معنى قول الله تعالى: {إن في صدورهم إلا كبر ما هم ببالغيه}

السؤال
في قول الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [غافر: 56]، ما معنى: {إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ}؟
الجواب

{إِنْ} هنا: نافية بمعنى (ما) أو (ليس)، {فِي صُدُورِهِمْ}، يعني: في قلوبهم، من إطلاق المحل وإرادة الحال، {وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} [الحج: 46]، قلوبهم ليس فيها إلا كِبر، ولن يصلوا إلى مبلغ هذا الكِبر الذي اعتقدوه أو وصلوا إليه. وهؤلاء المجادلون والمخاصمون يُخاصمون النبي –صلى الله عليه وسلم- فيما أتاهم به من عند الله –جلَّ وعلا- من الآيات، {بِغَيْرِ سُلْطَانٍ} يعني: بغير حجةٍ ولا برهان، {إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ} يقول –جلَّ وعلا-: ما في صدورهم إلا كبرٌ يتكبَّرون من أجله عن اتباعك، فهذه المخاصمة من أجل ألَّا ينصاعوا وينقادوا إلى طاعة النبي –عليه الصلاة والسلام- واتِّباعه.

يقول القرطبي –رحمه الله تعالى-: ({إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ} يُخاصمون، {فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ} أي: حُجة، {أَتَاهُمْ إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ} قال الزَّجاج: المعنى ما في صدورهم إلا كبرٌ ما هم ببالغي إرادتهم فيه، قدَّره على الحذف -أي: على حذف الإرادة-، وقال غيره –يعني: غير الزَّجاج-: ما هم ببالغي الكِبر، على غير حذف، -فيكون ليس فيه تقدير-؛ لأن هؤلاء قرأوا أنهم إن اتبعوا النبي –صلى الله عليه وسلم- قَلَّ ارتفاعهم)؛ لأنهم على حدِّ زعمهم أنه ما يتبع الأنبياء إلا الضعفاء، وجاء في حديث هرقل لما سأل أبا سفيان -رضي الله عنه-: فأشراف الناس يتَّبعونه أم ضعفاؤهم؟ قال: ضعفاؤهم، قال هرقل: وكذلك أتباع الرسل [البخاري: 7]؛ لأن الأغنياء وأشراف الناس يكون عندهم شيء من هذا الكِبر الذي يمنعهم أن يكونوا أتباعًا، بل في تقدير أنفسهم وكِبرهم الذي في صدورهم وقلوبهم يتخيَّلون أنهم الأولى والأحرى أن يكونوا متبوعين لا تابعين. يقول القرطبي: (لأن هؤلاء قرأوا أنهم إن اتبعوا النبي –صلى الله عليه وسلم- قَلَّ ارتفاعهم، ونقصتْ أحوالهم، وأنهم يرتفعون إذا لم يكونوا تبعًا، فأعلم الله –عزَّ وجلَّ- أنهم لا يبلغون الارتفاع الذي أمَّلوه بالتكذيب، والمراد المشركون، وقيل: اليهود...، وقيل: كل من كفر بالنبي –صلى الله عليه وسلم-، وهذا حسنٌ؛ لأنه يَعم. وقال مجاهد: معناه: في صدورهم عظمة ما هم ببالغيها، والمعنى واحد. وقيل: المراد بالكِبر الأمر الكبير، أي: يطلبون النبوة، أو أمرًا كبيرًا يصلون به إليك من القتل ونحوه، ولا يبلغون).

وفي تفسير ابن كثير: ({إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ} أي: يدفعون الحق بالباطل، ويردون الحُجج الصحيحة بالشُّبه الفاسدة بلا برهانٍ ولا حجةٍ من الله، {إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ} أي: ما في صدورهم إلا كِبر على اتباع الحق، واحتقار لمن جاءهم به، وليس ما يرومونه من إخمال الحق وإعلاء الباطل بحاصلٍ لهم -يعني: ما هم ببالغيه-، بل الحق هو المرفوع، وقولهم وقصدهم هو الموضوع، {فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ} أي: من حال مثل هؤلاء، {إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} أو من شر مثل هؤلاء المجادلين في آيات الله بغير سلطان، -يقول ابن كثير:- هذا تفسير ابن جرير)، يعني: نقله عن ابن جرير.

ومن الغرائب ما ذكره المفسرون عن كعب الأحبار وأبي العالية قالا: نزلت هذه الآية في اليهود {إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ}، قال أبو العالية: وذلك أنهم ادَّعوا أن الدجال منهم، وأنهم يملكون به الأرض، فقال الله لنبيه –صلى الله عليه وسلم- آمرًا له أن يستعيذ من فتنة الدجال؛ ولهذا قال: {فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}، قال ابن كثير: (وهذا قولٌ غريبٌ وفيه تعسُّفٌ بعيد، وإن كان قد رواه ابن أبي حاتم في كتابه، والله أعلم).