عمدة الأحكام – كتاب الصيام (1)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

سم

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين برحمتك يا أرحم الراحمين

قال المؤلف -رحمه الله- تعالى: كتاب الصيام:

وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا تقدموا رمضان بصوم يومٍ ولا يومين إلا رجل كان يصوم صوماً فليصم)) وعن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((إذا رأيتموه فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا، فإن غمّ عليكم فاقدروا له)).

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

هذا السائل يقول: سؤال من الأمس أجلناه لليوم، للمناسبة يقول: لماذا قدم النبي -صلى الله عليه وسلم- الحج على صوم رمضان في حديث ابن عمر؟

في حديث ابن عمر المتفق عليه عن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: ((بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والحج، وصوم رمضان)) هذا المتفق عليه  والمخرج في الصحيحين، وخرج الإمام مسلم من حديثه عن ابن عمر قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان والحج)) فقيل له -لابن عمر-: "الحج وصوم رمضان؟ قال: لا، صوم رمضان والحج".

فالروايات المتفق عليها فيها تقديم الحج على الصيام، وعلى هذا بنى الإمام البخاري -رحمه الله- تعالى ترتيب كتابه، فقدم المناسك والحج على الصيام، فالبخاري -رحمه الله- تعالى بنى كتابه، ترتيب كتابه على الرواية التي خرجها المتفق عليها في تقديم الحج على الصيام، ومسلم كغيره من عامة أهل العلم مشى على تقديم الصيام على الحج، والأكثر على أن الصيام أهم من الحج، وأعظم من الحج، والبخاري في تقديمه الحج على صوم رمضان يفهم منه أن الحج عنده أعظم من الصيام، وباللفظين جاء الخبر الصحيح، كيف يروي ابن عمر الحديث ويقدم الحج على الصيام ويخرج عنه في الصحيحين؟ وينكر على من رد عليه في صحيح مسلم تقديم الصيام على الحج؟ قال: "لا، صوم رمضان والحج" فأهل العلم يقولون: أن ابن عمر يروي الحديث من الوجهين، سمعه من النبي -عليه الصلاة والسلام- بتقديم الصيام مرةً وبتقديم الحج مرة، وخرجه العلماء على هذا الأساس، وأن كل منهما صحيح، ومعروف في العربية أن الواو لا تقتضي ترتيب، إذاً ما دام على الوجهين عند ابن عمر كيف أنكر على من قال له: الحج وصوم رمضان، أنكر عليه أن يتدخل ويستدرك ما لا علم له به، ابن عمر عنده خبر أنه مرةً قدم هذا ومرةً قدم هذا، ورواه على الوجهين؛ لكن بعض الناس يرد ما لا يعرفه فمثل هذا يؤدب، كأن ابن عمر قال له: أنا أعرف منك، أنت سمعت الخبر من طريقي، والحديث عندي على الوجهين فلا ترد علي، خلي مرةً أروي على هذا ومرةً أروي على هذا، فإنكاره عليه من باب تأديبه وزجره، ومنهم من يقول: يحتمل أن ابن عمر نسي، هو يرويه عن الوجهين، ونسي الوجه الثاني لما رد على من استدرك عليه، ونسي الوجه الثاني لما استدرك عليه المستدرك، وعلى كل حال الوجهان صحيحان، والأكثر على تقديم الصيام، والرواية المتفق عليها بتقديم الحج، والحج شأنه عظيم، لو لم يكن فيه إلا قول الله -جل وعلا-: {وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ }[(97) سورة آل عمران] خطر عظيم الذي يجد، ويستطيع الحج ولا يحج، وجاء عن عمر -رضي الله عنه- كتب إلى الأنصار أن ينظر إلى من كانت عنده جدة، ويستطيع الحج فلم يحج أن تضرب عليه الجزية، ما هم بمسلمين ما هم بمسلمين، ولهذا قدم البخاري الحج على الصوم استناداً على الرواية، ولما جاء في ذلك من نصوص تعظم شأن الحج، جاء في الصيام أيضاً نصوص شديدة، من أفطر يوماً من رمضان من غير عذر لم يقضه صيام الدهر ولو صامه، فالأمر ليس بالسهل، ركن من أركان الإسلام شأنه عظيم، حتى قال بعض أهل العلم بكفر تاركه، ولو أقر بوجوبه، يعني كما ذكرنا في درس الأمس في الزكاة، أن من أهل العلم من يرى كفر تارك الأركان العملية، تارك أحد الأركان العملية، وهي رواية عند الإمام أحمد رجحها بعض أصحابه، وذكرها شيخ الإسلام ابن تيمية في كتاب الإيمان، المقصود أن الأركان شأنها عظيم، الأركان شأنها عظيم، ومنها الصيام الذي معنا، وما يليه من الحج، وما قبله من صلاةٍ وزكاة.

يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: كتاب الصيام، كتاب تقدم التعريف به، والصيام مصدر صام يصوم صياماً كقام يقوم قياماً، ومنهم من يقول: كتاب الصيام، ومنهم من يقول: كتاب الصوم، وهو اسم مصدر أيضاً لصام، كما يقال: نام ينام نوماً، على كل حال هما مصدران للفعل صام، والصيام في اللغة: الإمساك {إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا}[(26) سورة مريم] إمساك عن الكلام.

خيل صيام وخيل غير صائمة

 

..................................................

المقصود أن منها الممسك عن الأكل، ومنها الخيل التي تأكل، فمجرد الإمساك في لغة العرب يسمى صيام، وهو في الشرع الإمساك في النهر من طلوع الفجر إلى غروب الشمس عن المفطرات من أكلٍ وشربٍ وجماع، الإمساك عن المفطرات بنية، بنية التقرب من أكلٍ وشربٍ وجماع، هذا هو الصيام الشرعي مما ورد في الشرع، هذا الصيام الشرعي؛ لكن لو أمسك عن الطعام من طلوع الشمس إلى غروبها، هذا ممسك عن الأكل، وهو صائم لغةً؛ لكن هل صيامه شرعي؟ يؤجر عليه؟ لا يؤجر على مثل هذا الصيام، وإن تعبّد به دخل في حيّز الابتداع، بدعةً أن يمسك الإنسان بنية التقرب إلى الله -جل وعلا- من طلوع الشمس إلى غروبها، ومما يذكر الأستاذ أحمد أمين أديب معروف، وتولى القضاء الشرعي، ودرس في المدارس الشرعية؛ لكنه محسوب في الجملة على الأدباء، يذكر في مذكراته كتاب اسماه (حياتي) أنه ممن درسه في مدرسة القضاء الشرعي شخص أعجبه في علمه وسمته، ثم انقطع خبره هذا الشخص، يقول: بحثت عنه عشر سنين لم أجده، ثم تيسر له أن سافر إلى تركيا فوجد شخص هناك قد انقطع عن الناس، ولزم الصيام والقيام، لزم الصيام والقيام، تصوّف على حد زعمه؛ لكن يقول: كان يصوم من ارتفاع الشمس إلى غروبها، طيب ما السبب؟ يقول: بجواره في السكن أو في الشقة التي يسكنها تحتها أسرة ما أدري الآن هل قال: يهودية أو نصرانية، يخشى أن يزعجهم إذا قام قبل صلاة الفجر، وأعد السحور، وتسحر وصام صيام شرعي، قلت: سبحان الله، يعني من لوازم شهادة أن محمداً رسول الله أن لا يعبد الله إلا بما شرع، لا بالبدع، هذه بدعة، والداعي إليها يعني المبرر قبيح، ليس له مستند لا عقل ولا نقل، لئلا يزعج الأسرة اليهودية أو النصرانية التي تسكن تحته، نسأل الله السلامة والعافية.

{أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا}[(8) سورة فاطر] هذا ليس بصيام، إنما الصيام من طلوع الفجر، مقرون بالنية إمساك من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، هذا هو الصيام الشرعي، ولا بد أن يكون ليؤتي ثماره أن يكون على الوجه المطلوب، على الوجه الشرعي، على الطريقة النبوية؛ لأن بعض الناس يصوم يمسك عن المفطرات الحسية، ويزاول ما يزاول من جرائم ومنكرات، هل هذا صيام؟ نعم هو صيام مجزئ ومسقط للطلب، لا يؤمر بإعادته؛ لكن هل تترتب عليه آثاره؟ الفائدة العظمى من مشروعية الصيام التقوى، الثمرة العظمى من مشروعية الصيام أنه مورث للتقوى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}[(183) سورة البقرة] هذه هي الثمرة العظمى من مشروعية الصيام، فالصيام الذي لا يورث تقوى ولا يكف عن معاصي هذا وإن أسقط الطلب إلا أنه لا تترتب آثاره عليه، مثل هذا قل في كثيرٍ من الناس الذين يصلون، يحافظون على الصلوات مع الجماعة، الصلوات الخمس يحافظون عليها مع الجماعة، ويزاولون المنكرات والفواحش {إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ}[(45) سورة العنكبوت] يعني هل هذا كلام من؟ كلام الله -جل وعلا-، لا يختلف كلامه ولا يتخلف، الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، طيب هذا يصلي لكن إيش الفائدة؟ ليست هذه الصلاة كما أمر الله -جل وعلا-، الصلاة التي تنهى عن الفحشاء والمنكر هي التي تقام على مراد الله -جل وعلا-، وعلى ضوء ما جاء عن نبيه -عليه الصلاة والسلام-، امتثالاً لقوله -صلى الله عليه وسلم-: ((صلوا كما رأيتموني أصلي)) يعني الصلاة المقبولة والصيام المقبول لا أعني الصيام الصحيح في عرف الفقهاء الذي لا يؤمر بإعادته، أعمال الفساق كلها غير مقبولة، وإن لم يؤمر بإعادتها، بل يحكم بصحتها {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ}[(27) سورة المائدة] فالذي يزاول المنكرات، ولا يتقي الله -جل وعلا- في فعل الأوامر واجتناب النواهي، هذا لا يتقبل الله منه عبادته، ومعنى نفي القبول هنا نفي الثواب المرتب على العبادات، وإلا فعبادات الفساق صحيحة، بمعنى أنها مجزئة ومسقطة للطلب لا يؤمرون بإعادتها، والصيام كما أنه مورث للتقوى أيضاً هو مورث لمنزلة المراقبة لله -جل وعلا-، المراقبة، منزلة الإحسان، أن تعبد الله كأنك تراه، كيف الصيام دون غيره يورث منزلة المراقبة؟ لأن الصيام سر بين العبد وربه، بإمكانه أن يفطر والناس لا يشعرون، بإمكانه أن يفطر والناس لا يدرون به، بينما العبادات الأخرى يراه الناس، فإذا كان يصوم والناس لا يرونه، ويثبت على صيامه، الصيام الشرعي، لا شك أنه يراقب الله -جل وعلا- في صيامه، وإذا تولدت عنده هذه الملكة، وهذه المنزلة، منزلة المراقبة اتقى الله، وترك ما حرم الله، وفعل ما أمره الله به، ولذا جاء في الحديث القدسي: ((الصوم لي، وأنا أجزي به)) سر بين العبد وربه، ما الذي يمنعه أن يدخل في غرفته ويحكم إغلاق الباب، وكثير من الغرف الآن لما وسع الله على الناس فيها كل ما يحتاجه الإنسان، لو يغلق عليه الباب –باب غرفته- أيام ما تأثر، عنده الثلاجة، وعنده فيها الأكل والشراب، فيها كل ما يحتاجه، والله المستعان.

فإذا ترك هذا من أجل الله -جل وعلا- لا شك أن هذه مراقبة في الخلوة، والمراقبة في الخلوة تبعث على مراقبة الجلوة، يعني بين الناس، وهذه المنزلة منزلة عظيمة جداً، قد لا تحصل لكثيرٍ من المسلمين، منزلة بعد الإيمان كما في حديث جبريل، فالإنسان عليه أن يسعى لتحصيلها.

يقول المؤلف -رحمه الله- تعالى في الحديث الأول: عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا تقدموا رمضان)) الأصل ((لا تتقدموا رمضان)) يعني بأن تصوموا قبله بيوم أو يومين، ((لا تقدموا رمضان بصوم يومٍ ولا يومين)) وهذا النهي إنما ينهى من صام آخر شعبان، آخر يوم أو يومين من شعبان للاحتياط، بنية الاحتياط لرمضان، خشية أن يكون من رمضان، وهو لا يشعر، هذا جاء النهي عنه، جاء النهي عنه، والاحتياط إذا أدى إلى ارتكاب محظور أو ترك مأمور، فالاحتياط في ترك هذا الاحتياط، كما قال شيخ الإسلام، ((لا تقدموا رمضان بصوم يومٍ ولا يومين)) لأن عندنا عبادات شرعية محددة، معلومة الأول والآخر، مبنية على وسائل شرعية، لا بد من رؤية الهلال، أو إكمال شعبان ثلاثين يوماً، فإذا رؤي الهلال لزم الناس الصيام، كما سيأتي، وإذا أكمل الناس شعبان ثلاثين يوماً صام الناس، أما أن يقال: يصوم الناس احتياطاً، الناس ما رأوا الهلال، احتمال أن يكون ظاهر وهو ما ظهر؟ لا، هذا هو الاحتياط الذي جاء النهي عنه، عندنا وسائل شرعية، يلزمنا العمل بها ولو أخطأنا في تطبيقها، لو أخطأنا في تطبيقها، افترض أن الهلال ظاهر؛ لكن ما رآه أحد، وعلق الأمر بالصيام برؤية الهلال، ثم بعد ذلك لما أتممنا ثمان وعشرين يوم رأينا هلال الفطر، هل نكون فرطنا بشيءٍ من ديننا أو أثمنا؟ لا، عندنا مقدمات شرعية لا بد من توافرها، ليس هذا ناتج عن تفريط، لا أبداً، فالصيام عبادة معروفة الأول والآخر مبنية على وسائل شرعية، كما أن القاضي إذا حكم بالبينة والمفترض في البينة أن يكونوا ثقات، إذا تحرى وشهد عنده الثقات وقبل شهادة هؤلاء الثقات وحكم بموجب شهادتهم ولو أخطأ، ولو كذبوا في شهادتهم؛ لأن المسألة مفترضة في ثقات، والثقة معروف أنه ليس بمعصوم، قد يخطئ، المقصود أن الحكم صحيح، ولذا جاء في الحديث الصحيح: إنما أنا بشر أقضى على نحو ما أسمع، وهو النبي -عليه الصلاة والسلام- المؤيد بالوحي، فلنفترض أن القاضي مثل أمامه شخصان، مدعي ومدعى عليه، فأحضر المدعي شاهدين، تحرى القاضي في أمر الشاهدين وغلب على ظنه أنهما ثقتان، وحكم بموجب ذلك، ثم تبين بعد ذلك أن الشاهد أحد الشاهدين أو هما معاً، كذبا في شهادتهما، يأثم القاضي؟ ما يأثم المقدمات الشرعية والتحري المطلوب بذل، وما وراء ذلك هو بشر، يحكم على نحو ما يسمع، وهنا عندنا مقدمات شرعية، بحيث لو أخطأت هذه البينة لا يأثم الناس ولو صاموا ثمان وعشرين، ثم أكملوا يوماً بعد العيد، لذلك يكثر الكلام قبيل رمضان والقيل والقال والصحف ويتكلم أهل العلم وغيرهم في هذه المسألة، ويتدخل بعض العوام الذي يهمه شأن عباداتهم؛ لكن عن جهل، يقول: ما الذي يضر أن يصوم الناس زيادة يوم أو يومين؟ ما يضر، حتى قال بعض أهل العبادة من الجهال في زمنٍ مضى: أنه يجوز أن تشهد أنك رأيت الهلال وأنت ما رأيته، وش ينقص الناس؟ زيادة يوم والحمد لله، أولاً: يكفون عن كثيرٍ من الشرور، ويصومون والصيام عبادة، نقول: هذه من أعظم الجرائم، يعني كمن يكذب على النبي -عليه الصلاة والسلام- ليرغب الناس في الدين، وفي قراءة القرآن، هذا جهل مركب، وعاقبته وخيمة، الدين كامل، ليس بحاجة إلى اجتهادات، وليس بحاجة إلى زيادات.

