وليلة القدر شأنها عظيم {خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ} [سورة القدر / 3 ]، أكثر من ثمانين سنة ليس فيها ليلة القدر، هذه الليلة شأنها عظيم، على المسلم أن يحرص على قيامها، النبي - عليه الصلاة والسلام - إذا دخلت العشر أحيا ليلهُ، وشد مئزره، وأحيا ليله، وأيقظ أهله، ومفهوم قولهم: (أحيا ليله) أنَّهُ لا ينام في هذه اللَّيَالي، وكان - عليه الصَّلاة والسَّلام - يخلط العِشْرين بقيام ونوم؛ لكنْ إذا دخلت العشر شَدَّ المِئْزَر وطُوِيَ الفراش وأحيا اللَّيل، مع أنَّهُ ما حُفِظْ عنهُ - عليه الصَّلاة والسَّلام - قيام ليلة كاملة اللهُمّ إلا هذه العشر، وهذه العشر هي أفضل ليالي العام؛ لأنَّ فيها ليلة القدر التي شأنُها وقدرها عظيم عند الله - جلَّ وعلا - فهي ذات قدْرٍ عظيم، أو من يقُومُها يكُون لهُ شَأْن وقَدْر عظيم، أو لِأَنها يُقَدَّر فيها ما يكون في أيَّام العام، المقصُود أنَّها ذات قَدْرٍ عَظِيم وشَأْن، مَنْ وُفِّقَ لِقِيَامِهَا إيمَاناً واحْتِسَاباً غُفِرَ لهُ ما تَقَدَّم من ذَنْبِهِ، ومن حُرِمَ القِيَام فَقَدْ حُرِمْ - يعني لا أَشَدّ من هذا الحِرْمَان- يعني ما يُعَادِل ثلاثة وثمانين سنة ونصف في ليلةٍ وَاحِدة، فَضْلُ الله عَظِيم، ولا يُحَدّ فضلهُ؛ لكنْ الحِرْمَان لا نِهَاية لهُ، بعض النَّاس يَجْلِس فِي المَسْجد ويُصلِّى على الجنازة وهو جَالس، أقول: يا أخي لك قيراط قُم صلِّ مع الناس، قم صلِ على الجنازة، أمثلة واقِعِيَّة يا الإخوان ما هي من فَرَاغ، الحِرْمَان لا نِهَاية لهُ؛ لكنْ من أَعْظَم الحِرمان أنْ يُحْرَم هذِهِ اللَّيلة العَظِيمة؛ ولِذا فإن النَّبي -عليهِ الصَّلاة والسَّلام- يُحيي هذه اللَّيالي رجَاء أنْ يُصِيب، وأنها تنتقل في ليالي العشر كل سنة في ليلة، ولذا جاءت النُّصُوص الصَّحيحة مُخْتلفة في هذا الباب.
جاء في الحديث الصَّحِيح المُتَّفَق عليه: ((رأيت كأنِّي أسْجُد في صَبِيحَتِهَا على ماء وطِين فَوكف المَسْجِد ليلة إحدى وعشرين ورُؤِيَ الطِّين في وجهِهِ -عليه الصَّلاة والسَّلام- صَبِيحَة إحدى وعشرين)) ومع ذلكم يقول في الحديث الصَّحِيح: ((أَرَى رُؤياكم قد تَوَاطَأَت في السَّبع الأواخِر، فَمَنْ كانَ مُتَحَرِّيها فَلْيَتَحرَّها فِي السَّبع الأواخِر)) فصحّ الحديث في إحدى وعشرين إذاً هي تنتقل قد تكون ليلة إحدى وعشرين، وقد تكون ليلة ثلاث، والأوتار آكد وأرْجَى؛ لكن في السَّبع الأواخر، سابعة تبقى، خامسة تبقى، سابعة تبقى إذا كان الشَّهر كامل، ليلة أربعة وعشرين وهي المُرَجَّحَة عند أهل البصرة عند أنس بن مالك والحسن البصري، وكُل هذا من أجل إيش؟ أنْ يَجْتَهِد المُسْلِم ويتعرَّض لنَفَحَات الله -جلَّ وعلا- ويُرِيَ الله - جلَّ وعَلا- مِنْ نَفْسِهِ خَيْراً خِلال هذه العشر كُلِّها، وإلاَّ المُؤَيَّدْ بِالوَحي -عليه الصَّلاة والسَّلام- بإمْكَانِهِ أنْ يُحَدِّدها بليلة مُحَدَّدة، وإنْ كان أرَادَ النَّبي -عليهِ الصَّلاة والسَّلام- أنْ يُحَدِّدها ويُبَيِّنَها فَتَلاحى رجُلان فَرُفِعَت- يعني رُفِعَ تحْدِيدها؛ ولذا يُخْطِئ بعض من يُشِيع مِنْ خِلال الرَّسَائِل أو المُكالمات أنَّ ليلة القَدْر فِي هذهِ السَّنة هي ليلة كذا، الحِكْمَة مِنْ إِخْفَائِها تَزُول بِمِثْلِ هذهِ التَّصَرُّفات، ولو كانت الحِكْمة فِي تَحْدِيدها لَحُدِّدَت، حُدِّدَت من قِبَل الشَّارع المُؤَيَّد بالوَحِي؛ لكنْ الحِكمة من إخْفَائِهَا كالحِكْمَة منْ إخْفَاء سَاعة الجُمُعَة مِن أجل أنْ يَكْثُر العَمَل فِي حياة المُسْلِم، هذه اللَّيَالي العَشر الذِّي هِيَ أفضل ليالي العَام يَحْرِصْ الإنْسَان أنْ يَحْفَظْ نَفْسَهُ فِيها، ويَضْبِط أُمُورَهُ، ولا يُفَرِّط فِي هذِهِ اللَّيَالِي، فَشُرِعَ الاعْتِكَاف لِحِفْظِ هذِهِ الأيَّام وحِفْظ هذِهِ اللَّيَالِي.