كتاب الإيمان (34)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

نعم.

طالب: الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

اللهم اغفر لنا ولشيخنا واجزه عنا خيرًا يا ذا الجلال والإكرام.

قال الإمام أبو عبد الله -رَحِمَهُ اللهُ تعالى-: بَابُ قَوْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَنَا أَعْلَمُكُمْ بِاللَّهِ»، وَأَنَّ المَعْرِفَةَ فِعْلُ القَلْبِ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ} [البقرة: 225].

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلاَمٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدَةُ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا-، قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا أَمَرَهُمْ، أَمَرَهُمْ مِنَ الأَعْمَالِ بِمَا يُطِيقُونَ، قَالُوا: إِنَّا لَسْنَا كَهَيْئَتِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ اللَّهَ قَدْ غَفَرَ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ، فَيَغْضَبُ حَتَّى يُعْرَفَ الغَضَبُ فِي وَجْهِهِ، ثُمَّ يَقُولُ: «إِنَّ أَتْقَاكُمْ وَأَعْلَمَكُمْ بِاللَّهِ أَنَا»".

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد، فيقول الحافظ ابن حجر في شرح هذا الباب: ("بَابُ قَوْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَنَا أَعْلَمُكُمْ بِاللَّهِ»، وَأَنَّ المَعْرِفَةَ فِعْلُ القَلْبِ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ} [البقرة: 225]")، الفعل والعمل والكسب بمعنى واحد، فاستدل الإمام البخاري- رَحِمَهُ اللهُ تعالى- بالآية: {وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ} [البقرة: 225] أن القلوب تكسب، وأنها تفعل، وأنها تعمل؛ لأن هذه الألفاظ متقاربة المعاني.

(قوله: "باب قول النبي -صلى الله عليه وسلم-" هو مضاف بلا تردد)؛ لأنه أحيانًا في بعض الأبواب يُقطع الباب عن الإضافة، فيقال: بابٌ قول النبي -صلى الله عليه وسلم-، فإذا ذُكر بعد الترجمة بعد الباب جملة تامة من مبتدأ وخبر صح قطعه عن الإضافة، وهو الأصل، وصحت إضافته إلى الجملة. وأما إذا لم يُذكر بعد لفظ الباب جملة تامة مفيدة، وإنما ذُكر كلمة ولو أضيف إليها غيرها فإنها لا تخرج عن كونها كلمة ولو أضيفت، مثل هنا: "باب قول النبي- صلى الله عليه وسلم-"، فالباب مضاف إلى قول النبي -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ-، قال: (هو مضاف بلا تردد)، قد يأتي شارح من الشراح فيقول: نقدر للقول خبرًا، فنجعله مبتدأً وخبره محذوفـ فيصح قطع باب عن الإضافة.

لكن الأصل أن ما لا يحتاج إلى تقدير أولى مما يحتاج إلى تقدير. قال هنا: (هو مضاف بلا تردد.

قوله: «أنا أعلمكم» كذا في رواية أبي ذر)، الآن الباب ثابتة في جميع الروايات أم في بعضها دون بعض؟ ابن حجر ما أشار إلى شيء، الأصيلي عنده لفظ "باب" أم ما عنده؟

طالب: ..........

ما عنده لفظ "باب"، ولذا ما أشار الحافظ ابن حجر إلى هذا الفرق من فروق الروايات.

(قوله: «أنا أعلمكم» كذا في رواية أبي ذر، وهو لفظ الحديث الذي أورده في جميع طرقه)، «إن أتقاكم وأعلمكم بالله أنا»، «أعلمكم»، والترجمة: "«أنا أعلمكم بالله»" يعني بلفظ الحديث، (وهو لفظ الحديث الذي أورده في جميع طرقه، وفي رواية الأصيلي: أعرفكم، وكأنه مذكور بالمعنى حملاً على ترادفهما هنا وهو ظاهر هنا)، يعني في هذا الموضع، ويؤخذ منه أنهما ليسا مترادفين على الإطلاق؛ لأنه قال: (وكأنه مذكور بالمعنى حملاً على ترادفهما هنا، وهو ظاهر هنا، وعليه عمل المصنف)؛ لأنه يريد أن العلم من الكسب، والمعرفة مثله هنا في هذا الموضع من كسب القلب. لكن هل هناك فرق بين العلم والمعرفة؟ العلماء يفرقون، فيقولون: إن العلم لا يستلزم سبق الجهل، ولذلك يوصف به الرب -جَلَّ وعَلا-، يوصف بأنه عالم وعليم وعلام، والمعرفة تستلزم سبق الجهل، ولذا لا يوصف بها الله -جَلَّ وعَلا-؛ لأنه تستلزم سبق الجهل.  

وأما بالنسبة للمخلوق فمترادفان؛ لأن علمه ومعرفته كلاهما مستلزم لسبق الجهل، والله خلق الإنسان جهولًا ظلومًا، ولذلك نفهم مراد الحافظ ابن حجر من قوله: (وكأنه مذكور بالمعنى حملاً على ترادفهما هنا، وهو ظاهر هنا، وعليه عمل المصنف)؛ لأنه بالنسبة لعلم المخلوق ومعرفته ما فيه فرق، ما فيه مخلوق عنده علم لم يسبقه جهل. طيب لا يستلزم سبق الجهل، هل معناه أن من لازمه ألا يسبقه جهل؟

طالب: ..........

