عمدة الأحكام – كتاب الصيام (4)
سم.
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللحاضرين برحمتك يا أرحم الراحمين، قال المؤلف رحمه الله تعالى: باب ليلة القدر وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنه أن رجالاً من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- أروا ليلة القدر في المنام في السبع الأواخر فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- «أرى رؤياكم قد تواطأت في السبع الأواخر فمن كان متحريها فليتحرها في السبع الأواخر» وعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «تحروا ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر» وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يعتكف في العشر الأوسط من رمضان فاعتكف عامًا حتى إذا كانت ليلة إحدى وعشرين وهي الليلة التي يخرج من صبيحتها من اعتكافه قال «من اعتكف معي فليعتكف العشر الأواخر فقد أريت هذه الليلة ثم أنسيتها وقد رأيتني أسجد في ماء وطين من صبيحتها فالتمسوها في العشر الأواخر والتمسوها في كل وتر» فمطرت السماء تلك الليلة وكان المسجد على عريش فوكف المسجد فأبصرت عيناي فأبصرت عيناي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وعلى جبهته أثر الماء والطين من صبح إحدى وعشرين وعن عائشة رضي الله عنها.
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، يقول المؤلف رحمه الله تعالى باب ليلة القدر ليلة القدر هي الليلة المباركة التي أنزل فيها القرآن { إِنَّآ أَنزَلۡنَٰهُ فِي لَيۡلَةٖ مُّبَٰرَكَةٍ } الدخان: ٣ { شَهۡرُ رَمَضَانَ ٱلَّذِيٓ أُنزِلَ فِيهِ ٱلۡقُرۡءَانُ }ا لبقرة: ١٨٥ فالله جل وعلا أنزل القرآن في هذه الليلة المباركة وإما أن تكون بداية التنزيل في هذه الليلة أو يكون أنزل جملة واحدة من اللوح المحفوظ إلى بيت العزة إلى السماء الدنيا على ما جاء عن ابن عباس رضي الله عنهما على كل حال هذه الليلة مباركة وسميت بذلك لعظم قدرها والقدر الشأن العظيم فهي ليلة عظيمة عظيم شأنها لما فيها مما يتفضل الله به جل وعلا على عباده من صنوف الخيرات والعتق من النار وقيامها كما جاء في سورتها خير من ألف شهر يعني أفضل من قيام ثلاث وثمانين سنة وكسور خالية من ليلة القدر فقدرها عظيم أو لأنها يقدر فيها أمر السنة إلى السنة المقبلة كما في قوله جل وعلا { فِيهَا يُفۡرَقُ كُلُّ أَمۡرٍ حَكِيمٍ } الدخان: ٤ يعني يقدر وتحديدها مختلف فيه بين أهل العلم وتعيينها على ما يقرب من خمسين قولاً فيها من خلاف أهل العلم ما يقرب من خمسين قولاً استوفاها ابن حجر في فتح الباري ذكر الأقوال مع نسبتها إلى قائليها وما يستدل به كل قائل فمن قائل إنها في جميع العام في جميع العام في رمضان وغير رمضان هذا قول ومنهم من يقول أنها رُفعت بسبب التلاحي والجدال والخصام الذي حصل بين بعض الصحابة رفعت وهذا من شؤم الخلاف ولكن الصحيح أنها لم ترفع وإنما رفع تحديدها وتعيينها بليلة معينة ومن أهل العلم من يخصها برمضان وهم جماهير العلماء ويختلفون في أي ليلة منه والأكثر على أنها في العشر الأواخر من رمضان كما دلت على ذلك