كتاب بدء الوحي (027)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

ماذا يقول في شرح الكرماني الطبعة المصرية؟ قوله: إلا ما انفرد به الإسناد أبو إسحاق، هو في شرح العيني الطبعة المنيرية: وقال الأستاذ أبو إسحاق، أي العبارتين أصح؟ الأستاذ أصح، ما معنى: إلا ما انفرد به الإسناد؟ هو الأستاذ أبو إسحاق الإسفراييني، معروف من أئمة الشافعية يلقبونه بالأستاذ.

القارئ: الحمد لله رب العالمين، صلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمدٍ، وعلى آله وصحبه أجمعين، اللهم علمنا ما ينفعها، وانفعنا وأرفعنا بما علمتنا، وزدنا علمًا واغفر لنا ولشيخنا والسامعين، يا ذا الجلال والإكرام.

قال الإمام أبو عبد الله البخاري -رحمه الله تعالى-: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ المُؤْمِنِينَ أَنَّهَا قَالَتْ: أَوَّلُ مَا بُدِئَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- مِنَ الوَحْيِ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ فِي النَّوْمِ، فَكَانَ لاَ يَرَى رُؤْيَا إِلَّا جَاءَتْ مِثْلَ فَلَقِ الصُّبْحِ، ثُمَّ حُبِّبَ إِلَيْهِ الخَلاَءُ، وَكَانَ يَخْلُو بِغَارِ حِرَاءٍ فَيَتَحَنَّثُ فِيهِ -وَهُوَ التَّعَبُّدُ- اللَّيَالِيَ ذَوَاتِ العَدَدِ قَبْلَ أَنْ يَنْزِعَ إِلَى أَهْلِهِ، وَيَتَزَوَّدُ لِذَلِكَ، ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى خَدِيجَةَ فَيَتَزَوَّدُ لِمِثْلِهَا، حَتَّى جَاءَهُ الحَقُّ وَهُوَ فِي غَارِ حِرَاءٍ، فَجَاءَهُ المَلَكُ فَقَالَ: اقْرَأْ، قَالَ: «مَا أَنَا بِقَارِئٍ»، قَالَ: «فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الجَهْدَ ثُمَّ أَرْسَلَنِي، فَقَالَ: اقْرَأْ، قُلْتُ: مَا أَنَا بِقَارِئٍ، فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّانِيَةَ حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الجَهْدَ ثُمَّ أَرْسَلَنِي، فَقَالَ: اقْرَأْ، فَقُلْتُ: مَا أَنَا بِقَارِئٍ، فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّالِثَةَ ثُمَّ أَرْسَلَنِي، فَقَالَ: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ. خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ. اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ} [العلق: 1-3]» فَرَجَعَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَرْجُفُ فُؤَادُهُ، فَدَخَلَ عَلَى خَدِيجَةَ بِنْتِ خُوَيْلِدٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا-، فَقَالَ: «زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي» فَزَمَّلُوهُ حَتَّى ذَهَبَ عَنْهُ الرَّوْعُ، فَقَالَ لِخَدِيجَةَ وَأَخْبَرَهَا الخَبَرَ: «لَقَدْ خَشِيتُ عَلَى نَفْسِي».

 فَقَالَتْ خَدِيجَةُ: كَلَّا وَاللَّهِ مَا يُخْزِيكَ اللَّهُ أَبَدًا، إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَحْمِلُ الكَلَّ، وَتَكْسِبُ المَعْدُومَ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الحَقِّ، فَانْطَلَقَتْ بِهِ خَدِيجَةُ حَتَّى أَتَتْ بِهِ وَرَقَةَ بْنَ نَوْفَلِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ العُزَّى ابْنَ عَمِّ خَدِيجَةَ، وَكَانَ امْرَأً تَنَصَّرَ فِي الجَاهِلِيَّةِ، وَكَانَ يَكْتُبُ الكِتَابَ العِبْرَانِيَّ، فَيَكْتُبُ مِنَ الإِنْجِيلِ بِالعِبْرَانِيَّةِ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَكْتُبَ، وَكَانَ شَيْخًا كَبِيرًا قَدْ عَمِيَ، فَقَالَتْ لَهُ خَدِيجَةُ: يَا ابْنَ عَمِّ، اسْمَعْ مِنَ ابْنِ أَخِيكَ، فَقَالَ لَهُ وَرَقَةُ: يَا ابْنَ أَخِي مَاذَا تَرَى؟ فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- خَبَرَ مَا رَأَى، فَقَالَ لَهُ وَرَقَةُ: هَذَا النَّامُوسُ الَّذِي نَزَّلَ اللَّهُ عَلَى مُوسَى، يَا لَيْتَنِي فِيهَا جَذَعًا، لَيْتَنِي أَكُونُ حَيًّا إِذْ يُخْرِجُكَ قَوْمُكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: «أَوَ مُخْرِجِيَّ هُمْ؟»، قَالَ: نَعَمْ، لَمْ يَأْتِ رَجُلٌ قَطُّ بِمِثْلِ مَا جِئْتَ بِهِ إِلَّا عُودِيَ، وَإِنْ يُدْرِكْنِي يَوْمُكَ أَنْصُرْكَ نَصْرًا مُؤَزَّرًا. ثُمَّ لَمْ يَنْشَبْ وَرَقَةُ أَنْ تُوُفِّيَ، وَفَتَرَ الوَحْيُ.

قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: وَأَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الأَنْصَارِيَّ، قَالَ: وَهُوَ يُحَدِّثُ عَنْ فَتْرَةِ الوَحْيِ فَقَالَ فِي حَدِيثِهِ: «بَيْنَا أَنَا أَمْشِي إِذْ سَمِعْتُ صَوْتًا مِنَ السَّمَاءِ، فَرَفَعْتُ بَصَرِي، فَإِذَا المَلَكُ الَّذِي جَاءَنِي بِحِرَاءٍ جَالِسٌ عَلَى كُرْسِيٍّ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، فَرُعِبْتُ مِنْهُ، فَرَجَعْتُ فَقُلْتُ: زَمِّلُونِي» فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا المُدَّثِّرُ. قُمْ فَأَنْذِرْ} [المدثر: 1- 2] إِلَى قَوْلِهِ: {وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ} [المدثر: 5]. فَحَمِيَ الوَحْيُ وَتَتَابَعَ، تَابَعَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، وَأَبُو صَالِحٍ، وَتَابَعَهُ هِلاَلُ بْنُ رَدَّادٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، وَقَالَ يُونُسُ، وَمَعْمَرٌ: بَوَادِرُهُ».

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمدٍ، وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:

فيقول الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- في الحديث الثالث من بدء الوحي في أوائل الكتاب: "حدثنا يحيى بن بُكير" بالنسبة للإسناد بدءًا من شيخه يحيى بن بكير، والشراح تختلف طرائقهم في تراجم رجال الأسانيد من جهات:

أولها: من حيث البداءة، هل يبدؤون بشيخ المصنف أو يبدؤون بالراوي الأعلى الصحابي، ثم الذي يليه من التابعي، يعني ينظرون إلى الترتيب الذكري أو الترتيب الزمني؟ فبعضهم يترجم للصحابي، ثم الذي يروي عنه، ثم الذي يروي عنه إلى آخر الإسناد، وبعضهم يبدأ بالترتيب الذكري، فيبدأ بيحيى بن بُكير، ويختم بعائشة، ولكلٍ وجه.

