً.

طالب: "بيانه أن لها نظرين؛ أحدهما: نظر مجرد من الحكمة التي وضعت لها الدنيا من كونها متعرفًا للحق، ومستحقًّا لشكر الواضع لها، بل إنما يعتبر فيها كونها عيشًا ومقتنصًا للذات، ومآلاً للشهوات، انتظامًا في سلك البهائم، فظاهرٌ أنها من هذه الجهة قشر بلا لب، ولعب بلا جد، وباطل بلا حق".

لكن إذا استعملها المؤمن التقي فيما يوصل إلى الله -جل وعلا-، قد رأينا في واقعنا وفي تاريخ الأمة من هم من الأثرياء الكبار من أصحاب الأموال الطائلة استفادوا من أموالهم فيما يقربهم إلى الله -جل وعلا-، ولا شك أن المال الصالح: «نعم المال الصالح للرجل الصالح»، والغالب أن المال يُشغل، وقد رأينا في حياتنا مَن هو مِن أصحاب رءوس الأموال الطائلة، ويمكث في المسجد أكثر مما يمكث في متجره، ويرفع يديه قبالة الكعبة المشرفة الساعة والساعتين متواصلة، وهو من أصحاب مليارات! فهذه الدنيا لا شك أنها مزرعة للآخرة. لكن مع الأسف أن كثيرًا من المسلمين انشغل بها عن الآخرة، بدل من أن تكون وسيلة: {وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا} [القصص: 77]، احتاج كثير من المسلمين أن يقال له: لا تنس نصيبك من الآخرة!

طالب: "لأن صاحب هذا النظر لم ينل منها إلا مأكولاً ومشروبًا، وملبوسًا ومنكوحًا ومركوبًا، من غير زائد، ثم يزول عن قريب، فلا يبقى منه شيء، فذلك كأضغاث الأحلام، فكل ما وصفته الشريعة فيها على هذا الوجه حق، وهو نظر الكفار الذين لم يبصروا منها إلا ما قال تعالى من أنها لعب ولهو وزينة وغير ذلك مما وصفها به، ولذلك صارت أعمالهم {كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا} [النور: 39]، وفي الآية الأخرى: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا} [الفرقان: 23].

 والثاني: نظر غير مجرد من الحكمة التي وُضعت لها الدنيا، فظاهر أنها ملأى من المعارف والحكم، مبثوث فيها من كل شيء خطير مما لا يقدر على تأدية شكر بعضه، فإذا نظر إليها العاقل وجد كل شيء فيها نعمةً يجب شكرها، فانتدب إلى ذلك حسب قدرته وتهيئته، وصار ذلك القشر محشوًّا لبًّا".

يعني إذا كانت حال المؤمن في حال السراء والضراء كلها خير، يصاب بمصائب، بأمراض، بحوادث، بكوارث، فيكون خيرًا له، ويصاب بالسراء ويتنعم في دنياه وفي ماله وفي ولده وهو خير له. فالنظر الذي أبداه المؤلف نظر فيه يعني ما فيه من مما يلاحظ؛ لأنه خلط الدنيا بمتعها وبمصائبها ومشاكلها بما تُذم به وما تُحمد به وقال: إن هذا تضاد. لا، ليس هذا تضادًّا؛ لأن الجهة منفكة مختلفة.

طالب: كأن هذا مسلك أهل التصوف؟

أين؟

طالب: هذا المسلك في .......

هو الطريق الأول الوصف الأول أو الصنف الأول مما ذكره المؤلف.

طالب: في الدنيا.

وما قرئ في درس الأمس، هو الذي قال بنى عليه المتصوفة أمورهم.

طالب: "وصار ذلك القشر محشوًّا لبًّا، بل صار القشر نفسه لبًّا؛ لأن الجميع نِعم طالبة للعبد أن ينالها فيشكر لله بها وعليها، والبرهان مشتمل على النتيجة بالقوة أو بالفعل، فلا دِقَّ ولا جِلَّ في هذه الوجوه إلا والعقل عاجز عن بلوغ أدنى ما فيه من الحكم والنعم، ومن هاهنا أخبر تعالى عن الدنيا بأنها جد وأنها حق، كقوله تعالى: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا} [المؤمنون: 115]، وقوله: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلاً} [ص: 27]، وقوله: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ (38) مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ} [الدخان: 38، 39]، {أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ} [الروم: 8]، إلى غير ذلك. ولأجل هذا صارت أعمال أهل هذا النظر معتبرة مثبتة، حتى قيل: {فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ} [التين: 6]، {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً} [النحل: 97]".

