تَرْتِيل الأَحَادِيثْ أَو المُتُونْ الشِّعْرِيَّة

يقول -رحمهُ الله-: "وللحديثِ رَتِّل" يعني لا تُسْرِع في قِراءة الحديث؛ بلْ تأنَّ في قِراءتِهِ، بكلامٍ مسمُوع مفهُوم بحيث لا يكُونُ هذرَمة ولا هيمنة بحيث تخفى بعض الحُرُوف أو بعض الكلمات، ولا يُسْرَد، ولا يُهَذّ كهذِّ الشِّعر؛ بلْ يُبيَّن ويُوَضَّحْ؛ لأنَّ المَقْصُود من التَّحْدِيثْ التَّبْلِيغْ، اسْتِجابَةً لقولِهِ -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلام-: ((بَلِّغُوا عنِّي)) ((وليُبَلِّغ الشَّاهد منكُم الغَائِبْ)) فلا يحصل ولا يتم التَّبْلِيغ إلاَّ بالتَّأني والإيضاح بحيث يَبِينْ كُلّ حَرْف من مخرجِهِ، وليس معنى هذا التَّرتِيل أنْ تُطَبَّقْ عليهِ أحكام التَّجويد مثلاً – لا -، ليس معنى هذا أنْ تُطَبَّقْ عليهِ الأحكام؛ إنَّما يُقرأ بصوتٍ واضِح بَيِّنْ لا يَخْفَى منهُ شيء، وأَهْلُ كُل بَلَد لَهُم طَرِيقَة فِي تأدِيَة ما يُريدُون قراءتَهُ، القُرآن يَشْتَرِك فيهِ جميع المُسْلِمين؛ لأنَّ لِقِراءَتِهِ قَوانِينْ مُحَدَّدَة، مَضْبُوطَة لا تَتَفَاوَتْ، يقرؤُهُ العربي، ويَقْرَؤُهُ الأَعْجَمِي، ويَقْرَؤُهُ كُل أحد؛ لكنْ  قِرَاءة نَجْد للحديث مثلاً تَخْتَلِفْ عن قِراءة الحِجَاز، والحِجَاز تختلف قِرَاءتُهُم يعني نَبْرَة الصُّوت، أذكُر لمَّا شَرَحْنَا كِتَاب الفِتَنْ مِن صَحِيحْ البُخاري في دورة عِلْمِيَّة وكان الشيخ عبد الله هُو الذِّي يَقْرَأ بِصَوتِهِ المعرُوف الجَمِيلْ، ومن خِلال الإنترنت جَاءَتْ الأَسْئِلَة هل تجُوز مثل هذه القِراءة؟! وما الدَّلِيلْ على جَوازِها! نقول ما الدَّليل على مَنْعِهَا؟! لأنَّ الكلام وتَأْدِيَتُهُ مِمَّا لم يَرِدْ فيهِ نَصّ مَتْرُوك لِعَادَاتْ النَّاس وأَعْرَافِهِمْ، القَبَائِلْ تَخْتَلِفْ في نُطْقِها، هل أحدٌ يقول إنَّ المَغْرِبِي يَنْطِق الكَلام مِثْل مَا يَنْطِقُهُ المَشْرِقِي؟! أبداً ، أو اليَمَنِي يَنْطِق مِثْل مَا يَنْطِق الشَّامِيّ؟! ما يقول أَحَد هذا لا فِي القَدِيم ولا فِي الحَدِيثْ، فالمَقْصُود تَأْدِيَتُهُ بطريقةٍ غِير مُتَكَلَّفَة، وتَصِلْ إِلَى السَّامِع بسُهُولَةٍ ويُسُر، ولا يجُوز مُعامَلة كلام البَشَر بِما يُعَامل بِهِ كلامُ الله -جلَّ وعلا-، يَسْأَل النَّاس كثيراً عنْ تَرْتِيل الدُّعاء، في القُنُوت مثلاً؛ لأنَّ بعض النَّاس يسرُدُهُ، وبعض النَّاس يُلقِيهِ إلقَاء كالخُطْبَة، وبَعْضُهُم يُرَتِّلُهُ ويَتَغَنَّى فيهِ، نقول الأَمْر مَتْرُوك لِعَادَات النَّاس وطَبَائِعِهِم؛ لَكِنْ كُلْمَا كان أَثرهُ في السَّامع أكثر كان أوْلَى، قُل مثل هذا في الحديث، يعني تَجِدْ النَّاس أحْيَاناً يَتَلَذَّذُون بِقِرَاءة فُلانْ، وإذا قَرَأ فُلان ليتهُ سَكَتْ!!!  والفَائِدَة حاصِلَة بِقِراءة هذا أو هذا.

 

وللحديثِ رَتِّلِ، واحْمَد وصَلِّ مع سَلامٍ ودُعا

 

في بدءِ مَجْلِسٍ، وخَتْمِهِ معاً