فالأولية -كما يقرر أهل العلم- لها نصيب في الأولوية، الأولية سواءً كانت ذِكرية، إذا بدأنا بيحيى بن بكير، أو زمنية، فله وجه، ولا شك أن البدء بالصحابي يعني له وجه، تقديمه على غيره، هو الأول من حيث الزمان، وهو مخرج الحديث وأصله وأساسه، لكن الذي يريد أن يشرح كلام على ترتيب نفس الكلام يبدأ به من حيث الذِّكر، يعني كما قال النبي -عليه الصلاة والسلام- مع الفارق: «أبدأ بما بدأ الله به» من الصفا والمروة، يعني بُدئ بها ذكرًا، فيبدئ بها فعلاً؛ لئلا يقول شخص مثلاً من الطلاب وهو يخفى عليه وجه تقديم بعض الشراح الترجمة للصحابي، وتقديم الآخرين لشيخ المؤلف، والخطب سهل، يعني سواء بدأنا بهذا أو بهذا، الأمر سهل، هذا من جهة.

الأمر الثاني: تختلف وجهات نظر المترجمين في الانتقاء في الترجمة من حياة المؤلف على أنهم يكادون أو يجمعون على أن الوفاة لا بد من ذكرها، وذكر الاسم واسم الأب، والكنية، واللقب، والنسبة، هذه أركان بالنسبة للترجمة، بعضهم يذكر الولادة، وبعضهم لا يذكرها، وبعضهم يذكر السن، وبعضهم لا يذكره، وبعضهم يذكر الطبقة، وبعضهم لا يذكر، والكمال أن يذكر الجميع.

يضيف بعضهم -وكل له انتقاؤه واختياره، وهي مناهج ومدارس لأهل العلم في التراجم- بعضهم يُعنى بما يتحقق به صحة الخبر، فيعتني هذا المترجِم بما يُذكر في الراوي من جرح وتعديل، ولا يلتفت إلى غيره، لا يلتفت إلى غيره، وهذه طريقة ابن حجر، وبعضهم يعنى بما يُذكر في ترجمة الراوي من حيث الطريقة والسلوك والعبادة والزهد، إن كان له شيء من ذلك، وهذه طريقة من اتصف بذلك؛ كالنووي مثلاً، النووي محسوب من العباد على أنه عالم، تجده يحرص أن يبرز هذه المعاني في ترجمة من يترجم له.

 الكرماني أيضًا له نفس في التراجم، يذكر أطرف ما ذُكر في ترجمة هذا الراوي، ولذا كتابه يعني من قرأ فيه يجد فيه متعة في تراجم الرواة، لكن ابن حجر يهتم بالدرجة الأولى بثبوت الخبر، ولذلك لا يذكر مزيدًا على ما قيل فيه من جرح أو تعديل، ويختار الراجح من هذه الأقوال، ولا يلتفت إلى غيرها.

النووي له منهج، وكلٌّ يستهويه ما يناسبه فيما يذكر في تراجم هؤلاء الرواة، فتجد العابد المكثر من الصلاة يركز على ما يُقال في ترجمة هذا الراوي من الصلاة مثلاً، والمهتم بالصيام كذلك، والمهتم بالتلاوة كذلك، وهكذا.

في الحديثين السابقين اقتصرنا في التراجم على ما في التقريب، ثم بعد ذلك لعلكم تسمعون شيء من التراجم في هذا اليوم مما يذكر في ترجمة الراوي مما يتميز به؛ لأن فيها شيئًا من المعاني العملية لترجمة الدين في الواقع العملي للراوي هذا، وهي أيضًا فيها حثّ على العمل، والذي يجد في نفسه شيئًا من الاسترخاء في العمل يقرأ في سير هؤلاء الأئمة بدءًا من سيد الخلق -عليه الصلاة والسلام-، فيقرأ في سيرته، ويتروى منها، ويتضلع منه؛ لأنها هي البيان العملي لنصوص الكتاب والسنة، ثم بعد ذلك في سير أصحابه -رضوان الله عليهم- الذين عايشوه وخالطوه، وامتزج حبه بلحومهم ودمائهم، فصاروا يقلدونه في كل شيء، وهو الأسوة، وهو القدوة، ثم الذين يلونهم من التابعين، ثم الذين يلونهم إلى عصر الرواية، وهو رأس -على ما قيل- الثلاثمائة، ثم بعد ذلك خلف من بعدهم خلوف فيهم وفيهم، فيهم العباد، وفيهم العلماء، فيهم الزهاد، فيهم أيضًا المخلط، فيهم من عندهم مخلفات، فيهم مبتدعة.

على كل حال؛ نشير إلى شيء من هذه الطرائف في هذه التراجم؛ لأن فيها تنشيطًا للسامع، وفيها أيضًا لفتات علمية وعملية تفيد طالب العلم.

فيحيى بن بكير هو نسبه الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- إلى جده، وهو يحيى بن عبد الله بن بكير المخزومي، لكن هل لنا أن نضيف في الإسناد الأب؟ نضيف الأب؟ نقول: حدثنا يحيى بن عبد الله بن بكير؟ وطريقة أهل العلم، يعني قد يقول مثلاً: حدثنا يحيى بن بكير، ويحيى بن بكير قال للبخاري: حدثنا الليث، هل يستطيع البخاري أن يقول: ابن سعد؟ هذا هو الواقع أنه ابن سعد، لكن باعتبار أن شيخه لم ينسبه فإن المؤلف لن ينسبه إلا بما يميّز ويبين أن هذه النسبة من عند المؤلف، فيقول: حدثنا الليث يعني ابن سعد، أو حدثنا الليث هو ابن سعد، يعني هو ما له يعني كبير فائدة إلا لبيان أن الشيخ وقع هكذا للمؤلف غير منسوب، ثم نسبه من عنده، ولذلك نستطيع أن نقول: قال الإمام البخاري: "حدثنا يحيى بن بكير" يعني
عبد الله، يعني يحيى بن عبد الله بن بكير، ننسبه، لكن نأتي بما يميز النسبة، وأنها ممن بعد الإمام البخاري.

يحيى بن عبد الله بن بكير المخزومي، مولاهم، المصري، قد يُنسب إلى جده؛ كما صنع الإمام البخاري -رحمه الله-، ثقة في الليث، يعني هذا من الأمور المهمة والدقيقة عند أهل العلم لا سيما أهل الحديث أنهم يبينون إذا كان الراوي ثقة مطلقًا أو ثقة في بعض شيوخه دون بعض، فيبينون أنه ثقة في فلان، وضعيف في فلان، قد يقول قائل: كيف يكون راوٍ ثقة أحيانًا وغير ثقة أحيانًا؟ يهتم بهذا الشيخ ويعتني به ويلازمه ملازمة شديدة فيضبط ما يرويه عنه، ويروي عن غيره من غير ملازمة وغير اهتمام وغير عناية، فيقع في حديثه الخطأ؛ كما قالوا في يحيى بن بكير بالنسبة لليث، قالوا: ثقة في الليث، وتكلموا في سماعه من مالك، ثقة في الليث، وتكلموا في سماعه من مالك.

