الاعتماد على كتب المتأخرين في اللغة

السؤال
أنا طالب علم وأَلحظ اعتماد طلاب العلم واهتمامهم بكتب المتأخرين من أهل اللغة، يُقابل ذلك إهمال لكتب المتقدمين، فما نصيحتكم؟
الجواب

لا شك أن الأصل ومعوَّل الجميع في اللغة على الأئمة المتقدمين الذين أخذوا اللغة عن أهلها، عاشروا العرب وسكنوا معهم وعاملوهم وتلقوا اللغة عنهم ودونوها في مصنفاتهم، ثم جاء المتأخرون وجمعوا بين مصنفات المتقدمين وخرجوا بمصنفات فيها شيء من التوسع والجمع، لكن كتب المتقدمين هي الأصل والمعوَّل عليها، فكتب المتقدمين لم تتأثر بمذاهب لا أصلية ولا فرعية، فهي على ما أُثر عن العرب، ينقلون اللفظ ومعناه كما هو عند العرب، لكن المشكل في المتأخرين أنهم مع محاولة الجمع بين ما جاء في كتب المتقدمين تأثروا بالمذاهب الأصلية –العقدية- وكذلك الفرعية، والتأثر بالمذاهب لا شك أنه يَظهر أثره على المعاني الاصطلاحية، فالمعاني الاصطلاحية تتأثر بالمذاهب شعروا أو لم يشعروا، فإذا أردنا أن نأخذ تعريف الخمر وأخذناه من شخص تأثر بمذهب الحنفية أو مذهب الشافعية أو نحو ذلك، وأيضًا مسائل الاعتقاد أُلِّف في اللغة من مبتدعة تأثروا بعقائدهم وظهر أثر ذلك سواء كان ذلك في كتب اللغة أو في غريب الحديث أو في غريب القرآن كل هذا تأثر بهذه المذاهب، أما بالنسبة لما أُلِّف في خدمة مذاهب معينة، فمثلًا: (المغرب) للـمُطَرِّزي تأثر بمذهب أبي حنيفة، وهو يشرح اصطلاحات الحنفية، وكذلك (المصباح المنير) رغم شهرته، وتداول طلاب العلم له بكثرة، وسهولة الوصول إلى معاني المفردات فيه إلا أنه تأثر بمذهب الشافعي، وهو يشرح غريب كتاب في مذهب الإمام الشافعي، أقول: طالب العلم عليه أن يربأ بنفسه عن هذه الكتب التي فيها شيء من التأثر، ولا يعني هذا أنها تُهمل أو أن وجودها مثل عدمها، فيها فوائد لكن ينتبه ويكون على حذر من الاصطلاحات التي ظهر الأثر فيها للمذاهب، فمثلًا: (القرء) هل هو الطهر أو الحيض؟ هل تأخذ المعنى من (المصباح المنير) أو من (المطلع على ألفاظ المقنع)؟ هذا تأثر بمذهب الشافعي، وهذا تأثر بمذهب أحمد، مثل هذا لا بد أن يُنظر فيه بعين الاهتمام والعناية، لو قرأت مثلًا في (الصحاح)، في (تهذيب اللغة) للأزهري، في (المحكم) لابن سيده، -كتب المتقدمين- لا شك أنك تسلم من هذا الانتقاد. وقد تقع في شيء مما لا يكون مقصدًا للشارع كل هذا بسبب الاعتماد على كتب المتأخرين، هذا بالنسبة للمذاهب الفقهية فضلًا عن المذاهب الأصلية والعقدية.