المفاضلة بين بعض الكتب التي يَتدرَّج في حفظها طالب العلم

السؤال
قررتُ حفظ (ألفية العراقي)، و(ألفية ابن مالك)، و(منهاج البيضاوي) في أصول الفقه، و(منهاج الطالبين) للنووي في الفقه، وذلك بالتدرُّج، ولكن أخبرني بعض الإخوة أن صرف الوقت في حفظ الحديث مثل: (البلوغ)، و(رياض الصالحين) يكون أفضل، وأنا في حيرة، فما الأفضل؟ وهل علي أن أحفظ المتون الصغيرة مثل: (الآجرومية)، و(الورقات)، و(النخبة)، و(الطحاوية)؟
الجواب

على كل حال هذه الكتب من أهم المهمات عند أهل العلم، وهي للطبقة العليا، أعني: (ألفية العراقي)، و(ألفية ابن مالك)، و(منهاج البيضاوي)، و(منهاج الطالبين) للنووي، فـ(منهاج الطالبين) يُعادل (الزاد)، و(منهاج البيضاوي) يُعادل (مختصر التحرير)، و(الألفية) سواء كانت (ألفية ابن مالك) أو (ألفية العراقي) للطبقة العليا، بعد أن تُوجَد الأرضية بتجاوز كتب مرحلة الطبقة الأولى والثانية، فلا بد من المرور عليها، وإذا كانت الحافظة ضعيفة، وخشي أن يمضي به العمر والوقت، ويكون هذا على حساب الأصول، نقول: سدَّد وقارب، فاحفظ من (ألفية العراقي) ما يُختار لك حفظه، لا سيما الثلث الأول، واحفظ من (ألفية ابن مالك) ما يُحتاج إليه؛ لأن علوم الوسائل لا ينبغي أن تكون على حساب المقاصد، فبعض الناس يستهويه علم النحو، فيحفظ (الآجرومية)، ويقرأ شروحها، ويأخذ عليه هذا وقتًا طويلًا، ثم بعد ذلك (القطر) بجميع شروحه، ثم (شذور الذهب)، ثم (ملحة الإعراب) بشروحها، ثم (الألفية)، ثم (المفصل) بشروحه، فينقضي العمر! والنحو -كما يقول أهل العلم- كالمِلح، إنما يُحتاج منه ما يفيد الطالب.

وكثير من طلاب العلم لا سيما في النحو، قد يقول: إنه قرأ في كتب النحو، وحضر الدروس، وضبط القواعد وحفظها وفهما، لكنه إن قرأ في كتابٍ لَحَن، وإن ألقى كلمةً لحن، فهل نقول: إنه استفاد من علم النحو مع هذه المعاناة، أو نقول: إن جهده ذهب سُدًى؟ نقول: استفاد، لماذا؟ لأن علم النحو يفيد فائدتين:

الفائدة الأولى: تعديل اللسان، وهذا يحتاجه المعلِّم والخطيب، والذي يقرأ على الشيوخ بأمسِّ الحاجة إليه، لكن إذا لم يستفد هذا فهل يُحرَم الفائدة الثانية وهي: فهم المعاني المتغيِّرة بتغيُّر الإعراب؟ افترِض أنه ينصب الفاعل ويرفع المفعول، لكن إذا تأمَّل وأعرب فهل يُتصوَّر منه أنه يُخطئ في الإعراب بعد معرفة هذه الأمور؟ يعني: وهو يقرأ يسبق لسانه إلى الخطأ، فإذا قرأ: (ضرب زيدٌ عمرًا) ونطقها: (ضرب زيدًا عمروٌ) وهو يريد العكس، فسَبَق لسانُه إلى الخطأ، نقول: أخطأ لا شك، وهذه الفائدة -وهي: تقويم اللسان- ما استفادها هذا الرجل؛ لأن هذه تأتي بالمران المصاحب للتعلُّم، ولذا تجد طالبَ علم أقل في التحصيل من آخر إذا قرأ يُشنِّف السامعين ويُطربهم ولا يَلحن، والذي أعلى منه وأعرف منه بهذا العلم يُخطئ ولا يُقيم جملةً، ويَملُّ السامعون من قراءته؛ لأن هذا ما تعوَّد.

لكن الفائدة الثانية: وهي فهم الكلام الذي يختلف معناه باختلاف إعرابه، لن يُحرَم منها مَن عَرف النحو؛ لأنه يقرأ: (ضرب زيدًا عمروٌ)، لكن إذا أراد أن يُعرب ما يُخطئ، وفهم الكلام مترتِّب على إعرابه.

وخير ما يُعين على التطبيق في هذا الفن: إعراب القرآن، فإذا انتهيتَ من (الآجرومية)، وطبَّقتَها بشروحها، فأعرب الفاتحة كاملة إعرابًا مفصلًا، ثم بعد ذلك اعرض إعرابك على كتب إعراب القرآن، فإن طابق فأنت مستفيد مائة بالمائة، وإن لم يُطابِق فبقدر ما يختل من المطابقة يكون الخلل في تحصيلك لهذا العلم. ومما يمتاز به (شرح الأزهرية) إعراب قصار السور؛ لأنه مهم، فهذا الإعراب مع كونك تستفيد منه في العربية، تستفيد منه -أيضًا- في فهم القرآن؛ لأن بعض كلمات القرآن لا يُفهم معناها إلا إذا عُرف موقعها من الإعراب.