أشهر كتب أحاديث الأحكام

السؤال
 ما هي أشهر كتب الأحكام وأفضلها؟
الجواب

لعل السائل يقصد كتب أحاديث الأحكام، وإلا فكتب الأحكام أعم من أن تكون كتب أحاديث الأحكام، أو كتب تفسير آيات الأحكام، أو كتب الفقه التي تجمع الأحكام من الحلال والحرام، لكن الذي يظهر أن المراد كتب أحاديث الأحكام، وكتب أحاديث الأحكام المراد بها المتون المجردة عن الأسانيد التي ألفها أهل العلم للحفظ، ولا يراد بها المطولات من الكتب الأصلية التي تروي الأحاديث بالأسانيد وإن كانت أحاديث الأحكام موجودة فيها، لكن كتب أحاديث الأحكام تطلق ويراد بها المتون المجردة الجامعة لأحاديث الأحكام على الأبواب المعروفة المطروقة عند أهل العلم، بَدءًا من (عمدة الأحكام) للحافظ عبدالغني المقدسي، وهي في أحاديث الأحكام، وشرطه فيها أن تكون أحاديثها صحيحةً، بل زاد على ذلك واشترط أن تكون من الصحيحين، وإن كان أخل بالشرط فأخرج ما تفرد به أحدهما، لكن الأصل أن أحاديثه كلها صحيحة من الصحيحين، وقليلًا منها ما في أحدهما دون الآخر، وهو كتاب نفيس عُنِيَ به أهل العلم، ومازال الناس يَقرؤونه ويُقرؤونه لطلابهم، ويشرحونه، وله شروح كثيرة منها المطبوع، ومنها المسموع، وغير ذلك، فالكتاب مخدوم.

ومن كتب أحاديث الأحكام (بلوغ المرام) للحافظ ابن حجر وفيه من الأحاديث ما ليس في العمدة؛ لأن أحاديث العمدة من الصحيحين، وأحاديث البلوغ أعم من ذلك، ففيها ما يحتاجه طالب العلم من الصحيحين وغير الصحيحين، وليست كلها صحيحة، بل فيها الصحيح وهو كثير، وفيها الحسن وهو كثير، وفيها بعض الضعيف، والبلوغ كتاب مشهور ومتداول، وفيه من القدر الزائد على العمدة ما يحتاجه طالب العلم من كتب المسانيد والسنن والمصنفات وغيرها، وعناية أهل العلم بهذا الكتاب فائقة، وله شروح كثيرة جدًا، منها المطبوع والمسموع والمخطوط، كتب كثيرة لا تحصى، وما من عالم إلا وقد درَّس هذا الكتاب، وحُفِظَ بعض ما قاله حول أحاديثه، إما بتعليقات على نسخ الطلاب، أو أنه صنَّف مصنفًا في شرحه فألقاه على طلابه، أو شرحه ثم سُجِّل عنه هذا الشرح.

ومن أهم كتب الأحكام كتاب (الإلمام) لابن دقيق العيد، وهو كتاب نفيس إلا أن عناية العلماء به أقل من البلوغ، وتفرّع عن كتاب الإلمام لابن دقيق العيد كتاب نفيس في غاية النفاسة، اسمه (المحرر) لابن عبدالهادي، وهو ندٌّ لكتاب البلوغ، ويحتار الإنسان حينما يريد المفاضلة بين المحرر لابن عبدالهادي، والبلوغ لابن حجر؛ لأن البلوغ فيه أحاديث زائدة، وفيه دقة في الاختصار في حذف ما لا يحتاجه طالب العلم في هذا الموضع، وفي كتاب المحرر لابن عبدالهادي ما يفوق به البلوغ في أحكام ابن عبدالهادي؛ لأن ابن عبدالهادي إمام علل، فله أحكام على الأحاديث، يذيّل بها الأحاديث بعد روايته لها، قد لا يوجد نظيرها أو مثلها أو قريبٌ منها عند الحافظ في بلوغ المرام.

من كتب الأحكام وهو أطولها وأوسعها كتاب (المنتقى من أخبار المصطفى) لمجد الدين ابن تيمية جد شيخ الإسلام، وهو كتاب نفيس ومستوعِب لأحاديث الأحكام، لا تكاد تجد مسألة من المسائل الفقهية -لا سيما في مذهب الحنابلة- إلا وتجد لها دليلاً في المنتقى، فكأنّه يستدل لمسائل الفقه الحنبلي، ومعروفٌ أن العلماء خدموا مذاهبهم في تأليف كتب أحاديثَ يستدلون بها للمذاهب، وكتب التخريج أيضًا نفعت كثيرًا في هذا المجال، فالحنفية ألّفوا في تخريج كتبهم، والشافعية كذلك، والمالكية، والحنابلة، المقصود أن كتب أحاديث الأحكام من أفضلها المنتقى، ومن أولاها -لاسيما لطالب العلم المتوسّط- البلوغ أو المحرر، وإن أخذ زوائد البلوغ وعلّقها على المحرر فقد جمع بين الحسنيين، وقبل ذلك تكون عنايته بالعمدة.

