موطأ الإمام مالك

تصنيف الكتاب
كشاف الكتاب

الإمام مالك بن أنس إمام دار الهجرة، نجم السنن كما قال الشافعي وغيره، من الأئمة المعروفين المتبوعين أصحاب المذاهب الباقية إلى يومنا هذا، فهو إمام المذهب المالكي، لمذهبه انتشار واسع في بلاد المغرب والأندلس، وله أيضاً وجود في العراق وفي مصر وغيرهما.
الإمام مالك -رحمه الله - كان من منهجه ألا يقرأ على أحد، ولا يحدث أحداً، وينكر أشد النكير على من يطلب منه أن يقرأ عليه، بل الإمام مالك يسمع والطالب هو الذي يقرأ، فجميع من روى الكتاب عن الإمام مالك فبطريق العرض، وقد كان بعض من لا يرى العرض - من أهل العراق - يأتي إلى الإمام مالك ليسمع من الإمام، فيزجره الإمام -رحمه الله-، ويقول: "العرض يكفيك في القرآن ولا يكفيك في الحديث؟!"
وتسمية الموطأ مأخوذة من التوطئة وهي التهيئة والتسهيل والتمهيد، يقولون: رجل موطأ الأكناف، أي: سهل كريم الخلق، ومنهم من يقول: إن سبب التسمية مأخوذة من المواطأة، وهي الموافقة؛ لأنه عرضه على أئمة عصره فوافقوه عليه.
وسبب تأليف الكتاب كما ذكر ابن خلدون، أن الإمام مالك -رحمه الله تعالى- ألفه بطلبٍ من أبي جعفر المنصور الخليفة المعروف المشهور، طلب من الإمام مالك أن يؤلف كتاباً ليجمع عليه الناس، وأوصاه ووجهه كيف يؤلف؟ فقال: "تجنب في ذلك رخص ابن عباس، وشواذ ابن مسعود، وتشديدات ابن عمر"، يقول الإمام مالك -رحمه الله تعالى-: "فعلمني كيفية التصنيف".
كتاب الموطأ ثابت النسبة، مستفيض مشهور إلى مؤلفه، روي بروايات متعددة، تحمله عن الإمام مالك جمع غفير، وقرأه عليه العدد الكثير الجم، وحفظت بعض الروايات عن الإمام مالك، وبقي كثير منها إلى يومنا هذا، فالموطأ له روايات كثيرة، بلغت الموطآت بضعة عشر، تختلف هذه الموطآت في كثرة الأحاديث، وفي الترتيب تقديماً وتأخيراً، وفي كلام الإمام مالك ونقوله عن الصحابة والتابعين، فأوسع هذه الموطآت وأكثرها زيادات: رواية أبي مصعب الزهري، وهي مطبوعة في مجلدين. وأشهر الروايات وأكثرها تداولاً وعليها أكثر الشروح، واعتماد أهل العلم عليها في الغالب: رواية يحيى بن يحيى الليثي. ومن الروايات رواية محمد بن الحسن الشيباني، وقد انفردت ببعض الزيادات على رواية يحيي، وتأتي أهمية رواية محمد من إمامة راويها وإدخاله بعض ما ينصر مذهب أبي حنيفة في أحاديث الموطأ. ومنها روايات كثيرة ذكر منها صاحب الحِطة ست عشرة رواية، وأثبت بعض الزيادات التي في بعضها على بعض.
موطأ مالك من أعظم المصنفات القديمة التي هي عمدة وأصل من الأصول التي أعتمد عليها أصحاب الكتب الشهيرة، حتى قال الدهلوي في (بستان المحدثين): " إن أصل الأصول كتاب مالك، وما عداه من الكتب الستة كلها مستخرجات عليه"، لكن هذا الكلام فيه مبالغة، فكتاب مالك كتاب عظيم، وأفاد من جاء بعده منه فائدة كبرى، لكن لا يعني أنه لا يوجد في غيره ما لا يوجد فيه، بل هو كتاب إذا نسبناه إلى البخاري مثلاً وجدنا أنه شيء يسير، فضلاً عن الكتب الستة مجتمعة أو مسند أحمد، على كل حال كتاب الإمام مالك صار أصلاً لهذه الكتب، تلقته الأمة بالقبول، وخدمه العلماء، وعنوا به، وكثرت شروحه.
