مدى فائدة نسخ الكتب، والعمل عند عدم توفر الطبعات الموصى بها

السؤال
يقول السائل -وهو من خارج المملكة-: بعد أن استمعنا للحلقات الإذاعية المتعلقة بـ"كيف يبني طالب العلم مكتبته؟" -جزى الله الشيخ خيرًا وحفظه على ما قدَّم وأفاد-، نقول:
أولًا: هل عملية النسخ للكتب والمتون التي يحفظها الطالب في هذا الزمان كما كان يفعل المتقدمون نافعةً له في التحصيل؟ وبماذا تنصحوننا في هذا الأمر؟
وثانيًّا: في حالة عدم توفر هذه الطبعات التي نصحتم بها هل يشتغل الطالب بالطبعات التجارية؟
الجواب

النسخ بالنسبة لطالب العلم مهم، ولا شك أن الكتب توفَّرت الآن، والحاجة الداعية إلى النسخ قلَّتْ بالنسبة لمن تقدَّم، حيث كان طالب العلم لا يحصل على الكتاب إلا بشرائه، أو باستنساخه، أو بنسخه بنفسه، لكن الآن تيسَّرت بوجود هذه المطابع وقلَّت الحاجة إلى النسخ، والنسخ الذي أشرتُ إليه إنما يُراد منه نسخ ما يُراد حفظه؛ لأن بعض الطلاب قد يُكرر المقطع مرتين وثلاثًا وخمسًا وعشرًا، وفي كل مرةٍ يشرد ذهنه أو تضعف حافظته عن ضبطه وإتقانه، فيستعمل القلم ويكتب هذا المقطع، وهذه طريقةٌ مُجرَّبة، والكتابة عن القراءة مرارًا، فالكتابة يستحضر فيها التعب والمعاناة في تدوين ما يُريد حفظه، ويستعمل أيضًا نظره.

وعلى كل حال هذه طريقةٌ مُجرَّبة، فالمقطع الذي يُريد حفظه: آيات، أو حديث، أو حديثان، أو مقطع من كلام أهل العلم، إذا كرره مرارًا وصعب عليه حفظه وتفلَّت عليه، فإنه إذا كتبه بقلمه وراجع المكتوب وحفظ منه فإنه في الغالب يثبت، فالكتابة التي أُشير إليها في الأشرطة المذكورة هي من أجل هذا.

ولا يعني أننا نحث طالب العلم على أن يبدأ بكتب العلم فينسخها: المطبوعة، الكبيرة، والصغيرة، هذا لا، وهو لا يُفيد كثيرًا، وإن أفاد -لأن الكتابة لا شك أنها تُرسِّخ العلم- فإنه يعوق عما هو أهم منه، كما سمعنا أن طالبًا من طلاب العلم نسخ (فتح الباري) بكامله، ما الفائدة؟! ثم ماذا؟! فلو قرأ (فتح الباري) بدل هذا النسخ، وقرأ معه عدة شروح، وتفاسير، وكتب من كتب العقائد والفقه وغيرها من الكتب بدلًا من أن ينسخ (فتح الباري) الذي يحتاج إلى وقتٍ طويلٍ جدًّا، والنُّسخ موجودة، والطبعات متوافرة، فلا داعي للنسخ حينئذٍ، وإنما النسخ الذي أشرتُ إليه في الأشرطة المشار إليها إنما هو نسخ القدر المراد حفظه ليثبت في الذهن، لا سيما عند ضعيف الحافظة.

وأما قوله: (في حالة عدم توفر هذه الطبعات...) في حالة عدم توفر الطبعات التي ذكرناها وأشرنا إليها في الأشرطة المذكورة يرجع طالب العلم إلى ما تيسَّر له من طبعات، ويحرص على تصحيحها إذا كان فيها جداول للأخطاء والصواب، ويسأل عما يُشكل عليه.

وعلى كل حال الذي لا يُستطاع إدراكه؛ لأننا نطالب –مثلًا- بطبعاتٍ قديمة انقرضتْ ولم تُصوَّر، إن تيسَّرتْ لطالب العلم بها ونعمتْ، وإلَّا رجع إلى ما يقرب منها في الصحة، وهكذا.