العمدة لها شروح كثيرة جدًا تبلغ العشرات، لكن من أنفسها شرح ابن دقيق العيد (أحكام الأحكام في شرح عمدة الأحكام)، وهو شرح متين يخرّج طالبَ علم، فإذا فهمه طالب العلم وصار لا يشكل عليه فيه شيء فأنا على يقين أنه سوف يفهم جميع الشروح سواء كانت شرحًا لهذا الكتاب أو لغيره؛ لأنه كتاب متين مؤصَّل متقن، وعليه حاشية للصنعاني وضّح فيها بعض ما استغلق من جمل وعبارات هذا الكتاب.

ومن شروح العمدة أيضًا شرح السفّاريني، وشرح عبدالقادر بن بدران، ومن المعاصرين من شيوخنا من شرح العمدة، كالشيخ عبدالله البسام وغيره، والشروح كثيرة جدًا، ومن أطول الشروح التي كُتبت على العمدة شرح ابن الملقِّن (الإعلام بفوائد عمدة الأحكام) طبع في أحد عشر مجلدًا.

وأما بالنسبة لشروح البلوغ فمنها شرْحُهُ (البدر التمام) للقاضي الحسين بن محمد المغربي، وهو كتاب مطبوع، طبع أخيرًا، ومختصره المسمّى (سبل السلام) للصنعاني أشهر منه، وقد طبع قبله بمائة سنة، وله شروح أيضًا لشيوخنا، وما من شيخ من شيوخنا إلا وله شرح على البلوغ.

أما بالنسبة للمحرر فهو أقل هذه الكتب في باب العناية به من قبل أهل العلم، فما تصدى له من الشراح إلا النفر اليسير، وليس لأنه طويل، فأحاديثه أقل من أحاديث البلوغ لكنها أطول، والحافظ ابن حجر استفاد كثيرًا من المحرر وزاد عليه بعض الأحاديث التي يحتاجها طالب العلم، وتفنن في اختصار الأحاديث والاقتصار على موضع الشاهد؛ لأنه ألَّفه للحفظ. ووقع بين يدينا شرح مخطوط للمحرر، لكنه ناقص، والآن نسيت مؤلفه، وقد اعتني بالمحرر من قبل أهل العلم في الوقت الحاضر، فوجد له شروح وجلُّها مسجلة تسجيلًا، وبعضها مفرغة.

أما بالنسبة للمنتقى فشرحه المتداول اسمه (نيل الأوطار من أسرار منتقى الأخبار) وهو شرح نفيس للشوكاني على طريقة أهل الحديث في الشرح؛ لأن الأصل وهو كتاب المنتقى يخدم مذهب الحنابلة، والأصل في الشارح أن يخدم ما أُلِّف الكتاب من أجله، لكن الشوكاني باعتباره من أهل الحديث، ومن أهل الاجتهاد، ولا يرى التقليد بل يعيب على من يرى التقليد، لم يمشِ على سَنَن الكتاب وسمته، وشرحه نفيس وفيه فوائد عظيمة ولا يستغني عنه طالب علم، لكنه لو أبرز الاهتمام بما اهتم به صاحب الكتاب ثم عرَّج على اختياراته لكان أولى، ولذلك المجد ابن تيمية له تعليقات على الأحاديث وتوجيهات لبعض الأحاديث ذابت في الشرح؛ لأنّ الشوكاني ما أبرزها مع المتن، وإنما تكلم عليها في ثنايا الشرح فذابت، فالأصل أنّ من يخدم كتابًا يخدم الهدف الذي من أجله ألِّف الكتاب، ثم بعد ذلك لا حَجْر عليه في أن يبدي ما يختاره من الأقوال ومن التوجيهات. كتاب نيل الأوطار له مختصر اسمه (بستان الأحبار مختصر نيل الأوطال) للشيخ فيصل بن مبارك، كما أن للشيخ فيصل شرحًا على العمدة اسمه (خلاصة الكلام في شرح عمدة الأحكام) وله أيضًا تعليق طفيف مختصر من سبل السلام على بلوغ المرام، ومؤلفات الشيخ فيصل جلُّها مختصرات، لكنها تقرب العلم لطالبيه، وهو بارع في الاختصار حتى أنه اختصر (فتح الباري) في كتاب أسماه (لذَّة القاري) في ثمانية أجزاء، وما بلغني إلى الآن خبر عن وجوده، والذي أعرفه إلى وقتي هذا أن الكتاب غير موجود، لم يطبع، بل لم يوجد مخطوطًا، قد يوجد منه كراريس أو نحوها لكنه غير موجود، ولو طبع لأفاد منه طلاب العلم؛ لأن كثيرًا من طلاب العلم لا سيما المبتدئين والمتوسطين يهابون فتح الباري؛ لطوله، وفيه مباحث قد تشتت طالب العلم المتوسط، فهو بحاجة إلى تقريب، ولعل الله -جل وعلا- أن ييسر لنا الوقت الذي نقوم فيه باختصار هذا الكتاب العظيم.