وأما قول الإمام الشافعي: "ما على ظهر الأرض كتاب في العلم بعد كتاب الله أصح من كتاب مالك" فقد كان قبل وجود الصحيحين، إذ لا يوجد أصح من الموطأ، ثم لما وجد الصحيحان قدما على موطأ الإمام مالك وعلى غيره من الكتب، فصار الموطأ سادس الكتب عند جمع من أهل العلم، وإن كان متقدماً عليها في الزمان، وفي إمامة مؤلفه ومكانته، لكنه في الترتيب عند أهل العلم سادس الكتب لما فيه من البلاغات والمراسيل والموقوفات والمقطوعات والمقاطيع، فتأخرت رتبته عن الصحيحين والسنن، على خلاف بين أهل العلم في السادس، وقد جعله بعضهم هو السادس كما فعل ابن الأثير في جامع الأصول، ورزين العبدري في تجريد الأصول، وبعضهم جعل السادس الدارمي، ومنهم من جعل السادس ابن ماجه، وأول من أضافه إلى الخمسة الفضل بن طاهر في شروط الأئمة، وفي أطرافه، ثم جرى العمل على ذلك لكثرة زوائده من الأحاديث المرفوعة. ولا يستدرك على الإمام مالك إدخاله للمراسيل في كتابه؛ لأنه يرى حجية المرسل، وبلاغات مالك قد وصلها ابن عبد البر -رحمه الله- في التمهيد سوى أربعة أحاديث.
لأهمية الموطأ وإمامة مؤلفه، وعلو أسانيده اعتنى به العلماء عنايةً فائقة، وشرحوه شروحاً كثيرة، حتى ذكر شراحُه أكثر من مائة شرح مما هو موجود الآن في خزائن الكتب، وطبع كثير منها، لكن طالب العلم وهو في غمار هذه الأعداد الهائلة من المؤلفات من كتب السنة وشروحها، لا يمكنه الإحاطة بجميع ما كتب حول هذا الكتاب أو غيره، ومن أهم شروحه شرحي ابن عبد البر (التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد) وهذا كتاب عظيم، ومؤلفه إمام من أئمة المسلمين، والثاني (الاستذكار) وهو من الشروح التي لا يستغني عنها طالب علم. ومن شروحه: (المنتقى) للباجي، وهو مختصر من كتاب له كبير اسمه: (الاستيفاء) و(المنتقى) للباجي كتاب نفيس ونافع، وهو مطبوع في سبعة مجلدات كبار. ومن شروحه: (القبس شرح موطأ الإمام مالك بن أنس) للقاضي أبي بكر بن العربي، وله شروح أخرى على الموطأ. ومن الشروح: شرح للزرقاني، شرح متوسط مفيد نافع. وهناك شرح مختصر جداً للسيوطي اسمه: (تنوير الحوالك). وهناك شرح مطول اسمه: (أوجز المسالك) للكندهلوي في خمسة عشر جزءاً طبع في خمسة عشر مجلداً، وهو كتاب طيب نافع، يمتاز بعنايته بنقول المذاهب من كتب أصحابها. هناك شرح للدهلوي شرح مختصر جداً، وهو ماتع ونفيس، لكنه أخل بترتيب الكتاب، رتبه على الطريقة المعتادة عند أهل العلم في تقديم الطهارة على ما قدمه الإمام مالك من الوقوت. إلى غير ذلك من الشروح الكثيرة لهذا الكتاب النفيس.
 
طباعة الموطأ استغرقت خمساً وعشرين سنة - ربع قرن-، ومخطوطة موطأ الإمام مالك التي صورت مؤخراً في الكويت ونشرت مخطوطة جميلة، وخطها واضح وبين، ويوجد ما هو أنفس منها من مخطوطات الموطأ، لكن المقصود أنها صورة جميلة، والخط واضح جداً، يضاهي المطبوعات، فتصويرها نافع -إن شاء الله -.