الإيمان بالقدر

((تؤمن بالقدر)) الإيمان بالقدر ركن من أركان الإيمان لا يصح إلا به، وأنكره طوائف من أهل الزيغ والضلال، وحصل إنكاره قديماً في عهد الصحابة لما جاء إلى ابن عمر أناس قال: إنهم أو في جهتهم قوم أهل عمل، ويتقفرون العلم، لهم عناية بالعلم والعمل، ومع ذلك يقولون: بأن الأمر أنف يعني مستأنف -ينفون القدر- فقال: ابن عمر كما في صحيح مسلم أخبرهم أنني بري منهم ،وأنهم برآء مني، ولو كان لهم أمثال الجبال من ذهب وأنفقوها لم يقبل منهم حتى يؤمنوا بالقدر، فالإيمان بالقدر ركن كما في هذا الحديث، وفي غيره من الآيات والأحاديث، أركان الإيمان مذكورة ولا بد من الإيمان بالقدر خيره وشره، وأن الكل من عند الله -جل وعلا- وأنه بتقديره وبعلمه وكتابته ومشيئته وإيجاده كل حصل بتقدير الله -جل وعلا- وقضائه.

بالغ في نفيه القدرية النفاة ويتزعمهم المعتزلة والرافضة القديرية، وبعض فرق الزيدية ينفون القدر يبالغون في النفي، والمتقدمون من أهل العلم يقولون: ناظروهم بالعلم إن نفوه كفروا، وإن أثبتوه خصموا، وفي مقابلهم من يبالغ في الإثبات وينفي القدرة عن المخلوق، وأن المخلوق لا مشيئة له ولا إرادة ولا قدرة، وأن حركته وأعماله كحركة الورق، ورق الشجر في مهب الريح وهؤلاء -يسمون الجبرية-، ومذهب أهل السنة والجماعة وسط بين المذهبين يثبتون القدر، وأن الله خلق العباد، وأفعال العباد، والعباد أيضاً لهم مشيئة وإرادة، لكنها تابعة لمشيئة الله وإرادته، وأنهم أعطوا من حرية الاختيار ما يكفي، ويقيم الحجة للمطيع بالثواب والعاصي بالعقاب.

القدرية النفاة حينما نفوا القدر، وجعلوا للعبد حرية وقدرة واختيار مستقل لا ارتباط لها بمشيئة الله -جل وعلا- من أجل نفي الظلم عن الله -جل وعلا-؛ لأنه لو قدر عليه ثم عذبه صار ظالم له عنده، ومع ذلك ليس باللازم ، الله -جل وعلا- كتب عليهم، وقدر عليهم، وقضى عليهم بما هم عاملون، وترك فيهم من الحرية والاختيار ما يجعلهم يختارون أحد النجدين، وأحد الطريقين، يعني الكافر هل هو أرغم على كفره؟ تارك الصلاة في أحد شده وأوثقه ألا يذهب إلى المسجد ويصلى مع المسلمين؟ في أحد يمنعه من الوضوء والقيام والذهاب؟ ما في أحد فلديه حرية واختيار كافية في مؤاخذته، وكل إنسان يحس هذا بنفسه، يحسه من نفسه يعني حينما يقول: أن والله هو كتب الله عليه أنه ما يصلي، نعم لو أخذه النوم وأخذ بنفسه من أخذ بنفسه غيره ممن نام، وقد فعل الاحتياطات وبذل الأسباب نعم نقول: غير مكلف، لكن صحيح غير مريض، غير معذور ليس لديه أي عذر يتعذر به، سليم معافى ومع ذلك يترك الصلاة ويقول: هذا أمر كتبه الله علي، ما الذي يمنعه من أن يتوضأ ويذهب إلى؟ ما في ما يمنع، فلا ظلم {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ} [(46) سورة فصلت] {وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا} [(49) سورة الكهف]، وهذا واضح لكل منصف يدرك هذا الأمر من نفسه، وتجد هذا الذي يحتج بالقدر ويقول: إنه مجبور لو ضربه أحد، أو أخذ ماله أحد، أو قتل ولده أحد يستسلم ويقول: هذا أمر مكتوب، ولا لأحد كلام لا يمكن، لا يمكن طيب القدر الذي تحتج به على المعايب تفعل المعاصي وتترك الواجبات وتقول: أنا مجبور، لماذا لا تحتج به في المصائب؟ ولذا جاء في الحديث الصحيح أن موسى -عليه السلام- قال لآدم: ((يا آدم خلقك الله بيده وأسكنك جنته، أخرجت نفسك وذريتك من الجنة فقال: يا موسى، اصطفاك الله بكلامه، وكتب لك التوراة بيده، كم تجد هذا مكتوب علي قبل أن أخلق؟ قال: بأربعين عاماً، قال النبي -عليه الصلاة  والسلام-  فحج آدم موسى، فحج آدم موسى)) كيف حج آدم موسى؟ يعني هل آدم -عليه السلام- احتج بالقدر على المعصية؟ الاحتجاج بالقدر على المعاصي طريقة المشركين {لَوْ شَاء اللّهُ مَا أَشْرَكْنَا} [(148) سورة الأنعام]، هل آدم احتج بالقدر على المعصية؟ لا المعصية تاب منها، تاب الله عليه وهداه واجتباه، المعصية انتهى أثرها بالتوبة فلا احتجاج بقيت المصيبة، المصائب احتج عليها بالقدر ما في ما يمنع، مثلاً إنسان يمشي في طريق مظلم فعثر في صخرة، أو في حفرة انكسرت رجله، يجئ واحد يلومه يقول: وين عيونك، وين أنت، وليش تطلع، وليش، قال: هذا شيء مكتوب يا أخي هذا ما في إشكال يحتج بالقدر، لكن إذا زنا وقال: هذا شيء مكتوب ليس له أن يحتج بالقدر، فالاحتجاج بالقدر على المصائب لا على المعائب، لا على المعائب، وآدم احتج بالقدر على المصيبة التي ترتبت على المعصية التي تاب منها وبرئي منها بالتوبة النصوح، فحج آدم موسى، ومنهم من أشار إلى أن آدم حج موسى؛ لأن اعتراض موسى على آدم -عليهما السلام- لا ينبغي أن يعترض عليه، وهكذا حال الولد مع والده لا ينبغي أن يعترض عليه، لكن هذا الكلام وإن أشير إليه في بعض كتب التفسير إلا أنه لا وجه له، نعم حق الأب والوالد محفوظ بنصوص أخرى، لكن قوة الحجة مع آدم -عليه السلام- بسبب أن موسى أعترض على مسألة كتبت على آدم قبل أن يخلق، وأن آدم -عليه السلام- احتج بالقدر في المصيبة لا على المعصية.