الشعور بالحزن تجاه صعوبة الطاعات والتكاسل عنها مع كثرة المجاهدة

السؤال
سائلة تقول: إنها امرأةٌ ضاعتْ عليها مواسم الطاعات ولم تستغلها، وتخشى أن تموت وعلى كاهلها هذه الجبال من الذنوب، تقول: حاولتُ طلب العلم والاستقامة ولم أوفَّق، وأشعر بحزنٍ شديدٍ لهذا، مع أني الآن أَلزم بيتي وأُطيع زوجي، وأهتم بأولادي، ونادمةٌ على ذنوبي، وزاهدةٌ في الدنيا، ولا أهتم بما تهتم به النساء من زينة الدنيا، وحُبِّبتْ إليَّ العزلة لعبادة الله، وهذه غايتي، لكنني لم أوفَّق مع أنني أُلزِم نفسي بالطاعة لكن بصعوبة، وأجدها ثقيلة، والنية في إصلاح نفسي لم تفارقني، ناهيك عن الوساوس التي تُتعبني، والشبهات التي أدفعها منذ زمنٍ طويل، سؤالي يا فضيلة الشيخ: ما دُمت هكذا: لماذا أجد صعوبةً في تلاوة القرآن وتكاسلًا عن الطاعات؟ ولماذا لم أستطع أن أستقيم؟ وهل فيَّ خير؟ وما نصيحتكم لي؟
الجواب

هذه المرأة التي فرَّطتْ في أول عمرها، ولم تستغل حياتها في طاعة الله –جلَّ وعلا-، ثم رجعتْ وتابتْ وأنابتْ وندمتْ هذه يُرجى أن تُبدل سيئاتها حسنات كما قال الله –جلَّ وعلا-: {إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ} [الفرقان: 70]، والندم توبة، وفيما ذكرته أثناء السؤال خيرٌ كثير، فلماذا تقول: (إنها لم تستطع أن تستقيم)؟ هذه هي الاستقامة، ففيما ذكرته في السؤال: أنها تُطيع زوجها، وتلزم بيتها، وتعمل بما أوجب الله عليها، وتترك ما حرَّم الله، هذه الاستقامة.

وكونها تقول: (هل فيَّ خير؟)، فيكِ خيرٌ عظيم، وندمكِ توبة، والتوبة تهدم وتجُبُّ ما كان قبلها من الذنوب، والله –جلَّ وعلا- فيما ذكره في كتابه أنه يُبدِّل السيئات حسنات، فلماذا هذا القلق وهذا الجزع؟ ينبغي أن يكون المسلم مطيعًا محسنًا، مُحسِّنًا الظن بالله –جلَّ وعلا-، لا ييأس ولا يقنط، وفي مقابل ذلك أيضًا لا يتمادى ويُحسِّن الظن بالله إحسانًا يجعله يُفرِّط في طاعاته، ويقترف شيئًا من معاصيه، فاليأس من رحمة الله من كبائر الذنوب، كما أن الأمن من مكر الله كذلك، فيبقى المسلم بين الخوف والرجاء، وحال السائلة -إن شاء الله- إنها على خير، ويُرجى أن تُبدَّل سيئاتها حسنات.

وكون العبادة ثقيلة عليها مع حرصها على أدائها هذا لا يعني أنها ليس فيها خير، بل كثيرٌ من الناس تثقل عليه العبادة، والإنسان يسأل الله –جلَّ وعلا- دُبر كل صلاة أن يُعينه على ذكره وشكره وحُسن عبادته، ولا شك أن من الناس مَن يستمر يُجاهد وتثقل عليه العبادات، ومنهم من يُوفَّق وتُيسَّر عليه العبادات ويتلذَّذ بها.

وعلى كل حال ذَكر أهل العلم الخلاف في الأفضل بين مَن يُجاهد نفسه وتثقل عليه العبادة ويُعاني من أدائها، وبين من سُهِّلتْ عليه وصار يتلذَّذ بها، ولكن لا شك أن القول المرجَّح أن من تلذَّذ بها كما هي حاله –عليه الصلاة والسلام- أفضل، ويبقى أن مَن تشق عليه العبادة يُرجى أن يكون لها أجران: أجر العبادة، وأجر المجاهدة، والله أعلم.