من كبار العاشرة، هذا مر بنا في الحديثين السابقين، وأن من كان من العاشرة فهو بعد المائتين، بعد المائتين، ولذلك قال: مات سنة إحدى وثلاثين، ولا يحتاج أن يقال: ومائتين؛ لأنه معروف أنه ما دام من العاشرة فهو بعد المائتين.

مات سنة إحدى وثلاثين، وله سبع وسبعون سنة -كذا في التقريب- روى له البخاري ومسلم، فحديثه متفق عليه، الذي معنا متفق عليه، وله غيره، غير هذا الحديث في الصحيحين، وخرج له أيضًا ابن ماجه.

شيخه قال: "حدثنا الليث" وهو ابن سعد بن عبد الرحمن الفَهْمِي، أبو الحارث المصري، ثقة ثبت فقيه إمام، ثقة ثبت فقيه إمام مشهور، من السابعة، من السابعة، وشيخه، والراوي عنه من العاشرة، وهذا من السابعة، هل نقول: الإسناد فيه خلل؟ يعني تخلف، يعني فيه ثلاث طبقات بينهما، هذا من العاشرة، وهذا من السابعة؟ هل يتطرق إليه الانقطاع مثلاً؟ لأن معدل الطبقة الواحدة في حدود عشرين سنة، معدل الطبقة الواحدة في حدود عشرين سنة، تزيد أو تنقص قليلاً، فإذا كان يحيى بن بكير مات سنة إحدى وثلاثين، ويشاركه من العاشرة من مات سنة أربعين، ومن مات سنة عشرين، فهذا من السابعة إذا ضربتها في ما يقارب عشرين أو يزيد قليلاً عن العشرين، قال: من السابعة مات في شعبان سنة خمس وسبعين، في شعبان سنة خمس وسبعين.

 يعني لو قلنا: إن الطبقة عشرين سنة؛ لأن شيوخ الكتب الستة يعني في حدود المائتين وأربعين، مائتين، تزيد سنة واحدة أو أقل، إذا قسمناه على اثني عشر طبقة -كما في التقريب- خرج الناتج عشرين، لكن ليس هذا معناه أنها بدقة متناهية كما تنتج المصانع صناعاتها بدقة، لا، هذا الراوي يعمر بعد زملائه، وبعد طبقته، وذاك تخترمه المنية وهو من طبقة الليث مثلاً، يعني شارك الليث في الرواية عن، عن بعض الشيوخ، ومات في صغره، وبعضهم شارك الليث وعُمِّر بعده، وهكذا، فتزيد أو تنقص، على كل حال؛ هذه تقريبية، وليست بالتحديد.

معروف أن الطبقة هم القوم من الرواة المتشابهين في السن والأخذ عن الشيوخ، والأخذ عن الشيوخ، ولذلك قال: مات سنة خمس وسبعين، المفترض أن يكون، إذا قلنا: إنها بدقة مائة وثمانون، يعني تسع طبقات.

في شرح الكرماني بالنسبة لليث، ومعلوم أنه مات في شعبان سنة خمس وسبعين وأيش؟ ومائة، ومائة، لا يمكن أن يقال: بدون مائة، ولا يمكن أن يقال: ومائتين؛ لأنه من السابعة، يقول الكرماني في شرحه: وصفه الشافعي بكثرة الفقه، وصفه الشافعي بكثرة الفقه، وقال: إلا أنه ضيعه أصحابه، إلا أنه ضيعه أصحابه. وهو نظير الإمام مالك، بعضهم يفضله على مالك، لكن هل بقي علمه مثل ما بقي علم مالك؟ هل تبعه من الأتباع والأصحاب مثل من تبع الإمام مالك وقام بعلمه؟ لا، قال: إلا أنه ضيعه أصحابه، يعني لم يعتنوا بكتبه بنقلها والتعليق عنها، ففات الناسَ معظمُ علمه، يعني ما بقي إلا الذي يُنقل في الكتب، يعني يتداوله أهل العلم، يتناقلونه في الكتب، وإلا لو كان له أصحاب ينقلون أقواله، يعني ما فرطوا في شيء منها لبقي مذهب كغيره من المذاهب؛ لأنه إمام كبير فقيه، يعني على مستوى مالك والشافعي والأئمة، ففات الناسَ معظمُ علمه.

وقال قتيبة: كان دخل الليث كل سنة ثمانين ألف دينار، وما وجبت عليه زكاة قط، قال: كان دخل الليث كل سنة ثمانين ألف دينار، وما وجبت عليه زكاة قط، لماذا؟ لأنه ينفقها، ما يدخر شيئًا، ما فيها شيء يحول عليه الحول.

ومناقبه -رحمه الله- كثيرة جدًّا، وفيه التراجم المفردة، يعني أُفرد بالتأليف في ترجمته، وأيضًا ترجمته حافلة في كتب التراجم المطولة؛ كسير أعلام النبلاء، وغيره.

قال: "حدثنا الليث عن عُقيل".

عُقيل -بالضم- هو ابن خالد بن عَقيل -بالفتح-، عُقيل -بالضم- ابن خالد بن عَقيل -بالفتح- الأيلي، الأيلي -بفتح الهمزة، أبو خالد الأموي، مولاهم، والأموي كما هو معلوم بضم الهمزة، وهذا مطرد في هذه النسبة إلا في ابن خير الأشبيلي صاحب الفهرست الشهير، فإنه أَموي وليس بأُموي، نسبة إلى جبل هناك أَمو -بفتح الهمز-، وأما الأصل في هذه النسبة، فإنها نسبة إلى أمية فهي مضمومة الهمزة.

الأُموي مولاهم، ثقة ثبت، سكن المدينة، ثم الشام، ثم مصر، يقول الحافظ: من السادسة، مات سنة أربع وأربعين على الصحيح.

حديث الليث عند الجماعة، في الكتب الستة كلها، وكذلك عُقيل بن خالد.

عُقيل -بضم العين- يشاركه واحد من الرواة، وقبيلة واحدة من القبائل؛ كما قرر ذلك الحافظ العراقي وغيره:

عُقيل القبيل وابن خالد

 

كذا أبو يحيى وقاف واقد

عقيل القبيل يُنسب إليها أبو رزين العقيلي، وينتسب إليها الإمام المعروف صاحب كتاب الضعفاء، العُقيلي، وكذلك عُقيل بن خالد المذكور في الإسناد عندنا، وأبو يحيى عُقيل الخزاعي البصري له حديث عند مسلم، وأما البقية فكلهم بفتح العين، كلهم بفتح العين.