((لا تقدموا رمضان بصوم يومٍ ولا يومين إلا رجل كان يصوم صوماً فليصمه)) افترضنا أن يوم تسع وعشرين وافق يوم الاثنين، وقد اعتاد صيام يوم الاثنين، نقول: صم يوم الاثنين؛ لأنك ما تصومه احتياطاً لرمضان إنما تصومه على عادتك، وهذا يقرب في باب الصلاة من ذوات الأسباب، يقرب في باب الصلاة من ذوات الأسباب، هو ما صلى من أجل طلوع الشمس ولا غروبها، وإنما صلى لقيام السبب، وهنا ما صام احتياطاً لرمضان، وإنما صام لملاحظة الوقت وهو الاثنين.

قد يقول قائل: وهذا يحتاج ترى إلى ذكاء خارق هذا السؤال؟ إذا كان ممن يصوم الأيام البيض يصوم الثلاثة الأخيرة من شعبان؟

طالب: ما تجي؟

ما تجي؟ أيوه، لذلك أنا قلت: تحتاج المسألة إلى ذكاء، تجي وإلا ما تجي؟ ما تجي صحيح؛ لأن البيض في منتصف الشهر، إيه خلي الإخوان يتحركون شوي، الخميس والاثنين تجي؛ لكن ما يجي الجميع الاثنين والخميس؟ أحدهما، إما الاثنين اعتاد أن يصوم الاثنين أو يصوم الخميس، فصادف يوم تسع وعشرين يوم اثنين أو يوم خميس يصوم، وفي الحديث: ((إلا رجل كان يصوم صوماً فليصمه)) أو كان شخص عليه قضاء من رمضان الماضي باقٍ عليه يوم يصوم هذا اليوم.

طالب:.......

((إذا انتصف شعبان فلا تصوموا)) على كل حال الحديث في ثبوته نظر.

طالب:.......

لا، الأفضل أنه يصوم، ((إلا رجل كان يصوم صوماً فليصمه)) لأنه واضح أنه يصوم على العادة لا يصوم احتياطاً لرمضان، وفي الحديث الثاني يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((إذا رأيتموه فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا، فإن غمّ عليكم فاقدروا له)) ((إذا رأيتموه)) يعني هلال رمضان، الضمير يعود إلى الهلال، ولم يجرِ له ذكر سابق للعلم به ((إذا رأيتموه فصوموا)) الضمير يعود إلى هلال رمضان، ولو لم يجرِ له ذكر؛ لأنه لا لبس في هذا ولا إشكال ((إذا رأيتموه فصوموا)) أمر بالصيام بعد رؤية الهلال {فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ}[(185) سورة البقرة] (إذا رأيتموه) رأيتم الهلال، وهو خطاب للأمة بكاملها، خطاب لمجموع الأمة هل هو خطاب لمجموع الأمة أو خطاب لجميع الأمة؟ في فرق وإلا لا؟ خطاب للجميع أو للمجموع؟ لمجموع الأمة، خطاب لمجموع الأمة، لأننا لو قلنا: أنه لجميع الأمة تناول كل فرد من أفرادها أن لا يصوم حتى يرى الهلال، وهذا ليس بمراد، بل الأمة بمجموعها إذا رؤي فيها الهلال لزمهم الصوم.

((إذا رأيتموه فصوموا)) معلوم في هذا الحديث أنه علق الصوم بالرؤية، وقلنا: أن الخطاب للمجموع لا للجميع، وعلى هذا إذا رآه من تثبت الرؤية بشهادته يكفي، ولا يلزم أن تراه الأمة كلها، أو يراه من يلزمه الصوم على الأقل، لا، والحديث علق لزوم الصوم بالرؤية، والأصل في الرؤية العين المجردة، {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا}[(7) سورة الطلاق] من ضعف بصره هل نقول: يجب عليك لئلا يترتب على هذا هجرك للقرآن أو تتخذ نظارة، أو تشتري مصحف كبير، أو نقول: أنك مكلف بعينك المجردة، وما عدا ذلك أنت لست مكلف فيه، أو نقول: أن هذا مما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب؟ لأنه بيرد عندنا مسائل، مسائل الآلات الفلكية والمناظير والدرابيل، وهل يلزم استعمالها أو لا يلزم؟ هل نقول: أن هذا مما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، أو نقول: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا}[(7) سورة الطلاق] أنا والله ما عندي نظارة آثم ليش ما أخذت نظارة لكي أقرأ القرآن؟ هجر القرآن لا يجوز، الهجر حرام، فهل يلزمني أن أتخذ نظارة أو أبحث عن مصحف كبير، إذا افترضنا أن المصحف بالحجم المتوسط أو الصغير قيمته عشرة عشرين، والكبير مائة ريال، هل يلزم أن أشتري كبير لأقرأ؟ لأن الهجر لا يجوز، وهذا لا يتم الواجب إلا به، القاعدة مقررة عند أهل العلم، أنه مما لا يتم الواجب إلا به، وفرق بين الواجب العيني والواجب الكفائي، الواجب العيني والواجب الكفائي، مثلما عندنا في الحديث واجب كفائي، لا يلزم الناس كلهم، إنما يلزم رؤيته من قبل من تثبت الحجة برؤيته، ومثل هذا لن يعدم في الأمة من يراه بعينه المجردة، يعني لا يتصور أن الأمة بكاملها لا يوجد فيها من يراه بعينه المجردة، ولهذا المعول عليه أنه لا يلزم استعمال الآلات في رؤية الهلال، إن رآه الناس بعينهم المجردة وإلا انتهت مسؤوليتهم، حينئذٍ لم يروه، ((إذا رأيتموه فصوموا)) لكن إذا استعملت الآلات، وتحقق من رؤيته بواسطة هذه الآلات، إذا وجدت هذه الآلات واستعملت وتحقق من رؤية الهلال بواسطتها لزم الصوم؛ لكنه لا يلزم استعمال الآلة، لأنه إذا رؤي من خلال الآلة صح أنه رؤي الهلال؛ لكن لا يلزم استعمال هذه الآلة، بل المطالبة بالعين المجردة؛ لأن الله -جل وعلا- لا يكلف الله نفساً إلا ما آتاها، ((إذا رأيتموه فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا)) نعم، إذا رأيتم الهلال المخرج لشهر رمضان وهو هلال شوال، فأفطروا وجوباً، هذا شخص رأى هلال رمضان، وتقدم يدلي بشهادته فردت شهادته، أو رأى هلال شوال فردت شهادته، ما الذي عليه هو؟ الخطاب (إذا رأيتموه) جميع الأمة؛ لكن هل فيه: من رأى منكم الهلال فليصم ومن رأى منكم الهلال فليفطر؟ فيه {فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ}[(185) سورة البقرة] يصوم سراً وإلا جهراً؟ يعني رآه وردت شهادته، الناس كلهم يفطرون وهو وحده صائم، أو رأى هلال شوال وردت شهادته، الناس كلهم صائمون وهو مفطر؛ لأنه يوم عيد بالنسبة له، أو نقول: يلزمه ما يلزمه ((صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته)) ((إذا رأيتموه فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا)) والخطاب للمجموع، ولذا يرى جمع من أهل العلم أن الصيام يوم يصوم الناس، والفطر يوم يفطر الناس، والحج يوم يحج الناس، وهذا قول معتبر عند أهل العلم، ومنهم من يقول: أنه يصوم سراً، ويفطر سراً؛ لأنه كما أنه خطاب متجه للمجموع إلا أنه فرد من أفراد هذا المجموع، يتصور خطابه بمثل هذا.

طالب:.......

