ما يكفِّره صيام يوم عرفة ويوم عاشوراء من السنين إذا اجتمعا

السؤال
مَن صام يوم عرفة لوجه الله، ثم صام يوم عاشوراء لوجه الله، ومعلومٌ ما يُكفران عنه في الحديث، فهل يُكفَّر له ثلاث سنوات، أو أن تكفير عاشوراء يعود على السنة نفسها التي يُكفِّرها يوم عرفة، فيكون المجموع فقط سنتين؟
الجواب

هذا السائل أخذ بظاهر النص، وجَمَع المكفرات ضامنًا لنتائجها إذا فعلها، والوعد لا يُخلَف، فالمكفرات كثيرة، فإذا اجتمعتْ فما الذي يُكفَّر عن المسلم؟ وإذا كانت ذنوبه تُكفَّر بواحدٍ منها فما الذي يبقى للبقيَّة؟ الذنوب والمعاصي التي يُزاولها المسلم على تفاوت بينهم في ذلك كثيرة، والمكفرات هذه التي جاء الوعد المرتَّب عليها لا يضمن المسلم الذي فعلها أن تثبت له بجميع ما يترتَّب عليها. فعلى المسلم أن يجتهد ويسعى ويفعل كل ما يُرغَّب فيه ويُؤمر به وعسى، فالذي يقرأ: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] ثلاث مرات هل نقول: ختمتَ القرآن وحصل لك أجر القرآن كاملًا؛ لأن {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} تعدل ثلث القرآن، فلا داعي لأن تقرأ القرآن؛ لأنك ضَمِنتَ ختمةً؟ هذا الكلام ليس بصحيح. و«عمرة في رمضان تعدل حجة» [البخاري: 1782] هل نقول: أنت ضمنتَ أجر حجة فلا داعي أن تحج؟ وهكذا، هذه أمور جاءت فيها النصوص المُرغِّبة، فعلى المسلم أن يحرص على تطبيق ما أُمِر به، ويحرص على ذلك مخلصًا لله –جلَّ وعلا- ويتحرَّى أن تكون أفعاله خالصةً لله –جلَّ وعلا- مطابقةً لما جاء عن نبيه -عليه الصلاة والسلام-، أما ما وراء ذلك فيتركه للمجازاة من الله –جلَّ وعلا-، وكم من إنسانٍ يفعل أفعالًا وعنده من الخلل ما يُخل بها وهو لا يدري؛ ولذا جاء خوف السلف من قول الله –جلَّ وعلا-: {وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ} [الزمر: 47]. فعلى الإنسان أن يُبادر إلى فعل الخيرات، ويجتنب المعاصي والمنكرات، ولا يُحاسِب ربَّه، بل يدع الحساب لله -جلَّ وعلا-.

يقول ابن القيم في (الوابل الصيب): (وينبغي أن يُعلَم أن سائر الأعمال تجري هذا المجرى، فتفاضل الأعمال عند الله تعالى بتفاضل ما في القلوب من الإيمان، والإخلاص، والمحبة، وتوابعها. وهذا العمل الكامل هو الذي يُكفِّر السيئات تكفيرًا كاملًا، والناقص بحسبه).

«الصلوات الخمس مكفرات ما بينهنَّ إذا اجتنبَ الكبائر» [مسلم: 233]، يقول: (أنا صليتُ الصلوات الخمس)!، و«عمرة في رمضان»، و«العمرة إلى العمرة» [البخاري: 1773] ، و«رمضان إلى رمضان» [مسلم: 233]، ماذا بقي أن يُكفَّر؟ بقي عليك من الذنوب ما لا تُحصيه، فإذا كان المصلي ليس له من صلاته إلا ما عقل، وفي معنى كلامٍ لشيخ الإسلام أن الصلاة التي لا يُحرِز صاحبُها من أجرها إلا الربع، أو الخمس، أو العُشر هذه إن كفرَّتْ نفسها فعسى، فضلًا عن أن تُكفِّر غيرها، فعلى الإنسان أن يسعى بامتثال أوامر الله واجتناب نواهيه، ويحرص على أن يكون التطبيق موافقًا لما جاء عن النبي –عليه الصلاة والسلام- مقرونًا بالإخلاص لله -جلَّ وعلا-.