"{فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ} [التين: 6]" يعني مقطوع، يعني مستمر.

طالب: "فالدنيا من جهة النظر الأول مذمومة، وليست بمذمومة من جهة النظر الثاني، بل هي محمودة، فذمُّها بإطلاق لا يستقيم، كما أن مدحها بإطلاق لا يستقيم، والأخذ لها من الجهة الأولى مذموم يسمى أخذه رغبةً في الدنيا وحبًّا في العاجلة، وضده هو الزهد فيها، وهو تركها من تلك الجهة، ولا شك أن تركها من تلك الجهة مطلوب، والأخذ لها من الجهة الثانية غير مذموم، ولا يسمى أخذُه رغبةً فيها، ولا الزهد فيها من هذه الجهة محمود، بل يسمى سفهًا وكسلاً وتبذيرًا. ومن هنا وجب الحجر على صاحب هذه الحالة شرعًا، ولأجله كان الصحابة طالبين لها، مشتغلين بها، عاملين فيها؛ لأنها من هذه الجهة عون على شكر الله عليها، وعلى اتخاذها مركبًا للآخرة، وهم كانوا أزهد الناس فيها، وأورع الناس في كسبها، فربما سمع أخبارهم في طلبها من يَتوهم أنهم طالبون لها من الجهة الأولى لجهله بهذا الاعتبار".

يعني إذا كُلم صاحب الدنيا النَّهم الجشع اللَّهث وراء الدنيا المضيع لآخرته ودنياه في الحقيقة، قال: عبد الرحمن بن عوف طلب الدنيا، وجمع من الأموال ما جمع، عثمان جمع، و... لكن أنت تفعل مثلهم؟ والكسول الخمول الذي يتكفف الناس، ويعيش على فتاتهم وعلى مسألتهم قال لك: أبو ذر! هم يستدلون بأفعال الصحابة، لكن أين أنتم من الصحابة؟ أنت مثل عبد الرحمن بن عوف يوم جمعت الأموال الطائلة، وأثناء جمعك الأموال الطائلة ماذا تصنع؟ وبعد أن جمعتها ماذا صنعت؟ والله المستعان.

طالب: "وحاش لله من ذلك".

"وربما سمع أخبارهم في طلبها من يتوهم أنهم طالبون لها من الجهة الأولى لجهله بهذا الاعتبار"، نعم.

طالب: "وحاش لله من ذلك، إنما طلبوها من الجهة الثانية، فصار طلبهم لها من جملة عباداتهم، كما أنهم تركوا طلبها من الجهة الأولى، فكان ذلك أيضًا من جملة عباداتهم، رضي الله عنهم، وألحقنا بهم، وحشرنا معهم، ووفقنا لما وفقهم له بمنه وكرمه".

 اللهم آمين. آمين.

طالب: "فتأمل هذا الفصل، فإن فيه رفع شبه كثيرة تَرِد على الناظر في الشريعة وفي أحوال أهلها، وفيه رفع مغالط تعترض للسالكين لطريق الآخرة، فيفهمون الزهد وترك الدنيا على غير وجهه، كما يفهمون طلبها على غير وجهه، فيمدحون ما لا يمدح شرعًا، ويذمون ما لا يذم شرعًا.

 وفيه أيضًا من الفوائد فصل القضية بين المختلفين في مسألة الفقر والغنى، وأن ليس الفقر أفضل من الغنى بإطلاق، ولا الغنى أفضل بإطلاق، بل الأمر في ذلك يتفصل".

