إطالة الدعاء في آخر سجدة من صلاة النافلة

السؤال
عند قيامي الليل، وحتى عند أدائي السنن الرواتب، أحيانًا أدعو في آخر سجدة من صلاتي، وقد أخبرني بعض الأشخاص أن عملي هذا بدعة، فهل هذا صحيح؟
الجواب

أولًا: الدعاء في السجود مظنَّة للإجابة، «أقرب ما يكون العبد من ربِّه وهو ساجد، فأكثروا الدعاء» [مسلم: 482]، «وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء، فَقَمِنٌ أن يُستجاب لكم» [مسلم: 479].

لكن السؤال هل يُطيل السجدة الأخيرة أطول من السجدات التي قبلها، أو أن قاعدة الصلاة أن كلَّ عملٍ دون الذي قبله، فالركعة الثانية دون الركعة الأولى، والركعة الثالثة دون الثانية، وهكذا؟ وقل مثل هذا في السجود. ويوضِّح ذلك حديث صلاة الكسوف، «فقام قيامًا طويلًا نحوًا من قراءة سورة البقرة، ثم ركع ركوعًا طويلًا، ثم رفع، فقام قيامًا طويلًا وهو دون القيام الأول، ثم ركع ركوعًا طويلًا وهو دون الركوع الأول» [البخاري: 1052]، «فسجد سجودًا طويلًا..، ثم سجد وهو دون السجود الأول» [البخاري: 1044]، وهكذا في الصلاة كلِّها.

ويُلاحَظ على بعض الناس -حتى من بعض أهل العلم ممن أدركناهم- أنهم يُطيلون آخر سجدة، وكأنها هي التوديع في الصلاة، وكأن هذا هو مأخذهم في إطالتها، فقد يكون المصلي قد غفل عن الدعاء في السجدات السابقة، لكن لما بقيت آخر سجدة تذكَّر ما جاء في السجود، وأنه من أفضل أجزاء الصلاة، فأراد أن يستغلها، وكأنها هي التوديع بالنسبة للصلاة، فأدركنا من المشايخ مَن يُطيله.

وعلى كل حال الأمر أقلُّ من أن يقال فيه: (بدعة)، فلا يمكن أن يقال فيه: (بدعة) مع النصِّ العامِّ الذي يشمله «وأما السجود -وهذا سجود- فاجتهدوا في الدعاء، فَقَمِنٌ أن يُستجاب لكم»، «فأكثروا الدعاء»، أما كون كلِّ عملٍ في الصلاة دون الذي قبله، فهذا صحيح، وجاء ما يدلُّ عليه، لكنه إجماليٌّ، بدليل أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قرأ أحيانًا في بعض الركعات أكثر مما قرأ في التي قبلها، فالمنافقون أطول من الجمعة، والغاشية أطول من سبِّح، وهكذا، وصحيح أن الفرق يسير، لكن مهما كان الفرق فإنه يكون أصلًا في الباب.

على كل حال الأمر فيه سعة، ولله الحمد، وإن كان ينبغي للإنسان أن يحتاط ويدعو من أول سجود إلى آخره، أما كونه يصل إلى حدِّ الابتداع فلا.

على أن ما جاء في صلاة الكسوف الأوليَّة فيه مُحتمِلة، فتَحتمل أن تكون أوليَّة مُطلقة، وتَحتمل أن تكون أوليَّة نسبيَّة، وما الذي يترتَّب على هذا؟ كونها أوليَّة مطلقة يكون القيام الثاني دون القيام الأول، والقيام الثالث دون القيام الأول، والقيام الرابع دون القيام الأول، هكذا جاء. فإذا قلنا: أوليَّة مطلقة، قلنا: المتميِّز بالطول هو القيام الأول، وأما الثلاثة التي بعده فهي على حدًّ سواء، وكلُّها دون الأول.

وإذا قلنا: أوليَّة نسبيَّة قلنا: إن كلَّ قيام دون الذي قبله، فالثاني دون الأول، والثالث دون الثاني، وهو أول بالنسبة إليه، والرابع دون الثالث؛ لأنه أول بالنسبة إليه، وعلى هذا تكون الصلاة تدريجيَّة، فيقرأ في صلاة الكسوف في القيام الأول مثلًا البقرة، وإذا قرأ في القيام الثاني آل عمران، فهل يقرأ النساء في الثالث؟ على الاحتمال الأول -أوليَّة مطلقة- لا مانع أن يقرأ في الثالث النساء؛ لأن النساء دون البقرة، لكن على الاحتمال الثاني -أوليَّة نسبيَّة- لا يقرأ النساء، ولا يقرأ الأعراف، وإنما يقرأ مثلًا يونس؛ لأنها دون آل عمران، ويقرأ في القيام الرابع يس مثلًا؛ لأنها دون يونس، وهكذا. لكن إذا قلنا: أوليَّة مطلقة، فيقرأ في القيام الأول مثلًا البقرة، وفي القيام الثاني آل عمران، وفي الثالث النساء، وفي الرابع الأعراف، فتكون الركعات الثلاث متساويات، وكلُّها دون القيام الأول أوليَّة مطلقة، والنصُّ مُحتمِل.