لوم النفس واتهامها للإنسان بعدم الإخلاص عند فعل الخير

السؤال
عندما أُحدِّث نفسي بفعل خيرٍ أجد نفسي تقول لي: لماذا ستفعل هذا؟ هل ليقول الناس عنك: إنك كذا وكذا؟ بالرغم أني عندما أنوي فعل الخير هذا أُريد أن أفعله سرًّا، لكن أجد نفسي تعترضني، فماذا أفعل -حفظكم الله-؟
الجواب

الإخلاص شرطٌ لقبول العبادات كالمتابعة، ومن فعل شيئًا مما يُتقرب به إلى الله –جلَّ وعلا- ليقول الناس عنه: إنه يفعل كذا وكذا، ويتأثر بكلامهم، كطلب العلم ونحوه، كل هذا منافٍ للإخلاص؛ ولذا يقول الشيخ حافظ الحكمي في منظومته (الميمية في الوصايا والآداب العلمية):

 

وَمَنْ يَكُنْ لِيَقُولَ النَّاسُ: يَطْلُبُهُ
 

 

أَخْسِرْ بِصَفْقَتِهِ فِي مَوْقِفِ النَّدَمِ
 

 

والثلاثة الذين هم أول من تُسعَّر بهم النار هم من فعل ليُقال، فيُجاء بالعالم الذي أفنى عمره بالتعلُّم ونشر العلم، فيُقال له: ماذا فعلتَ؟ فيقول: تعلمتُ فيك العلم وعلَّمتُ الناس، فيُقال له: كذبتَ، وإنما تعلمتَ وعلَّمتَ ليُقال: عالم.

والثاني: المجاهد الذي لا يترك شيئًا إلا بذله واستفرغ وسعه في قتال العدو حتى يُقتل، فيُجاء به فيُقال له: ماذا صنعتَ؟ فيقول: قاتلتُ وجاهدتُ فيك حتى قُتِلتُ، فيُقال له: كذبتَ إنما فعلتَ ذلك ليُقال: جريء، أو شجاع.

والثالث: المتصدِّق الذي في ظاهر عمله أنه لا يترك عملًا من الأعمال الذي يُتصدق فيه ويُنفق فيه إلا بذل فيه المال، فيُجاء به، فيُقال له: ماذا صنعتَ؟ فيقول: ما تركتُ وجهًا من وجوه الخير والبر إلا وأنفقتُ فيه، فيُقال له: كذبتَ إنما فعلتَ ليُقال: جواد.

هؤلاء الثلاثة هم أول من تُسعَّر بهم النار -نسأل الله العافية- فمن كان همه أن يُقال، فلا شك أن هذا منافٍ للإخلاص، وعمله مردود، بل هو وبالٌ عليه ويُعذَّب به -نسأل الله السلامة والعافية-.

يقول السائل: إنه يُناقش نفسه عند إرادة فعل الخير، فيجد نفسه تقول له: لماذا ستفعل هذا؟ هل ليقول الناس عنك: إنك كذا وكذا؟ لا شك أن محاسبة النفس والوقوف عندها، ومجاهدتها على الإخلاص مطلوبة، لكن ينبغي ألَّا يصدَّه هذا التصوُّر أو هذا التحسُّس عن فعل الخير، عليه أن يُجاهد؛ لتصحيح النية وإخلاص العمل، ويمضي في فعل الخير، ولا ينكص؛ لأنه احتمال أن نيته فيها ما فيها! لكن عليه أن يُجاهد.

يقول: (بالرغم أني عندما أنوي فعل الخير هذا أريد أن أفعله سرًّا)، لا شك أن عمل الخير في السر أقرب إلى الإخلاص، فليحرص الإنسان على أن يكون عمله سرًّا؛ ولذا جاء في حديث السبعة الذين يُظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله منهم: «رجل تصدَّق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه» [البخاري: 1423]، لا شك أن السر أقرب إلى الإخلاص، وأبعد عن الرياء، لكن مع ذلك إذا ترتَّب على الإعلان أن يُقتدى به ويُفعل مثل فعله مع عدم وجود الخادش من الرياء أو ليُقال، فله أجر مثل أجر من عمل بعمله؛ ولذا لما جاء المتصدِّق بصدقته وتتابع الناس بعده على الصدقة قال النبي –عليه الصلاة والسلام-: «مَن سنَّ في الإسلام سنة حسنة، فله أجرها، وأجر مَن عمل بها بعده» [مسلم: 1017]، فإذا شرع في عمل خيرٍ أو عبادة، ثم أتاه هذا الهاجس، فلا يَقْصُر عن هذا العمل أو يوقف هذا العمل من أجل الناس، بل عليه أن يُجاهد نفسه ولا ينظر إلى مَن ينظر إليه، ويستمر في عمله، وذُكِر عن بعضهم أنه قال: العمل من أجل الناس رياء، وترك العمل من أجلهم شرك.

وعلى كل حال الذي يجب عليه أن يُجاهد نفسه ولا ينظر إلى مَن ينظر إليه، ولا يُرائي الغير بفعل الخير كما يقول أهل العلم، والله أعلم.