كيفية تحقيق الإخلاص

السؤال
كيف أحقق الإخلاص فيكون عملي مُخلَصًا تمامًا؟
الجواب

الإخلاص شرط من شرائط قبول العمل الصالح الذي يبتغى به وجه الله، فلا بد فيه من الإخلاص لله -جل وعلا-، والمتابعة لنبيه -عليه الصلاة والسلام-، فإذا لم يكن العمل خالصًا له فإنه حينئذٍ لا يقبل، وإذا لم يكن صوابًا على سنة نبيه -عليه الصلاة والسلام- فإنه لا يقبل، وعلى هذا فعلى كل مسلم أن يسعى جاهدًا في تصحيح نيته، وأن يخلص عمله لله -جل وعلا-، وألّا ينظر في عمله قبله ولا بعده ولا في أثنائه إلى المخلوق، وإنما ينظر إلى الخالق الذي كلفه بهذا العمل. ابن القيم -رحمه الله- في الفوائد يقول: (إذا حدثتك نفسك بطلب الإخلاص فأقبل على الطمع أولًا فاذبحه بسكين اليأس، وأقبل على المدح والثناء فازهد فيهما زهد عشاق الدنيا في الآخرة، فإذا استقام لك ذبح الطمع والزهد في الثناء والمدح سهل عليك الإخلاص، فإن قلتَ: وما الذي يسهل علي ذبح الطمع والزهد في الثناء والمدح؟ قلتُ: أما ذبح الطمع فيسهله عليك علمك يقينًا أنه ليس من شيء يطمع فيه إلا وبيد الله وحده خزائنه لا يملكها غيره، ولا يؤتي العبد منها شيئًا سواه، وأما الزهد في الثناء والمدح فيسهله عليك علمك أنه ليس أحد ينفع مدحه ويزين، ويضر ذمه ويشين إلا الله وحده)، واستدل بحديث الأعرابي الذي جاء إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- فقال له: يا محمد أعطني فإن مدحي زين وذمي شين، قال: «ذاك الله عز وجل» [الترمذي: 3267]، يعني هو الذي مدحه ينفع وذمه يضر.

ومع الأسف أننا نغفل عن مثل هذه الأمور ونتشبث بالدنيا ومظاهرها وأهلها، فمَن منا يستحضر حديث: «فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم» [البخاري: 7405]، وعلى هذا فعلى الإنسان أن يلهج بذكر الله -جل وعلا- سواء كان خاليًا، أو في ملأ يُذَكِّرُهم بهذا الذكر ويكون له مثل أجورهم، فيذكره الله -جل وعلا- في نفسه إن ذكره في نفسه، ويذكره في ملأ من الملائكة وهم خير من الملأ الذين ذكره فيهم هذا العبد.

بعض الناس لو قيل له: إن فلانًا من الوجهاء أو من الأعيان أو من الوزراء أو من الأمراء ذكرك البارحة وأثنى عليك. تجده لا يكاد يَقر له قرار من الفرح، وهذا العبد مثله لا يملك له ضرًا ولا نفعًا ولا يستطيع أن ينفعه بشيء إلا وقد كتبه الله له، ولا يستطيع أن يضره بشيء إلا بشيء قد كتبه الله عليه! فينتبه المسلم لمثل هذه الأمور، ويتعاهد نيته، والنية -كما يقول أهل العلم- شرود، وكثير من طلاب العلم في الدراسات النظامية يعانون من مسألة إخلاص العمل لله -جل وعلا-، وكثير منهم يستشير فيقول: أنا لا أستطيع أن أخلص في طلبي للعلم وأنا أمامي التزامات وأمامي شهادة ووظيفة وبناء أسرة وبناء مستقبل وما أشبه ذلك، فهل أترك الدراسة؛ لأن دراستي ليست خالصة وطلبي للعلم -وهو مما يبتغى به وجه الله- أطلبه لهذه الأمور؟

يقال له: إن الترك ليس بعلاج، بل العلاج أن تجاهد نفسك على أن يكون عملك خالصًا لله -جل وعلا- في طلب العلم وغيره، وإذا علم الله -سبحانه وتعالى- منك صدق النية أعانك، والله الموفق. وتبعًا لهذا ينبغي للمسلم أن يهتم بأعمال القلوب، وأن يعتني بها غاية العناية، ولا شك أن القلب عليه المدار، فإذا صلح صلح الجسد كله، وإذا فسد فسد الجسد كله، كما في الحديث الصحيح: «ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب» [البخاري: 52]، فعلينا أن نُعنى ونهتم بهذا الأمر، ونسعى في إصلاح قلوبنا بما جاء عن الله وعن رسوله –صلى الله عليه وسلم- من أدوية وعلاجات لأمراض القلوب، ونستفيد ونستعين بما كتبه أهل التحقيق من أهل العلم في هذا الباب، كابن القيم وابن رجب –رحمهما الله-، وعلينا أن نتعاهد هذه القلوب، ونقطع الطرق المؤدية إلى فسادها، فالشيطان هو قاطع الطريق في هذا المجال، وابن القيم -رحمه الله- في كتابه (الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي) الذي يسمى (الداء والداء) ذكر أن القلب صلاحه بإغلاق المنافذ المؤدية إليه مما لا يعين على هذا الصلاح، وذلك في الفضول كفضول الكلام، وفضول النظر، وفضول الأكل، وفضول النوم، وفضول الخلطة، فيكون كلامه بقدر الحاجة ومما ينفع، ونظره فيما ينفعه لا ما يضره مما حرم الله عليه، وأكله كذلك لا يزيد عن عما جاء مما حدد الشرع في حديث الأثلاث [الترمذي: 2380]، وليستعين بذلك على طاعة الله -جل وعلا-، وكذلك الخلطة يخالط الناس بقدر ما ينفعهم وينتفع بهم لا فيما يضره ويعود عليه أو عليهم بالضرر، وكذلك فضول النوم الذي يقضي على الأوقات فتفوت أيامه وعمره هدرًا بدون فائدة، فإذا استطاع الإنسان أن يقضي على هذه الفضول من هذه المنافذ التي هي في الحقيقة منافذ إلى القلب فإنه يستطيع -بإذن الله- وبعونه وتوفيقه أن يستجمع قلبه وتتحدد وجهته في سيره إلى الله -جل وعلا-.