نعم. المسألة مختلف فيها، وكلام أهل العلم فيها طويل: أيهما أفضل: الغني الشاكر أو الفقير الصابر؟ وفضل كثير من أهل العلم الفقير الصابر؛ لأن الغنى في الغالب يجر إلى أمور غير محمودة في الغالب، والفقر في الغالب يعين صاحبه على التفرغ لعبادة ربه ولا يرى نفسه، ومتى يطغى الإنسان؟ {كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى (6) أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى} [العلق: 6، 7]. وجمع من أهل العلم قالوا: لا، الغني الشاكر أفضل من الفقير الصابر، والواقع يدل على أن الغني الشاكر الذي يستعمل ماله فيما يرضي الله -جل وعلا- يكون نفعه متعديًا، ولذلك لما جاء فقراء الصحابة إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- وقالوا له: ذهب أهل الدثور بالأجور والنعيم، يصلون كما نصلي، ويصومون كما نصوم، ويتصدقون بفضول أموالهم، وليس لنا مال نتصدق به؟ قال: «ألا أدلكم على شيء إذا فعلتموه لحقتموهم: تسبحون وتذكرون وتفعلون» من الأذكار ما يغطي هذا النقص الذي عندكم، بل يزيد عليه. سمع الأغنياء بما قاله النبي -عليه الصلاة والسلام- للفقراء، فعلوا مثلهم. قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: «ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء». يستدل به أهل العلم على أن الغني الشاكر أفضل من الفقير الصابر. وشيخ الإسلام يرى أن الفضل للتقوى، لا فضل لوصف الغنى ولا لوصف الفقر، وإنما الفضل للتقوى، ومن كان أتقى لله فهو أفضل.

طالب: "بل الأمر في ذلك يتفصل، فإن الغنى إذا أمال إلى إيثار العاجلة كان بالنسبة إلى صاحبه مذمومًا، وكان الفقر أفضل منه، وإن أمال إلى إيثار الآجلة بإنفاقه في وجهه والاستعانة به على التزود للمعاد، فهو أفضل من الفقر، والله الموفق بفضله.

فصل: واعلم أن أكثر أحكام هذا النظر مذكور في أثناء الكتاب، فلذلك اختُصر القول فيه. وأيضًا، فإن ثَم أحكامًا أخر تتعلق به قلما يذكرها الأصوليون، ولكنها بالنسبة إلى أصول هذا الكتاب كالفروع، فلم نتعرض لها؛ لأن المُضْطَلِع بها يدرك الحكم فيها بأيسر النظر، والله المستعان، وإنما ذُكر هنا ما هو كالضابط الحاصر والأصل العتيد لمن تشوف إلى ضوابط التعارض والترجيح. النظر الثاني: في أحكام السؤال والجواب وهو علم الجدل، وقد صنف الناس فيه من متقدم ومتأخر، والذي يليق منه بغرض هذا الكتاب فرض مسائل: المسألة الأولى".

ذكر المعلق كتبًا أُلفت في الجدل، منها: الكافية في الجدل لأبي المعالي الجويني المطبوع، وكتاب الجدل على طريقة الفقهاء لابن عقيل، وهو كذلك، والمنهاج في ترتيب الحجاج للباجي مطبوع في دار الغرب، والمعونة في الجدل أيضًا للشيرازي، وعلم الجَدَل في أو علم الجَدِل في علم الجَدَل للطوفي، وما أدري هو مطبوع أم لا؟

طالب: يقول مطبوع.

ماذا؟

طالب: هو يقول مطبوع.

أين؟

طالب: أول، صدر الفقرة: من أشهر الكتب المطبوعة في هذا الباب.

نعم، خلاص، كلها مطبوعة، هذا ما رأيته، الطوفي ما رأيته. يقول: من أشهر الكتب المطبوعة في هذا الباب.

طالب: .......

لا، البحث والمناظرة، موجودة.

طالب: "المسألة الأولى: إن السؤال إما أن يقع من عالم أو غير عالم، وأعني بالعالم المجتهد، وغير العالم المقلِّد، وعلى كلا التقديرين".

مقلد وإن كان عارفًا بالأحكام وحافظًا للمسائل، لكنه لم يصل إلى درجة الاجتهاد، فإنه لا يزال لا يدخل في حيز أو في وصف أهل العلم، ونقل على ذلك ابن عبد البر الإجماع: أن المقلد ليس معدودًا من أهل العلم.

طالب: "وعلى كلا التقديرين إما أن يكون المسئول عالمًا أو غير عالم، فهذه أربعة أقسام".

لأننا ننظر إلى سائل ومسئول، وعالم وغير عالم. اثنين في اثنين، الناتج أربعة.

طالب: "الأول: سؤال العالم للعالم، وذلك في المشروع يقع على وجوه، كتحقيق ما حصل، أو رفع إشكال عَنَّ له، وتذكر ما خشي عليه".

أقرب ما يكون هذا للمذاكرة بين أهل العلم.

