مدى كون حديث «يَحمل هذا العلمَ مِن كلِّ خَلَفٍ عُدُولُه» تعديلًا مطلقًا لحملة العلم

السؤال
يقول النبي -عليه الصلاة والسلام-: «يَحمل هذا العلمَ مِن كلِّ خَلَفٍ عُدُولُه»...إلى آخره [مسند البزار: 9423]، فهل يُفهم من هذا الحديث التعديل المطلق لطلبة العلم والعلماء؟
الجواب

أولًا: هذا الحديث مختلَف في ثبوته وصحته، وصحَّحه بعض العلماء، والإمام أحمد -رحمه الله- كأنه يميل إلى ثبوته وتصحيحه، فيما نقله عنه الخطيب -رحمه الله- في (شرف أصحاب الحديث) وغيره.

وفَهم منه ابن عبد البر -رحمه الله- أن هذا تعديل لكلِّ مَن يحمل العلم، فكلُّ مَن حمل العلم فهو عدل بقول المصطفى -صلى الله عليه وسلم-.

ولابنِ عبدِ البرِّ كلُّ مَن عُنِي         .

 

بحملهِ العلمَ ولمْ يُوَهَّنِ                  .

فإنهُ عدلٌ بقولِ المصطفى:                  .

 

(يحملُ هذا العلمَ)، لكن خُولِفا            .

والواقع يشهد بأنه يوجد مَن يحمل العلم -وأنا عندي تحفُّظ على إطلاق كلمة علم على ما يحمله مَن لم يعمل بعلمه-، فيوجد في الواقع مَن يحمل مسائل علمية بأدلتها، ويتصوَّرها تصوُّرًا صحيحًا دقيقًا بأدلتها، بعُجَرها وبُجَرها، وعنده شيء من المخالفات، فهل نستطيع أن نُعدِّل مِن خلال هذا الحديث مَن حمل العلم وهو يرتكب محرمات؟ ألا يوجد مَن يرتكب محرمًّا وهو يقال له: عالم، ويحمل شهادات عليا، ويُعلِّم التعليم الشرعي؟ لا يمكن أن نوثِّقه، فإما أن:

- نقول: إن الحديث جاء لحثِّ أهل العدالة على حمل العلم، كما جاء في بعض الروايات: «ليَحمل هذا العلمَ مِن كلِّ خَلَفٍ عُدُولُه» [نوادر الأصول: 1165 / والجرح والتعديل: 2/17]، فهو حثٌّ للعدول أن يحملوا العلم، ولا يتركوا المجال لغيرهم أن يَحملوا هذا العلم.

- أو نقول: إن ما يحمله الفسَّاق ليس بعلم، وهذا هو المتوجِّه عندي، وإن سمَّاه الناس علمًا، فهو في الحقيقة ليس بعلم، فالعلم الذي لا ينفع لا يُسمَّى علمًا، ومن أوضح الأدلة على ذلك قول الله -جل وعلا-: {إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوَءَ بِجَهَالَةٍ} [النساء: 17] فإذا عمل السوء، وارتكب مخالفة، فهو جاهل ولو كان من أعلم الناس، فمَن يعرف أن الزنا حرام، وعنده الأدلة على هذا، ويزني، هل نقول: إنه عالم؟ لو قلنا: إنه عالم، لقلنا: إن توبته لا تُقبل، والنص القطعي في الثبوت والدلالة يدل على أن توبته مقبولة، فهو يعمل السوء بجهالة، فهل معنى هذا أنه لا يعلم الحكم؟ بل يعلم الحكم، ولذا يُقرِّر أهل العلم أن كلَّ مَن عصى الله فهو جاهل.