بعده يقول: "عن عقيل عن ابن شهاب" "عن ابن شهاب".

محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب، عن ابن شهاب، عن محمد بن شهاب، عن محمد بن مسلم، عن محمد بن عبد الله بن شهاب، قد يُنسب إلى أبيه، وقد يُنسب إلى جده، وقد يُنسب إلى جد أبيه، وهو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب بن عبد الله بن الحارث بن زهرة بن كلاب القرشي الزهري، أبو بكر الفقيه الحافظ، يقول الحافظ: متفق على جلالته وإتقانه، وهو من رؤوس الطبقة الرابعة، مات سنة خمس وعشرين، مات سنة خمس وعشرين، وقيل: قبل ذلك بسنة أو سنتين.

في شرح الكرماني يقول: سمع عشرة من الصحابة بل أكثر، وعلى هذا فهو تابعي، سمع عشرة من الصحابة بل أكثر، قال الليث: ما رأيت عالمًا أجمع من الزهري، ما رأيت عالمًا أجمع من الزهري ولا أكثر علمًا منه، وقال عمرو بن دينار: ما رأيت أتقن للحديث من الزهري، وما رأيت أتقن للحديث من الزهري، وما رأيت أحدًا الدينار والدرهم عنده، أهون عنده منه، وما رأيت أحدًا الدينار والدرهم أهون عنده منه، يعني من الزهري.

ولا شك أن الاهتمام بالدنيا والحرص عليها مؤثر، له تأثيره في العلم والعمل؛ لأنها ضارة، لأنها ضارة، وهي ممر ومعبر، فالذي يعتني بها ويوليها عنايته، ويتجه إليها بكليته لا شك أنه سوف يتأثر، فالعلم لا يمكن أن يُنال على الفراغ والراحة، يعني يُترك له ما يفضل من الوقت بعد أخذ الحظ الأكبر للدنيا، ولذا جاء التوجيه بقوله -جل وعلا-: {وَلاَ تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا} [القصص: 77]؛ لأن المسلم مع كثرة ما يسمعه من الترغيب في الدار الآخرة والعمل لها والمتاجرة لها قد ينسى الدنيا، وهذا هو الأصل، ولذا جاء التوجيه بقوله: {وَلاَ تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا} [القصص: 77]، يعني عكس ما عليه كثير من المسلمين في العصر الذي نعيش فيه، بل ممن ينتسب إلى العلم من طلبة العلم من لاح له شيء من الدنيا فانصرف عن العلم بكليته، تأثرت مجالس العلم لما راجت ونفقت سوق الأسهم، نعرف طلاب علم كانوا ملازمين للدروس، فانصرفوا للأسهم، ثم بعد ذلك ما الذي حصل؟ حتى إن بعضهم نسي القرآن، نسي العلم والعمل، وتعلق قلبه بالدنيا، والرجوع يحتاج إلى جهاد، وصبر ومصابرة وجهاد طويل.

ما رأيت أحدًا الدينار والدرهم أهون عنده منه -يعني من الزهري-، إن كانت الدراهم والدنانير عنده بمنزلة البعر، إن كانت الدراهم والدنانير عنده بمنزلة البعر.

نسمع ونقرأ ممن يسخر بمثل هذا الكلام في الصحف ووسائل الإعلام، وأن الله -جل وعلا- استعمر الخلق في الدنيا، يعني جعلهم يعمرونها، طلب منهم عمارتها؛ لأن السين والتاء للطلب، لا بد من عمارة الدنيا، وإلا كيف يصل الإنسان إلى مراده من أمر الآخرة إلا بشيء يعينه من أمر الدنيا؟ لكن ليس معنى هذا أن الناس ينصرفون إلى الدنيا وينسون الآخرة، الإنسان مخلوق لهدف عظيم {وَمَا خَلَقْتُ الجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56]، مخلوق لتحقيق العبودية، ما خُلق لجمع الحطام من الدنيا، لكن لا يتمكن من تحقيق العبودية إلا بشيء من الدنيا الذي هو نصيبه الذي أُمر بألا ينساه، أما أن تكون الدنيا هي الهدف فلا.

الرسول -عليه الصلاة والسلام- يقول: «ما يسرني أن يكون لي مثل أحد ذهبًا تأتي عليّ ثالثة وعندي منه دينار إلا دينارًا أرصده لدين، حتى أقول به هكذا وهكذا وهكذا» عن يمينه وشماله، من أمامه ومن خلفه، يفرقه في أقل من ثلاثة أيام، وجرى على ذلك أصحابه ومن تبعهم.

سعيد بن المسيب يعرف قدر الدنيا مثل ابن شهاب، ومثل الليث، ومثل غيرهم من سائر الأئمة، جاءه من يخطب ابنته لابن الخليفة، فقال له: يا سعيد جاءتك الدنيا بحذافيرها، أنت تتفرغ للعلم والعبادة والدنيا جاءتك بحذافيرها، ابن الخليفة يخطب بنتك، فقال له: إذا كانت الدنيا لا تساوي عند الله جناح بعوضة، فماذا ترى أن يُقص لي من هذا الجناح؟ يعرفون قدر الدنيا، والله المستعان.

من زوَّج سعيد بن المسيب ابنته التي خُطبت من قِبل ابن الخليفة؟ زوجها طالبًا من طلابه لا يجد شيئًا البتة، لا يجد شيئًا، ما وجد ما يصدقها، واغتبطت به، واغتبط بها، فليس المقياس الدرهم والدينار، النفقة والسكنى والقيام بالمرأة من حقوقها، لو تعذرت على الزوج فُسخت منه، لكن مع ذلك ليست هي الهدف من مشروعية النكاح، ليست هي الهدف، وليست هدفًا في إيجاد الإنسان، الإنسان في إيجاده غاية، لإيجاده غاية وهدف، تحقيق العبودية، تحقيق العبودية لا يتم إلا بشيء قال عنه الله -جل وعلا-: {وَلاَ تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا} [القصص: 77]، وإلا سوف يكون عالة على الناس، يتكفف الناس، وهذا مذموم في الشرع.

ومع ذلكم نسمع من ينادي بأمور مخالفة للشرع، مخالفة مخالفة صريحة من أجل بناء الاقتصاد، وإذا نوقش في شيء قال: هذا مخل بالاقتصاد، ولو كان من أعظم المحرمات، نسأل الله العافية.

وهناك من ينادي بإقحام المرأة لتعمل أعمالاً لا تليق بها؛ من أجل أن تكون عضوًا فاعلاً على حد زعمه في المجتمع من أجل اقتصاد البلد وسعادة المجتمع، لا والله إن هذه هي الشقاوة، يقحمها في مصنع، المسكينة يمكن أن تقحم في مصنع من أجل أن تنهض باقتصاد البلد، والله- جل وعلا- يقول: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} [الأحزاب: 33]، ويطنطنون حول تعطيل نصف المجتمع، ويقولون: إن هذا تخلف.

