تأخير صلاتي العصر والمغرب بسبب العمل الوظيفي

السؤال
أنا شاب مقيم أعمل في الخفجي في تموينات تابعة لمحطة بنزين، ويبدأ عملي من الساعة الثامنة مساء إلى الثامنة صباحًا، ولا أنام إلا بعد صلاة الظهر، ثم أصحو الساعة الثامنة مساء، فأصلي العصر والمغرب والعشاء في وقت واحد، فهل يجوز فعلي هذا؟
الجواب

لا يجوز ذلك، لا يجوز تأخير الصلاة حتى يخرج وقتها، وأنت ينتهي عملك في الثامنة صباحًا، لماذا لا تنام في الثامنة صباحًا أو ما قرب منها وتأخذ نصيبك من الراحة قبل دخول وقت الظهر؟ وإن احتجت إلى شيء من الراحة بعد صلاة الظهر فلا مانع، والوقت كافٍ، أما أن تفرِّط وبعد أن تصلي الظهر تخاطر بصلاة العصر والمغرب فلا، العشاء قد تدركها إذا صحوت في الساعة الثامنة، لكن إذا نمت بعد انتهاء عملك في الثامنة صباحًا إلى وقت صلاة الظهر أتصور أن هذا كافٍ، ويستطيعه الحريص على دينه وعلى إبراء ذمته، أما المتساهل المتراخي الذي يتبع نفسه ما تشتهيه من التفريط والتضييع هذا لم تبرأ ذمته بمثل هذا العمل، إنما عليه أن ينام في وقت الضحى ويصلي الظهر مع المسلمين جماعة في المسجد، ثم إن احتاج إلى شيء من النوم بعد صلاة الظهر فلا مانع إلى أن يدخل وقت صلاة العصر، وهذا يكفيه؛ لأن عنده حدود ست ساعات أو أكثر، أما أن يؤخر النوم إلى أن يصلي الظهر فهذا التأخير هل الدافع له والداعي إليه الحرص على صلاة الظهر قبل أن ينام؟ فماذا عن صلاة العصر والمغرب؟! لا بد أن يكون متوازنًا في أموره لا يحرص على شيء على حساب أشياء، إنما يحرص على الجميع، لا سيما وأن هذه فريضة من فرائض الدين، وأعظم أركان الإسلام، هذه الصلوات الخمس لا يجوز التفريط فيها بحال، فعليه أن يرتب وقته مثلما قلنا، وإن غلبته عيناه في بعض الأيام وما استطاع أن يقوم لصلاة الظهر إلا بعد دخول وقتها بمدة قبل دخول وقت صلاة العصر فالنائم مرفوع عنه القلم، لكن لا يكون ذلك له ديدنًا وعادةً، بل عليه أن يبتعد عن الموانع، وأن يبذل الأسباب التي توقظه للصلاة مع الجماعة، وعلى كل حال تأخير الصلاة عن وقتها من عظائم الأمور، ولا يجوز بحال إلا بعذر من سفر أو مرض، والله أعلم.

وأما الاحتجاج بحديث «رفع القلم عن ثلاثة» ومنهم «النائم حتى يستيقظ» [أبو داود: 4398]، فهذا الحديث ليس فيه مستمسك لمن يضيعون الصلوات، وإنما من غلبته عيناه وقد بذل الأسباب؛ لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، وصلاة الفريضة مع المسلمين حين ينادى بها في المساجد من الواجبات، فيجب أن يبذل الأسباب التي تعينه على أداء هذا الواجب؛ لأن هذا الواجب لا يتم إلا به، وحينئذ يكون واجبًا، فيبذل الأسباب التي توقظه، فيوكل من يوقظه كما فعل النبي -عليه الصلاة والسلام- في السفر، يوكل الأمر إلى من يتعهد به ويوقظهم للصلاة، ثم بعد ذلك إذا بذل الأسباب وغلبته عيناه ولم يستطع أن يقوم ولم ينتبه بهذه الأسباب وقد انتفت الموانع، أو حصل له شيء يغلبه ولا يستطيع دفعه من الموانع كسهرٍ لمرض أو مصلحةٍ راجحة فالنبي -عليه الصلاة والسلام- نام عن صلاة الصبح ولم يستيقظ إلا بحر الشمس، فإذا حصل هذا نادرًا لا مانع منه، لكن أن يكون هذا عادةً وديدنًا ويكون قبل نومه مبيِّتًا للنية أنه لا يقوم للصلاة ويقول: (أنا نائم)! لا شك أن هذا آثم.

وضبط الساعة على وقت العمل دون وقت الصلاة هذا أمر خطير جدًّا إذا تعمد تأخير الصلاة عن وقتها؛ لأن الوقت شرط من شروط الصلاة.

ومما قد ينام عنه الناس باعتبار ارتباطهم بالأعمال صلاةُ العصر بعد مجيئهم من أعمالهم، ولا شك أن صلاة العصر أحد البردين الذَين من واظب عليهما دخل الجنة، ولهما ارتباط في مسألة رؤية الباري -جل وعلا- في الجنة كما جاء بذلك الخبر، ومشابهة الشيطان في تأخير صلاة العصر فيظل يرقب الشمس حتى إذا اصفرَّتْ أو قربتْ من الغروب صلاها ونقرها نقرًا؛ استدراكًا للوقت، لا شك أن هذا لا يجوز بحال، لا يجوز تأخير الصلاة إلى أن تقرب الشمس من الغروب؛ لأن هذا الوقت المضيَّق، نعم يُحتاج إليه عند الحاجة، وتكون الصلاة أداءً، «من أدرك من الصبح ركعة قبل أن تطلع الشمس، فقد أدرك الصبح، ومن أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس، فقد أدرك العصر» [البخاري: 579]، لكن هذا في الاضطرار للمعذورين وللمضطرين، أما في حال الاختيار فلا يجوز أن تؤخر حتى تصفر الشمس؛ لأن فيه مشابهة للشيطان الذي يرقب الشمس.