لا ليس من لازمه، فعلم المخلوق مسبوق بجهل، وهو علم متفق على تسميته علمًا. هذا ما قرره أهل العلم في الفرق بين العلم والمعرفة، لكن ماذا عن قول الرسول -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ-: «تعرف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة»؟  

طالب: المقابلة.

المقابلة طيب والمشاكلة، يمكن أن يقال هذا، لكن ألا يرد على قولهم؟ أو أنه يُتجاوز في الإخبار ما لا يتجاوز في الأوصاف والأسماء؟ يعني يُتوسع في الأخبار فلا يُقتصر فيها على ما ورد، يعني يشتق من الاسم صفة، ومن الصفة خبرًا يخبَر عنه، والخبر أوسع، يعني ما يشتق من الخبر أو يؤخذ من الخبر اسم أو صفة. جاء في كثير من الأخبار عنه -جَلَّ وعَلا- ما لم يثبته أهل العلم في الأسماء ولا في الصفات: «إن الله طيب» يمكن أن يُسمى عبد الطيب، أو رفيق مثلاً، وجاء وصفه به أنه طبيب، نعم، يعني الإخبار عنه، أما وصفه فلا. على كل حال هذا موضوع يحتاج إلى مزيد عناية وموضعه دروس العقيدة.

(قوله: "وأن المعرفة" بفتح "أن")، يعني همزة "أن" (والتقدير: باب بيان أن المعرفة، وورد بكسرها وتوجيهه ظاهر)، وإن المعرفة بناءً على أن الواو استئنافية (وتوجيهه ظاهر، وقال الكرماني: هو خلاف الرواية والدراية)، ورد في النص أم في نسخ البخاري ورواياته؛ لأن الكرماني يقول: (خلاف الرواية والدراية)؟ يعني هل جاءت بنص أو جاءت في كلام البخاري؟ (الرواية) يعني من روايات الصحيح لا من روايات الحديث، (والدراية) معلوم أن موضع "أن" هنا بالفتح وليست إن، لماذا؟ لأنها وما دخلت عليه تؤول بمفرد، يعني ما تؤول بجملة تكسر.

(قوله: "لقوله تعالى" مراده الاستدلال بهذه الآية على أن الإيمان بالقول وحده لا يتم إلا بانضمام الاعتقاد إليه، والاعتقاد فعل القلب)، الإيمان بالقول وحده كما تقوله الكرامية لا يتم، لكن هل يتم بالقلب وحده، وأن المعرفة فعل القلب تكفي؟ لا بد مع ذلك من النطق، وتقدم أن من وقر الإيمان في قلبه، وعرف الله -جَلَّ وعَلا-، واعتقد بقلبه ولم ينطق، أن الجمهور على أنه يعامل معاملة الكفار؛ لأن الرسول -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ- يقول: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا» هذه هي الغاية، هذا بالنسبة إلى الدنيا، وأما الآخرة فأمره إلى الله.

(مراده الاستدلال بهذه الآية على أن الإيمان بالقول وحده لا يتم إلا بانضمام الاعتقاد إليه والاعتقاد فعل القلب.

وقوله: "{بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ} [البقرة: 225]" أي بما استقر فيها، والآية وإن وردت في الأيمان بالفتح، فالاستدلال بها في الإيمان بالكسر واضح؛ للاشتراك في المعنى، إذ مدار الحقيقة فيهما على عمل القلب)، (والآية وإن وردت في الأيمان) {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ} [البقرة: 225]. (والآية وإن وردت في الأيمان بالفتح، فالاستدلال بها في الإيمان بالكسر واضح؛ للاشتراك في المعنى، إذ مدار الحقيقة فيهما على عمل القلب، وكأن المصنف لمح بتفسير زيد بن أسلم فإنه قال في قوله تعالى: {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ} [البقرة: 225] قال: هو كقول الرجل إن فعلت كذا فأنا كافر، قال: لا يؤاخذه الله بذلك حتى يعتقد به قلبه).

 لكن المحاسبة في الدنيا تكون على اللفظ، والأيمان والنذور كون مردها إلى ما يعتقده الإنسان وينويه هذا معروف عند المالكية، وأما الجمهور فعندهم الأيمان والنذور مردها إلى الأعراف، هذا من حيث المؤاخذة في الدنيا والحكم عليه بها.

(لا يؤاخذه الله بذلك حتى يعقد به قلبه، فظهرت المناسبة بين الآية والحديث، وظهر وجه دخولهما في مباحث الإيمان، فإن فيه دليلاً على بطلان قول الكرَّامية)، الآن قرر أن فيما بيَّنه ووضَّحه ابن حجر أن العلم والمعرفة شيء واحد، العلم والمعرفة، وكلاهما فعل قلب، واستدل بالآية: {وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ} [البقرة: 225] أن الكسب أيضًا عمل القلب، فالعلم والمعرفة والكسب كلها من أعمال القلوب. (وظهر وجه دخولهما في مباحث الإيمان، فإن فيه دليلاً على بطلان قول الكرَّامية: إن الإيمان قول فقط، ودليلاً على زيادة الإيمان ونقصانه؛ لأن قوله -صلى الله عليه وسلم-: «أنا أعلمكم بالله» ظاهر في أن العلم بالله درجات)، وهذا مقتضى أفعل التفضيل؛ لأن مقتضى أفعل التفضيل أن يشترك أكثر من شخص في وصف واحد، ثم يكونوا متفاوتين في هذا الوصف، بعضهم في أعلى درجاته وبعضهم دونه وبعضهم... إلى آخر الدرجات.