من إيش؟ الذي رآه فردت شهادته وصام سر، صام قبل الناس بيوم، ثم لما جاء هلال شوال ما رأى شيء، فأكمل ثلاثين ثم من الليلة القادمة ما رأوا الناس شيئاً، فأكمل الناس ثلاثين فهل يصوم واحد وثلاثين وإلا يفطر؟ لأنه صام قبلهم، صح وإلا لا؟ هذا السؤال وإلا لا؟ هل يصوم واحد وثلاثين؟ لأنه ما رؤي هلال شوال ليلة الثلاثين، فأصبحوا صائمين، إكمالاً للعدة ثلاثين، وفي حسابه يكون صام واحد وثلاثين، هل نقول: أن الشهر لا يمكن أن يزيد على ثلاثين يوماً فيلزمه الفطر، أو نقول: يصوم مع الناس وبهذا يتبين أن رؤيته للهلال خطأ، والخطأ يتصور، أنس بن مالك في آخر أيامه رأى الهلال، أين الهلال يا أبا حمزة؟ يقول: قدامكم شوفوه واضح؟ وش تبيّن؟ شعرة نازلة شوية، الخطأ وارد، وبهذا يتبين أنه خطأ فيلزمه أن يصوم مع الناس ولا يفطر إلا مع الناس.

والدين الإسلامي دين ألفة واجتماع، ....عند من يقول بأنه يصوم، والذي يقول: لا يجوز له أن يصوم إلا مع الناس ما له أجر؛ لأن عندنا مقدمات شرعية، وعرفنا أن العبرة بتوافر هذه المقدمات، سواء أصابت الواقع أو لم تصب، مثل البينات عند القضاة، يعني بعض الناس يجد في نفسه على العلماء هم يتحرون ويبعثون ناس ويحثون الناس قبل رمضان بشهر أو شهرين، وهم يحثون الناس على ترائي الهلال، ثم بعد ذلك بعض الناس من شدة الحرص يقول -الله أعلم- جايهم ناس، وقد سمعنا من يتكلم كثيراً، جايهم ناس يشهدون بس ما هم حريصين يا رجال، شلون حريصين؟ يا أخي هذه مقدمات شرعية تبنى عليها نتائج شرعية، كونها أصابت الواقع أو لم تصب ما هم مسؤولين عن هذا، هو مسؤولين عن يطبقوا الشروط على هذا الشخص الذي جاء يشهد، القاضي مطالب بأن ينظر في حال هذا الشاهد، إن كان ممن تقبل شهادته يرتب عليه الحكم، كونه أصاب ما في الواقع أو لم يصب ما هو إليه هذا، الرسول -عليه الصلاة والسلام- المؤيد بالوحي إيش يقول؟ ((إنما أنا بشر، أحكم على نحو ما أسمع، فمن قضيت له بحق أخيه فإنما أقضي له بقطعةٍ من نار، فليأخذها أو يذرها)) والرسول -عليه الصلاة والسلام- يشرع للأمة، ((صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته))((إذا رأيتموه فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا)) ما عندنا أكثر من هذا، يعني كون الناس يتراؤونه ولا يرونه خلاص ما بيديهم شيء؛ لأن على الإنسان أن يبذل ما في وسعه ويجتهد؛ لكن إذا ما حصل ما في فائدة، ((فإن غمّ عليكم فاقدروا له)) يعني ما ترك شيء، ((فإن غمّ عليكم فاقدروا له)) ترائى الناس الهلال ليلة الثلاثين من شعبان وفيه غيم وقتر وغبار ما استطاعوا (اقدروا له) إيش معنى اقدروا له؟ تفسرها الرواية الأخرى: ((فإن غمّ عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثون)) ومنهم من فهم أن (اقدروا) بمعنى ضيقوا، دليله قوله -جل وعلا-: {فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ}[(16) سورة الفجر] يعني ضيق عليه رزقه، والتضييق يكون بإيش؟ الآن ((فإن غم عليكم فاقدروا له)) ضيقوا عليه، ومن يقول بهذا القول أنه يضيق شهر شعبان، إيش معنى يضيق شهر شعبان؟ بأن يجعل شعبان تسع وعشرين يوم، ويصوم الناس يوم الغيم، ويوم القتر، ويومه يوم الشك، وهو يوم الشك الذي جاء فيه: "من صام الشك فقد عصى أبا القاسم -صلى الله عليه وسلم-، ((فإن غمّ عليكم فاقدروا له)) حتى على التأويل الثاني (فاقدروا له) الضمير يعود على شعبان أو رمضان؟ يعني نضيق شعبان وإلا نضيق رمضان؟ الذي استروح إلى أن معنى القدر هنا التضييق يرى أن التضييق يكون في شعبان ليكون تسع وعشرين ويصام رمضان لاحتمال أن يكون الهلال طالع، وعرفنا أن هذا يسمى يوم الشك، وجاء فيه الحديث: "من صام يوم الشك فقد عصى أبا القاسم -صلى الله عليه وسلم-" لكن ما الذي يمنع فاقدروا له أي ضيقوا عليه على رمضان، بأن تكلموا عدة شعبان ثلاثين كما تفسرها الرواية الأخرى، فيه ما يمنع؟ ما فيه ما يمنع وحينئذٍ يتفق التقديران، الإمام أحمد يروى عنه في المسألة ثلاث روايات: "وإن حال دونه غيم أو قتر فظاهر المذهب يجب صومه" هذه عبارة إيش؟ عبارة من؟ الزاد، يجب صومه واعتماداً على اختيار ابن عمر -رضي الله تعالى عنه-، وظاهر المذهب يجب صومه، ورواية أخرى أنه يجوز صومه، والقول المرجح وهو رواية عن الإمام أحمد اختارها شيخ الإسلام ابن تيمية أنه لا يجوز صومه؛ لأنه هو يوم الشك، وعلينا حينئذٍ أن نكمل شعبان ثلاثين يوماً.

طالب:......

إيه لكن ما الذي يريدنا أن هذا الشهر المنازل فيه تسع وعشرين أو ثلاثين؟

طالب: بالحساب.

الحساب مهم؛ لكن افترض أنه ما وجد حاسب، تضيع الأمة؟ لا لا، لا يكلف الله نفساً إلا ما آتاها؛ لأن القدر الزائد الذي تدرك به الأمور الشرعية القدر الزائد عن الأصل لا يطالب به؛ لأن المسألة مفترضة في أمةٍ أمية لا تكتب ولا تحسب، المسألة مفترضة كما قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((نحن أمة أمية لا نكتب ولا نحسب)) أشار إشارة الشهر هكذا وهكذا وهكذا، هذا الأصل، أننا أمة أمية، وعلّقنا بالرؤية، يعني نعود إلى الحديث لأن المسألة نخشى أن تطول، نعود إلى الحديث، وهو ((صوموا لرؤيته)) وقلنا: أنه خطاب لمجموع الأمة؛ لكن هل تلزم الأمة بكاملها برؤية بعضها؟ وبعبارةٍ أخرى هل المطالع مختلفة أو متحدة؟ حديث ابن عباس في صحيح مسلم مع مولاه كريب لما قدم من الشام، والناس صاموا يوم الجمعة لرؤية معاوية، وأهل المدينة لم يصوموا إلى يوم السبت، مقتضى الحديث كما قال ابن عباس أنهم لم يفطروا حتى رأوه أو أكملوا عدة شعبان، ورفعه إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- "هكذا أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" فهذا من أقوى الأدلة على اختلاف المطالع، وأن أهل كل إقليم يختلف مطلعهم عن الإقليم الثاني.

