ولا شكَّ أنَّ الشَّرع فيهِ تكاليف، وفيهِ ما يَشُقّ على النُّفُوس؛ لأنَّ الجَنَّة حُفَّت بالمكاره، هذا هُو السَّبب في تسمية الأحكام بالتَّكليف؛ لأنَّ الجَنَّة حُفَّت بالمكاره، ولا يَمْنَعْ أنْ يكُون هذا التَّكْلِيف يكُونُ في بداية الأمر، ثُمَّ بعد ذلك يكُونُ تَلَذُّذ بالطَّاعة، يُعالج الإنْسَانْ نَفْسَهُ على هذهِ التَّكاليف؛ حتَّى تصير دَيْدَناً لها وتتلذذ بها، وهذا مَعْرُوف عند المُسْلِمين قَدِيماً وحَدِيثاً، كثيرٌ من النَّاس يَتَلَذَّذ بالطَّاعة والرَّسُول -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلام- يقُول: ((أَرِحْنا يا بلال بالصَّلاة))، ولِسَانُ حال كثير من المُسْلِمين يقُول: أَرِحْنَا من إيش؟ من الصَّلاة؛ لا شكَّ أنَّ الصَّلاة تَكْلِيفْ على خِلاف ما تَهْوَاهُ النُّفْس؛ لكنْ إذا اعْتَادَها الإنْسَانْ وَتَعَلَّقَ قَلْبُهُ بها حَدِّثْ ولا حَرَجْ من اللَّذَّة وانْشِرَاح الصَّدر في الصَّلاة، وجَاهَدَ السَّلَف وكثيرٌ من النَّاس في القديم والحديث جَاهَدُوا أَنْفُسَهُم منْ أجل قيام اللَّيل جَاهَدُوا مُدَّة، ثُمَّ صار مِنْ شَأْنِهِم ودَيْدنهم؛ فَتَلَذَّذُوا بِهِ، وهكذا غير الصَّلاة من العِبَادات، الصِّيام في الهَوَاجِر مِنْ أَشَقّ الأُمُور على النَّفْسْ الصِّيام في الهَوَاجِر؛ لَكِنَّهُ مِنْ أَلَذِّ الأَشْيَاء عند منْ عَوَّدَ نَفْسَهُ عليهِ وصَار شأْنَهُ ودَيْدَناً لهُ، واللهُ المُسْتَعان، وقُل مثْل ذلك في سَائِر العِبادات كَتِلاوَةِ القرآن التَّلَذُّذ بمُناجاة الله -عزَّ وجل- والخَلْوَة بِهِ، واللهُ المُسْتَعان، وهذا مَحْرُومٌ منهُ كثيرٌ من النَّاس، والسَّبب انْشِغَالِهِمْ بهذهِ الدُّنْيَا، واللهُ المُسْتَعَانْ.