(ظاهر في أن العلم بالله درجات، وأن بعض الناس فيه أفضل من بعض، وأن النبي -صلى الله عليه وسلم- منه في أعلى الدرجات، والعلم بالله يتناول ما بصفاته وما بأحكامه، وما يتعلق بذلك فهذا هو الإيمان حقًّا.  

فائدة: قال إمام الحرمين: أجمع العلماء على وجوب معرفة الله تعالى، واختلفوا في أول واجب)، يعني أول واجب على المكلف (فقيل: المعرفة، وقيل: النظر، وقال المقترِح)، من هو هذا المقترح؟ يعني دائمًا ينحتون اسمًا لشخص مؤلف لكتاب مشتهر، يعني صاحب الاقتراح مثلاً يقال له مقترح، لكن الآن أي شخص لو يقترح فكرة، فماذا يقال له؟ يقال له: مقترح.

طالب: ..........

(وقال المقترح: لا اختلاف، فإن أول واجب خطابًا ومقصودًا المعرفة، وأول واجب اشتغالاً وأداءً القصد إلى النظر)، الآن منهم من يقول: النظر، ومنهم من يقول: القصد إلى النظر، (وفي نقل الإجماع نظر كبير ومنازعة طويلة، حتى نُقل جماعة الإجماع في نقيضه)، (حتى نُقل جماعة الإجماع في نقيضه) وهذه من غرائب مسائل العلم التي ينقل الإجماع على طرفيها.  

ابن حزم نقل الإجماع على أن من تعمد ترك الصلاة حتى يخرج وقتها أنه لا يقضيها، ونقل الإجماع على أنه يلزمه قضاؤها. الذي ينظر في كتب الكلام، وهم يتداولون مثل هذا الكلام، إجماع العلماء على وجوب معرفة الله تعالى، وبمَ يعرف؟ بالنظر أو القصد إلى النظر، ومنهم من يقول بالشك، أول واجب على المكلف الشك، لماذا؟ لأن علوم الاعتقاد ما تتلقى بالتوارث والتلقين، بل لا بد فيها من الاجتهاد، وأنت في بداية أمرك قبل أن تتلقن أو في وقت التلقين لا يقبل التلقين عندهم، ولا يقبل التقليد، لا بد أن تتوصل إلى معرفة الله -جَلَّ وعَلا- بذاتك بطريقتك الخاصة، فأول ما تبدأ إذا ملت إلى قول من الأقوال فبمؤثر فتكون مقلدًا، لكن لا بد أن تكون الأقوال عندك متساوية على حد سواء، ومعلوم أن الاحتمال المساوي عند أهل العلم شك، فلا بد أن تصير عندك هذه الأقوال كلها متساوية، ثم بطريقتك من النظر أو القصد إلى النظر ترجح الاعتقاد الذي تتوصل إليه.

لكن كأن القائل بهذا القول ما جعل النص نصب عينيه، وأنه هو السائق، وهو القائد للمسلم في جميع تصرفاته، في اعتقاده في أعماله في جميع أعماله لا بد أن تصدر عن النص، والذي دل عليه النص أن أول ما يجب على المكلف النطق بالشهادة، ولذا علق الشيخ -رَحمةُ اللهِ عَليهِ- الشيخ ابن باز يقول: الصواب ما ذكره المحققون من أهل العلم أن أول واجب هو شهادة أن لا إله إلا الله علمًا وعملاً، وهي أول شيء دعا إليه الرسول -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ- ودعا إليه الرسل، وسيدهم وإمامهم نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- أول شيء دعا إليه أن قال لقومه: «قولوا لا إله إلا الله تعلموا»، أو «تسلموا»؟

طالب: «تفلحوا».

نعم.

طالب: «تعلموا».

أنا عندي «تعلموا»، لكن ...

طالب: ..........

ماذا؟

طالب: «تسلموا».

ماذا عندك؟

طالب: ..........

المشكلة أن هذه الأصل التي صححها الشيخ بنفسه.

طالب: ..........

ولما بعث معاذًا إلى اليمن قال: «فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله»، ولأن التوحيد شرط لصحة جميع العبادات، كما يدل عليه قوله تعالى: {وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأنعام: 88].

طالب: ..........

ماذا؟

طالب: شرط لصحة العادات، خطأ هذا؟

العبادات.

(وفي نقل الإجماع نظر كبير ومنازعة طويلة حتى نقل جماعة الإجماع في نقيضه، واستدلوا بإطباق أهل العصر الأول على قبول الإسلام ممن دخل فيه من غير تنقيب، والآثار في ذلك كثيرة جدًّا، وأجاب الأولون عن ذلك بأن الكفار كانوا يذبون عن دينهم، ويقاتلون عليه، فرجوعهم عنه دليل على ظهور الحق لهم، ومقتضى هذا أن المعرفة المذكورة يُكتفى فيها بأدنى نظر بخلاف ما قرروه).