النصوص الصحيحة الصريحة ومنهم من يختار ليلة بعينها فمنهم من يرجح ليلة إحدى وعشرين على ما سيأتي في الحديث الأخير حديث أبي سعيد ومنهم من يرجح ليلة ثلاث وعشرين ومنهم من يرجح الخمس ومنهم من يرجح السبع بهذا قال جمع غفير من أهل العلم من الصحابة والتابعين فمن دونهم ويستدلون بأدلة قد لا تنهض على التحديد وإن دلت على تحديدها في سنة بعينها لكنها لا تدل على التحديد بالإطلاق ومنهم من يقول قد تكون في الأشفاع الأوتار آكد لكن قد تكون في الأشفاع على ما سيأتي لتاسعة تبقى لسابعة تبقى لخامسة تبقى هذه على كمال الشهر ونقصه فإن كان الشهر كاملاً فالسابعة ليلة أربع وعشرين سابعة تبقى هذه ليلة أربعة وعشرين وهذه يسمونها ليلة أهل البصرة يعتني بها أهل البصرة وكان أنس رضي الله عنه والحسن البصري وجمع من أهل البصرة يرجحون هذه الليلة وإذا كان الشهر ناقص فالسابعة الباقية هي ليلة ثلاثة وعشرين فمن رجّح الأشفاع استدل بهذا الحديث ومن رجح الأوتار وهي آكد وأكثر في النصوص حمل الحديث في البواقي على النقصان لا على التمام وعلى كل حال وجود مثل هذه النصوص التي هي مستمسك لأكثر من عالم في أكثر من قول يدل على قول هو المتجه وهو المرجح وهي أنها تنتقل في ليالي العشر تنتقل في ليالي العشر هذه السنة قد تكون في إحدى وعشرين السنة التي تليها قد تكون ليلة سبع وعشرين السنة التي بعدها ليلة خمس وعشرين وهكذا وهذا قول يجمع النصوص كلها وعدم تعيينها وإن كان في التعيين مصلحة ليحصلها كل مسلم مصلحة كبرى لكن عدم التعيين حكمته إخفاء هذه الليلة ليطول اجتهاد المسلم وتكثر منه العبادة ويستمر منه البحث عن الخير وطلب الحصول عليه لأنه لو حددت بليلة ما قام الناس غيرها يقولون يكفينا هذه الليلة عن ثلاث وثمانين سنة الله المستعان تكفي وزهد الناس في العبادة وضَعُفت صلتهم بربهم فهذا من مقاصد الشرع أن يخفي بعض الأمور لتعظم الأجور فهذه الليلة أخفيت ليطلبها الناس في كل ليلة يتوقعون أنها تكون هي ليلة القدر قل مثل هذا في ساعة الجمعة الذي رغَّب في ليلة القدر الذي رغب في ليلة القدر أليس بالإمكان أن يقول هي الليلة الفلانية وينحسم الخلاف؟ لكن لو قال هذا تكاسل كثير من الناس عن العمل في غيرها من الليالي بعض الناس يقتنع في أمور الدين بما يجزيه أما في أمور الدنيا فلا يقتنع بشيء وهذا طبع ابن آدم لو أعطي واديًا من ذهب لتمنى ثانيًا ولو أعطي ثانيًا لتمنى ثالث وهكذا ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب يعني في أمور الدنيا لا يقنع لكن في أمور الدين الحمد لله واحد قلنا له صل على الجنازة قم كبر.. بالحرم الناس يصلون على الجنازة وأنت جالس قال ملصي أمس مصلي أمس على الجنازة يعني في أمور الدنيا في أمور الدين قد يكتفون بأقل شيء فكيف بقيام الليل الذي يشق على النفوس فهذه من الحكم والمصالح المترتبة على إخفاء هذه الليلة المباركة ومن قام جميع ليالي رمضان أدركها بلا محالة لكن على الإنسان أن يقوم قيامًا ينفعه ويعود على قلبه بالانتفاع فيحضر قلبه ويتدبر ما يقرأ من القرآن ويصدق يصدق اللجأ إلى الله جل وعلا ويخلص في مناجاته لربه لتترتب الآثار على