فوائد الصِّيام

الصِّيام فيه فوائد خُلقيَّة واجتماعيَّة وصحيَّة، الصِّيام يُربِّي الإنسان على قَهر النَّفس وإرغامِها لمُراد الله -جلَّ وعلا-، الصِّيام يُربِّي الإنسان على البَذل والإحسان إلى إخوانِهِ المُحتاجين، إذا صَامَ الإنسان وأحسَّ بالحاجة إلى الأكل والشُّرب أدْرَكَ حاجة الفُقراء، الصِّيام يُوقِظ في المُسلم خُلُق العَدْل بين النَّاس والإنصاف، فالذِّي شَرَع الصِّيام شرعهُ على كل من يُطيق من كبيرٍ وصغير، من أميرٍ ومأمُور إذا كان مُكلَّفاً، فلا يُقال هذا أمير، أو ملك أو وزير مشغُول بأعمال النَّاس لا يصُوم – لا – يصُوم، ولا يُقال هذا فقير لم يَنشغل بأمُور الدُّنيا يصُوم شهرين بدلاً - لا -  النَّاس في التَّشريع العام سواسية كأسنان المِشط وهذا من عدْل الله -جلَّ وعلا-، الصِّيام فيه فوائد صِحيَّة، وفائدتُهُ الصِّحيَّة ملحُوظة وملمُوسة، كثير من المرضى يُوصى بالحِمية، لاستخراج أو لإزالة الزَّوائد التي لا يحتاجُها البدن من الفضلات، أشياء لا يحتاجُها البدن، فيُوصي الأطبَّاء بعض المرضى بالحِمْيَة، والصِّيام حِمْية شرعيَّة، ولا شكَّ أنَّ تراكُم الأطعمة على المعدة مُضرَّة بالإنسان لا سيَّما الدُّهُون والأكلات الثَّقيلة مُضرَّة، وأثرُها على القلب ظاهر، المقصُود أنَّ مثل هذهِ العِبادة العظيمة تُفيد الإنسان من النَّاحية الصِّحيَّة أيضاً، قد يقول قائل: إذا نُصِحَ الإنسان بالحِمية فقال: بدلاً منْ أنْ أمتنع عن الأكل والشُّرب، لماذا لا أصُوم؟! إذا كان لا يأكل ممنُوع من الأكل أو من بعض الشُّرب يقول: لماذا لا أصُوم فأحصُل على الأجر، لا شكَّ أنَّ هذا تشريك في العِبادة، ليس الباعث لهُ على الصِّيام الصِّيَام نفسُه؛ لكنَّهُ عَدَلَ عن ترك الأكل والشُّرْب إلى الصِّيام والصِّيَام عِبادة، فَعُدُولُهُ هذا إلى الصِّيام يُؤْجَرُ عليهِ، وحينئِذٍ يكون من باب التَّشريك المُباح؛ لأنَّهُ تشريك عِبَادة بمُباح، ونظِيرُهُ لو أوْصَاهُ الأطبَّاء بالمشي، فقال: بدلاً أنْ أمشي وأجُوب الشَّوارع طُولاً وعرضاً أطُوف بالبيت أيضاً يُؤجر على هذا الطَّواف؛ ولكن ليس صيامُ من صام بعد أنْ أوصاهُ الأطبَّاء بالحِمية أو طواف من طاف بعد أنْ أُوصِيَ بالمشي ليسَ ثوابُهُ مثل ثواب من يَنْهزُهُ إلى هذهِ العِبادة رِضا الله -جلَّ وعلا-، وابتغاء ما عندهُ، هذا شَرَّك؛ لكنَّهُ تشريكٌ مُباح يُؤجرُ عليهِ؛ ولكنْ لا يستوي الأجر عند هذا وهذا، ومسألة التَّشريك في العِبادات مسألةٌ يطُولُ ذكرُها وتفصِيلُها وأمثلتُها يطُولُ بسْطُها، الإمام إمام المسجد إذا سمِعَ الدَّاخل وهو راكع وكان في نِيَّتِهِ أن يُسبِّح سبع تسبيحات، ثُمَّ قال لعلّ هذا الدَّاخِل يُدْرك الرَّكعة فزاد في التَّسبيح وأطال الرُّكُوع من أجلِهِ هذا تشريك؛ لكنَّهُ تشريكٌ يُتقرَّبُ فيهِ إلى الله -جلَّ وعلا-، يتقرَّبُ فيه بأنْ يُدْرِكَ أخُوهُ المُسلم الرَّكعة ما لم يشُق على منْ معهُ من المَأمُومين، فمثل هذا التَّشريك لا بأسَ به عند الجُمهُور، وإنْ كان فيهِ تطويلٌ للصَّلاة من أجل الدَّاخِل، يرى بعضُ المالكيَّة أنَّ هذا من التَّشريك الممنُوع؛ لأنَّ إطالة الرُّكُوع من أجل هذا الدَّاخل، نقول: ليس بممنُوع والجُمهُور على جَوازِهِ؛ بل إذا كان البَاعثُ لهُ وهو والظَّاهر إدْراك الدَّاخل والإحسان إلى هذا الدَّاخل على أنْ لا يشقَّ على من حضر وتقدَّم؛ لأنَّ من معهُ في الصَّلاة أولى بالمُراعاة من الدَّاخل، فإذا لم يشُق عليهم فإنَّهُ يُؤجر -إنْ شاء الله تعالى- على نِيَّتِهِ وقصدِهِ، والنبي -عليهِ الصَّلاة والسَّلام- يدخل في الصَّلاة ويُريدُ إطالتها ثُمَّ يُخفِّفها لما يسمعُ من بُكاء الصَّبي فخفَّف الصَّلاة من أجل البُكاء، ونظير هذا إطالة الصَّلاة من أجل الدَّاخل لا بأس بِهِ -إنْ شاء الله تعالى-.