 لا شك أن الرسول -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ- حينما بُعث، بُعث في قوم عرب أقحاح يفهمون الكلام، ويعرفون ما يدل عليه بمنطوقه وما يدل عليه بمفهومه؛ ولذا لما قال لهم: «قولوا لا إله إلا الله»، قالوا: أجعل الآلهة إلهًا واحدًا؟ يعرفونه، رفضوا. الآن ما عنده مشكلة، يقول: لا إله إلا الله وهو يشرك الشرك الأكبر، ينقض لا إله إلا الله بفعله وقوله. ولذا يقول الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب -رَحِمَهُ اللهُ-: فتبًّا لمن كان أبو جهل أعرف منه بلا إله إلا الله. (بخلاف ما قرروه، ومع ذلك فقول الله تعالى: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} [الروم: 30]، وحديث: «كل مولود يولد على الفطرة»، ظاهران في دفع هذه المسألة من أصلها، وسيأتي مزيد بيان لهذا في كتاب التوحيد إن شاء الله تعالى، وقد نقل القدوة أبو محمد بن أبي جَمرة عن أبي الوليد الباجي عن أبي جعفر السمناني وهو من كبار الأشاعرة، أنه سمعه يقول: إن هذه المسألة من مسائل المعتزلة بقيت في المذهب والله المستعان).

 معلوم أن أبا الحسن الأشعري شيخ هؤلاء كلهم الذين يقولون بهذا الكلام ممن تقدم ذكرهم، كان على مذهب المعتزلة، ثم رجع عنه، لكن حينما يكون الإنسان عمرًا مديدًا طويلاً يقرأ ويقرئ ويقرر ويناضل ويناظر عن مذهب معين لا بد أن تبقى به شيء من الرواسب التي لا يمكن التخلص منها، قالوا: وهذه منها (إن هذه المسألة من مسائل المعتزلة بقيت في المذهب. وقال النووي: في الآية دليل على المذهب الصحيح أن أفعال القلوب يؤاخذ بها إن استقرت، وأما قوله -صلى الله عليه وسلم-: «إن الله تجاوز لأمتي عما حدثت به أنفسها ما لم تكلم به أو تعمل» فمحمول على ما إذا لم يستقر)؛ لأن حديث النفس من طابعه أنه يعرض ويزول، وقد يرجع ثانية ثم يزول؛ لأنه مرتبة، صحيح أنه أعلى من الخاطر والهاجس الذي يعرض، ثم لا يعود ثانية، لكنه دون الهم ودون العزم، حديث النفس متردد.

قال: (فمحمول على ما إذا لم تستقر.

قلت: ويمكن أن يستدل لذلك من عموم قوله: «أو تعمل»؛ لأن الاعتقاد هو عمل القلب)، (لأن الاعتقاد هو عمل القلب) عمل فيؤاخذ لأنه عمل، عمل بجوارحه؟ لا، عمل بقلبه، ولذا يؤاخذ على الحسد الذي هو تمني زوال النعمة عن الغير ولو لم يتكلم أو يعمل، لماذا؟ لأنه استقر في النفس واستقر في القلب فهو عمله، خلافًا لمن قال إنه معدود من حديث النفس وهو ما يرجحه ابن الجوزي، وعامة أهل العلم على أنه يؤاخذ ولو لم يتكلم ولو لم يعمل. (لأن الاعتقاد هو عمل القلب، ولهذه المسألة تكملة تُذكر في كتاب الرقاق.

قوله: "حدثنا محمد بن سلَام" هو بتخفيف اللام على الصحيح)، سلَام، هذا ووالد عبد الله بن سلَام الصحابي المعروف بالتخفيف، وما عداهما كله بالتشديد، وللحافظ ابن رجب كلام في هذا ما أدري هو في هذا الموضع أم في غيره، لكن أذكر أن له رسالة في الموضوع، في غير هذا الموضع.

طالب: شيخ ..........

ماذا؟

طالب: المقترح.

ماذا فيه؟

طالب: التقي المقترح مظفر بن عبد الله بن علي بن الحسين أبو الفتح تقي الدين المعروف بالمقترح فقيه شافعي مصري.

حتى ابن دقيق العيد أبو الفتح تقي الدين.

طالب: برع في أصول الدين والخلاف، تفقه في الإسكندرية وولي التدريس بها في مسألة السلفي، وتوجه إلى مكة فأشيع أنه توفي وأخذت المدرسة، وعاد فأقام بجامع مصر يقرئ إلى أن توفي، له تصانيف منها شرح المقترح في المصطلح للبروي، قال ابن قاضي شهبة: عرف تقي الدين بالمقترح لأنه كان يحفظه، وقال حاجي خليفة: ولا يقال له إلا التقي المقترح، ومن كتبه شرح الإرشاد في أصول الدين، وهو جد القاضي ابن دقيق العيد لأمه.

ما المرجع؟

طالب: ابن ماكولا.

ابن ماكولا؟

طالب: نعم.

الإكمال؟

طالب: نعم.