ذلك بعض الناس ما فيه فرق بين وهو واقف يصلي والا سارية ما يفرق وفضل الله واسع ومن تعرض لفضله لن يحرم لكن يبقى أن الناس يتفاوتون في هذا يصلي الشخص بجانب أخيه المسلم وبين صلاتيهما مثل ما بين السماء والأرض والله المستعان وليس للإنسان من صلاته إلا ما عقل وبعض الناس ما ينتبه ولا يدري أنه يصلي حتى يسمع بكاء الناس يعرف أنه يصلي ثم يتحسر على نفسه لكن هل ينتفع ما يلبث أن يرجع إلى غفلته وهذا لا شك أنه من مسخ القلوب من مسخ القلوب إذا بكى جاره انتبه وتحسَّر قليلا ثم عاد إلى غفلته لو القلوب إذا يُقِّظت استقيظت لكان فيها رجاء لكن المسخ وهو كثير في هذه الأمة في آخر الزمان وذكر ابن القيم وغيره أن في آخر الزمان يكثر المسخ والخسف في هذه الأمة ويكثر في طائفتين من الحكام الظلمة ومن العلماء الذين يبدلون الشرع بالأهواء والله المستعان ويذكر ابن القيم أن الرجلين يذهبان إلى المعصية فيمسخ أحدهما خنزير لكن وش تتصورون الثاني يرجع يقول الحمد لله على السلامة يمضي إلى معصيته ولا كأن شيء صار هذا مسخ بدنه وهذا ممسوخ قلبه وأهل العلم يقررون أن هذا أشد مصيبة من هذا لأن مسخ القلوب بحيث لا يُفرق بين كونه يصلي في بيت من بيوت الله وبين كونه مكان آخر في سوقه أو في بيته أو في مكان معصية فعلى الإنسان أن يُحضر قلبه يقول في الحديث الأول عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رجالاً من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- أُروا ليلة القدر في المنام في السبع الأواخر أُروا يعني رأوا ما يدل عليها رأوا ما يدل عليها وإلا الليل ظرف لا يُرى الليل ظرف لا يُرى كما أن النهار ظرف يعني هذه الليلة تفرق أنها بمجرد أنك تشوف الجو تعرف أنها ليلة السبت أو ليلة الأحد؟ مثل الأطفال يتساءلون صباح العيد يسألون أباهم وين العيد؟ فهؤلاء أروا ما يدل على أنها ليلة القدر والمسلم الصادق قد يوفَّق لرؤيتها وهي ليلة يحس بها يحس بها أهل القلوب الحية وعائشة تقول إذا صادفت ليلة القدر ماذا أقول يعني أنها تعرف ليلة القدر قال «قولي» إيش؟ «اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني» الصحابة أروا ليلة القدر في المنام في السبع الأواخر وهذا أيضًا تعمية في السبع الأواخر ولا يمنع أن يكون هؤلاء الصحابة لما أخبر النبي -عليه الصلاة والسلام- أخبروه بليلة معينة فقال -عليه الصلاة والسلام- «أرى رؤياكم قد تواطأت في السبع الأواخر فمن كان منكم متحريها فليتحرها في السبع الأواخر» وبعض الناس يجتهد وقد يرى ليلة القدر أو يرى ما يدل عليها ثم يخبر الناس يخبر الناس وتبعث الرسائل عبر الوسائل وسائل الاتصال الرسائل فيُخبَر الناس بها وهذا يخالف الهدف الشرعي من إخفائها الذي جعل فيها هذا الفضل العظيم أخفاها عن الناس لهدف ولمقصد صحيح فتناقل الأخبار برؤيتها تناقل الأخبار برؤيتها وتحديدها معارِض للهدف الشرعي من إخفائها فمن رأى ما يدل عليها فليجتهد في العمل فيها أما كونه يشاع بين الناس من جراء أخبار قد تكون ثابتة وقد لا تكون ثابتة وقد تتعارض وقد يأتي تأتي الرسائل من خلال الجوال أنها ليلة ثلاث وعشرين ثم يتبادل أيضًا رسائل أنها ليلة سبع وعشرين يعني ليلتين بالسنة؟ أو إحداهما كاذبة؟! لا شك أن إحداهما كاذبة على كل حال مثل هذه الأمور السعي في تحديدها ليس بهدف شرعي بل هو مخالف للهدف الشرعي دعو الناس يتعبدون ويتعرضون لنفحات الله في هذه الليالي المباركة أروا ليلة القدر في المنام في السبع الأواخر فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بإمكانك أن ترى شخص غافل تخبر شخص غافل تقول له هذه الليلة احتمال يا أخي أن تكون ليلة القدر فاحرص على اغتنامها ثم بعد ذلك في ليالٍ أخرى أما شخص في المسجد تقول له لا ليلة القدر ما هي الليلة الليلة الماضية أو الليلة التي بعد هذه أنت إيش ماذا صنعت له؟ نعم لك أن تحث لكن ليس لك أن تُفتِّر وتصد الناس عن العبادة لأنك إذا حددت ليلة معينة مقتضاه أنك تزهدهم في الليالي الأخرى «أرى رؤياكم قد تواطأت توافقت في السبع الأواخر» كيف تتواطأ تتوافق الرؤى في السبع الأواخر وش معنى تتوافق في السبع الأواخر؟ كيف تتواطأ وتتوافق الرؤى في السبع الأواخر التواطؤ والتوافق إنما يكون في ليلة واحدة أو نقول أن هذا رآها في ليلة أربع وعشرين وهذا في خمسة وعشرين وهذا في ستة وعشرين خلال السبعة الأواخر كلها أو ليلة واحدة بعينها من السبع الأواخر أو ليلة واحدة لا بعينها من السبع الأواخر تواطأت في السبع الأواخر هل يمكن أن يقال جاء عشرة نقول نشوف أنها ليلة أربعة وعشرين وجاء عشرة قالوا رأيناها في خمسة وعشرين وجاء عشرة ثاني تواطئوا في المدة من ليلة أربع وعشرين إلى ليلة الثلاثين هل يمكن أن يقال هذا؟! هي ليلة واحدة والتواطؤ والتوافق إنما يكون على هذه الليلة لكن من باب إخفائها قال النبي -عليه الصلاة والسلام- في السبع الأواخر وإلا رؤياهم تواطأت وتوافقت ولا يمكن أن توصف بأنها متواطئة أو متوافقة إلا إذا كانت على ليلة واحدة صح والا لا؟ نعم لأن الحيز يسع أكثر من ليلة وهي إنما تكون في ليلة واحدة لكن من باب الإخفاء الذي يتحقق فيه الهدف الشرعي من ا غتنام هذه الليالي المباركة قال في السبع الأواخر قد تواطأت في السبع الأواخر «فمن كان منكم متحريها فليتحرها في السبع الأواخر» يعني قد يصعب على الناس اغتنام جميع رمضان، اغتنام جميع السنة، يصعب عليهم هذا، طيب رمضان شهر واحد، قد يكون شاق على كثيرٍ من الناس، العشر الأواخر في هذا الحديث غالب العشر الأواخر، وفي غيره ما يدل على أنها في العشر كلها، وهذا كله من باب تعمية هذه الليل وإخفائها؛ لكن ليحرص المسلم على اغتنام العشر كلها، وأن يري الله -جل وعلا-، وأن يتعرف عليه في حال الرخاء طول العام، كي يعرفه في حال الشدة، يعني شخص طول العام بطال، لا يعرف شيء من نوافل العبادات، وليست له صلة بربه، ثم إذا جاء وقت الحاجة يبي يتمثل ما يسمع من أخبار العلماء والعباد؟ ما يمكن، وهذا شيء مجرب، الشخص الذي لا يقرأ القرآن إلا من رمضان إليه، هل يعان على قراءة القرآن في المواسم وفي الأماكن الفاضلة؟ ما يعان، من أشق الأمور على النفس أن يفتح المصحف، إلا إذا كان قد تعرف على الله في الرخاء، وفي أيام السعة، فإذا جاء وقت الضيق سهل عليه القرآن، وقل مثل هذا في كل العبادات.
