بيان لبعض الأمور المتعلِّقة بالدفن، والحث على المشاركة في الصلاة والدفن

السؤال
فضيلة الشيخ الدكتور عبد الكريم، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، نودُّ من فضيلتكم أن تبيِّن لنا بعض الأمور المتعلِّقة بدفن الموتى في هذه المنطقة، والتي تُعتبر مندثرة، ومن هذه الأمور: وضع أكثر من علامة على القبر بشكل غير لائق، وبأحجام كبيرة جدًّا. ووضع بعض جريد النخل على بعض القبور.
الأمر الثاني: تهاون، أو قلَّة معرفة كثير من الإخوة بالأجور المتعلِّقة بالصلاة على الميت، والمشاركة في الدفن، وجزاكم الله خيرًا.
الجواب

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته. أما كيفية الدفن فإذا مات المسلم فإنه يُجهَّز، بأن يُغسَّل ويُكفَّن ويُصلى عليه، ثم يُدفن في لحدٍ إن أمكن، وإلَّا فيُدفن ولو بصدعٍ من الأرض، يعني: شَقًّا، إذا لم يُمكن اللحد، ثم يُهال عليه التراب، ويُوضع عليه علامة يسيرة من غير رفع، ولا يجوز أن يكون القبر مُشرِفًا، ووضْع العلامات؛ ليعرفه من أراد زيارته، وهي علامات يسيرة لا تكون متميِّزة به عن غيره، إلَّا بمجرد أن يُعرَف، وأما وضع الأحجار الكبيرة عليه، أو شيء من البنيان، أو ألواح ويُكتَب عليها، فكل هذه من البدع.

وكذلك الجريد، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- لمَّا مرَّ بالقبرين قال: «إنهما ليُعذبان وما يُعذبان في كبير»، ثم أخذ جريدة خضراء، فشقها بنصفين، وغرس في كل قبر جريدة، قال: «لعلَّه يُخفَّف عنهما ما لم ييبسا» [البخاري: 216]، ولا يجوز لغيره -صلى الله عليه وسلم- أن يفعله؛ لأن هذا شيء أُطلِع عليه النبي -عليه الصلاة والسلام- بأنهما يعذبان، لكن غيره هل يجزم بأن هذا القبر يُعذَّب؟ الأمر الثاني: هل فيه من البركة ما في النبي -عليه الصلاة والسلام-، حيث غرس هذه الجريدة بيده وصار سببًا في تخفيف العذاب عن هذين مادامت الجريدة خضراء؟ ومن أهل العلم مَن يرى أن الجريدة مادامت رطبة غضَّة فهي تُسبِّح، ويُخفَّف عنه بسبب هذا التسبيح، لكن لم يُعرَف عن أبي بكر ولا عمر ولا جمهور الصحابة -رضي الله عنهم- أنهم فعلوا ذلك، وكلُّ خيرٍ في اتِّباع مَن سلف، وحينئذٍ لا يُوضع على القبر غير العلامة التي تُميِّزه عن غيره، ولا يكون فيها شيء من السَّرَف، ولا من رفع القبر، ولا رفع العلامة أيضًا، ولا كتابات ولا بناية ولا نحوها.

أما ما يتعلَّق بالتهاون في الأجور المتعلِّقة بالصلاة على الميت ودفنه، فبعض الناس يمرُّ عليه الأيام، بل الأشهر، وأحيانًا السنة أو أكثر، لم يشارك في صلاة على جنازة، ولا في حمل ميت، ولا تشييعه، ولا دفنه، وهذا لا شك أنه حرمان؛ لأن مَن صلى على جنازة كان له من الأجر قيراط، والقيراط مثل جبل أحد، وإذا تبعها حتى تُدفن فله قيراطان، ومع الأسف الشديد أننا نجد في بلاد الحرمين، وفي الحرمين، مَن يُصلَّى على الجنازة وهو جالس، فالحرمان لا نهاية له، والتوفيق أيضًا موجود، ولله الحمد، ويسعى له كثير من الناس، فيوجد في المقابل من الناس الآن من الشباب والكهول والشيوخ مَن يقصد الصلاة في المساجد التي يُصلى فيها على الأموات، ويتردَّد عليها، ويصلِّي في كل يوم على جنازة فأكثر، ويوجد أيضًا من يزور المقابر في الأسبوع مرة، ويقصد المستشفيات، ويزور المرضى، ويقرأ القرآن في كلِّ سبع، ويُؤدِّي عمله الواجب المنوط به على أكمل وجه، فتجد عنده دوامًا من الساعة السابعة والنصف إلى الثانية والنصف، وعنده وِرده اليومي من القرآن، أكثر من أربعة أجزاء؛ ليقرأ القرآن في سبع، كما أمر النبي -عليه الصلاة والسلام- عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما-: «اقرأ القرآن في سبعٍ ولا تَزِد» [البخاري: 5054]، وبعض الناس يقول: (نحن مشغولون يا أخي، لنا أعمالنا، ولنا روحات وجيَّات، ولنفسك عليك حق)، نعم لنفسك عليك حق، لكن أربعة أجزاء تُنهيها في ساعة واحدة، فتجلس بعد صلاة الصبح إلى أن تنتشر الشمس وتقرأ أربعة أجزاء، ما يُكلِّفك شيئًا، كما يفعل هذا الموفَّق، ثم يذهب إلى دوامه بكل راحة ويسر وسهولة، ويؤدِّي عمله، ويُعان على العمل الشاق؛ بسبب ما قدَّمه من عمل صالح، وبعد ذلك يزور مستشفيات، ويزور مقابر، ويصلِّي على جنائز، وحدِّث ولا حرج من هذه الأجور التي يكتسبها مثل هذا، ولا شك أن مثل هذا قد أراد الله به خيرًا بحرصه على صلاة الجنائز واتِّباعها، حيث يسَّر له هذا العمل اليسير، والأجور العظيمة الكثيرة «مثل أُحد» [البخاري: 47]، فبمجرد أن وقفتَ خمس دقائق، وكبَّرتَ أربع مرات، وقرأتَ ما قرأتَ، ودعوتَ، تنال هذا الأجر، فهذا خير عظيم، ولا يترك مثل هذا الأجر إلَّا محروم، فهل يَستكثر الإنسان أن يركب سيارته ويصلِّي في المسجد الذي يُصلى فيه على الجنائز؟ لا سيما إذا لم يكن مرتبطًا بعمل، أو لم يكن له شغل، ولا يشق عليه هذا، فزيارة القبور تُذكِّر الآخرة، «زوروا القبور فإنها تذكِّركم الآخرة» [ابن ماجه: 1569 / ويُنظر: مسلم: 976]، وينتفع بها الزائر، وينتفع المزور؛ لأنه يدعو للمسلمين، فهي زيارة شرعية.

ويقابل هذا -كما ذكرنا- شخص آخر لا يعرف صلاة على جنازة، ولا يزور مقابر، ولا يزور مرضى، ولا يُقدِّم أي شيء، ويمرُّ عليه الشهر والشهران، بل قد تمرُّ عليه أحد عشر شهرًا ما يفتح المصحف، إن جاء إلى المسجد مبكِّرًا قبل الإقامة بخمس دقائق أو عشر دقائق في رمضان قرأ القرآن، وإلَّا فما يعرف القرآن، فلا شك أن مثل هذا محروم، مسلم لا ينظر في عهد الله الذي هو كتابه، وتطلع عليه الشمس وتغيب ما قرأ في القرآن، فضلًا عن كونه طالب علم أو من أهل العلم! هذا حرمان بلا شك، نسأل الله العافية.