أهمية كتاب (المجموع)

السؤال
ما أهمية كتاب (المجموع) للنووي -رحمه الله-؟
الجواب

(المجموع) للنووي -رحمه الله- هو شرحٌ لكتاب (المهذَّب) لأبي إسحاق الشيرازي، والمتن الذي هو (المهذَّب) من المتون المعتبرة عند الشافعية، ولها شأنٌ عندهم، كـ(التنبيه) له أيضًا، ويضاهيهما في الشهرة وعناية الشافعية كتاب (المنهاج) للنووي، وهو متن بعد تأليفه من قِبِل النووي -رحمة الله عليه- اعتمده الشافعية وشرحوه شروحًا كثيرة جدًّا.

المقصود أن المتون الثلاثة التي هي (المهذَّب)، و(التنبيه) وكلاهما للشيرازي، و(المنهاج) للنووي، متون معتبرة عند الشافعية، ولها شروح، ولا يُشكل فيها شيء، لكن السؤال عن الشرح الذي هو (المجموع) وهذا الشرح ألفه النووي -رحمة الله عليه- في الأصل لمذهب الشافعي وخدمة مذهب الإمام الشافعي بأقواله ووجوهه -الوجوه عند الشافعية، والأقوال أقوال الإمام-، والترجيح بين هذه الأقوال والاستدلال لها، وهو كتابٌ في الأصل في الفقه، لكنه اعتمد فيه على الدليل، فما يذكر من قولٍ ولا وجهٍ إلا ويذكر دليله، ويعقِّب الدليل بالتصحيح والتضعيف والإعلال، فمع كونه في الأصل كتاب فقه فهو في الوقت نفسه كتاب حديث، ينتفع به طالب العلم كثيرًا، وهو كتاب تصحيح وتضعيف، وكتاب تعليل، والإمام النووي لديه المعرفة التامة بعلم الحديث، وهو وإن كان فقيهًا فهو أيضًا مُحدِّث كبير، فكتابه من أنفع ما يُقرَأ في الفقه، لا سيما لطلاب العلم المتقدمين؛ لأنه مُطوَّل وفيه وجوه، ويذكر فيه أقوال أهل العلم، ويستدل لها، ويرجِّح بين هذه الأقوال، فهو من أنفع ما يقرؤه طالب العلم المتقدِّم في الفقه، لكنه لم يتمَّه، أكمل فيه العبادات وشَرَع في المعاملات وتُوفي قبل إكماله -رحمه الله-.

وعليه تتمات للسبكي وغيره من الشافعية، والقدر الذي أتمَّه السبكي طُبِع في ثلاثة مجلدات، وما شرحه النووي طُبِع في تسعة، وطُبِع معه (فتح العزيز في شرح الوجيز)، وطُبع معهما في أسفل الصفحات (التلخيص الحبير) لابن حجر في تخريج أحاديث الرافعي الكبير الذي هو (فتح العزيز).

التسعة هذه التي هي شرح النووي يوصى بها طالب العلم المتقدِّم، وعليه أن يعض عليها بالنواجذ، وشرح السبكي –الثلاثة- التي هي: العاشر، والحادي عشر، والثاني عشر، أقل من مستوى شرح النووي بكثير، لكنها نافعة في الجملة، وأما التكملات المتأخرة للمطيعي أو العقبي أو ما كُمِّل به (المجموع) فهي أقل بكثير، فليست من متمكنين في فقه الشافعية مثل ما تقدَّم من (المجموع) للنووي وتتمته للسبكي، فهؤلاء من فقهاء الشافعية الكبار، ومع ذلك إذا اعتنى طالب العلم المتقدِّم الذي يستطيع أن يوازن بين الأقوال ولا يتشتت بقراءة الأقوال المتعدِّدة والاستدلال لها بشرح النووي فإن عنايته به في غاية الأهمية، وإذا كانت عنايته مضمومة إلى العناية بـ(المغني) للموفق بن قدامة فتمَّتْ له الآلة التي يجمع بها أطراف أقوال أهل العلم، هذا إذا كان يريد الاجتهاد ويطَّلع على الأقوال.

أما إذا أراد أن يتمذهب على مذهب بعينه فله كتب أخرى خاصة بهذه المذاهب، لا سيما المذهب الذي يختاره لنفسه وهو مذهب بلده، وهذه مرتبة دون مرتبة طالب العلم المتقدِّم، يتربَّى عليها طالب العلم في بداية الأمر، فيقرأ في كتب المذهب المعمول به في بلده، ثم يترقَّى بعد ذلك إلى الكتب المتقدِّمة التي أشرنا إليها، والله أعلم.