((فمن كان منكم متحرياً فليتحراها في السبع الأواخر)) وحديث عائشة -رضي الله عنها- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((تحروا ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر)) الوتر ليلة إحدى وعشرين، ليلة ثلاث وعشرين، ليلة خمس وعشرين، ليلة سبع وعشرين، ليلة تسع وعشرين، هذه أوتار العشر، والأشفاع لها ما يدل عليها، ((في تاسعةٍ تبقى، في سابعةٍ تبقى)) ليلة اثنين وعشرين وليلة أربع وعشرين ((وفي خامسة تبقى)) ليلة ست وعشرين، وهكذا، وما يرد في هذه النصوص قد يقول طالب العلم الذي ما شمّ رائحة مثل هذا التعارض الذي فيه هدف عظيم للشرع، يقول هذا: اشلون أتحراها في سابعةٍ تبقى؟ في السبع الأواخر في العشر الأواخر ليلة كذا؟ وكلها أحاديث صحيحة، هل هذا اضطراب في هذه النصوص؟ أو هذا إرباك لطالب العلم؟ أبداً، إنما هو حث على استغلال جميع هذه الليالي، وكل ليلة من ليالي العشر بدأ من ليلة إحدى وعشرين إلى آخر ليلة من رمضان، لها ما يدل عليها من أجل الاغتنام، والنبي -عليه الصلاة والسلام- إذا دخل في العشر شدّ المئزر، وأيقظ أهله، وأحيا ليله.
(تحروا ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر) فليلة القدر عند الجمهور منحصرة في رمضان، ثم في العشر الأخير منه آكد، ثم في أوتاره أرجى، لا في ليلةٍ بعينها، بعضهم يرجح ليلة سبع وعشرين، وهو اختيار كثير من الصحابة، وكثير من أهل العلم ممن بعدهم، يقول: لأن كلمة (هي) بالنسبة لسورة القدر هي السابعة والعشرين من الكلمات، لو حسبنا الكلمات كم كلمة؟ {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ}[(1) سورة القدر] المقصود أنهم حسبوها فوجودها كلمة (هي) رقم سبع وعشرين، فاستدلوا بها على أن ليلة القدر هي سبع وعشرين، ابن عطية في تفسيره يقول: "وهذا من ملح العلم لا من متينه" يعني هذا يتناقل بالدروس وبين الطلاب، وإن وافقت سبع وعشرين فهي ليلة فاضلة، وإلا ليست من متين العلم الذي يستمسك به، ويرجح به قول على قول بمجرد هذا، ليست من متين العلم الذي يعتمد عليه في ترجيح الأقوال.
عن أبي الخدري -رضي الله عنه-: "أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يعتكف العشر في الأوسط من رمضان" العشر الأوسط، العشر مذكر وإلا مؤنث؟ المقصود عشر ليالي، الأوسط مذكر، والأصل في مثل هذا التطابق، يعني العشر الوسطى، لو قيل: العُشر؟ كما تقول: الثلاثة الأجزاء من القرآن هي العُشر الأخير وما قبلها هي العُشر ما قبل الأخير وهكذا، والعشر الأول والثاني مذكر؛ لأن واحدها جزء، وهذه واحدها ليلة مؤنثة، في العشر الوسطى؛ هذا الأصل، لكنه لحظ الوقت، الوقت الأوسط من رمضان، فذكّر، والعشر باعتبار أن هناك عشر أولى، وعشر وسطى، وعشر أخيرة، فيه وسطى؛ لكن ماذا عن قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((ووقت صلاة العشاء من مغيب الشفق إلى منتصف الليل الأوسط)) في نصف أوسط وإلا ما في؟ في منتصف أوسط وإلا ما في؟ في نصف الليل الأوسط، في نصف أول ونصف أوسط ونصف أخير؟ ما في، كيف قال -عليه الصلاة والسلام-: ((إلى نصف الليل الأوسط)) يعني الواقع في نصف الليل متوسط من الليل، الأوسط بمعنى المتوسط، الذي يتوسط الليل بين نصفيه.