طالب: "وتذكر ما خشي عليه النسيان، أو تنبيه المسئول على خطأ يورده مورد الاستفادة".

نعم. وهذه طريقة من أنفع الطرق للتنبيه على الأخطاء، يعني نُقل عن الشيخ الفلاني فتوى غير مناسبة، ما يلزم أن يقال: إنك أخطأت، يُسأل سؤالاً ثم يتبين إن كان مصرًّا على هذا الخطأ يقال له: أليس الدليل يقتضي كذا؟ أليس؟ كله على طريق الاستفسار لا على طريق الإلزام.

طالب: "أو نيابة منه عن الحاضرين من المتعلمين، أو تحصيل ما عسى أن يكون فاته من العلم.

 والثاني: سؤال المتعلم لمثله، وذلك أيضًا يكون على وجوه كمذاكرته له بما سمع، أو طلبه منه ما لم يسمع مما سمعه المسئول، أو تمرُّنه معه في المسائل".

نعم. أو التثبت مما سمع ولم يتبينه.

طالب: "أو تمرنه معه في المسائل قبل لقاء العالم، أو التهدي بعقله إلى فهم ما ألقاه العالم".

نعم؛ لأن المتعلمين يتفاوتون في الفهوم وفي الحفظ وفي غير ذلك، فيذاكر بعضهم بعضًا بما سمعوا أو بما يراد سماعه. نعم. ابن بدران في المدخل ذكر طريقة لهم لما كانوا في وقت الطلب، نقول: نجتمع خمسة أو ستة متقاربون في السن وندرس على شيخ واحد وننظر في الكتاب الذي يدرس على هذا الشيخ فنقرأه، واحد يقرأ، والبقية يسمعون، ثم يُطلب من كل واحد منا أن يشرح، ينفرد ويشرح، معه ورقة وقلم ويشرح هذا الكلام ويعلق عليه ويوضحه، ثم إذا فرغنا قرأنا، كل واحد قرأ ما شرح أو ما كتب، ثم بعد ذلك نأتي إلى الشرح شرح الكتاب من قبل بعض أهل العلم فنقرأه ونصحح ما أخطأنا فيه، ثم نذهب إلى الشيخ لننظر فيما عنده من الزائد ونعلق، إذا كان هناك حاشية اطلعنا عليها. فرق بين هذا وبين طالب يزعم أنه طالب علم ويحضر الدروس، ويترك الكتاب في الدرس، ولذا يقول أهل العلم: قل أن يفلح من يترك الكتاب في موضع الدرس.

طالب: "والثالث: سؤال العالم للمتعلم، وهو على وجوه كذلك، كتنبيهه على موضع إشكال يطلب رفعه، أو اختبار عقله أين بلغ، والاستعانة بفهمه إن كان لفهمه فضل، أو تنبيهه على ما علم ليستدل به على ما لم يعلم.

 والرابع، وهو الأصل الأول: سؤال المتعلم للعالم، وهو يرجع إلى طلب علم ما لم يعلم. فأما الأول والثاني والثالث، فالجواب عنه مستحق إن علم، ما لم يمنع من ذلك عارض معتبر شرعًا، وإلا فالاعتراف بالعجز".

يعني إن كان معلومًا لدى المسؤول فعليه أن يبين، وإلا فليعترف بالعجز. إن منع من ذلك عارض، رأى مثلاً المسؤول أن هذا السائل لا يريد التعلم، وإنما يريد تعجيز المسؤول أو إظهار فضله على الحاضرين أو ما أشبه ذلك، فللمسؤول ألا يجيب.

طالب: "وأما الرابع، فليس الجواب عنه بمستحق بإطلاق، بل فيه تفصيل، فيلزم الجواب إذا كان عالمًا بما سُئل عنه متعينًا عليه في نازلة واقعة أو في أمر فيه نص شرعي بالنسبة إلى المتعلم، لا مطلقًا، ويكون السائل ممن يحتمل عقله الجواب، ولا يؤدي السؤال إلى تعمق ولا تكلف، وهو مما يبنى عليه عمل شرعي، وأشباه ذلك، وقد لا يلزم الجواب في مواضع، كما إذا لم يتعين عليه، أو المسألة اجتهادية لا نص فيها للشارع، وقد لا يجوز، كما إذا لم يحتمل عقله الجواب، أو كان فيه تعمق، أو أكثر من السؤالات التي هي من جنس الأغاليط، وفيه نوع اعتراض، ولا بد من ذكر جملة يتبين بها هذا المعنى بحول الله في أثناء المسائل الآتية".