 كتب من كتب أن الدول رُتِّبت على حسب تقدمها وحضارتها، فصرنا في آخر القائمة، يعني ترتيبنا مائة وثمان وعشرون، وبعدنا يقول: كينيا، ودولة ثانية نسيت ما هي، واليمن نعم، لماذا لا نطلع؟ يعني الدول المنتسبة للإسلام التي تخلت عن كثير من واجبات الدين ما جاوزت، يعني ما جاوزت المائة، كلها تحت المائة، ماذا يريدون بعد؟ والله المستعان.

يعني خلل، خلل في التصور، والله أعلم بالنوايا، لكن خلل حينما يقال: يفرق بين المرأة العاملة والمرأة العاطلة، يعني المرأة التي في بيتها تربي أولادها على قال الله وقال رسوله، وعلى الحشمة والمحافظة هذه عاطلة، والتي تخرج من بيتها لتربي أولاد الناس في حضانة هذه عاملة، والمسألة يعني حتى في موازينهم ما تختلف، أنت بدل ما تخرج المرأة تربي أولاد الناس، تحضر لأولادك حاضنة ومربية وامرأة تخدمهم براتب، لكنه الهوى، الهوى الذي ما له علاج، وإلا لو المسألة عقل، يعني فرق كبير بين أن تتولى الأم تربية أولادها، وبين أن تكل التربية إلى غيرها لتذهب لتربي أولاد الناس، أو لتخدم الناس في مصلحة من المصالح، فضلاً عن أن تعمل في مصنع، أو تعمل في مكان يعرضها للفتنة.

هذه حقيقة الدنيا عند هؤلاء الأئمة، ومع الأسف أن هؤلاء محل سخرية الآن من كثير من الكتاب.

إن كانت الدراهم والدنانير عنده بمنزلة البعر، يقول الإمام البخاري في تاريخه: إنه- يعني الزهري- أخذ القرآن في ثمانين ليلة، في ثمانين ليلة، يعني ثلاثة أشهر إلا عشرة أيام، أو اثني عشر يومًا، ثمانين ليلة، يعني معدل كم في اليوم؟ ثلاثون جزءًا، الجزء.

طالب:......

الشيخ: كيف؟

طالب:......

الشيخ: نعم، يعني لو قسمنا صفحات القرآن الستمائة على ثمانين، نقول: ثلاثمائة ورقة على ثمانين، كم؟

طالب:......

الشيخ: ثلاثون ورقة، المصحف على ثمانين، سبع، كم؟

طالب:......

الشيخ: لا، لا، أقل، أقل.

طالب:......

الشيخ: يعني الآن عندنا ثلاثون جزءً، فيها ثلاثمائة ورقة، الجزء عشر ورقات، لو قدرنا أنه في شهر، قلنا: كل يوم جزء، في شهرين كل يومين جزء، وفي شهرين ونصف ثلاثة أرباع الحزب.

المقصود أن هذا الحفظ بالنسبة لهذا الإمام مناسب جدًّا إذا قارناه بما يحفظ من السنة، حافظ متقن، يعني من الحفاظ المتقنين، ومن المعاصرين الآن من حفظ القرآن في ثلاثة أشهر، ثلاثة أشهر، ومنهم من حفظه في ستة أشهر، ومنهم من حفظه في تسعة أشهر.

وعلى كل حال، على الإنسان ألا يكلف حافظته أكثر مما تطيق، يختبر نفسه، فإذا كان ممن يحفظ الورقة لا يزيد عليها؛ لأن لهذا، لهذا أثره في ثبات الحفظ، في ثبات الحفظ؛ لأن بعض الناس يأتي متحمسًا، يسمع مثل هذا الكلام يقول: أريد أن أحفظ كل يوم نصف جزء، ثم بعد ذلك يتعب، وفي النهاية لا شيء، ولو قُدر أنه ممن وُصف بقوة الحفظ، وحفظ في كل يوم نصف جزء، ثم بعد ذلك المراجعة صعبة، لا بد أن يُثَبَّت بالمراجعة، القرآن يتفلت تفلت الإبل من عقلها، فالمراجعة أمر لا بد منه.

ولذا الدورات التي تُقام المكثفة، ويقال: إنه يُحفظ القرآن في شهر أو في شهرين، هذه لا شك أنها نافعة ومفيدة، لكن لبعض الناس دون بعض، الذي لديه قوة حفظ ممكن، على أن يستغل اليوم كله للحفظ والمراجعة، أما ضعيف الحفظ هذا يُكلَّف فوق ما يطيق، وفي النهاية يفشل، ولو صُنف الطلاب بعد اختبارهم إلى فئات، فئة تحفظ في شهرين، وفئة في ثلاثة، وفئة في سنة وفي سنتين، ما المانع؟ يعني كثير من طلاب العلم لا يستطيع أن يحفظ نصف ورقة في اليوم، وهذا يحتاج إلى سنتين، يحتاج إلى سنتين، وبعضهم يحتاج إلى ثلاث سنوات، ومع ذلك الذي يأخذ بالتدريج، ويعرف مقدار ما تتحمله حافظته، ويعطي هذه الحافظة بقدر ما تتحمله مع الوقت والزمن يمضي، يجده في النهاية حفظ ولو بعد عشر سنين، وما الذي يضر؟ يعني جاء في الآثار والأخبار عن عمر وابن عمر: تعلم البقرة في عشر سنين، في ثماني سنين بعض الروايات، لكنهم على طريقتهم، لا يتجاوزون عشر الآيات حتى يتعلموا ما فيها من علم وعمل، كان القرآن ينزل بالتدريج، ينزل منجمًا، فإذا نزل منه شيء تعلموا ما فيه من علم وعمل.

لكن الآن القرآن محفوظ مضبوط بين الدفتين، هل نقول لطالب العلم من المناسب أن تتعلم مثل طريقة الصحابة؟ عشر آيات حتى تعلم ما فيها من العلم والعمل مهما أخذت عليك من الوقت، والبقرة خذها في عشر سنين؟ هذا يفوت عليه حفظ القرآن، وكم من واحدٍ نُصح في أن يحفظ بعد مراجعة القدر الذي يريد حفظه من كتب التفسير، ثم في النهاية ترك، نعم لو استصحب معه تفسيرًا مختصرًا أو كتابًا من كتب غريب القرآن يكشف له معاني الآيات، الألفاظ الغريبة، طيب هذا، لكن يقال له: راجع كتب التفسير المطولة والمختصرة قبل أن تحفظ، هذه قريبة من طريقة الصحابة، يعني إنك تقرأ مثلاً خمس آيات، عشر آيات وتكررها وتراجع كل ما كُتب عليها من قِبل المفسرين، لكنك تحتاج إلى عُمْرٍ مديد، وقد لا تحفظ قد تنقطع.

نعم؛ على الإنسان أن يكون له قدر للحفظ، ووقت للمراجعة، ووقت للقراءة التي تحصِّل أجر الحروف، ووقت لقراءة التدبر.