(قوله: "حدثنا محمد بن سلام" هو بتخفيف اللام على الصحيح، وقال صاحب المطالع)، من صاحب المطالع؟ ابن قُرقول، مطالع الأنوار على صحاح الأخبار، وهو في غريب الصحيحين والموطأ ومختصر من المشارق للقاضي عياض (هو بتشديدها عند الأكثر، وتعقبه النووي بأن أكثر العلماء على أنه بالتخفيف، وقد روي ذلك عنه نفسه، وهو أخبرُ بأبيه، فلعله أراد بالأكثر مشايخ بلده، وقد صنف المنذري جزءًا في ترجيح التشديد، ولكن المعتمد خلافه)، المنذري له أوهام يسيرة جدًّا في مثل هذا، فقال عن رِبعي قال: ابن خراش بالخاء المعجمة، والعلماء قاطبة على أنه: حِراش.

(قوله: "أخبرنا عبدة" هو ابن سليمان الكوفي، وفي رواية الأصيلي: حدثنا.

قوله: "عن هشام" هو ابن عروة بن الزبير بن العوام. قوله: "إذا أمرهم أمرهم" كذا في معظم الروايات، ووقع في بعضها: أمرهم مرةً واحدةً، وعليه شرَح القاضي أبو بكر بن العربي، وهو الذي وقع في طرق هذا الحديث التي وقفتُ عليها من طريق عبدة، وكذا من طريق ابن نمير وغيره عن هشام عند أحمد، وكذا ذكره الإسماعيلي من رواية أبي أسامة عن هشام، ولفظه: كان إذا أمر الناس بالشيء، قالوا: والمعنى كان إذا أمرهم بما يسهل عليهم دون ما يشق خشية أن يعجزوا عن الدوام عليه، وعمل هو بنظير ما يأمرهم به من التخفيف، طلبوا منه التكليف بما يشق؛ لاعتقادهم احتياجهم إلى المبالغة في العمل لرفع الدرجات دونه. فيقولون: لسنا كهيئتك، فيغضب من جهة أن حصول الدرجات لا يوجب التقصير في العمل، بل يوجب الازدياد شكرًا للمنعم الوهاب، كما قال في الحديث الآخر: «أفلا أكون عبدًا شكورًا»، وإنما أمرهم بما يسهل عليهم ليداوموا عليه، كما قال في الحديث الآخر: «أحب العمل إلى الله أدومه»، وعلى مقتضى ما وقع في هذه الرواية من تكرير "أمرهم" يكون المعنى: كان إذا أمرهم بعمل من الأعمال أمرهم بما يطيقون الدوام عليه، فأمرهم الثانية جواب الشرط، وقالوا: جواب ثان. قوله: "كهيئتك" أي ليس حالنا كحالك، وعبر بالهيئة تأكيدًا.

 وفي هذا الحديث فوائد؛ الأولى: أن الأعمال الصالحة ترقي صاحبها إلى المراتب السنية من رفع الدرجات ومحو الخطيئات؛ لأنه -صلى الله عليه وسلم- لم ينكر عليهم استدلالهم ولا تعليلهم من هذه الجهة، بل من الجهة الأخرى)، الجهة الأخرى تقدم ذكرها من قوله: (اعتقادهم واحتياجهم إلى أن المبالغة في العمل رفع الدرجات يقولون: لسنا كهيئتك)، لا شك أن العمل به ترتفع الدرجات، ومعلوم أن درجات الجنة تفاوتها بحسب الأعمال، وإن كان أصل الدخول برحمة الله.

(الثانية: أن العبد إذا بلغ الغاية في العبادة وثمراتها كان ذلك أدعى له إلى المواظبة عليها استبقاءً للنعمة واستزادةً لها بالشكر عليها)، لا سيما إذا وصل إلى مرحلة بحيث يتلذذ بهذا العمل.

(الثالثة: الوقوف عند ما حد الشارع من عزيمة ورخصة)، يعني على ما جاء عن الله وعن رسوله -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ-، ولو كان جنس العمل مشروعًا فإن الزيادة على ما جاء محددًا في الشرع لا شك أن هذه خروج من حيز الاتباع إلى حيز الابتداع.

(الثالثة: الوقوف عند ما حد الشارع من عزيمة ورخصة واعتقاد أن الأخذ بالأرفق الموافق للشرع أولى من الأشق المخالف له)، لأنه قد يكون هناك أرفق موافق للشرع وأشق موافق للشرع، وحينئذٍ يكون الأشق أفضل إذا كان موافقًا للشرع، لكن الكلام فيما إذا كان مخالفًا للشرع لا شك أن الأخذ بالأرفق الموافق أولى.

(الرابعة: أن الأَولى في العبادة القصد والملازمة لا المبالغة المفضية إلى الترك)، (لا المبالغة المفضية إلى الترك) عبد الله بن عمرو لما أشار إليه النبي -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ- أن يقرأ القرآن في سبع ولا يزيد على ذلك، ما امتثل -رَضِيَ اللهُ عنهُ-، لكنه ما خرج إلى حيز الابتداع؛ لأن النهي كان من أجله للرفق به، لا لأن العمل غير مشروع، لكن في آخر حياته تمنى أن لو قبل مشورة النبي -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ-. (كما جاء في الحديث الآخر: «المنبت» أي المجد في السير «لا أرضًا قطع ولا ظهرًا أبقى».