ابن عباس بهذا أفتى ورفعه إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، من أهل العلم من يرى اتحاد المطالع، وأن الأمة ينطبق عليها هذا الحديث بمجموعها، رؤي الهلال في المشرق يصوم أهل المغرب؛ لأنه لا يتجه الخطاب لكل فردٍ فرد، ولا لأهل بلدٍ بلد مثلاً، بمفرده، بغض النظر عن البلد المجاور له، أو الذي يتحد معه في المطلع، وليس هناك وصف يمكن إحالة التفريق عليه، إلا مسألة اختلاف المطالع، ودليلها حديث ابن عباس، عموم الحديث يشمل جميع المسلمين، ولو اختلفت مطالعهم، حديث ابن عباس كأنه نص في الموضوع، يحتمل وإلا ما يحتمل؟ يتحمل اتحاد المطالع حديث ابن عباس، هذا اجتهاده ورفعه إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-؛ لكن الذي يقول باتحاد المطالع يقول: أن قول ابن عباس هكذا أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يعني هل أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بأن نعمل باختلاف المطالع، أو الأمر العام: ((صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته)) فيكون اجتهاد من ابن عباس في فهم الحديث؟ يحتمل الوجهين، يعني الذي يظهر أن ابن عباس سمع من النبي -عليه الصلاة والسلام- نص خاص في اختلاف المطالع، واستند إليه في عدم الفطر مع معاوية -رضي الله عنه وأرضاه-، هذا احتمال، والاحتمال الثاني أن ابن عباس فهم من هذا الحديث: ((صوموا لرؤيته وأفطروا....)) ما رأيناه نحن في المدينة، والنبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((صوموا لرؤيته)) وبنوا على ذلك فتواه، فيكون اجتهاد من ابن عباس، وتبقى المسألة قابلة للاجتهاد، كلام واضح وإلا ما واضح؟ مسألة اختلاف المطالع لا شك أن حديث ابن عباس ظاهر فيها، لكن عليها لوازم، عليها لوازم يا إخوان، طيب رؤي الهلال في اليمن يلزمنا نصوم وإلا ما نصوم؟ رؤي الهلال في الشام يلزمنا نصوم وإلا ما نصوم على القول باختلاف المطالع؟ ما نصوم، أهل المدينة ما يصومون، بالنص، كلام ابن عباس؛ لكن هل الحضر والقريات وتبوك يصومون وإلا ما يصومون؟ تبعاً للشام وإلا تبعنا؟ يعني يلزم عليه لوازم، يمكن ما تنضبط أمور المسلمين بهذا؛ لأن الحدود السياسية يعني لا أثر لها في الأحكام الشرعية، يعني ما الفرق بين مطلع تبوك والشام؟ هل نقول: لا خلاص يصومون أهل تبوك مع الشام، ظروف المسلمين التي يعيشونها الآن حقيقةً فيها شيء من الارتباك، لماذا؟ لأن كثير من بلدان العالم الإسلامي يعني قد يعتمدون على وسائل لا يراها غيرهم، يثبتون دخول الهلال ومع ذلك بقية البلدان غير مطمئنين إلى كيفية إثبات دخول الهلال عند أولئك، والحدود السياسية يعني بينك وبين البلد الإقليم الثاني بينك وبينه أكيال يسيرة، وبين البلد التي ترتبط به آلاف الأميال، فهل تصوم تبع، يصوم أهل تبوك تبع الرياض وإلا يصومون تبع الشام مع قربهم منه؟ أو أهل نجران وأهل جيزان يصومون تبع اليمن وإلا تبع الرياض رغم ما بينها من آلاف الأميال؟ يعني مسألة لا شك أنها مربكة، وبعدين قد لا يقتنع أهل بلد بالوسيلة التي أثبت بها أهل الإقليم الثاني إثبات دخول الهلال.

الشيخ ابن باز -رحمة الله عليه- يتجوز في مثل هذا، يقول: إن عمل الناس باتحاد المطالع وصاموا الناس كلهم برؤية ثقة أو عملوا باختلاف المطالع الأمر سهل، ومعه حدثت أدنى إشكال على مر العصور، يعني ما حدث مشكلة في الأمة، وكل له اجتهاده، ولعلماء كل بلد لهم اجتهادهم، يعني يتصور أناس في أوروبا عندهم مشاكل في الرؤية، وعندهم قضايا نوازل في الصيام، واتحاد المطالع واختلافها، ولا عندهم من يقيم فيهم شرع الله، من يتبعون؟ يقولون: نصوم على الرياض بيننا وبينهم عشرة آلاف كيلو؟ نقول: إن كان عندكم من تبرأ الذمة بتقليده من أهل العلم فقلدوه؛ لأن هناك يعرفها القريب وقد تخفى على البعيد، يعني ظروفهم ما نعرف كثير منها، والذي يقضي على هذه الإشكالات القول باتحاد المطالع، وإذا استروحنا وملنا إلى أن قول ابن عباس فهماً منه لهذا الحديث انحلت المشكلة، نقول: أن هذا اجتهاد ابن عباس؛ لأنه صرح برفعه إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، وهذا احتمال، واختيار الشيخ كما سمعتم الأمر فيه سعة، إن عمل الناس باتحاد المطالع له وجه، والخطاب يتجه أن يكون لعموم الأمة، وإن عملوا باختلاف المطالع تبعاً لحديث ابن عباس له وجه، وهو أصرح في الدلالة؛ لكن يبقى أنه يترتب عليه بعض الإشكالات.

طالب:.......

لا يفطر إلا معهم، يعني شخص صام في بلد دخل فيه الهلال على حد رؤيتهم ومطلعهم قبل البلد الثاني، وهي المسألة التي سئل عنها قريباً، شخص صام مثل كريب، كريب صام يوم الجمعة مع أهل الشام، وجاء المدينة ما أفطروا إلا بعد يوم بعد الشام، ماذا يصنع هو؟ يصوم وإلا يفطر؟ إذا قلنا: باختلاف المطالع وقد أكمل العدة ثلاثين يوم، هل نقول: أن هذا اليوم بالنسبة له هو يوم العيد الذي لا يجوز صيامه؟ أو أن عيد كل بلدٍ بحسبه؟ نقول: عيد في الشام لكنه ليس بعيد في المدينة، وإذا كان ما هو عيد حكماً يصوم وإلا ما يصوم؟ إذا قلنا: باتحاد المطالع وصار عيد عند الشام صار عيد عند الناس كلهم، فلا يجوز صيامه؛ لكن الوسيلة التي أثبتها بها أولئك لم يقتنع بها هؤلاء فاستمروا على صيامهم، فهو عيد بالنسبة لقوم، وليس بعيد بالنسبة لآخرين، يعني لو افترضنا أنه غم على هلال ذو الحجة، وما رآه الناس ليلة الثلاثين من القعدة غمّ عليهم، وهو في الواقع موجود؛ لكن ما رأوه وكملوا القعدة ثلاثين، ووقفوا في اليوم التاسع على حدّ زعمهم وحسابهم وهو في الواقع العاشر، وصام من صام من المسلمين يوم التاسع الذي هو في الواقع العاشر يأثمون وإلا ما يأثمون؟ ما يأثمون، وقل مثل هذا في رمضان، وإن كان عيد في الشام لأنهم رأوه ليس بعيد في البلدان الأخرى، فيصوم مع الناس، ومن قال له: أنك ما دام أكملت ثلاثين يوماً بوسيلةٍ شرعية معتبرة شرعاً فلا تزيد على الثلاثين، وعلى كل حال لو صام مع الناس لا يأثم؛ لأنه ليس بعيد في البلد الذي هو فيه، فلا يكون صام يوم العيد.

وعن أنس بن مالكٍ -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((تسحّروا فإن في السحور بركة)).

وعن أنس بن مالكٍ -رضي الله عنه- عن زيد بن ثابت -رضي الله عنه- قال: "تسحرنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثم قام إلى الصلاة، قال أنس: قلت: "لزيدٍ كم كان بين الأذان والسحور؟ قال: قدر خمسين آية".

حديث أنس الأول -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((تسحّروا فإن في السحور بركة)) هذا أمر بالسحور، وأقل أحواله الاستحباب، والأصل في الأمر الوجوب؛ لكن ثبت أن النبي -عليه الصلاة والسلام- واصل، فالأمر بالسحور مستحب، ومن أقوى ما يصرف به من الوجوب إلى الاستحباب العلة، العلة إيش؟ فإن في السحور بركة، طلب البركة واجب وإلا مستحب؟ مستحب، إذاً الأمر بالسحور مستحب، وفيه مخالفة لأهل الكتاب، واتباع للسنة، وامتثال للأمر، ومخالفة لأهل الكتاب، والتقوي به وقد جاء مدحه (نعم السحور) لا سيما إذا كان من التمر، أيضاً وقت السحور وهو وقت الاستغفار، والمستغفرين بالأسحار، ينبغي أن يكون الإنسان مستيقظ في هذا الوقت يدعو الله -جل وعلا-، ويستغفر وأمور كثيرة مترتبة على تناول هذا الطعام، وفيه أيضاً إعانة على مزاولة هذه العبادة، والتقوي على العبادات الأخرى، ومخالفة أهل الكتاب، وامتثال هذا الأمر ((تسحروا فإن في السحور بركة)).

