آراء الغزالي والآمدي والرازي في علم الحديث

السؤال
تُنقل أقوال الغزالي والآمدي والرازي في كتب مصطلح الحديث فما علاقة هؤلاء بعلم الحديث؟
الجواب

هؤلاء أعني الغزالي والرازي والآمدي من أبعد الناس عن الحديث وعلم الحديث، واعترفوا على أنفسهم بأن بضاعتهم في الحديث مزجاة، ومصنفاتهم تشهد بذلك، فعلى سبيل المثال (الإحياء) للغزالي مشحون بالأحاديث الضعيفة والواهية والموضوعة، وصرح فقال: إن بضاعته في الحديث مزجاة، وهو أعرف من غيره بنفسه، وكذلك الرازي حاطب ليل، يجمع من الأحاديث الصحيح والضعيف والموضوع وغير ذلك، وليست له يد في باب التصحيح والتضعيف، والآمدي أشدُّ منهما في البعد عن السنة، على كل حال هم لهم جهودهم وعلومهم في أصول الفقه وغيره من العلوم لكن بضاعتهم في هذا العلم قليلة جدًّا، ويدل على ذلك مصنفاتهم، وذكر الرازي في تفسير سورة العصر حديثًا موضوعًا: أن امرأةً شربت الخمر وزنت وجاءت بولد فقتلته ثم جاءت تصيح في أسواق المدينة تبحث عنه -عليه الصلاة والسلام- فقال لها: «لكن ظننتُ أنك تركتِ صلاة العصر»، هذا ذكره الرازي ونقله الألوسي عنه -وهذا الذي يهمنا- نقله الألوسي عنه وقال: (تفرَّد بذكره الإمام)، والإمام إذا أُطلق في كتب الشافعية وحتى في كتب الأصول ينصرف إلى الرازي، ثم قال الألوسي: (وهو لعمري إمام في معرفة ما لا يعرفه أهل الحديث)، وهذا قدح بلا شك، مما يدل على أنه ليست له يد في علم الحديث، وعند أهل العلم: المدحُ بما يُشبه الذم، والذم بما يُشبه المدح، وهذا منه، وعلى كل حال أقوالهم موجودة، ومباحث السنة موجودة في كتب الأصول، وهي قسم كبير من أقسام الأصول كالمباحث المتعلقة بالكتاب، فالأصول الأربعة: الكتاب، والسنة، والإجماع، والقياس، تُبحث عند الأصوليين كلهم بما في ذلك مباحث السنة، وثَمَّ تقارب كبير بين هذه المباحث وما يُبحث في مصطلح الحديث وعلوم الحديث، قد يقول قائل: إن المصنِّفين في مصطلح الحديث وهم من أهل الحديث كابن الصلاح والخطيب قبله ومَن جاء بعدهم يذكرون أقوال الأصوليين، والأصوليون تأثروا بعلم الكلام وانتقل تأثرهم إلى أصول الفقه، ومن ثَمَّ إلى علوم الحديث، ولذا ينادي بعض الغيورين على السنة أن تُنظَّف كتب المصطلح عن أقوال هؤلاء الذين ليس لهم علاقة بعلم الحديث، والمسألة تحتاج إلى شيء من التفصيل ودقةِ النظر، فمن علوم الحديث ما معوَّله على النقل، وهذا بالفعل ليست لهم به أدنى علاقة، أما ما كان مداره ومعوَّله على النظر فلا مانع من الإفادة من أقوالهم، والحكمة ضالة المؤمن، فهم ليس لهم علاقة بالرواية لكن قد يكون لهم نظر في الدراية، فحينما يقال في مباحث السند المعنعن والمأنأن: إن من أهل الحديث مَن يرى الفرق بينهما وأن المعنعن متصل والمأنأن منقطع، فمرد هذا الفرق إلى النظر، فالإمام أحمد ويعقوب بن شيبة فيما نسبه إليهما ابن الصلاح فرَّقا بينهما، فقالوا: إن المعنعن متصل والمأنأن منقطع، ما الدليل على ذلك؟ قال: إنهما حكما على حديث عمار بن ياسر -رضي الله عنهما-: "عن محمد بن الحنفية عن عمار بن ياسر أن النبي -صلى الله عليه وسلم- مرَّ به" قالوا: هذا متصل، وحكما على الصيغة الأخرى: "عن محمد بن الحنفية أن عمارًا مرَّ به النبي -عليه الصلاة والسلام-" قالوا: منقطع، والسبب في ذلك –على زعم ابن الصلاح- أن ذاك يُروى بصيغة (عن)، والثاني يُروى بصيغة (أن)، فهذا معنعن، وهذا مأنأن، فالمعنعن متصل، والمأنأن غير متصل، وعزو الحافظ ابن الصلاح القول المُطلق للإمام أحمد ويعقوب ابن شيبة بناءً على هذا الحديثِ والحكمِ على هذا الحديث فيه قصور، والنظرُ يقتضي أن التفريق بين الروايتين لا لأن هذا بصيغة (عن) وتلك الرواية رُويت بصيغة (أن)، ولذا قال الحافظ العراقي في (ألفيته): (كذا له) يعني لابن الصلاح، (ولم يصوِّب صوبَه) يعني ما أدرك حقيقة التفريق بين المعنعن والمأنأن، ففي رواية "عن محمد بن الحنفية عن عمار أن النبي -عليه الصلاة والسلام- مرَّ به"، محمد بن الحنفية أدرك عمارًا ويروي عنه قصةً تتعلق به، فهي متصلة؛ لأنه يرويها عن صاحبها، وفي الرواية الثانية "عن محمد بن الحنفية أن عمارًا مرَّ به النبي -عليه الصلاة والسلام-"، هو يروي قصةً لم يدركها فهي منقطعة، مثل ما تقول أنت: (عن فلان) عن شخص أدركتَه من شيوخك أنه قال، أو أنه حصل له كذا، هذه متصلة؛ لأنك ترويها عن صاحبها، لكن لما تحكي قصةً حصلتْ في أول عمره وأنت لم تدركها وتقول: (أن شيخنا فلانًا حصل له كذا) ما تقول: (عنه) ففي هذه الحال يكون السند منقطعًا، فمثل هذه الأمور هل تحتاج إلى رواية؟ لا، لا تحتاج إلى رواية، هذه تحتاج إلى دقة نظر، فالغزالي له مدخل في هذا النظر، والآمدي له مدخل في هذا النظر، والرازي له مدخل في هذا النظر؛ لأنه مبني على النظر ويُدرك، وإلا لقلنا: إن كثيرًا ممن ينتسب إلى علم الحديث في حكم الرازي والغزالي والآمدي، ليست لهم رواية تُذكر، ولا يعوَّل عليهم في باب الرواية، لكن لهم نظر في مسائل المصطلح ويرجِّحون من باب الدراية لا من باب الرواية، فلا شك أنه إذا كان معوَّل المسألة الاصطلاحية على الرواية فلا دخل لهم فيها، كما أنه أيضًا لا دخل للمتأخرين فيها؛ لانقطاع أسانيدهم فيها، وإذا كان معوَّله على النظر والدراية فرُبَّ مبلغٍ أوعى من سامع، فقد يُفتح على المتأخر في فهم بعض المسائل ما لم يُفتح على من تقدَّمه من الشيوخ.