معنى «الأريسيين» في الحديث، والواجب على الراعي تجاه رعاياه

السؤال
قرأتُ في (تفسير البغوي) هذا الكلام: (ودعا بكتاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الذي بعث به دحية بن خليفة الكلبي إلى عظيم بُصرى، فدفعه إلى هرقل فقرأه فإذا هو: بسم الله الرحمن الرحيم من محمد عبد الله ورسوله إلى هرقل عظيم الروم، سلام على من اتبع الهدى، أما بعد فإني أدعوك بدعاية الإسلام، أسلم تسلم، أسلم يُؤتك الله أجرك مرتين، فإن توليتَ فإنما عليك إثم الأريسيين، {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 64]). سؤالي: ما معنى «الأريسيين»، وهل هذا يدل على أن مَن له ولاية على أحدٍ أنه إذا لم يُعلِّمهم أحكام دينيهم، وكذا إذا وقعوا في المعاصي، أنه يأثم بسبب معاصيهم وذنوبهم؟
الجواب

هذا الكتاب المذكور في (تفسير البغوي) هو بحروفه مروي في (صحيح البخاري) في بدء الوحي في أول الكتاب [7]، وأما بالنسبة للأريسيين فاختلف الشراح في معناها، وأصحها وأشهرها أنهم الأكَّارون، أي: الفلاحون والزرَّاعون، ومعناه: أن عليك إثم رعاياك الذين يتبعونك وينقادون بانقيادك. ونبَّه -كما يقول أهل العلم في الشروح- بهؤلاء على جميع الرعايا؛ لأنهم الأغلب، ولأنهم أسرع انقيادًا، فإذا أسلم أسلموا، وإذا امتنع امتنعوا، قالوا: وهذا القول هو الصحيح، وقد جاء مصرَّحًا به في رواية رواها البيهقي في (دلائل النبوة): «فإن عليك إثم الأكارين» [4/384]، وفي رواية ذكرها أبو عبيد في (كتاب الأموال): «وإلا فلا تَحِل بين الفلاحين وبين الإسلام» [55]، وفي رواية ابن وهب: «وإثمهم عليك»، قال أبو عبيد: (ليس المراد بالفلاحين الزراعين خاصة، بل المراد بهم جميع أهل مملكته)، إلى آخر ما قاله العلماء في هذا.

وأما سؤاله عن إثم من ولَّاه الله على أحدٍ ولايةً عامةً أو خاصةً كالأب وغيره ممن له ولاية، فلا شك أنه يأثم إذا لم يُحطهم بنصيحته، وجاء في الحديث التشديد على مَن ولَّاه الله أمر أحد ولم يُحطهم برعايته وعنايته ونصحه، فإنه جاء فيه أنه لا يَرح رائحة الجنة [البخاري: 7150] -نسأل الله العافية-، فعلى مَن تولَّى على أحد أن يحوطهم برعايته ونصحه، وأن يعلِّمهم ما ينفعهم في دينهم ودنياهم، وألَّا يغشَّهم، فإنه إذا مات غاشًّا لهم لم يَرح رائحة الجنة، ومِن غِشِّهم تركهم بلا رعاية ونصح وتوجيه، وتركهم بدون أمر ولا نهي، لا يأمرهم بصلاة وقد أُمر بأمرهم بها «مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر» [أبو داود: 495]، ولا ينهاهم عن منكرات، ويتركهم ينظرون ويباشرون ما يريدون، فلا شك أن مثل هذا مفرِّط وغاش لرعيته، فهو متعرِّض للوعيد الشديد الذي جاء في هذا، والله أعلم.