مدح المؤلف لكتابه

السؤال
قرأت في مقدمة أحد الكتب العلمية بعد الحمدلة والصلاة والتسليم على النبي -صلى الله عليه وسلم-، وفي أثناء خطبة الكتاب قال مؤلفه عن الكتاب الذي هو بصدد مدحه والثناء عليه: وهو مما تنكشف به الغمة. فهل هذا الكلام سائغ شرعًا؟
الجواب

بعض العلماء يَمدح مؤلَّفه، والأمور بمقاصدها، فمن مدح كتابه من أجل أن يروج ويُنتفع به فيُكتب له أجر من قرأه ومن انتفع به، فهذا قصد لا شك أنه شرعي وسائغ، وكثيرًا ما يقول ابن القيم -رحمه الله- في كتبه: احرص على هذا المبحث فلعلك لا تظفر به في مصنف آخر ألبتة. فهذا من أجل أن يَنتفع به الناس، فيكون له مثل أجر كاتبه. ومنهم من يَمدح لمجرد المدح من باب الإعجاب بعلمه، فهذا لا شك أنه مذموم، وآفة من آفات القلب.

يبقى كيفية المدح وأسلوب المدح للكتاب، ففي هذا السؤال يقول عن كتابه: (وهو مما تنكشف به الغمة)، الذي يكشف الغمة هو الله -جل وعلا-، وهو الذي يكشف الضراء، فالكاشف هو الله -جل وعلا-، وإن كان ظاهر قوله: (تنكشف به الغمة) يعني بسببه، فلم يقل: (وهو يكشف الغمة)، وإذا كان المقصود بالغمة الإشكال العلمي مثلاً، فوضّح بعض المسائل العلمية المشكلة، فأراد أن يكشف اللبس عنها، فلا شك أن هذا سائغ وصحيح من حيث المعنى، لكن لا ينبغي أن تصل المبالغة إلى هذا الحد مهما قلنا في مسألة المدح، ولا شك أن التواضع في نفسه، والتواضع في الأسلوب في مدح نفسه، أو في مدح إنتاجه سواء كان علميًا أو غيره، أنه هو الأصل، ومن تواضع لله رفعه، ومثل هذه الأمور قد يعود المدح عليها سلبيًا، فقد يستنكف بعض الناس من هذا الشيء الممدوح الذي يمدحه صاحبه، فليترك المدح للقارئ، هو الذي يتولى مدحه، وأيضًا مسألة الرواج من الله -جل وعلا-، هو الذي يكتب لهذا الكتاب أن يروج، ويكتب لذاك الكتاب ألا يروج، حسب مقاصد المؤلفين وإخلاصهم، فما كان لله فهو يبقى ويروج ويُنتفع به، وكم من كتاب مستواه أقل من غيره وانتفع الناس به أكثر، وكم من كتاب هو مجرد تلخيص لكتاب آخر وقد راج أكثر من أصله، كما هو الشأن في بعض مؤلفات ابن حجر –رحمه الله-، فقد راجت عند الناس وقبلوها وتداولوها وانتفعوا بها وطُبعت قبل أصولها بعشرات السنين، وهذا مرجعه إلى صدق المؤلف وإخلاصه –فيما نحسب-؛ مما جعل الله له القبول في الأرض، فالمدح سواء كان للنفس أو للإنتاج ينبغي تجنبه إلا إذا اقتضى الأمر ذلك، فقد يحتاج الإنسان إلى ذكر بعض محاسنه، لا سيما إذا ظُلم، والله -جل وعلا- يقول: {لاَّ يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوَءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَن ظُلِمَ} [النساء: ١٤٨]، وابن عمر -رضي الله تعالى عنهما- لما اتُهم بالعِي قال: كيف يكون عييًا من في جوفه كتاب الله؟! [المعجم الكبير: 13048] لأنه ظُلم فيريد أن يبين، فلا مانع حينئذٍ، وهذا من باب الإخبار، ومن باب كشف لبس أو من باب دفع تهمة لا تثبت، أو ما أشبه ذلك، فلا مانع منه بقدر الحاجة، أما اتخاذ هذا الأسلوب ديدنًا للشخص يمدح نفسه ويمدح إنتاجه العلمي وأنا فعلت وأنا تركت، فهذا لا يليق بمسلم، فضلاً عن طالب علم، فضلاً عن عالم.

وبعض ما يُكتب من الثناء على الكتاب أو على الشريط المسموع لو قاله غير مؤلفه وغير مسجله قُبِل، أما أن يقوله هو لنفسه فلا يخلو:

- إما أن يكون موافقًا للواقع، فإذا كان الواقع يشهد بأنه مهم فسوف يروج بمجرد سماع بعضهم له.

- وإما أن يكون مخالفًا للواقع، فهو حينئذٍ تغرير بالناس، وأكل لأموالهم بالباطل.