مواظبة العاصي على الصلوات والأذكار التي رُتِّبَ عليها الحفظ

السؤال
هل من قرأ أذكار الصباح والمساء وأذكار النوم وغيرها من الأذكار وصلى الفجر في وقتها، هل يُحفظ وإن كان من العصاة، أو ممن يرتكب بعض المعاصي؟
الجواب

من قرأ الأذكار التي رُتّب عليها الأجور العظيمة، ورُتّب على بعضها الحفظ من الآفات أو من بعضها، لا شك أن هذه الأذكار-أذكار الصباح والمساء والنوم وغيرها من الأذكار- أسباب للحفظ، وكذلك «من صلى الصبح فهو في ذمة الله» [مسلم: 657]، هذه أسباب تكون مؤثرة ما لم يكن ثَمَّ مانع، ولا شك أن المعاصي والمنكرات قد تمنع من ترتيب المسَببات على أسبابها، وقد يوجد مانع من نسيان لهذه الأذكار مثلًا، وإذا ذكرها وقرأها وأراد الله -جل وعلا- له أن يُصاب فلا يمنع، ولا رادَّ لقضاء الله -جل وعلا-، فتكون هذه الأسباب مثل الدعاء، يترتب عليها أجرها، ويدّخر له مثل ما رُتّب عليها من حفظ في ميزان حسناته، وإلا فالرسول -عليه الصلاة السلام- مع أنه أحرص الناس على الأذكار حصل له ما حصل، فقد سُحِرَ- عليه الصلاة والسلام- [البخاري: 3175]، ولا يقال: إنه ترك الأذكار أو ما أتى بها، لكن لمصلحة راجحة قدرها الله –جل وعلا- عليه، مع أنه -عليه الصلاة والسلام- أحرص الناس على الأذكار، فهو المُعَلِّم المُبَلِّغ عن الله - جل وعلا-، فلا يُظن به أنه ترك ما بلّغه لأمته، وقد يَترك وقد ينسى -عليه الصلاة والسلام- في الصلاة؛ ليَسُن، وهو بشر -عليه الصلاة والسلام- يصيبه ما يصيب البشر، ومع حرصه على هذه الأذكار حصل له ما حصل من السحر، فقد يكون -عليه الصلاه والسلام- نسي كما نسي في الصلاة؛ ليَسُن، وكما نام عن صلاة الصبح؛ ليبين حكم من نام عن الصلاة، وهو في هذا يكون حاله كمالًا بالنسبة له، وعلى كل حال -مثلما قلنا- الأذكار والأدعية أسباب تترتب عليها أثارها ما لم يكن ثَمّ مانع، علمًا بأنه قد يكون من الصالحين ويبذل الأسباب ولا تترتب عليها مسببات، ولا يوجد ثَمّ مانع، وإنما يُدَّخر له يوم القيامة ما هو أعظم مما وُعِدَ به في الدنيا.

يقول السائل: (هل يُحفظ وإن كان من العصاة؟) لا شك أن المعاصي من أعظم الموانع كما هو الشأن في الدعاء، «ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر، يمد يديه إلى السماء، يا رب، يا رب، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وَغُذِيَ بالحرام، فأنى يستجاب لذلك؟» [مسلم: 1015]، فهو بذل الأسباب، يُطيل السفر، والسفر مظنة لإجابة الدعاء، أشعث، أغبر، منكسر بين يدي الله، والله -عز وجل- مع المنكسرة قلوبهم، ويمد يديه، ورفعُ اليدين في الدعاء من أسباب الإجابة، والدعاء بــ "يارب يارب" أيضًا مظنة الإجابة، حتى قرر بعض العلماء أنه إذا قال: "يا رب يا رب .." خمس مرات أجيب، كما في أخر سورة آل عمران "ربنا، ربنا، ربنا .."، ثم قال: {فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ} [آل عمران: ١٩٥]، أخذ منه بعضُ أهل العلم أن الدعاء بـ "يا رب" وتكرار هذا الاسم مظنة للإجابة، فهو أشعث، أغبر، يطيل السفر، يمد يديه إلى السماء، يقول: "يا رب"، كل هذه من أسباب الإجابة، لكن وُجد مانع: مطعمه حرام، ومشربه حرام، وغُذي بالحرام، «فأنى يستجاب لذلك؟» استبعاد، لماذا؟ {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} [البقرة: ١٨٦] كيف يُستبعد مِن القريب؟ نعم، وُجِد مانعٌ، وإذا وُجِدَ مانعٌ استُبعدت الإجابة؛ لأن هذه المخالفات موانع، وقال النبي –عليه الصلاة والسلام- لسعد: «أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة» [معجم الطبراني الأوسط: 6495]، فإذا أراد الإنسان أن تترتب المسبَبات على هذه الأسباب فعليه أن يجتنب المعاصي التي هي أسباب الحرمان من كل خير، فهي أسباب من حرمان العلم، ومن حرمان العمل، ومن حرمان أمور كثيرة يسعد بها الإنسان في حياته.