من ينشغل في ليالي العشر في الأسواق لتجهيز ملابس العيد !

يقول: نريد نصيحة للذين يجتهدون في أول رمضان ثم تخف عبادتهم في نصف رمضان، وينشغلون في العشر الأواخر في شراء الملابس والتجهيز للعيد ويتركون صلاة القيام؟

على الإنسان أن تكون أموره متوسطة يتوسط في أموره كلها؛ لأن بعض الناس يجتهد اجتهاد لا يستطيع الاستمرار عليه، ثم يمل والرسول -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((عليكم من العمل ما تطيقون -اكلفوا من العمل ما تطيقون- فإن الله لا يمل حتى تملوا)) فالإنسان عليه أن يأتي بما يستطيع الاستمرار عليه، فإذا كانت قراءته للقرآن مثلاً، إذا قرأ في اليوم خمسة أجزاء، ختم كل ستة أيام أو أربعة ونصف وختم في سبع، يستطيع أكثر من ذلك، لكنه لا يضمن الاستمرار عليه، فإنه يلزم ما يغلب على ظنه أنه يستمر عليه؛ لأن الانقطاع عن العمل الصالح نكوص، والنبي -عليه الصلاة والسلام- إذا عمل عملاً أثبته، ولا شك أن ترك العمل باعثه الملل، وفي الحديث الصحيح المخرج في البخاري وغيره: ((إن الله لا يمل حتى تملوا)) يعني لا يقطع الأجر حتى تنقطع الأعمال الصالحة، والملل المنسوب إلى الله -جل وعلا- هنا هو من باب المشاكلة، والمجانسة في التعبير، فهؤلاء الذين اجتهدوا في أول الشهر مسألة مفترضة في شهر واحد، على الإنسان أن يأطر نفسه على الازدياد من الأعمال الصالحة وأن يستمر عليها ويثبت عليها، نعم قضاء الحوائج التي لا بد له منها بحيث لا يقوم مقامه غيره، مثل هذا حينئذ يقوم بأعماله وحاجاته وما يحتاج هو وأهله، لا يمنع من ذلك يشتري حاجاته ويشتري حاجات أهله، لكن لا يكون ذلك على حساب العبادة، فيه أوقات أخرى، في غير وقت القيام، يقول: يشتغلون في العشر الأواخر في شراء الملابس والتجهيز للعيد ويتركون صلاة القيام. ((من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه)) إذا ضم إلى ذلك: ((من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه)) وهي أيضاً خير من ألف شهر، وأضيف إلى ذلك: ((من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه)) هذه أجور لا يفرط فيها إلا محروم، كيف تمر مثل هذه النصوص على الإنسان ولا تؤثر فيه؟ كيف يهنأ بنوم أو بذهاب أو بإياب، أو تنزه أو خروج إلى أسواق والناس يحصلون على هذه الأجور العظيمة وهو محروم منها؟!، فلا شك أن الران قد غطى على قبله، الران قد غطى على قلبه، وإلا في مثل هذه الأيام المفترض أن تستغل فيها الأنفاس، لاسيما الليالي العشر، التي ترجى فيها ليلة القدر، يعني ليلة واحدة تعادل أكثر من ثمانين سنة، يعني عبادة أكثر من ثمانين سنة، وهل لأحد أن يقول: الخبر صحيح أو غير صحيح؟ الخبر في القرآن، في القرآن المحفوظ المصون من الزيادة والنقصان، على كل حال على الإنسان أن يجتهد وأن يستمر وإذا خرج رمضان أيضاً عليه أن يلزم العبادة؛ لأن لزومه للعبادة دليل على قبول عبادته في الشهر، وأما إذا عاد إلى ما كان يزاوله من المحرمات أو ترك للواجبات قبل رمضان وعاد إليها بعد رمضان، رمضان لم يحقق الأثر، فتجد بعض الناس يجتهد ويعتكف في العشر الأواخر، يعتكف في العشر الأواخر ويطبق السنة ويحفظ وقته، ثم بعد ذلك إذا أعلن الشهر المغرب ليلة العيد خرج من المسجد وانشغل بما كان يعمله قبل الاعتكاف، وقد تفوته صلاة العشاء، هل مثل هذا الاعتكاف وقع موقعه؟ هل أثر في نفس المعتكف الأثر الذي ينبغي لمثله؟ الاعتكاف تربية للنفس، ترويض للنفس على العبادة، فإذا كان هذا واقع من اعتكف تفوته صلاة العشاء أو ينام عن صلاة الفجر، هذا اعتكافه ما حقق الأثر المرتب عليه.