وفي حديثه الثاني يقول: عن أنس بن مالك عن زيد بن ثابت -رضي الله عنه- قال: "تسحرنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثم قام إلى الصلاة" قال أنس: "قلت لزيد: كم كان بين الأذان والسحور؟ قال: قدر خمسين آية" أولاً: السحور ما يتسحّر به، كما أن الطهور ما يتطهّر به، والوضوء الماء الذي يتوضأ به، والسحور هو الفعل، التسحّر، تسحرنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثم قام إلى الصلاة، فيه مشروعة الاجتماع على مثل هذه الأمور من سحور وفطور وغيرها، ومن أفضل الأعمال كون الإنسان يؤكل على مائدته، ويحسن على الناس، ويتصدق عليهم، وفي الاجتماع بركة، وألفة ومودة، تسحرنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ثم قام إلى الصلاة، قال أنس: قلت لزيد: كم كان بين الأذان والسحور؟ قال: قدر خمسين آية" هذا يدل على أنه يؤخر السحور، وما عندهم ساعات فلكية دقيقة، يقال: بين السحور والأذان ربع ساعة، بين السحور والصلاة ربع ساعة لا، يقدرون بالأعمال، والأعمال منضبطة، ولذا يذكر الفقهاء في دخول أوقات الصلوات بعض الأعمال، يقولون: من اعتاد أنه يصنع من طلوع الشمس إلى زوالها ماسة مثل هذه، واضطرد عنده هذا خلاص ما يحتاج إلى أن ينظر إلى الزوال، مجرد ما تنتهي هذه الماسة يؤذن، صاحب القراءة بقراءته، من اعتاد أن يقرأ في الساعة خمسة أجزاء يقدر على هذا الأساس، يكون بين صلاة المغرب في الغالب وأذان العشاء ساعة إذا انتهى من الخمسة الأجزاء يؤذن للعشاء، وهنا قدر الوقت بعمل البدن، والعرب تقدر بذلك، قدر حلب ناقة، والله جلس فلان قدر حلب ناقة، قدر نحر جزور، وجاءت بها النصوص، وهنا قدر خمسين آية، فمن كان عنده عمل مضطرد منضبط، يعتمد عليه، وقراءة القرآن منضبطة عند من اعتادها، خلاص تعود أنه يقرأ الجزء في نصف ساعة، ثلث ساعة، ربع ساعة، اثنا عشر دقيقة، تعود خلاص، ينضبط، وهذا شيء مجرب، وهذه طريقة العرب في حساب الأوقات، تقدير الأوقات، قدر خمسين آية، قد يقول قائل: خمسين آية من المائدة أو من الشعراء؟ أي أطول آية المائدة أو آية الشعراء؟ المائدة أطول آيات من الشعراء، لا أقصد طول السورة مع طول السورة؛ لكن انظر أنت أن الشعراء نصف المائدة وآياتها الضعف، إيه يعني الآية من الشعراء بقدر ربع آية من المائدة، فهل المراد هذا أو هذا؟ ما بيّن، لكن إذا أطلق مثل هذا ينصرف إلى المتوسط، لا آية المائدة ولا آية الشعراء، من آيات البقرة مثلاً، فالحديث فيه دليل على تأخير السحور، ولا تزال الأمة بخير ما قدموا الفطر وأخروا السحور، ويوجد من المخالفين ولعله تأتي الإشارة إليه، يأتي هذا الحديث -إن شاء الله تعالى- ويأتي ما فيه.

وعن عائشة وأم سلمة -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يدركه الفجر وهو جنب من أهله، ثم يغتسل ويصوم.

نعم هذا الحديث في أمرٍ خاص من أموره -عليه الصلاة والسلام-، وهو تشريع عام؛ لكنه مما لا يطلع عليه إلا من قبل نسائه، ولذا كان أبو هريرة -رضي الله عنه- يفتي بأن من أصبح جنباً صومه غير صحيح، يصبح جنب، ما اغتسل قبل طلوع الفجر صومه ليس بصحيح، فاستدل عليه بهذا الحديث، عن عائشة وأم سلمة، يقدم قول أبي هريرة وإلا قولهما؟ قولهما، نعم؛ لأن هذا شيء يدركه النساء، شيء خاص لا يحصل إلا بين الرجل وزوجته، فقولهما مقدم على قول أبي هريرة.

عن عائشة وأم سلمة -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يدركه الفجر، يعني يطلع عليه الفجر، وهو مريد للصيام، مبيّت للنية، وهو جنب من أهله، والحال أنه جنب من أهله لا من احتلام، ثم يغتسل ويصوم؛ لأن مسألة الاحتلام ما يمكن أحد يناقش فيها؛ لأنه لو احتلم وهو صائم، احتلم الظهر، احتلم ما عليه شيء؛ لأن هذا ليس بيده، المسألة مسألة الاختيار، وهو كون الجنابة ناشئة من جماع أهله، الرسول -عليه الصلاة والسلام- ما يحتلم؛ لكن المسألة له ولغيره، الحكم للجميع، يعني هنا قالت: وهو جنب من أهله لتبيّن أن المسألة في مسألة الاختيار، فضلاً عن مسائل الاضطرار التي ليس للإنسان فيها تصرف.

يدركه الفجر؛ لأنه إذا كان جنب من أهله بإمكانه أن يغتسل قبل الفجر؛ لكن إذا كان من جماع هل يملك أن يغتسل قبل الفجر إذا كان بعد طلوع الفجر أو بعد طلوع الشمس أو بعد الظهر مثلاً؟ ما يملك شيء فلا حكم له، الشيء الذي لا يملكه ابن آدم لا حكم له فيه؛ لكن هذا في حالة جنب من أهله، فإذا كان في حالة الجنابة فالاحتلام من باب أولى، والنبي -عليه الصلاة والسلام- كما هو مقرر في كتب الخصائص والشمائل أنه لا يحتلم؛ لأن الاحتلام من تلاعب الشيطان، وعلى كل حال الصحابة منهم من احتلم، كثير؛ لكن من كماله -عليه الصلاة والسلام- أنه لا يحتلم.

"كان يدركه الفجر، وهو جنب ثم يغتسل ويصوم" يدركه وهذا يدل على أنه يشمل ما إذا كان عامداً أو ناسياً ضاق عليه الوقت أو اتسع عليه الوقت؛ لأن بعض الناس ينتبه قبل أذان الصبح وهو جنب بربع ساعة، يقول: أنا اغتسلت ما مداني أتسحر، هل أتسحر وأغتسل ولو بعد طلوع الصبح، أو أغتسل ثم أتسحر ولو فاتني السحور؟ نقول: لا يا أخي تسحر، ثم تغتسل بعد ذلك، ولو طلع عليك الصبح كفعله -عليه الصلاة والسلام- سواء كنت ناسياً أو عامداً عالماً أو جاهلاً لا فرق، والحجة في هذا واضحة، وفيه تأخير الغسل إلى ما بعد طلوع الفجر، ويقاس على ذلك عند أهل العلم الحائض والنفساء إذا انقطع الدم قبل طلوع الفجر، يصح الصيام ولو لم تغتسل، انقطع الدم قبل طلوع الفجر بربع ساعة، قالت: أتسحر ثم أغتسل كالجنب، لا فرق.

"ثم يغتسل ويصوم" ولو بعد طلوع الفجر.

وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه)).