 الخامسة: التنبيه على شدة رغبة الصحابة في العبادة وطلبهم الازدياد من الخير.

السادسة: مشروعية الغضب عند مخالفة الأمر الشرعي)، فغضب أو فيغضب حتى يعرف الغضب في وجهه، وهذا لا يعارض الأسلوب النبوي المعروف في التلطف بالجاهل الذي بال في المسجد، الأعرابي الذي بال في المسجد، فتناوله الناس بألسنتهم وكادوا أن يقعوا به، فقال النبي -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ-: دعوه، اتركوه، «لا تزرموه»، وأثر في هذا الجاهل، لكن هل الناس يعاملون على وتيرة واحدة؟

 لما شفع أسامة بن زيد في المخزومية التي كانت تستعير المتاع وتجحده، التي سرقت، جاء هذا وهذا، غضب النبي -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ- وقال: «أتشفع في حد من حدود الله؟!»، لا شك أن الذي يعرف الحكم يختلف عن الجاهل، وإن كان الأصل هو الرفق، لكن أحيانًا قد يُحتاج إلى الغضب والشدة. النبي -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ- إذا خطب علا صوته واحمر وجهه وانتفخت أوداجه وكأنه منذر جيش يقول: «صبحكم ومساكم»، فلا شك أن المواقف والمواطن تختلف، أحيانًا يحتاج إلى الشدة، أحيانًا يحتاج إلى الإغلاظ في القول، وإن كان الأصل هو الرفق، والنبي -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ- لم يغضب لنفسه، وإنما يغضب إذا انتهكت محارم الله. (السادسة: مشروعية الغضب عند مخالفة الأمر الشرعي، والإنكار على الحاذق المتأهل لفهم المعنى إذا قصر في الفهم تحريضًا له على التيقظ)، (تحريضًا له على التيقظ) يعني ما يكون الناس على سَنن واحد وعلى هدي واحد، الإنسان يُشرح عليه، فما ينبغي أن يصل إلى هذا الحد من الغفلة، لكن بعض الناس يليق به الغفلة وهو حينئذٍ يُرفق به، وذكرت مرارًا أن الإمام إذا انصرف في المحراب إلى المأمومين وجد شخصًا فاته من الصلاة ركعة، ووجد آخر فاته أربع ركعات، وبالإمكان أن يعنف هذا الذي فاته ركعة ويدعو للآخر، ويبارك له حضوره إلى المسجد، ويدعو له بالتوفيق، وما شاء الله أنك صليت مع الجماعة... الناس يتفاوتون، هذا يعامل بهذه المعاملة، وذاك يعامل بما يليق به.

يقول: (السابعة: جواز تحدث المرء بما فيه من فضل بحسب الحاجة لذلك عند الأمن من المباهاة والتعاظم)، لا سيما إذا تعرض لظلم وانتقاص وهو بحاجة إلى الانتصار، والله -جَلَّ وعَلا- يقول: {لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ} [النساء: 148]، ولما اتهم ابن عمر بالعي، قال -رَضِيَ اللهُ عنهُ-: كيف يكون عييًّا من في جوفه كلام الله؟ وهذا كثير عندهم. ونجد في كلام أهل العلم كابن القيم وغيره مدحًا لكلامه، فتجده مثلاً يقول: احرص على هذا الكلام واهتم به، علك ألا تجده في مصنف آخر ألبتة. هذا قاله في مواضع، وليس يفتخر بذلك على غيره أو يترفع به على من سواه، وإنما يغري به طالب العلم. فهذه فائدة ينتفع بها من قرأها فيثبت أجرها لمن قالها فيحرص القائل على أن يُهتم لها وينتفع بها. من هذا الباب.

(الثامنة: بيان أن لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- رتبة الكمال الإنساني؛ لأنه منحصر في الحكمتين العلمية والعملية، وقد أشار إلى الأولى بقوله: «أعلمكم»، وإلى الثانية بقوله: «أتقاكم»، ووقع عند أبي نعيم: «وأعلمكم بالله لأنا»)، هنا في الصحيح يقول: «أنا»، وعند أبي نعيم في المستخرج يقول: («لَأَنا» بزيادة لام التأكيد، وفي رواية أبي أسامة عند الإسماعيلي: «واللهِ إن أبركم وأتقاكم أنا». ويستفاد منه إقامة الضمير المنفصل مقام المتصل)، (ويستفاد منه إقامة الضمير المنفصل مقام المتصل)، «أنا» وما الأصل أن يكون الأسلوب؟ إني، نعم، أتقاكم وأعلمكم بالله. قال: (وهو ممنوع عند أكثر النحاة إلا للضرورة، وأوَّلوا قول الشاعر: وإنما يدافع عن أحسابهم أنا أو مثلي، بأن الاستثناء فيه مقدر)، يعني ما يدافع إلا أنا، ولا شك أن الضمير بعد الاستثناء لا بد أن يكون منفصلاً، فلا يجوز: إلاي. (وإنما يدافع عن أحسابهم أنا أو مثلي، بأن الاستثناء فيه مقدر)، لأن إنما قائمة مقام ما وإلا، (أي وما يدافع عن أحسابهم إلا أنا).

