الجمع بين قراءة الأدب وطلب العلم

السؤال
كيف نجمع بين قراءة الأدب وطلب العلم؟
الجواب

طالب العلم عليه أن يُعنى بالوحيين -الكتاب والسنة-، وما يُعين على فهم الكتاب والسنة، هذه مهمة طالب العلم، لكن النفس لا شك أنها تمل وتكل، فتحتاج إلى شيء من الترويح، فلا مانع من أن يقرأ طالب العلم في الأوقات التي فيها نوع خمول، ومعرَّضة للضياع، أن يقرأ في كتب الأدب، أو في التواريخ، وهي أهم، فكتب الأدب تقوِّم اللسان، وتفتح بعض الآفاق لطالب العلم، وكتب التواريخ فيها المتعة، وفيها العبرة.

ونذكر مثالًا على هذا: من كلام الأئمة في الجرح والتعديل قول أبي حاتم -رحمه الله- في جُبَارة بن المُغلِّس: (بين يدَيْ عدلٍ)، وكان الحافظ العراقي -رحمه الله- يقرؤها: (بين يدَيَّ عدلٌ)، ويجعلها من ألفاظ التعديل، والحافظ ابن حجر -رحمه الله- لما قارن بين قول أبي حاتم، وبين أقوال الأئمة في جُبارة، وهم كلهم على التضعيف، يقول: لا يمكن أن يعدِّله أبو حاتم مع شدته، والأئمة على تضعيفه، فلا بد أن تكون هذه الكلمة فيها شيء من التصحيف أو التحريف، فمن ضمن قراءاته -وهو واسع القراءة، وواسع الاطلاع- وجد في كتاب (الأغاني) قصة لولد من أولاد الرشيد، في مأدبة مع القائد طاهر، فجاء الولد هذا من باب المداعبة والمزح على المأدبة وأخذ هندباة -وهي إما: قرَع، أو كوسة، أو باذنجان، أو نحو ذلك- وضرب بها طاهرًا، فأصابت عينه السليمة، والأخرى عوراء، فشكاه إلى أبيه، وقال: (هذا ضرب السليمة، والأخرى بين يديْ عدلٍ)، فالآن ابن حجر أمسك طرف الحبل، وعرف أن (بين يدَيْ عدلٍ) للعوراء ما هو بمدح، ثم يقول: فوجدتُ في كتاب (أدب الكاتب) لابن قتيبة -رحمه الله- أن العدل شخص اسمه: العدل بن جَزْء بن سعد العشيرة، وكان على شرطة تُبَّع، فإذا أراد تُبَّع إعدام شخصٍ سلَّمه للعدل، فقال الناس: (هذا بين يدَيْ عدلٍ)، يعني: هالك، فانقلب المعنى، بدلًا من أن يكون تعديلًا صار من أعظم ألفاظ الجرح. مَن الذي كشف لنا هذا؟ سعة الاطلاع، والقراءة في مثل هذه الكتب، لكن لا تكون على حساب العلم ومتين العلم.