الأكل والشرب من مبطلات الصيام إجماعاً، الأكل والشرب كل منهما مبطل للصيام إجماعاً، وهذا في حق العامد، أما الناسي فقد جاء في هذا الحديث حديث أبي هريرة وهو متفق عليه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه)) وهذا من لطف الله بعباده والتيسير عليهم؛ لأن الإنسان الذي ما تعود الصيام تجده في الأيام الأولى يكثر منه النسيان، فلو كلّف بقضائه كلف حرجاً لا سيما الذي لم يتعود الصيام، هذا معروف في الأيام الأولى تجده يوماً يأكل ويوم يشرب ويوم يأكل ما دري، فمثل هذا لا أثر له في الصيام.

((فإنما أطعمه الله وسقاه)) وهذا قول جمهور أهل العلم، ويرى المالكية أنه يبطل صومه؛ لكن لا يلزمه كفارة إذا أكل أو شرب ناسياً لا يلزمه كفارة، وإنما يبطل صومه بخلاف العامد، العامد عندهم مع فطره تلزمه الكفارة، والحديث ليس فيه قضاء، ولا بطلان صوم، ولا كفارة، وهو صحيح صريح في الموضوع، وهو مؤيد لقول الجمهور، فقولهم هو الراجح.

فإذا رأى إنسان آخر وهو صائم متجه إلى البرادة وملأ الكأس وتناوله ليشرب منه يخبره أو لا يخبره؟ يقول: هذا طعمة من الله -جل وعلا- أطعمه الله وسقاه وأنت تريد أن تحرمه مما أطعمه الله؟ أو نقول: هذا منكر فطر في نهار رمضان هذا الظاهر، الناس ما لهم إلا الظاهر، وعليك أن تغير المنكر، فتنبهه، هذا هو المعمول به عند أهل العلم أن من أراد أن يأكل أو يشرب ناسياً ينبَّه، وهذا من باب تغيير المنكر.

وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: "بينما نحن جلوس عند النبي -صلى الله عليه وسلم- إذ جاءه رجل فقال: يا رسول الله هلكت، قال: ((مالك؟)) قال: وقعت على امرأتي في رمضان وأنا صائم، وفي روايةٍ: أصبت أهلي في رمضان، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((هل تجد رقبةً تعتقها؟)) قال: لا، قال: ((فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟)) قال: لا، قال: ((فهل تجد إطعام ستين مسكيناً؟)) قال: لا، قال: فمكث النبي -صلى الله عليه وسلم- فبينا نحن على ذلك أوتي النبي -صلى الله عليه وسلم- بعرقٍ فيه تمر، والعرق: المكتل، قال: ((أين السائل؟)) قال: أنا، قال: ((خذها فتصدق به)) فقال الرجل: على أفقر مني يا رسول الله؟ فو الله ما بين لابتيها يريد الحرتين أهل بيتٍ أفقر من أهل بيتي، فضحك النبي -صلى الله عليه وسلم- حتى بدت أنيابه، ثم قال: ((أطعمه أهلك)) الحرة: أرض تركبها حجارة سود.

هذا الحديث، حديث أبي هريرة في قصة المجامع في نهار رمضان حديث عظيم جليل كثير الفوائد والأحكام استنبط منه بعض العلماء فوائد كثيرة جداً، واعتنى به بعض المتأخرين، كما يقول الحافظ، يقول: "اعتنى به بعض المتأخرين ممن أدركه شيوخنا فتكلم عليه في مجلدين جمع فيهما ألف فائدة وفائدة" ممن أدركه شيوخنا فدل على أنه ليس من شيوخه، وبعضهم يشير بعض الشراح إلى أن الذي جمع فيه مجلدين في ألف فائدة هو الحافظ العراقي، الحافظ العراقي من شيوخ الحافظ ابن حجر، وابن حجر يقول: "ممن أدركه بعض شيوخنا" فهذا دل على أنه ليس الحافظ العراقي، وإنما هو غيره.

المقصود أن هذا الحديث عظيم، فيه فوائد وفيه أحكام كثيرة جداً، تفوق الحصر، يبطل الصيام بالأكل والشرب، بدلالة الحديث السابق وبالجماع، بدلالة هذا الحديث، فأصول المفطرات الأكل والشرب والجماع، عن أبي هريرة -رضي الله عنه-: "بينما" أصلها بينا، ثم زيدت عليها ما للظرفية "نحن جلوس عند النبي -صلى الله عليه وسلم-" وكثيراً ما يجلسون معه -عليه الصلاة والسلام- يتلقون عنه الدين والعلم، وأكثر ما يكون هذا الجلوس في المسجد، إذ جاء رجل فقال: يا رسول الله هلكت، فقال: ((مالك؟)) قال: ((وقعت على امرأتي وأنا صائم)) نعم الهلاك هلاك الدين، وهذا أفسد صيامه وأفطر يوم من رمضان، فهذا هو الهلاك الحقيقي هلاك الدين.

وكل كسرٍ فإن الدين بجبره

 

وما لكسر قناة الدين جبرانُ

يعني لو خسر في سيارة، في بيت في كذا، الأمر سهل ينجبر هذا، لو انكسر منه يد أو رجل تنجبر؛ لكن إذا انكسر الدين هذا الذي ما له جبران إلا التوبة النصوح التي تهدم من وقع من زلةٍ وهفوة، فقال: ((مالك؟)) فقال: "وقعت على امرأتي وأنا صائم" دل على أنه يعرف الحكم، يعرف أن هذا محرم، بدليل قوله: "هلكت وأهلكت" كما في الرواية الأخرى، دل على أنه يعرف أن هذا الأمر محرم؛ لكنه لا يعرف الأثر المترتب على هذا المحرم، فإذا عرف أن الأمر محرم ولم يعرف الأثر المترتب عليه هل نقول: يعذر بجهله؟ هو لم يعرف أنه محرم ما عرف أنه محرم أصلاً، هذا يعذر بجهله؛ لكن يعرف أنه محرم ولا يعرف الأثر المترتب عليه لا يعفى من الأثر، فتلزمه الكفارة، وهنا ألزمه بالكفارة، وقل مثل هذا في جميع المحظورات التي فيها كفارات، يعرف أنه لا يجوز؛ لكن ما يعرف وش يترتب عليه؟ الأصل أن يكف، الأصل أن ينتهي عما نهي عنه، كونه أقدم يلزم؛ لكن ما يدري ما يعرف هل هذا محرم وإلا مباح؟ هذا الذي يقول أهل العلم أنه معذور بجهله، وفي روايةٍ: "أصبت أهلي في رمضان" فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((هل تجد رقبةً تعتقها؟)) هذا إلزام بالكفارة، والكفارة كفارة إيش؟ كفارة ظهار وإلا كفارة مجامع في نهار رمضان؟ أهل العلم يقولون: من جامع زوجته في نهار رمضان لزمته كفارة ظهار.

احنا عندنا الحديث الصحيح الثابت في كفارة المجامع في نهار رمضان، لماذا يقول: أن عليه كفارة ظهار ولا يقول: عليه كفارة مجامع في نهار رمضان، ولماذا يقولون: عليه كفارة ظهار، ولا يقولون: كفارة قتل، يعني المذكور في القرآن معروف لدى الخاص والعام، يعني كثير من الناس ما يعرف الحديث، تقول: عليك كفارة مجامع في نهار رمضان، يقول لك: وش هي الكفارة؟ لكن لما تقول له: كفارة ظهار يعرف؛ لأن عوام المسلمين يعرفون ما في القرآن، بينما مثل هذه النصوص تخفى عليهم، فأحيل على المعروف لدى الخاص والعام، طيب، لماذا لم يقال: عليه كفارة قتل؟ نعم، للخلاف في الإطعام في كفارة القتل، أما كفارة الظهار ففيها إطعام، وهنا فيه إطعام فهي أشبه.

البيعة، بيعة الرجال متقدمة وإلا بيعة النساء؟ بيعة الرجال هي المتقدمة معروف هذا، كيف يقول عبادة بن الصامت: بايعنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على ما بايع عليه النساء؛ لأن بيعة النساء مضبوطة بالقرآن في آخر سورة الممتحنة، مضبوطة بالقرآن، ومضبوطة الرجال مضبوطة بالسنة؛ لكن ما ضبط بالقرآن يحال عليه؛ لأنه معروف لدى الناس كلهم.