 طيب (قال بعض الشراح: والذي وقع في هذا الحديث يشهد للجواز بلا ضرورة)؛ لأن الحديث صحيح وثابت ومن كلام أفصح الخلق، ولا ضرورة إلا في الشعر، النثر ما فيه ضرورة، مما يدل على جواز التعبير بالمنفصل مع إمكان المتصل. ألا يحتمل أن يكون التعبير بالمنفصل من تصرف بعض الرواة؛ لأن رواية الحديث بالمعنى جائزة عند الجمهور، ولهذا يختلف العلماء في الاحتجاج بالحديث على قواعد العربية، يختلفون في الاحتجاج بالحديث على قواعد العربية، وفي مقدمة خزانة الأدب كلام طويل حول هذه المسألة، وفيه رسالة علمية ومطبوعة. الذي يشكل على الاحتجاج، وإلا فالأصل أنه كلام النبي -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ-، وقد احتج بمن دونه على قواعد العربية، الذي يشكل عليه تجويزهم الرواية بالمعنى؛ لأنه ما من راوٍ من هؤلاء الرواة إلا ويحتمل أنه أداه بمعناه لا بلفظه. متى نقف على حديث تواتر لفظه ومعناه؟ هذا نادر.

الآن رواة مثل هذا الكتاب، آخرهم يعني آخره في منتصف القرن الثالث، وبشار الذي هو آخر من يحتج به من الشعراء مات سنة كم؟

طالب: ..........

ماذا؟

طالب: ..........

ما أدري واللهِ بالضبط كم؟ بشار بن برد، طلعوا لنا بشارًا نرى متى مات؟

طالب: ..........

ما أدري واللهِ بالضبط، نسيته.

طالب: ..........

هو في الزمن العباسي، لكن في أي سنة توفي؟ لأن رواة البخاري، رواة الصحيح ما فيه شك أنهم في حدود آخرهم في منتصف القرن الثالث.

طالب: ..........

ماذا؟

طالب: 168.

168 هذا متقدم، نعم.  

طالب: ..........

أين؟

طالب: ..........

في الثلثين وإما الثاني. لا، ما يمكن أن يحتج بقوله.

طالب: ..........

أين؟

طالب: ..........

ما هي بإشكال هنا؛ لأنه وُجد من بعد بشار من تلقى العربية عن أهلها كالأصمعي وغيره من الأعرابي والشبياني، يعني سكنوا البادية وأخذوا عن أهلها. لكن هؤلاء يحتجون للقواعد يحتجون لها بكلام العرب، ما هو بالذي يؤخذ القواعد من كلامهم.

قال: (وهذا الحديث من أفراد البخاري عن مسلم، وهو من غرائب الصحيح، لا أعرفه إلا من هذا الوجه، فهو مشهور عن هشام فرد مطلق من حديثه عن أبيه عن عائشة، والله أعلم. وقد أشرت إلى ما ورد في معناه من وجه آخر عن عائشة في باب من لم يواجه من كتاب الأدب، وذكرت فيه ما يؤخذ منه تعيين المأمور به ولله الحمد).

اللهم صل على محمد.

يقول النووي -رَحِمَهُ اللهُ-: (بابُ قولُ)، (قولُ) خطأ لأنه بالإضافة بلا تردد. ("باب قولِ النبي -صلى الله عليه وسلم-: «أنا أعلمكم بالله» وأن المعرفة فعل القلب؛ لقول الله تعالى: {وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ} [البقرة: 225]")، قال: (أما عائشة وعروة وهشام فتقدم ذكرهم في أول الكتاب، وأما عبدة فهو بإسكان الباء، وهو أبو محمد عبدة بن سليمان بن حاجب بن زرارة بن عبد الرحمن بن صرد بن سُمير أو سَمير بن بُلَيْل بن عبد الله)، أو بُلَيِّل تصغير بلال؟

(ابن أبي بكر بن كلاب الكلابي الكوفي، هكذا نسبه محمد بن سعد في الطبقات، وقيل: اسمه عبد الرحمن وعبدة لقبه، سمع جماعات من التابعين منهم هشام بن عروة ويحيى الأنصاري إسماعيل بن أبي خالد وعاصم الأحول والأعمش محمد بن إسحاق وغيرهم، روى عنه جماعات من الأئمة والحفاظ منهم الإمام أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه ومحمد بن نمير وابنا أبي شيبة وآخرون، قال أحمد: هو ثقة وزيادة مع صلاح وكان شديد الفقر، وقال أحمد بن عبد الله: هو ثقة رجل صالح صاحب قرآن توفي بالكوفة في جمادى، وقيل: في رجب سنة ثمان وثمانين ومائة -رَحِمَهُ اللهُ تعالى-.

