أجرة الحجام، ومعنى الخبث فيها

السؤال
أُعالج أنا ومجموعة من الأطباء بالحجامة، واستفاد المسلمون كثيرًا على أيدينا بفضلٍ من الله، وسؤالنا لفضيلتكم عن أجر الحجَّام هل هو حرام أم ماذا؛ حتى نكون على علمٍ ونور؟ وما الخبيث فيه، هل هو الحجامة نفسها، أم أجرها؟
الجواب

جاء في الحديث الصحيح قال: «ثمن الكلب خبيث، ومهر البغي خبيث، وكسب الحجام خبيث» [مسلم: 1568]، وجاء عنه –عليه الصلاة والسلام- أنه احتجم وأعطى الحجَّام أجره [البخاري: 2103]، والحديثان صحيحان، قال ابن عباس -رضي الله عنهما- والإمام أحمد -رحمه الله- وغيرهما: ولو كان كسب الحجَّام حرامًا ما أعطاه، فالخُبث يُحمَل على الدناءة والرداءة، كما في قوله –جلَّ وعلا-: {وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ} [البقرة: 267]، فلمَّا يكون لك دَين سَلَم: تمر، أو بُر، أو غيرهما، هل تأخذ الرديء من هذا الطعام الذي لك في ذمة المدين لك بالسلم، وأنت اشترطتَ عليه طيِّبًا من أفخر الأنواع وأعظمها، هل تأخذ الأقل؟ ما تأخذ، {وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ}، إذا خشيتَ أنه لا يُسدِّد وليس عنده غير هذا فإنك تأخذ، لكن في السعة والخيار وكل شيءٍ موجود ما تأخذ رديئًا.

فالخبيث في قوله تعالى: {وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ} يعني: الرديء، لكن إذا كان عندك طعام من أفضل أنواع الأطعمة، وعندك أقل منه، وكلاهما طيب ومأكول ونافع، فهل نقول: لا تتصدَّق إلا بالأطيب ولو كان قليلًا عندك، ولا تيمَّم هذا الأقل؛ لأنه خبيث، لأنه لو أتى به المدين لك بالسَّلم ما قبلتَه؟ إنما هذا توجيه وإرشاد أن يُعطي أخاه المسلم المحتاج مما يأكل، ويُطعمه مما يطعم، كما جاء في حق الرقيق، لكن لو قال: (أنا ما عندي من هذا الأطيب إلا قليلًا يكفيني وأسرتي، وعندي هذا الذي لو عرضتُه في السوق اشتراه الناس وأكلوه)، فما المانع أن يُعطيه المحتاج؛ لأن هذا توجيه إلى الأفضل، ما لم يكن فيه ضرر على الآكل أو ما أشبه ذلك، أو تصل رداءتُه إلى حدٍّ لا يستسيغه الإنسان، فلا يجوز حينئذٍ التصدق بما فيه ضرر.

فيكون كسب الحجام رديئًا من هذا النوع، وإذا أخذ الأجرة، فالذي حجم النبيَّ –عليه الصلاة والسلام- أخذ الأجرة، وسمَّى النبيُّ –عليه الصلاة والسلام- الشجرتين -الثوم والبصل-: خبيثتين، وجاء في حديثٍ: أن الناس قالوا: "حُرِّمتْ، حُرِّمتْ"، فقال -صلى الله عليه وسلم-: «أيها الناس إنه ليس بي تحريم ما أحل الله لي، ولكنها شجرة أكره ريحها» [مسلم: 565]، فدل على أن الخبثَ: الرداءة، وأنه شيءٌ مفضول، وأن الأطيب هو الفاضل، والله أعلم.