((هل تجد رقبةً تعتقها؟)) قال: لا، أي رقبة؟ هل تجد رقبةً؟ الرقبة مطلقة، وهي كذلك في كفارة الظهار مطلقة، مقيّدة في كفارة القتل، فهل يحمل المطلق على المقيد وإلا ما يحمل؟ يحمل، لماذا؟ لاتحاد إيش؟ لاتحاد الحكم، وهو وجوب الإعتاق في كلٍ من الظهار والجماع والقتل، تجب الكفارة، الحكم واحد؛ لكن السبب مختلف، وعند الجمهور في مثل هذه الصورة يحمل المطلق على المقيد خلافاً للحنفية، وعلى هذا لا يجزئ إلا رقبة مؤمنة، تتوافر فيها الشروط المطلوبة، قال: لا، ما يجد؛ لأن الكفارة على الترتيب، قال: ((فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟)) قال: لا، في رواية: "ما الذي أوقعه فيما وقع فيه إلا الصيام" ما أوقعه فيما وقع فيه إلا الصيام، قال: لا، متتابعين؟ بمعنى أنه يصوم الشهرين هلاليين متتابعين، فلا يفطر بينهما، لو أفطر يوماً واحداً استأنف ولا يعذر إلا في العذر الذي يبيح له الفطر في رمضان؛ لأن رمضان شهر مفروض على التتابع يعذر فيه المريض والمسافر، المقصود أن العذر الذي يعذر في رمضان بالفطر يعذر فيه في مثل هذا، قال: لا، قال: ((فهل تجد إطعام ستين مسكيناً)) ستين مسكين، قال: لا، قال: "فسكت النبي -صلى الله عليه وسلم-" ما في حيلة، إذا لم يستطع عتق رقبة، ولم يستطع صوم شهرين متتابعين، ولا إطعام، تسقط الكفارة وإلا ما تسقط؟ مقتضى القواعد الشرعية أنها دين في ذمته متى أيسر عليه أن يؤديها، كحقوق الآدميين، فمتى أيسر يبذلها، فسكت النبي -صلى الله عليه وسلم- فبينما نحن على ذلك أوتي النبي -صلى الله عليه وسلم- بعرقٍ فيه تمر، والعرق المكتل، يعني زنبيل كبير فيه خمسة عشر صاع، فسكت، بعضها هكذا وبعضها كذا روايات منها هذا ومنها هذا، والنسخ تختلف في هذا.

"فبينما نحن على ذلك، إذ أوتي النبي -عليه الصلاة والسلام- بعرقٍ فيه تمر" زنبيل كبير فيه خمسة عشر صاع، والعرق المكتل، فقال: ((أين السائل؟)) قال: أنا، سائل عن إيش؟ عما يلزمه من جراء الجماع في نهار رمضان، هو جاء يسأل ((أين السائل؟)) قال أنا، قال: خذ هذا فتصدق به، الكفارات إذا تحملها من تحملها برضا من لزمته أجزأت، برضاه، شخص عليه كفارة، فقال: أبوه أنا أخرجها عنك، أمه: أنا أخرجها عنك تتحمل؛ لأنها تقبل النيابة برضاه؛ لأنه قد لا يقبل المنّة.

((خذ هذا فتصدق به)) يعني كفارةً عنك، فقال: "أعلى أفقر مني يا رسول الله؟ فو الله ما بين لابتيها -يريد الحرتين- أهل بيتٍ أفقر من أهل بيتي" قال: "فضحك النبي -عليه الصلاة والسلام-" هذا جاي هالك ومهلك ويلزمه أمور، وأخيراً يرجع بزنبيل يكفيه مدة طويلة، يكفيه ويكفي أهله، جاء نادماً فرجع غانماً، وهذا من يسر هذه الشريعة، وسماحتها، وفضل نبيها وشرفه -عليه الصلاة والسلام-.

طالب:.......

جاء في بعض الروايات ما يدل على وجوب القضاء.

فقال: "أعلى أفقر مني؟ فو الله ما بين لابتيها" يعني تصور أن هذا الشخص مسح المدينة مسح شامل حتى عرف أنه ما يوجد أفقر منه؟ أو بناءً على غلبة ظنه؟ نعم، بناءً على غلبة ظنه، ولذا يقول أهل العلم: يجوز أن يحلف على غلبة الظن، "يريد الحرتين، أهل بيتٍ أفقر من أهل بيتي، فضحك النبي -عليه الصلاة والسلام-، من وضعه، حتى بدت نواجذه الكريمة، بعض النسخ: أنيابه ولا فرق، تبدو النواجذ وتبدو الأنياب، ثم قال: ((أطعمه أهلك)) منهم من يقول: أن الكفارة تسقط، تسقط لأنه إن لم تسقط لألزمه بإخراجه؛ لكن أنا أقول: لا دليل في هذا، لا دليل في هذا، والجادة أنها تثبت في ذمته متى أيسر، إن مات معسراً فلا يكلف الله نفساً إلا وسعها، تبقى في ذمته، وكون النبي -عليه الصلاة والسلام- أعطاه إياه، وقال: ((أطعمه أهلك)) ولم يتعرض للكفارة أنها ذهبت أو ما ذهبت، الآن أهله يحتاجون إلى إسعاف، ما بين لابتي المدينة أفقر منهم، يبغون من يسعفهم، ما عندهم أكل، فيقدمون يسعفون بمثل هذا، والكفارة تبقى دين في ذمته، إن مات وهو معسر فالله -جل وعلا- يتولاه، والجادة والقاعدة أنها تبقى دين في ذمته، لأن منهم من يقول: أنه ما دام أعطاه العرق الذي فيه التمر، وقال: كله أنت وعيالك، يعني أن ما فيه كفارة، بل زاده على ذلك بأن أعطاه تمراً، فكيف يعطيه تمر يأكل هو وأولاده وهو مطالب بكفارة؟ نقول: ممكن، يعني متصور، قال: خذ هذا التمر كلوه، وسدوا خلتكم منه، والكفارة تبقى كما يرجع العادة.

 

بالنسبة لقضاء ذلك اليوم جاء في بعض الروايات من وجوه، يقول ابن حجر: أنها من وجوه تثبت أنه يلزمه قضاء اليوم، قال: ((صم يوماً مكانه)) وهذه هي القاعدة أن من أفطر يوماً لزمه أن يقضيه، من ترك صلاة عليه قضاؤها؛ لكن هل يدخل في هذا المتعمد وغير المتعمد؟ يعني ترك صلاة متعمداً حتى خرج وقتها، يقضي وإلا ما يقضي؟ أفطر يوم من رمضان عمد من غير عذر، يقضي وإلا ما يقضي؟ الجادة يقضي؛ لأنه إذا أمر المعذور بالقضاء فلأن يؤمر غير المعذور من باب أولى، منهم من يقول: بالنسبة للصلاة، الصيام جاء فيه: ((من أفطر يوماً من رمضان من غير عذر لم يقضه صيام الدهر وإن صامه)) يدل على أنه لا يقضي؛ لكن هذا الحديث يدل على أنه يقضي، وإذا كان المعذور يقضي فلأن يقضي غير المعذور من باب أولى، وكونه لا يقضيه صيام الدهر لا يعفيه من الإثم، وإن لزمه القضاء، الصلاة إذا تعمد إخراجها عن وقتها فمن أهل العلم من يقول: أنه لا يقضيها؛ لأن صلاتها بعد خروج الوقت كصلاتها قبل دخوله، والوقت شرط لصحة الصلاة، وتخلف الشرط إذاً لا يقضيها، ونقل ابن حزمٍ عليه الإجماع، نقل ابن حزم عليه الإجماع؛ لكن الأئمة الأربعة كلهم على خلافه، بل نقل بعضهم الإجماع على وجوب القضاء، فعامة أهل العلم على وجوب القضاء، وهو الراجح إن شاء الله تعالى والله أعلم، وصلى الله على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

"