وذكروا عن بعضهم أنه كان يختم القرآن كل يوم، هذا من أجل تحصيل أجر الحروف، كل حرف عشر حسنات، ثلاثة ملايين حسنة في الختمة الواحدة، وأخذ في ختمة التدبر عشرين سنة، التدبر والترتيل، هو الذي يُورث القلب مع العلم والإيمان والطمأنينة واليقين مثل ما قال شيخ الإسلام: الشيء الذي لا يدركه من لا يزاوله.

تدبر القرآن رمتَ الهدى

 

فالعلم تحت تدبر القرآن

وكثير من طلاب العلم يتردد ويتذبذب، هل يقرأ قراءة سرد من أجل تحصيل الحروف، أو يستمر على التدبر ولو لم يختم إلا في السنة مرة؟ وأيهما أفضل؟ أهل العلم ذكروا الخلاف في الأفضل من الطريقتين: الهذ مع كثرة المقروء، أو الترتيل والتدبر مع قلة المقروء، والجمهور على أن الترتيل والتدبر أفضل من مجرد السرد.

أخذ القرآن في ثمانين ليلة، الآن القرآن محفوظ مضبوط بين الدفتين، فكون طالب العلم يهتم به قبل كل شيء حتى يضمن حفظ القرآن، ثم يلتفت إلى غيره من العلوم، هذه طريقة المغاربة؛ كما بيَّن ذلك ابن خلدون في مقدمته، طريقة المغاربة، ما يقرؤون شيئًا من العلم حتى يحفظوا القرآن، فإذا ضمنوا حفظ القرآن في الصغر بنوا عليه ما بعده من العلوم، هذه نافعة جدًّا؛ لأنها تحصِّل أول ما يحصل طالب العلم حفظ القرآن، والقرآن لا شك أنه خير مفتاح، وخير عون لطالب العلم في جميع الفنون.

طريقة المشارقة تختلف، ما يحفظون القرآن كاملًا، الصبي أول ما يدخل الكتاب يُعلَّم الحروف، وقصار السور، ثم يُبدأ به بصغار العلم من المتون الصغيرة، ثم بعد ذلك يحفظ قدرًا أكبر من القرآن، يحفظ المفصل، ثم يخلط معه ما يناسب ما بعد المبتدئين من الكتب، ثم بعد ذلك يكمل حفظ القرآن مع بقية العلوم.

طريقة المغاربة لو لم يكن فيها إلا ضمان حفظ القرآن؛ لأنه بالطريقة الثانية -طريقة المشارقة- نشأ كبار وهم يخلطون القرآن بغيره، ثم بعد ذلك يستهويهم العلم ويستدرجهم ومن كتاب إلى كتاب، ومسألة إلى مسألة، ثم في النهاية يجد نفسه ما حفظ القرآن، وهذا كثير في المشارقة لا سيما في المتأخرين، تجد عالمًا، ولذلك، والذي جعل بعض طلاب العلم يتساهلون ويتراخون في مثل هذا أن حفظ القرآن لم يشترطه أهل العلم للاجتهاد، يريدون أن يدخلوا في زمرة العلماء الذين جاء حثهم أو مدحهم في النصوص.

ولا شك أن العلم له نشوة، والاطلاع له رغبة تجذب طالب العلم إلى الإكثار، وكلما قرأ وازداد في القراءة زادت رغبته، ثم في النهاية يجد نفسه ما حفظ القرآن.

فوصيتي لطلاب العلم ألا يقدموا شيئًا على القرآن؛ ليضمنوا حفظه، ثم بعد ذلك يلتفتون إلى غيره من العلوم.

قال -رحمه الله-: "عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير".

عروة بن الزبير تقدم في الحديث الذي قبله، نضيف هاهنا قول الكرماني قال: عروة بن الزبير بن العوام، التابعي الجليل، المجمع على جلالته وإمامته وكثرة علمه وبراعته، وكثرة علمته وبراعته، وهو أحد فقهاء المدينة السبعة، وهم، يعني ذكر البيت، يعني الكرماني قال:

فخذهم عبيد الله عروة قاسم

 

سعيد أبو بكرٍ سليمان خارجة

فخذهم عبيد الله عروة قاسم

 

سعيد أبو بكرٍ سليمان خارجة

وقبله، قبل هذا البيت مما لم يذكره الكرماني:

ألا كل من لا يقتدي بأئمة

 

فقسمته ضيزى عن الحق خارجة

فخذهم عبيد الله عروة قاسم

 

سعيد أبو بكرٍ سليمان خارجة

هذان البيتان في فتح المغيث نُسبا لمحمد بن يوسف بن الخضر الحلبي الحنفي، متوفى سنة أربع عشرة وستمائة، أو الحافظ أبي الحسن علي بن المفضَّل المالكي، المتوفى سنة إحدى عشرة وستمائة.

ذكر السخاوي بعد ذكر البيتين كلامًا لا قيمة له ولا أصل له، لا قيمة له ولا أصل له، نعم ساقه بصيغة التمريض، لكن ينبغي أن يعلق عليه، قال بعد أن ذكر البيتين: يُقال: إنه ما كُتبت أسماؤهم، ما كُتبت أسماؤهم ووُضعت في شيء من الزاد أو القوت إلا بُورك فيه وسلم من الآفة كالسوس وشبهه، ويُقال، بل يقال: إنها أمانٌ للحفظ في كل شيء، وتزيل الصداع العارض.

هذا كلام لا قيمة له، هذا كلام ليس بصحيح، هذا كلام تعلق بالبشر، وفي الأمة من هم أفضل منهم بكثير ما يحصل ما ذُكر، يعني لو تكتب اسم الرسول -عليه الصلاة والسلام- على الزاد، أو أبي بكر، وعمر، أو كبار الأمة وسادتها ما حصل شيء.

هذا السؤال يقول: إنه أُخذ على الإمام الزهري -رحمه الله- أنه كان يغشى مجالس السلاطين، وغشيان مجالسهم يختلف من شخص إلى آخر، فالذي يستطيع أن يؤثر عليهم، ويبذل النصيحة لهم، ويشير عليهم بما ينفعهم وينفع شعوبهم، هذا يتعين عليه أن يغشى هذه المجالس، أما الذي يتأثر بهم، وبما هم عليه من التوسع في الدنيا، أو من بعض المخالفات التي يرتكبونها؛ لأنهم ليسوا بمعصومين، أو لا يستطيع أن ينصحهم ويبذل لهم النصح، فمثل هذا يُعاب بدخوله عليهم، ويوجد في مجالس الملوك من القرن الأول فما يليه في عهد بني أمية وبني العباس ثم من دونهم من يغشاهم من النَّصَحَة، كما أنه يوجد من يغشاهم من المرتزقة.

يعني مر بنا في تفسير القرطبي في تفسير سورة النحل أنه في مجلس المنصور ذُكر العسل، وقُرئت آية النحل {يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِّلنَّاسِ} [النحل: 69]، فقال واحد من المرتزقة: ترى المراد أهل البيت، لكن الجواب كان مسكِتًا، قال شخص من الحاضرين: جعل الله شفاءك فيما يخرج من بطون أهل البيت، ما هذا الجواب؟! يعني يحرِّف القرآن من أجل أن المنصور من آل البيت، منتسب إلى العباس بن عبد المطلب؟! نسأل الله السلامة والعافية.