طالب: .......

ستجيء، ستجيء.

طالب: "المسألة الثانية: الإكثار من الأسئلة مذموم، والدليل عليه النقل المستفيض من الكتاب والسنة وكلام السلف الصالح، من ذلك قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} [المائدة: 101] الآية".

 وأدخلها بعضهم هذه المسألة في النهي عن السؤال: «نهى عن قيل وقال، وكثرة السؤال»، نعم.

طالب: "وفي الحديث أنه -عليه الصلاة والسلام- قرأ: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ} [آل عمران: 97] الآية، فقال رجل: يا رسول الله! أكل عام؟ فأعرَض، ثم قال: يا رسول الله! أكل عام؟ ثلاثًا، وفي كل ذلك يُعرض، وقال في الرابعة: «والذي نفسي بيده، لو قلتها لوجبت، ولو وجبت ما قمتم بها، ولو لم تقوموا بها لكفرتم، فذروني ما تركتكم». وفي مثل هذا نزلت: {لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ} [المائدة: 101] الآية، وكره -عليه الصلاة والسلام- المسائل وعابها، ونهى عن كثرة السؤال، وكان -عليه الصلاة والسلام- يكره السؤال فيما لم ينزل فيه حكم، وقال: «إن الله فرض فرائض فلا تضيعوها، ونهى عن أشياء فلا تنتهكوها، وحد حدودًا فلا تعتدوها، وعفا عن أشياء رحمةً بكم لا عن نسيان فلا تبحثوا عنها». وقال ابن عباس: ما رأيت قومًا خيرًا من أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم-، ما سألوه إلا عن ثلاث عشرة مسألةً حتى قبض -صلى الله عليه وسلم-، كلهن في القرآن: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ} [البقرة: 222]، {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى} [البقرة: 220]".

يعني جاء في بعض الروايات: أربع عشرة، وفي بعضها: ثنتا عشرة.

طالب: "{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ} [البقرة: 217]، ما كانوا يسألون إلا عما ينفعهم. يعني أن هذا كان الغالب عليهم. وفي الحديث: «إن أعظم المسلمين في المسلمين جرمًا من سأل عن شيء لم يُحرم عليه، فحرم عليهم من أجل مسألته». وقال: «ذروني ما تركتكم، فإنما هلك من قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم». وقام يومًا وهو يُعرف في وجهه الغضب، فذكر الساعة وذكر قبلها أمورًا عظامًا، ثم قال: «من أحب أن يسأل عن شيء فليسأل عنه، فواللهِ لا تسألوني عن شيء إلا أخبرتكم به ما دمت في مقامي هذا». قال: فأكثر الناس من البكاء حين سمعوا ذلك، وأكثر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يقول: «سلوني». فقام عبد الله بن حذافة السهمي، فقال: من أبي؟ فقال: «أبوك حذافة». فلما أكثر أن يقول: «سلوني»، برك عمر بن الخطاب على ركبتيه فقال: يا رسول الله".

يعني نزل عليهما بقوة، فالبروك النزول بقوة، سواء كان على اليدين كما يفعل البعير أو على الركبتين، هذا هو البروك الذي يثير الغبار، ويفرق الحصى. أما مجرد وضع اليدين أو مجرد وضع الركبتين على الأرض، فهذا لا يسمى بروكًا.

طالب: "فقال: يا رسول الله! رضينا بالله ربًّا، وبالإسلام دينًا، وبمحمد نبيًّا. قال: فسكت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين قال عمر ذلك، وقال أولاً: «والذي نفسي بيده، لقد عُرضت عليَّ الجنة والنار آنفًا في عرض هذا الحائط وأنا أصلي، فلم أرَ كاليوم في الخير والشر»!!

وظاهر هذا المساق يقتضي أنه إنما قال: «سلوني» في معرض الغضب، تنكيلاً بهم في السؤال حتى يروا عاقبة ذلك، ولأجل ذلك ورد في الآية قوله: {إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} [المائدة: 101]".

وهو لا يرضى -عليه الصلاة والسلام- أن يحصل لهم ما يسوؤهم، مما يدل على أنه ليس في حال اختيار، وإنما هو في حال الغصب، لينكل بهم.

