الضروريات والحاجيات والتحسينيات

السؤال
 نرى الشاطبي رحمه الله في كتابه (الموافقات) يكثر من قول: (الضروريات والحاجيات والتحسينيات) فهلا أوضحتم لنا مقصوده بذلك، وهل هذا التقسيم مذكور عمن سبقه؟
الجواب

الشاطبي -رحمه الله- في كتابه الجامع النافع الماتع (الموافقات في أصول الشريعة) وهو كتاب على نظام غريب وطراز فريد يختلف كثيرًا عما كتب في كتب الأصول الأخرى سواء كانت على طريقة المتكلمين أو على طريقة الحنفية، هذا الكتاب يكثر مؤلفه من قول: (الضروريات والحاجيات والتحسينات) -كما جاء في السؤال-، فالضروريات: الأصل فيها أنها ما لا تقوم الحياة بدونها، كالمضطر للأكل الذي لا يجد ما تقوم به حياته فيضطر إلى أكل الميتة، وهو في هذه الحالة إذا وصل إلى حد الضرورة فإنه يستبيح ما حُرم بالنص، هذا في حال الضرورة مع أن الحاجة إذا اشتدت ألحقت عند أهل العلم حكمًا بالضرورة. والحاجيات: تقوم الحياة بدونها لكن مع مشقة شديدة تلحق المكلف. والتحسينات أو التحسينيات والكماليات: لا تمس إليها الحاجة، وتقوم الحياة بدونها، وإذا فُقدت ما تأثرت حياة المكلف.

فهذه لا شك أنها متفاوتة في القوة والضعف، فأشدها الضروريات، وبها تستباح المحرمات بالنص عند أهل العلم، وأما الحاجيات وهي دونها في حياة المكلف فإنها يستباح بها عند أهل العلم ما يؤخذ من القواعد العامة وشبهها، ولا يستباح بها ما حرم بالنص كما نص على ذلك بعضهم، وأما التحسينيات فهي قدر زائد على ذلك، وهي الكماليات. وتقدير هذه الأمور لا شك أنه يختلف من بلد إلى آخر ومن عصر إلى آخر، فالتحسينيات مثلاً قبل ثلاثين سنة أو أربعين سنة يقال: إنها كماليات، ووصلت في وقتنا هذا إلى حد أن تكون حاجيات، فكانت أمور الناس تمشي ولا يجدون مشقة حينما لا يكون عند أحدهم ثلاجة أو مكيف أو سيارة أو ما أشبه ذلك، وعلى هذا الأساس لا يفتى بجواز أخذ الزكاة لهذه الأمور، لكن في وقتنا هذا هل يمكن أن يعيش الناس بدون مشقة شديدة مع إغفال وإهمال هذه الأشياء؟ شخص ما عنده مكيف هل يستطيع أن ينام في شدة الحر؟ أو ما عنده ثلاجة هل تكون حياته معتادة بين الناس؟ انتقلت من كونها تحسينيات كماليات إلى كونها حاجيات أو ضروريات، فلا شك أن الضروريات أمرها أشد، والحاجيات أمرها أسهل من الضروريات وأشد من التحسينيات والكماليات، وأيضًا الحاجيات متفاوتة فمنها ما يقرب من الضروريات ومنها ما يقرب من التحسينيات، وهذا شأن كل أمر يتوسط بين طرفين، وحينئذٍ يشق ضبطه، كالحديث الحسن بين الصحيح والضعيف، فأعلاه يمكن أن يلحق بالصحيح ومن أهل العلم من يرى أنه يقصر دونه، وأدناه يمكن أن ينزل إلى رتبة الضعيف المنجبر، ولذا صرح جمع من أهل العلم بأن الحديث الحسن لا يمكن حده ولا يمكن ضبطه، ولذا يقتصر جمع من أهل العلم على تقسيم الحديث إلى قسمين: صحيح وضعيف، وأما الحسن المتوسط بين المرتبتين فيصعب ضبطه، ولو قلنا مثل هذا الكلام فيما معنا من الضروريات والحاجيات والتحسينيات، فالحاجيات قد تمس الحاجة إليها في بعض صورها فتلحق بالضروريات، وقد يعيش كثير من الناس بدونها فتلحق بالكماليات، فالسيارة مثلاً عند بعض الناس قد تصل إلى حد الاضطرار، وعند بعضٍ آخر يمكن أن يعيش بدونها ولا يحتاج إليها، فتكون من الكماليات، لكنها في عرف عامة الناس حاجة، وقل مثل هذا في الهاتف والمكيف والثلاجة وغيرها مما يحتاجه الناس وتمس حاجتهم إليه، والله أعلم.