يوجد هذا، ويوجد من ينصح إلى وقتنا هذا، يعني يغشى مجالس الحكام والرؤساء والأعيان والأمراء من يعينهم على الخير، ويوجد من يفتح لهم أبواب شر، وكلٌّ له حسابه عند الله -جل وعلا-، فالذي يستطيع أن يؤثر، فهذا يتعين عليه، يؤثر فيهم خيرًا، ولا يتأثر بما هم عليه وما عندهم من مخالفات، وهذا فرع من فروع الخلطة والعزلة العامة؛ لأنه جاءت نصوص تحث على الخلطة، والذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم هذا أجره عظيم عند الله -جل وعلا-؛ كما أنه جاء في العزلة أحاديث صحيحة «يوشك أن يكون خير مال المسلم غنمًا يتبع بها شعف الجبال، يفر بدينه من الفتن»، وعلى ما قلنا آنفًا يتنزل الأمران.

فالحث على الخلطة حينما يأمن الإنسان على نفسه، فيكون مؤثِّرًا غير متأثر، والعكس بالعكس، الذي تأثر بما عند الناس من مخالفات، ولا يستطيع أن يؤثر فيهم فالعزلة بالنسبة له أفضل، والشراح في القرن الثامن والتاسع قالوا: والمتعين في هذه الأزمان العزلة؛ لعدم خلو المحافل من المنكرات، لكن هذه نظرة تشاؤم حقيقة، وما زالت الأمة في خير، وفيها خير عظيم، والخير في أمة محمد إلى قيام الساعة، لكن على الإنسان أن ينظر في نفسه، وهو أعرف الناس بنفسه، إن كان يتأثر ولا يؤثر، هذا يعتزل.

لكن الإشكال أن يُتخذ مثل هذا ذريعة للتنصل من النفع، بعض الناس يستطيع أن ينفع، وعنده ما ينفع به غيره، وعنده من القوة والصلابة في الدين ما لا يتأثر معه بما عليه الناس من منكرات، ثم يبرر لنفسه أن العزلة في مثل هذه الأزمان لا سيما مع كثرة المنكرات وقلة المنكِر هي المتعينة كما قال الشراح؛ لأنه قد يدخل عليه الشيطان، فيلبس عليه في هذا الباب، وكم من شخص نفع الله به، ثم فجأة اختفى، آثر العزلة وترك، وهو في الحقيقة ما آثر العزلة إنما آثر الراحة، آثر الراحة، والنفس تحدِّث كثيرًا حينما ينظر الإنسان في النصوص تحدثه نفسه أنه فيه نصوص كثيرة صحيحة تحث على العزلة، لماذا لا يعتزل الإنسان ويرتاح من مشاكل الناس كلهم؟ ينبغي أن ينظر الإنسان إلى نفسه على ضوء ما تقدم.

نرجع إلى كلام السخاوي، ما ذكره السخاوي من قوله: يُقال: إنه ما كُتبت أسماؤهم ووُضعت في شيء من الزاد أو القوت إلا بُورك فيه وسلم من الآفة كالسوس وشبهه.

يعني هل هذا من باب طلب هذا الأمر منهم فيكون من قبيل الشرك؟ أو هو من باب التبرك بأسمائهم فيكون بدعة؟

طالب:......

الشيخ: نعم، كيف؟

طالب:......

الشيخ: على ماذا؟ مجرد تبرك، ليس بطلب منهم، الله -سبحانه وتعالى- هو الذي يجعل البركة.

ببركة أسمائهم التي وُضعت، المقصود أنهم يفرقون بين أن يُطلب من الشخص أو يُطلب بسببه، يعني تكون البركة بذكر اسمه على هذا الطعام، أو بكتابة اسمه يختلف هذا، لكن نجد في بعض الكتب التي تأتينا من بعض الأقطار التي تنتسب إلى الإسلام كتب علم، وهي كتب أهل علم في الجملة، يعني مملوكة من قِبل علماء قرأوها وعلقوا عليها، وتجد تعليقات نافعة عليها، تجد هذا الشخص كتب على نسخته: يا كيكبج احفظ الورق، هذا شرك، هذا شرك، هذا شرك، يعني بعضهم قال: إن هذا المنادى ورق، ورق شجر له نفع في حفظ الورق إذا وُضع فيها، نعم إذا وُضع فيها وجرب وصار سببًا فما فيه إشكال، لكن أن يُدعى وهو غير حاضر ولا قادر على حفظ الورق هذا الشرك الأكبر.

الإشكال أنه يأتي مكتوبًا من قبل بعض من ينتسب إلى العلم، يعني نسخة عالم جاءت مثلاً من كتاب في شرح حديث مثل فتح الباري، يجيء مكتوبًا عليه هذه العبارة، أو تفسير، تفسير الطبري يُكتب عليه مثل هذا، وبعضهم يقدم الباء، وبعضهم يقدم الياء، وبعضهم يا كيبكج، أو كيكجب. المقصود أن مثل هذه العبارة: لأنهم يختلفون في كتابتها، يا كيب، يا كيبكج هذا أكثر ما يُكتب -حرف النداء ثم كاف ثم ياء ثم باء ثم كاف ثم جيم- احفظ الورق يعني من السوس، من العتة، من الأرضة، هذا شرك، أسأل الله السلامة والعافية.

وبعضهم يحاول أن يبرر لمثل هذه الكتابات فيقول: لعل هذا المنادَى هو الله -جل وعلا-، ويكون هذا اسمًا من أسمائه ببعض اللغات مثلاً، يعني ما يقصد أن ..... ما معنى احفظ الورق؟

يقول: احفظ الورق يعني له حقيقة المنادَى أم لا؟

طالب: ..........

حسية نعم.

طالب: ..........

 ما هو بالورق، المنادَى هذا الذي طُلب منه أن يحفظ الورق، دعنا من الياء، طلب حفظ الورق منه ماذا يصير؟

طالب:......

الشيخ: بلى  طلب، احفظ الورق، بالحرف يقول كذا.

طالب:......

الشيخ: لكن هذا لفظ عربي، احفظ الورق عربي، لكن اللغة العربية التي يتعامل بها الناس المسلمون كلهم احفظ الورق هذا طلب، لكن هذا المنادَى، ماذا يصير؟ هل هو جني أم ورق شجر أم اسم من أسماء الله بغير العربية؟ الله أعلم.

طالب: ........

 علماء، لكن يطوفون على قبور بعد، فماذا تقول؟ هو جاء من بلاد بدع، هو جاء من بلاد بدع.

طالب:......

الشيخ: أنا أقول لك: في العرف عالم، يعني له تعليقات في الفن مفيدة، أنا أقول لك: له تعليقات في الفن مفيدة.

طالب: ...........

 لا، عالم محقق ما يمكن أن يقول هذا الكلام، عالم محقق لا يمكن أن يقول مثل هذا الكلام.

يقول: بل يقال: إنها أمان للحفظ في كل شيء، وتزيل الصداع، الصداع العارض. نسأل الله العافية.