طالب: "ومثل ذلك قصة أصحاب البقرة، فقد رُوي عن ابن عباس أنه قال: لو ذبحوا بقرة ما لَأجزأتهم، ولكن شدَّدوا فشدد الله عليهم حتى ذبحوها وما كادوا يفعلون".

نعم.

طالب: "وقال الربيع بن خثيم: يا عبد الله! ما علمك الله في كتابه من علم، فاحمد الله، وما استأثر عليك به من علم، فكِله إلى عالمه، ولا تتكلف، فإن الله يقول لنبيه -عليه الصلاة والسلام-: {قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ} [ص: 86]، إلى آخره".

يقول المخرِّج: أخرجه أبو ذر الهروي. اسمه أبو ذر أو أبو إسماعيل؟

طالب: أبو إسماعيل.

صاحب المنازل، منازل السائرين.

طالب: نعم.

ماذا؟ أبو ذر راوي الصحيح.

طالب: .......

ذم الكلام أبو...؟

طالب: ذر.

من؟

طالب: أبو ذر الهروي.

تأكد. راوي الصحيح أبو ذر، وصاحب منازل السائرين الذي شرحه ابن القيم هو صاحب ذم الكلام. عندك من الأجهزة؟

طالب: .......

عندك؟ طلعته؟

طالب: .......

لأن المحقق كرره يمكن في عشرة مواضع.

طالب: أبو إسماعيل.

أبو إسماعيل الهروي صاحب منازل السائرين. أما أبو ذر عبد بن أحمد فهذا راوي الصحيح. نعم، سبق قلم؛ لأنه في ذهنه أبو ذر الهروي، أقرب كنية أبو ذر، وأشهر كنية، ما هو مثل الجاهل الذي قال: كيف تقولون أبو هريرة أكثر الصحابة رواية للحديث ونحن ما فيه حديث في البخاري إلا ويمر علينا: أبو ذر، رواية أبي ذر، قال أبو ذر! هذا عن جهل. لكن مثل هذا المحقق، وله عناية بالسنة، وله عناية بالتخريج، يعني يسبق القلم، ويهجم الذهن أحيانًا. نعم. وهي تكررت في مواضع، يعني كل المواضع الجائية كلها أبو ذر.

طالب: "وعن ابن عمر -رضي الله عنهما-، قال: لا تسألوا عما لم يكن، فإني سمعت عمر يلعن من سأل عما لم يكن. وفي الحديث: «أنه -عليه الصلاة والسلام- نهى عن الأغلوطات»".

لكن ما نسب إلى عمر -رضي الله عنه-، فيه انقطاع، وفيه ضعف شديد، لا يُظن بعمر أنه يلعن على مثل هذا.

طالب: "وفي الحديث: «أنه -عليه الصلاة والسلام- نهى عن الأغلوطات»، فسَّره الأوزاعي، فقال: يعني: صعاب المسائل".

وهذا أيضًا ضعيف.

طالب: "وذُكرت المسائل عند معاوية فقال".

صعاب المسائل هي عضل المسائل التي يتسابق آحاد الطلاب وصغارهم والمبتدئون منهم على الإجابة عنها، والله المستعان.

طالب: "وذكرت المسائل عند معاوية فقال: أما تعلمون أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهى عن عضل المسائل؟ وعن عبدة بن أبي لبابة قال: وددت أن حظي من أهل هذا الزمان أن لا أسألهم عن شيء، ولا يسألوني عن شيء، يتكاثرون بالمسائل كما يتكاثرون أهل الدراهم بالدراهم. وورد في الحديث: «إياكم وكثرة السؤال».

 وسئل مالك عن حديث: «نهاكم عن قيل وقال، وكثرة السؤال»، قال: أما كثرة السؤال، فلا أدري أهو ما أنتم فيه مما أنهاكم عنه من كثرة المسائل، فقد كره رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المسائل وعابها، وقال الله تعالى: {لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} [المائدة: 101]، فلا أدري أهو هذا، أم السؤال في مسألة الناس في الاستعطاء؟ وعن عمر بن الخطاب، أنه قال على المنبر: أُحرج بالله على كل امرئ سأل عن شيء لم يكن، فإن الله قد بيَّن ما هو كائن. وقال ابن وهب: قال لي مالك وهو ينكر كثرة الجواب للمسائل: يا عبد الله! ما علمتَه فقل به ودُلَّ عليه، وما لم تعلم فاسكت عنه، وإياك أن تتقلَّد للناس قلادة سوء".

