الكتب المؤلفة في الرقاق

السؤال
ما أفضل الكتب التي أُفردت في الرقاق؟ مع ذكر أفضل طبعة لها؟
الجواب

قد صُنِّف في هذا الباب من أبواب الدين الذي هو في غاية الأهمية للمسلم كتب كثيرة منها المفرَد ومنها ما هو ضمن مجاميع السنة وجوامعها، فمن الكتب المفردة كتاب (الزهد) لابن المبارك، و(الزهد) لوكيع بن الجرَّاح، و(الزهد) للإمام أحمد بن حنبل وغيرها من الكتب، لكن الملاحَظ على هذه الكتب أنها تجمع بين الصحيح والضعيف، على أن منها المحقَّق كـ(الزهد) لوكيع بن الجراح، وكذلك (الزهد) لابن المبارك محقق تحقيقًا متوسطًا، وأما (الزهد) للإمام أحمد بن حنبل فما طُبع منه في مطبعة أم القرى فهو ناقص ومجرَّد عن الأسانيد، وإلا فالأصل أنه كتاب كبير مسند.

وفي الكتب المشهورة من دواوين الإسلام كـ(البخاري) و(مسلم) و(الترمذي) وغيرها من الدواوين المشهورة المتداولة بين المسلمين أبواب وكتب تطرق هذا الجانب المهم، ومع الأسف أن كثيرًا من طلاب العلم أهملوه ولم يلتفتوا إليه اكتفاءً بالأحكام، ومنهم من يكتفي بدراسة السنة وإذا وصل إلى مثل هذه الأبواب والكتب وقف دونها: كتاب الرقاق، كتاب الفتن، كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة...إلخ، وهي في الغالب تأتي في أواخر الكتب، لكن كأنهم ينظرون إليها أنها ليست بأبواب عملية يُحتاج إليها، واستصحابًا لما يوصف به الوعاظ والقصاص من زمن قديم يرون أنها لا تليق بعالم! مع أن وظيفة الرسول -عليه الصلاة والسلام- وسائر الرسل وأتباعهم من أئمة الهدى التذكير {فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ} [ق: ٤٥]، والقرآن والسنة مملوءان بما يوجَّه إلى القلوب، فالقلوب بحاجة إلى أن تأخذ نصيبها من النصوص وتتأدب بالآداب الشرعية.

ومن المؤسف أن نرى كثيرًا من طلاب العلم الذين لهم عناية بالفقه يوجد لديهم شيء من الغفلة والجفاء، وسبب ذلك إعراضهم عن مثل هذه الأبواب المهمة من أبواب الدِّين.

كتاب الرقاق من (صحيح البخاري) على طالب العلم أن يهتم به ويوليه عناية فائقة؛ لأن هذه الأحاديث وهذه الأبواب هي التي تجعل طالب العلم يعمل بعلمه، فهي كما قيل: كالسياط للقلوب، وهي الحادي للعمل، أما الفقه المجرد بدون ما يدعو إلى العمل بهذا الفقه فظهرت آثاره على بعض طلاب العلم من الجفاء والغفلة وعدم الاهتمام بالعمل وتخلفه كثيرًا عن العلم، بخلاف ما كان عليه شيوخنا وشيوخهم وما عهدنا عليه العلماء من الاهتمام بالعمل والعناية الفائقة به؛ لأنه هو الثمرة من العلم، فلما أُهملتْ هذه الأبواب أعني مثل: كتاب الرقاق، وكتاب الفتن، وكتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، ظهرتْ آثاره على بعض طلاب العلم من الجفاء والغفلة وعدم الاهتمام بالعمل، وهذه الكتب تحيي القلوب وتحركها للعمل بالعلم، ولا قيمة لعلمٍ بدون عمل كما قيل: (العلم بلا عمل كالشجر بلا ثمر)، فعلينا أن نهتم بهذا.

وأجود ما صُنِّف في الباب ما تضمنه (صحيح البخاري) في كتاب الرقاق، وفي كتاب الفتن، وفي الاعتصام في آخر الكتاب، وهو أصح ما أُلِّف في الباب؛ لأنه في (صحيح البخاري) الذي هو أصح الكتب، والشرَّاح أيضًا لهم عناية في بيان ما اشتملت عليه هذه الأحاديث في هذه الكتب، قد يقول قائل: إن هذا الكتاب –مثلًا- أو غيره من الدواوين المشهورة فيه أسانيد وفيه تكرار وفيه كذا وكذا، إذا نظرنا –مثلًا- إلى (مختصر البخاري) نجد في كتاب الرقاق عشرة أحاديث أو أقل، بينما هي في الأصل في (الصحيح) أكثر من مائتي حديث؛ لأنه في (المختصر) كثير من هذه الأحاديث مَرَّ في أبواب سابقة، وإذا أراد الإنسان أن يجمع نفسه لقراءة هذا الباب قد لا يستحضر ما مَرَّ في الأبواب السابقة، وأيضًا التكرار له أهميته، ويعتني به أهل العلم، ويُترجَم عليه بتراجم مفيدة هي استنباط الإمام البخاري من هذه الأحاديث، فعلينا أن نعتني بهذا الكتاب في جميع أبواب الدين من أوله إلى آخره، من بدء الوحي، مرورًا بالإيمان، والعلم، والوضوء، والصلاة...إلى آخر الأبواب حتى نصل إلى البيوع، والمغازي، والمناقب، والتفسير، والنكاح، والأدب، إلى أن نصل إلى الفتن، والرقاق، والاعتصام، وغيرها مما اشتمل عليه هذا الكتاب العظيم. وطالب العلم يقرأ في مثل هذا الكتاب وهو مرتاح؛ لأنه لن يمر عليه حديث ضعيف، وكل ما فيه صحيح، وأحاديث معروفة ومطروقة ومتداولة، ولا يُشكل على طالب العلم فيها شيء؛ لأنها مخدومة ومشروحة. وبعض الكتب صحيح أن فيها زيادات كـ(الترمذي) وغيره، لكن قد يُعوزه فهم الحديث وشروح الترمذي لا تشفي غليله، لكن مع ذلك يجمع بين هذا وذاك في الدواوين المشهورة المعروفة، وهناك كتب أيضًا أُلِّفت في عصور متباينة في القرون المتأخرة بعد عصر التدوين، فيها كلام كثير للسلف يستفاد منه، لا سيما في مؤلفات الحافظ ابن رجب وابن القيم وغيرهما من المؤلفين الموثوقين الذين طرقوا هذه الأبواب التي فيها ترقيق للقلوب، والله أعلم.