"كان يعتكف في العشر الأوسط من رمضان" النبي -عليه الصلاة والسلام- من جميع رمضان اعتكف، اعتكف في أوله، وفي أوسطه، وفي أثناءه، وفي آخره، فاعتكف عاماً من الأعوام في العشر الأوسط، حتى إذا كانت ليلة إحدى وعشرين وهي الليلة التي يخرج من صبيحتها من اعتكافها، صبيحتها التي قبلها وإلا التي بعدها؟ ليلة إحدى وعشرين من العشر الأوسط وإلا من الأخيرة؟ من الأخيرة، وهو يعتكف في العشر الأوسط، العشر الأوسط ينتهي بغروب الشمس من يوم عشرين، والليالي ليالي العشر الأوسط تنتهي بطلوع الصبح من يوم عشرين، فالصبيحة التي يخرج فيها من اعتكافه صبيحة عشرين، ولذا قال: ((من اعتكف معي -يعني وانتهى اعتكافه خرج في صبيحة عشرين- فليعتكف العشر الأواخر)) هم اعتكفوا العشر الأوسط ومعهم النبي -عليه الصلاة والسلام-، وخرجوا في صبيحة عشرين، خرج في صبيحة عشرين، انتهى اعتكافهم، العشر الأوسط انتهت؛ لكن قال بعد ذلك: ((من اعتكف معي فليعتكف العشر الأواخر -يعني ترجّح عنده أن ليلة القدر في العشر الأواخر- فقد أريت هذه الليلة ثم أنسيتها)) أريت هذه الليلة ثم أنسيتها للحكمة التي سبق ذكرها، ((وقد رأيتني -يعني علامة عليها- أسجد في ماء وطين من صبيحتها)) في الرؤيا، ((فالتمسوها في العشر الأواخر، والتمسوها في كل وتر)) "فمطرت السماء تلك الليلة" ليلة إحدى وعشرين، "وكان المسجد على عريش" يعني سقفه من خوص عريش، إذا نزل عليه المطر يكف على المسجد، يتقاطر الماء على المسجد، داخل المسجد، وكان على عريش "فوكف المسجد" يعني تقاطر منه المطر، "فأبصرت عيناه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" أبو سعيد يقول: "فأبصرت عيناي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على وجهه أثر الماء والطين من صبح إحدى وعشرين" هذا من أقوى، بل أقوى من يتمسك به في تحديد ليلة القدر، هذا كالصريح في أنها ليلة إحدى وعشرين؛ لكن ما الذي يجعل الإنسان يرى قد يميل إلى أنها في غير إحدى وعشرين؟ يعني لو لم يرد في النصوص إلا هذا، هذا صريح أنها ليلة إحدى وعشرين، يعني جاء تأويل رؤياه من صبيحتها، تحققت الرؤيا في صبيحتها إذاً هي ليلة إحدى وعشرين؛ لكن في الأحاديث الأخرى التموسها في السبع الأواخر، ليس منها ليلة إحدى وعشرين، وإلا فهذا الحديث كالصريح في أنها ليلة إحدى وعشرين، ولولا مثل ذلك الحديث لتعيّن القول بهذا الحديث؛ لأنه محدد، لكن لا يمنع جمعاً بين الأدلة أن تكون متنقلة بين ليالي العشر، وفي تلك السنة صارت إحدى وعشرين، هناك علامات يستدل بها على ليلة القدر، منها ما يثبت، ومنها ما لا يثبت، منها أنها ليلة قارة، ومنها أنها ليلة مضيئة، ليلة بلجة، وذكر فيها أشياء يستدل بها عليها، البحر لا يهيج، والكلاب لا تنبح، أمور كثيرة ذكرها أهل العلم منها ما يثبت، ومنها ما لا يثبت، والشمس في صبيحتها تطلع ليس لها شعاع، على كل حال هي ليلة بلجة طلقة، يحس الإنسان فيها بارتياح، ليس فيها حر شديد، ولا برد شديد، ولا حر ولا قر مريحة جداً، هذه من علاماتها ولا يدرك مثل هذه الأمور كل أحد، الذي لا يوفق للاجتهاد فيها قد لا يدرك هذه الأمور، الذي يقضي أيامه ليله ونهاره في الغفلات قد لا يدرك، ولا يتحقق هذه الأمور، وقد يقول قائل: أنا أدركت ليلة القدر أو ما أدركت أنا بصلي، أبي أقوم مع الإمام حتى ينصرف كل ليلة من ليالي العشر، نقول: أنت على خيرٍ عظيم، وتدرك ليلة القدر -إن شاء الله تعالى- لكن ليس معنى أنك تدركها مع حضور القلب مثلما تدركها وأنت غافل لاهي، فالإنسان يحرص على حضور قلبه، يعني هناك أمور هذا يفتح أبواب ويجرنا إلى الكلام في أحاديث يعني على اختلاف المطالع ليلة القدر عند من؟ وهذا يؤكد أن ليلة القدر كما تكون في أوتاره تكون في أشفاعه، يعني عند هؤلاء ليلة ثلاث وعشرين، وعند أولئك سابعة تبقى ليلة أربع وعشرين وش المانع؟ تجتمع هنا وهناك، مع اختلاف المطالع، وهؤلاء عندهم ليل وهؤلاء عندهم نهار، الثلث الأخير من الليل عند هؤلاء وهؤلاء عندهم نهار، وش تبي تسوي؟ حديث النزول مع كونه -جل وعلا- مستوٍ على عرشه، بائن من خلقه، يعني أمور حقيقةً الإيغال فيها مع طلاب علم يستوعبون ما يخالف لا بأس؛ لكن بحث مثل هذه المسائل عن عوام لا يدركونها لا شك أنه يوقف في الحرج، يعني شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى- يقرر أن الله ينزل آخر كل ليلة، وآخر كل ليلة متفاوت، هؤلاء عندهم أول الليل، وهؤلاء عندهم آخر، وهؤلاء عندهم.. ويجتمعون، كيف يجتمعون في آخر الليل؟ النزول الإلهي بالنسبة لأهل المشرق يختلف عنه عند أهل المغرب، إذاً كل وقته نازل، هذا إيش؟ إلزام من يريد إنكار هذا الحديث من بعض المبتدعة، وشيخ الإسلام يقول: أبداً، الله -جل وعلا- ينزل كما أخبرنا بذلك الصادق المصدوق على ما يليق بجلاله وعظمته، وكل إنسان يتعرض لهذا النزول ولا عليه أكثر من ذلك، ليس عليه أكثر من ذلك، حتى لو تصور أنه كيف ينزل وهو مستوٍ على عرشه بائن من خلقه؟ شيخ الإسلام يقرر أنه ينزل آخر كل ليلة مع أنه مستوٍ على عرشه، هذه أمور قد لا يدركها العقل؛ لكن مثل هذا لا بد فيه من التسليم، قدم الإسلام لا تثبت إلا على قنطرة التسليم، ما لك إلا تقول: سمعنا وأطعنا، أحاديث صحيحة استوعبتها أو ما تستوعب هذا ليس إليك، يقول: ينزل آخر كل ليلة ولا يخلو منه العرش، العامي ما يستوعب؛ لكن طالب العلم يرضى ويسلم وخلاص انتهى الإشكال، بل على العامي أن يؤمن بهذا، وأن يعتقد هذا؛ لكن مثل هذه الأمور لا تلقى على العامة، ولذا من أعظم المشكلات أن تذكر مثل هذه الأمور وتبحث في القنوات التي دخلت كل بيت، ولا يسلم منها إلا من عافاه الله -جل وعلا-، يشككون الناس في أديانهم، يعني شبه المبتدعة الآن كلها تلقى في البيوت، في بيوت عوام المسلمين، وهذه من أعظم المعضلات، طيب في الحديث الصحيح: ((أن الشمس تسجد تحت العرش في آخر كل ليلة، وتستأذن)) هل تطلع أو ما تطلع؟ أحد ينكر هذا، هذا في الصحيح، والشمس لا يفقدها الناس، في فلكها أربع وعشرين ساعة، نقول: سمعنا وأطعنا ورضينا وسلمنا، ولا لأحدٍ كلام، ويبقى أن في النصوص من المتشابه ما لا يدركه أحد {مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ}[(7) سورة آل عمران] ويبقى أن المؤمن الراسخ في العلم يقول، ماذا يقول؟ آمنا، صدقنا، وسلمنا، ولا لنا كلام، وأما الذين في قلوبهم زيغ يريدون أن يضربوا النصوص بعضها ببعض، فيتتبعون المتشابه، وهؤلاء الذين أمرنا بالحذر منهم، أولئك الذين سمّ الله فاحذروهم، أنت ما عليك أنت في بلد في قرية بعيد قريب في المشرق في المغرب انظر إلى الثلث الأخير، وافعل ما وجهت به، وقم وامثُل بين يديك، وناجي ربك، ولا عليك أكثر من هذا، أنت عليك أن تفعل ما عليك، وأبشر وأمل خير -إن شاء الله-.