بعض العوام يطلقون عبارة هي أقرب من هذه وأوضح.

طالب: .......

ماذا؟

طالب: .......

حط بينك وبين النار مطوع، هذه معروفة. لكن يقول بعضهم: يحط بحلقه حبلًا ويقول جروا! هذه هي.

طالب: .......

نعم.

طالب: نعم.

طالب: نعم. "وقال الأوزاعي: إذا أراد الله أن يُحرِّم".

"يَحرِم".

طالب: أحسن الله إليك. "إذا أراد الله أن يَحرِم عبده بركة العلم ألقى على لسانه الأغاليط. وعن الحسن، قال: إن شرار عباد الله الذين يجيئون بشرار المسائل، يعنتون بها عباد الله. وقال الشعبي: والله، لقد بغَّض هؤلاء القوم إليَّ المسجد، حتى لهو أبغض إليَّ من كُنَّاسة داري".

"كُنَاسة".

طالب: "كُنَاسة داري. قلت: من هم يا أبا عمرو؟ قال: الأَرْتِيُّون".

لا.

قال: "الأَرْأَيْتِيُّون".

يعني مسألة: أرأيتَ، أرأيتَ؟

طالب: أرأيتَ، نعم.

يعني مثل ما يقول: أرأيت كذا وكذا؟ إذا سمعوا كلامًا يستدركون به على المتكلم.

طالب: .......

ماذا؟ مسائل يعنتون بها.

طالب: .......

ماذا؟

طالب: .......

كلام اشتقاق المسائل من أجل تدريب الطالب أو غيره، يعني موجود عند الفقهاء بالقديم.

طالب: .......

ماذا؟

طالب: .......

إذا المسألة، فرق بين أن الشيء ممكن وقوعه، وشيء لا يمكن وقوعه، افتراض مسائل لا يمكن وقوعها، ومع ذلك افترضت مسائل ودوّنت في الكتب، وظن أنها من المستحيلات، فوقعت.

طالب: .......

إذا لم يقصد بها التعنيت، وإنما يراد بها تدريب الطالب على الاستنباط، هذا لا بأس، ما فيه شيء. لكن هؤلاء الذين مر ذكرهم في كلام الشعبي، وأنهم كرَّهوا إليه المسجد، وبغَّضوه إليه، وأبغض إليه من كذا، يعني المسجد الذي يجتمعون فيه لا جنس المسجد؛ لأنه ما يمكن الشعبي إمام من أئمة المسلمين وسيد من سادات التابعين، يترك المسجد من أجل أن يصلي في بيته، ليس صحيحًا.

طالب: "وقال: ما كلمة أبغض إليَّ من (أرأيت). وقال أيضًا لداود الأودي: احفظ عني ثلاثًا لها شأن: إذا سألت عن مسألة فأُجبت فيها، فلا تَتَّبِع مسألتك أرأيت".

"فلا تُتْبِع"، "تَتَّبِع" أم "تُتْبِعْ"، يعني لا تردفها بـ"أرأيت".

طالب: نعم.

إذا سألت فأُجِبت فلا تُتبعها بأرأيت كذا وكذا تستدرك.

طالب: "فلا تُتبع مسألتك (أرأيت)".

لا، وبعض الطلاب الآن صار فيهم سعة في الوجه وبرودة وبجاحة يسمونها، يجلس العالم وهذا سمع له كلامًا أو شيئًا بلغه، يريد أن يعجز هذا العالم، أو يظهر علمه، أو أن عنده شيئًا، فيستدرك بكلام من غير أدب!

طالب: "قال: فإن الله قال في كتابه: {أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ} [الفرقان: 43]، حتى فرغ من الآية.

 والثانية: إذا سئلت عن مسألة فلا تقس شيئًا بشيء، فربما حرمت حلالاً، أو حللت حرامًا. والثالثة: إذا سئلت عما لا تعلم، فقل: لا أعلم، وأنا شريكك".

"وأنا شريكك" في أي وصف توصف به أبدًا، "وأنا شريكك" في أي وصف توصف به، لما تقول: لا أعلم خلهم يقولون: جاهل وأنا مثلك جاهل بعدُ.

طالب: "وقال يحيى بن أيوب: بلغني أن أهل العلم كانوا يقولون: إذا أراد الله أن لا يُعلم عبده خيرًا أشغله بالأغاليط. والآثار كثيرة.