علق المحقق على ذلك الدكتور الفاضل الشيخ محمد آل فهيد على القسم، النصف الأخير من فتح المغيث، يقول: ثم إنه ليس هؤلاء مع جلالتهم ورفعة قدرهم بأجل ولا أرفع شأنًا عند الله ولا عند خلقه من رسوله -عليه الصلاة والسلام-، ولا خلفائه الراشدين، ولم يأت في كتابة أسمائهم شيء من ذلك، على أنه اختُلف في السابع، السابع من الفقهاء السبعة اختلف فيه هل هو أبو سلمة بن عبد الرحمن أو سالم بن عبد الله بن عمر، أو أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام الذي تقدَّم في الحديث السابق.

بعد هذا يقول: "عن عروة بن الزبير عن عائشة أم المؤمنين".

عائشة تقدمت -رضي الله عنها- في الحديث السابق، ويقول الحافظ ابن كثير بالنسبة لقوله: "أم المؤمنين" في قوله تعالى: {وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ} [الأحزاب: 6]، أي: في الحرمة والاحترام والتوقير والإكرام والإعظام، لا في جواز الخلوة بهن، ولا بنشر الحرمة إلى بناتهن وأخواتهن بالإجماع، وإن سمى بعض العلماء بناتهن أخوات المؤمنين؛ كما هو منصوص الشافعي- رضي الله عنه- في المختصر، قال: وهو من باب إطلاق العبارة لا في إثبات الحكم، وهل يُقال لمعاوية وأمثاله خال المؤمنين؟ باعتبار أن أخته أم المؤمنين، مقتضى ذلك أن أخاها خال المؤمنين؛ كما هو الشأن في الأم الحقيقة، والخال الحقيقي، وهل يقال لمعاوية وأمثاله خال المؤمنين؟

فيه قولان للعلماء -رضي الله عنهم-، ونصَّ الشافعي -رضي الله عنه- على أنه يُقال ذلك. يعني من باب أنه إذا ثبت للأخت أنها أم، فأخوها خال، ويبقى أن مثل هذا أيضًا في الحرمة، في التعظيم والتوقير.

طالب: ..........

نعم.

طالب: ..........

 نعم.

{مِن وَرَاءِ حِجَابٍ} [الأحزاب: 53]، كانوا يأخذون {مِن وَرَاءِ حِجَابٍ} [الأحزاب: 53]، ما دخلوا، ما دخلوا، كانت تقول في صفوان في قصة الإفك: وكان يعرفني قبل الحجاب، يعني كغيرها تحتجب.

طالب: ..........

 جاء الحديث الصحيح بقبولها وأنها من... ما فيها أدنى إشكال ولا شبهة، من غير استشراف جاء في صحيح مسلم، وأن أعطية السلطان من بيت المال؛ يعني من المكاسب الطيبة، من دون استشراف.

وقال في الحديث: أما إذا كان ثمنًا لدينك فلا، في الصحيح -صحيح مسلم-.

قال: وهل يُقال لهن: أمهات المؤمنات فيدخل النساء في جمع المذكر السالم تغليبًا؟ فيه قولان، صح عن الشافعي، صح عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: لا يُقال ذلك، جاء عنها أنها تقول: نحن أمهات المؤمنين لا أمهات المؤمنات، يعني اقتصارًا على ما جاء في النص، {وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ} [الأحزاب: 6]، فهل تدخل النساء في أمهاتهم أم ما تدخل؟ المسألة خلافية، دخول النساء في خطاب الرجال، لكن إذا نظرنا أن امرأة خُوطبت أو تُكلم عنها أُخبر عنها بأنها من المؤمنين، من القانتين توجه القول بدخول النساء في خطاب الرجال، {وَكَانَتْ مِنَ القَانِتِينَ} [التحريم: 12].

طالب: ..........

 نعم، وهذا ما فيه إشكال، النساء شقائق الرجال.

وصح عن عائشة أنها قالت: لا يُقال ذلك، وهذا أصح الوجهين في مذهب الشافعي -رحمه الله- يعني الاقتصار على ما جاء في الآية مع أن الرجال، النساء لا يدخلن في خطاب الرجال.

طالب: ..........

ماذا فيها؟ باعتبارها أَمَة، هي ليس لها من الحقوق مثل ما للحرائر، ولا يلزم القَسْم كما يلزم للحرائر على أنه لا يجوز أن تتزوج بعده -عليه الصلاة والسلام- كنسائه، فينتابها الأمران باعتبارها أمة لا تُلحق بهن، وباعتبار أنها موطوءة منه -عليه الصلاة والسلام- وفراشه ينبغي يجب أن يُعظَّم ويوقر، يعني ينتابها الأمران.

وقال الكرماني: وعن عائشة -رضي الله عنها- أنها قالت: أنا أم رجالكم لا أم نسائكم، وهل يقال للنبي -عليه الصلاة والسلام-: أبو المؤمنين؟ يعني إذا كانت أزواجه أمهات المؤمنين، وإخوانهم أخوال المؤمنين -كما تقدم في أصح الوجهين عن الشافعي- هل يقال لزوجهن: أبو المؤمنين؟

يقول: وهل يقال للنبي -صلى الله عليه وسلم- أبو المؤمنين؟ قال: الأصح الجواز، الأصح الجواز، ومعنى قوله تعالى: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ} [الأحزاب: 40]، أي: لصلبه، يعني في مسألة المولى زيد بن حارثة لما كان يُدعَى زيد بن محمد نزل قوله -جل وعلا-: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ} [الأحزاب: 40] من أجل نفي التبني، نفي التبني، بعضهم يقول: إن الأولى أن يُقال كما قال -عليه الصلاة والسلام-: «أنا كالأب لكم»، أو «أنا كالوالد لكم»، يعني ما يقال: والد إنما يقال: كالوالد.

طالب: ..........

يعني بعض أهل العلم يشترط ألا يلتحق بحلقته في التعليم إلا من حفظ القرآن، حتى بعض الجهات، دور العلم الرسمية بعضها يشترط.

يقول: هل يجوز قراءة الحديث مثل قراءة القرآن؟

الآيات فقط، مرنا في حديث عائشة الطويل، هذا الكلام ليس بصحيح، هذه قراءة بصوت ندي وجميل، لكنها لم تقرأ كما يقرأ القرآن بأحكام التجويد، الممنوع عند أهل العلم أن يشبه كلام الخالق بكلام المخلوق، أو العكس كلام المخلوق بكلام الخالق، بحيث تُجرى على كلام المخلوقين أحكام التجويد الخاصة بالقرآن، أما قراءة كلام البشر بصوت ندي مؤثر في السامع منشط له فهذا لا إشكال فيه.

هل للبخاري كتاب اسمه الضعفاء؟

نعم، وأدخل فيهم بعض الرواة الذي قال فيهم أبو حاتم: أدخله البخاري في الضعفاء وقال: ينبغي أن يحوَّل.

والله أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمدٍ، وعلى آله وأصحابه أجمعين.

"