وأما محمد بن سلَام هو أبو عبد الله محمد بن سلام بن الفرج السلمي مولاهم البخاري البيكاندي بباء موحدة مكسورة ثم مثناة من تحت ساكنة ثم كاف مفتوحة ثم نون ساكنة، منسوب إلى بيكندة بلدة من بلاد بخارى، سمع ابن عيينة وابن المبارك ووكيعًا وغيرهم من الأعلام. روى عنه من الأعلام حفاظ الإسلام البخاري وآخرون، قال البخاري: توفي سنة خمس وعشرين ومائتين، وسلام والده يخفف ويشدد، والتخفيف هو الصحيح الذي عليه الاعتماد، ولم يذكر جمهور المحققين غيره، وبه قطع الخطيب وأبو بكر البغدادي والأمير أبو نصر بن ماكولا وآخرون من أهل هذا الشأن، وهو الذي ذكره غنجار في تاريخ بخارى وهو أعلم بأهل بلاده، وذكر بعض الحفاظ أن تشديده لحن، وادعى صاحب المطالع أن التشديد هو رواية الأكثرين، ولا يوافق على دعواه فإنها مخالفة للمشهور إلا أن يريد رواية أكثر شيوخه ونحو ذلك، والله أعلم.

فصل: قوله: "وأن المعرفة فعل القلب" هو بفتح همزة أن. قول الله تعالى: {وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ} [البقرة: 225] معناه: بما قصدتموه وعزمت عليه {قُلُوبُكُمْ}، فكسب القلب عزمه ونيته، وفي الآية دليل المذهب الصحيح المختار الذي عليه الجمهور أن أفعال القلوب إذا استقرت يؤاخذ بها، وقوله -صلى الله عليه وسلم-: «إن الله تجاوز لأمتي ما حدثت به أنفسها ما لم يتكلموا ويعملوا به» محمول على ما إذا لم يستقر، وذلك معفو عنه بلا شك لأنه لا يمكن الانفكاك عنه بخلاف الاستقرار، وستأتي المسألة مبسوطة في موضعه إن شاء الله تعالى).

قال -رَحِمَهُ اللهُ-: (فصل: قوله: "وأمرهم من الأعمال بما يطيقون"، معناه بما يطيقون الدوام عليه، وقال لهم -صلى الله عليه وسلم-؛ هذا لئلا يتجاوزا طاقتهم فيعجزون، وخير العمل ما دام وإن قل، وإذا تحملوا ما لا يطيقون الدوام عليه تركوه أو بعضه بعد ذلك وصاروا في صورة ناقض العهد، والراجع عادة غير جميلة)، وهو الرجوع والنكوص

(واللائق بطالب الآخرة الترقي، فإن لم يكن فالبقاء على حاله، ولأنه إذا اعتاد من الطاعة ما يمكنه الدوام عليه دخل فيها بانشراح واستلذاذ لها ونشاط، ولا يلحقه ملل ولا سآمة، والأحاديث بنحو هذا كثيرة في الصحيح مشهورة.

 وقولهم: "لسنا كهيئتك" يعنون لسنا مثلك، وأرادوا بهذا طلب الإذن في الزيادة من العبادة والرغبة في الخير، يقولون: أنت مغفور لك لا تحتاج إلى عمل ومع هذا أنت دائم في الأعمال فكيف وذنوبنا كثيرة؟ فرد عليهم -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ- وقال كلامًا معناه: أنا أولى بالعمل لأني أعلمكم بالله وأخشاكم له.

وفي هذا الحديث أنواع من الفوائد وجمل من القواعد: منها ما ذكرناه من القصد من العبادة وملازمة ما يمكن الدوام عليه، ومنها أن الرجل الصالح ينبغي ألا يترك الاجتهاد في العمل اعتمادًا على صلاحه، ومنها أن له الإخبار بفضيلة فيه إذا دعت إلى ذلك حاجة، وينبغي أن يحرص على كتمانها، فإنه يخاف من إشاعتها زوالها. نسأل الله تعالى الكريم دوام نعمه علينا وعلى أحبابنا وسائر المسلمين والمزيد من فضله، وقد بسطت هذه المسألة بشواهدها من الأحاديث الصحيحة في آخر كتاب الأذكار الذي لا يستغني متدين عن مثله، ومنها الغضب عند رد أمر الشرع ونفوذ الحكم في حال الغضب، ومنها ما كانت الصحابة -رَضِيَ اللهُ عنهُم- عليه من الرغبة التامة في طاعة الله تعالى والازدياد من أنواع الخير، وفيه غير ذلك، والله تعالى أعلم).

طالب: ..........

نعم، الأذكار تكلمت عنه سابقًا.

طالب: ..........

ماذا؟

طالب: ..........

أين؟

طالب: النووي.

نعم، من آخره؛ لأنه ما أتمه، بعد ما أنهى شرح مسلم شرع فيه ولم يتمه.

طالب: شيخ أحسن الله إليك ..........

نعم.

طالب: ..........

كأن مفتى ومقتنع بالفتوى.

طالب: ..........

فرق بين شخص معاند وبين شخص اقتدى بمن يرى أنه تبرأ الذمة بتقليده، هذا شيء وهذا شيء آخر.

طالب: ..........

من؟

طالب: ..........

على كل حال مثل هذه الحال إذا كان ممن تبرأ الذمة بتقليده ولو على تقدير ظنه.

طالب: شيخ- أحسن الله إليكم- كثير من العوام إذا تحدث يقول: أنا، وأعوذ بالله من كلمة أنا، ..........

ما لها أصل.

"