والحاصل منها أن كثرة السؤال ومتابعة المسائل بالأبحاث العقلية والاحتمالات النظرية مذموم، وقد كان أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد وُعظوا في كثرة السؤال حتى امتنعوا منه، وكانوا يحبون أن يجيء الأعراب فيسألوه حتى يسمعوا كلامه، ويحفظوا منه العلم، ألا ترى ما في الصحيح عن أنس، قال: نهينا أن نسأل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن شيء، فكان يعجبنا أن يجيء الرجل من أهل البادية العاقل فيسأله ونحن نسمع".

لأنه ما سمع النهي، هذا الأعرابي ما سمع النهي فيمتنع، فيسأل على سجيته.

طالب: "ولقد أمسكوا عن السؤال حتى جاء جبريل، فجلس إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فسأله عن الإسلام والإيمان والإحسان والساعة وأمارتها، ثم أخبرهم -عليه الصلاة والسلام- أنه جبريل، وقال: «أراد أن تعلموا إذا لم تسألوا»".

نعم.

طالب: "وهكذا كان مالك بن أنس لا يُقدَم عليه في السؤال كثيرًا، وكان أصحابه يهابون ذلك، قال أسد بن الفرات".

وتقدم النقل الكثير عنه في هيبته للفتوى.

طالب: "وكان أصحابه يهابون ذلك، قال أسد بن الفرات -وقد قدم على مالك-: وكان ابن القاسم وغيره من أصحابه يجعلونني أسأله عن المسألة، فإذا أجاب يقولون: قل له فإن كان كذا، فأقول له، فضاق عليَّ يومًا، فقال لي: هذه سُلَيْسِلة بنت سُلَيْسِلة، إن أردت هذا فعليك بالعراق".

يعني كثرة المسائل لا تجده عندنا، ما هو من شأننا هذا، يعني هذا طريقة أهل الأثر، اذهب إلى أهل الرأي.

طالب: "وإنما كان مالك يكره فقه العراقيين وأحوالهم لإيغالهم في المسائل وكثرة تفريعهم في الرأي. وقد جاء عن عائشة أن امرأةً سألتها عن قضاء الحائض الصومَ دون الصلاة، فقالت لها: «أحرورية أنت؟» إنكارًا عليها السؤال عن مثل هذا. وقضى النبي -صلى الله عليه وسلم- في الجنين بغرَّة، فقال الذي قضى عليه: كيف أغرم ما لا شرب ولا أكل، ولا شهق ولا استهل، ومثل ذلك يُطل؟".

"ولا نَطَق".

طالب: نعم.

عندك "شهق"؟

طالب: "شهق" نعم.

نعم، الحديث في الصحيح، في الصحيحين.

طالب: صحيح.

نعم.

طالب: "فقال -عليه الصلاة والسلام-: «إنما هذا من إخوان الكهان»".

لأنه سجع، كلام مسجوع يُرد به الحق.

طالب: "وقال ربيعة لسعيد في مسألة عقل الأصابع حين عظم جرحها واشتدت مصيبتها".

لأن أصبع المرأة مثل الرجل، الأصبع بعشرة، الاثنين بعشرة، الثلاثة بـ، عشرة وعشرة عشرين ثم ثلاثين ثم الأربعة والعشرين، تصير على النصف من الرجل. يقولون: ثلاثة أصابع أكثر من عقل أربعة؛ لأنها كالرجل حتى تصل إلى ثلث الدية، إذا وصلت صارت على النصف منه.

طالب: "قال: نقص عقلها؟ فقال سعيد: أعراقي أنت؟ فقلت: بل عالم متثبت أو جاهل متعلِّم. فقال: هي السنة يا ابن أخي".

يعني هكذا وردت السنة، ما لأحد كلام. نعم.

طالب: "وهذا كافٍ في كراهية كثرة السؤال في الجملة".

يكفي، يكفي.

طالب: أحسن الله إليك.

* * *

طالب: .......

ماذا به؟

طالب: .......

طبعة أحمد شاكر، الشيخ أحمد شاكر.

طالب: .......

السورة موجودة ومكملة بعد، محمود شاكر ما حقق إلا ست عشرة إلى سورة إبراهيم.

طالب: .......

كُمِّل.

طالب: .......

طبعة ابن تركي لا بأس بها.

"