توجيه المسلمين لأن يكون رمضان فرصةً للتقوى وزيادة الإيمان

السؤال
ما توجيهكم للمستمعين بحيث يكون رمضان فرصةً للتقوى وزيادة الإيمان؟
الجواب

الحكمة من الخلق إنما هي لعبادة الله –جلَّ وعلا-، {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56]، فالهدف والحكمة من خلق الجن والإنس إنما هي لعبادة الله –جلَّ وعلا- وعمارة الأرض بهذا. وهذه العبادات التي منها الصيام إذا لم تُحقِّق الهدف الذي من أجله شُرِعتْ صارتْ عبادات جوفاء لا أثر لها في واقع المسلم، فمثلًا الصيام في قول الله –جلَّ وعلا-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 183]، فالصيام الذي لا يُحقِّق هذا الهدف وهو التقوى، ويُبعِد الإنسان عمَّا حرَّمه الله عليه، ويحثه ويبعثه على فعل ما أوجب الله عليه، فهذا في الحقيقة صيامٌ لم تترتَّب عليه آثاره، فهذه العبادات التي منها الصيام إنما شُرِعتْ لتقوى الله –جلَّ وعلا-، وتُقوِّي الرابطة بين العبد وبين ربه، فإذا لم يتحقَّق هذا الهدف فالصيام فيه خلل، وبحسب المخالفة لأوامر الله –جلَّ وعلا- ونواهيه يكون هذا الخلل في هذه العبادة العظيمة. فالذي يصوم بالنهار وينام عن الصلوات المفروضة، وإذا حان وقت الفطور قام وأفطر، وأخذ يُزاول في الليل ما كان يُزاوله قبل رمضان من المنكرات والفواحش، هذا صيامه لا أثر له في حياته، ومن ثَمَّ أجره عليه -إن كان له أجرٌ فيه- قليلٌ ضئيل، بخلاف مَن كان صيامه على مراد الله –جلَّ وعلا- وعلى هدي نبيه –عليه الصلاة والسلام- الذي قال فيه الله –جلَّ وعلا- في الحديث القدسي: «الصيام لي، وأنا أجزي به» [البخاري: 1894]، وقال النبي –عليه الصلاة والسلام-: «مَن صام يومًا في سبيل الله، بعَّد الله وجهه عن النار سبعين خريفًا» [البخاري: 2840]، والمراد بذلك الصيام الذي تترتَّب عليه الآثار الشرعية، الذي ينهى صاحبه عن فعل المنكرات والمحرمات، ويأمره ويحثه ويَحدوه إلى فعل الطاعات وجميع ما أمره الله به.

وقُل مثل هذا في الصلاة، {إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَر} [العنكبوت: 45]، فبعض الناس يُصلي، ولكنه على ما كان عليه وما عاش عليه من فعل المحرمات وترك الواجبات، هذه الصلاة لا تزيده من الله قربًا، بل تكون وبالًا عليه، وقد تكون مردودةً عليه. فمثل هذا الذي صام هذا الصيام، وهذا الذي صلى هذه الصلاة التي ما نفعتْه في حياته العملية، ولا دعتْه إلى فعل المأمورات، ولا إلى ترك المحظورات، مثل هذه -مثل ما قلنا- الأثر فيها ضعيف، وقد يكون فعله لهذه المنكرات سببًا في ردِّ هذه العبادات.

وقُل مثل هذا في الحج، «مَن حج لله فلم يرفث ولم يفسق، رجع كيومَ ولدتْه أمُّه» [البخاري: 1521]، وقال الله –جلَّ وعلا- في حق من تعجَّل أو تأخَّر: {لِمَنِ اتَّقَى} [البقرة: 203]، فالمعوَّل على التقوى والأثر الذي يعقب هذه العبادات، فإذا ازداد إيمانه وزادتْ تقواه لله –جلَّ وعلا- وخشيته له عرفنا أن هذه العبادات آتتْ ثمارها، وترتَّبتْ عليها آثارها، وانتفع بها صاحبها، والله أعلم.