معنى قول الله تعالى: {يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات}

السؤال
ما معنى قول الله تعالى: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ}؟
الجواب

أول الآية قول الله –جلَّ وعلا-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انشُزُوا فَانشُزُوا يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} الآية [المجادلة:11]، إذا ربطنا آخر الآية بأولها كما جرى عليه كثير من المفسرين قالوا: إنه إذا قيل للمسلم: تفسَّح، يعني: أوسِع لأخيك في المجلس، فإن هذا يترتَّب عليه إذا امتثلتَ رفعةٌ في الآخرة، ولا يُظَن بهذا أنك أُبعِدتَ عن المكان فيقع في نفسك أنه ضعةٌ لك، بل هو رفعةٌ لك. وأيضًا {وَإِذَا قِيلَ انشُزُوا فَانشُزُوا} إذا قيل: انصرفوا، فانصرفوا، وليس في هذا ضعةٌ لك وحطٌّ من قدرك؛ لئلا يخطر في بالك هذا المعنى.

قال الله –جلَّ وعلا-: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ}؛ لأن تقديرك لهذه الأمور وامتثالك لهذا الأمر الإلهي دليلٌ على علمك، والعلم يُرفَع به العالِم درجات، والدرجات في الآخرة ليست مثل درجات الدنيا التي قد لا تزيد عن ثُلث ذراع، وإن زادت فنصف ذراع، وإلا فأتعبتْ مَن يصعدها، درجات الآخرة بين كل درجتين مثل ما بين السماء والأرض، ولذا قال ابن مالك في مقدمة ألفيته:

وَتَقتَضِي رِضًا بِغَيرِ سُخْطِ
 

 

فَائِقَةً ألفِيَّةَ ابنِ مُعطِـي
 

وَاللهُ يَقضِي بهِبَاتٍ وَافِرَةْ
 

 

لِي ولَهُ فِي دَرَجَاتِ الآخِرَةْ
 

ليست مجرد درجات، بل الدرجة الواحدة من درجات الآخرة مثل ما بين السماء والأرض، فليحرص الإنسان على تحصيل هذه الدرجات.

وفي هذا تفضيل أهل العلم {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ} المؤمنون مفروغٌ منهم، والإيمان لا يصح عملٌ بدونه، {وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ} هذه مزيَّة لقدرٍ زائد على الإيمان، فإذا كان المؤمن يستحق الجنة ويستحق هذه الدرجات ويُرفَع فيها بإيمانه، فإنه يُرفَع أيضًا بعلمه، وهذه من أعظم النصوص الواردة في الحث على العلم {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ}، فيحرص الإنسان على امتثال هذه الأوامر، مثل الأمرين اللذين ذُكِرا في هذه الآية، والله المستعان.