وعن عائشة -رضي الله عنها- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى، توفاه الله -عز وجل-، ثم اعتكف أزواجه بعده، وفي لفظٍ: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يعتكف في كل رمضان، فإذا صلى الغداة جاء مكانه الذي اعتكف فيه".
وعن عائشة -رضي الله عنها- أنها كانت ترجل النبي -صلى الله عليه وسلم- وهي حائض، وهو معتكف في المسجد، وهي في حجرتها يناولها رأسه" وفي روايةٍ: "وكان لا يدخل البيت إلا لحاجة الإنسان" وفي روايةٍ: "أن عائشة قالت إني كنت لا أدخل البيت إلا لحاجة، والمريض فيه، فما أسأله عنه إلا وأنا مارة"
وعن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قال: قلت: يا رسول الله: إني كنت نذرت في الجاهلية أن أعتكف ليلةً" وفي رواية: "يوماً في المسجد الحرام، قال: ((فأوف بنذرك)) ولم يذكر بعض الرواة يوماً ولا ليلة.
وعن صفية بنت حيي -رضي الله عنها- قالت: "كان النبي -صلى الله عليه وسلم- معتكفاً، فأتيته أزوره ليلاً فحدثته، ثم قمت لأنقلب، فقام معي ليقلبني، وكان مسكنها في دار أسامة بن زيد، فمرّ رجلان من الأنصار، فلما رأيا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أسرعا، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((على رسلكما إنها صفية بنت حيي)) فقالا: "سبحان الله، يا رسول الله" فقال: ((إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، وإن خشيت أن يقذف في قلوبكما شراً، أو قال شيئاً)) وفي رواية: "أنها جاءت تزوره في اعتكافه في المسجد في العشر الأواخر من رمضان، فتحدثت عنده ساعة، ثم قامت تنقلب، فقام النبي -صلى الله عليه وسلم- معها يقلبها، حتى إذا بلغت باب المسجد عند باب أم سلمة ثم ذكره بمعناه".
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى- باب الاعتكاف، الاعتكاف: لزوم المسجد لطاعة الله تعالى، والخلوة والانفراد في بيتٍ من بيوت الله -عز وجل- للذكر والصلاة والتلاوة وغيرها من العبادات الخاصة، لا العامة، ولذا النبي -عليه الصلاة والسلام- يعتزل في معتكفه احتجر حجيرة ينفرد بها عن الناس، وجرى على هذا أصحابه وأزواجه من بعده، وخيار الأمة من علمائها وعبادها، وينقطعون عن جميع ما كانوا يزاولونه، ولو كان فيه نفع للناس، فلا تجد عالم يعتكف ثم يلقي دروساً، يدرس الناس ويقرأ عليهم، أبداً، بل الاعتكاف يخصص للعبادات الخاصة من صلاة وذكر وتلاوة، فهو لزوم المسجد لهذا الأمر، والاعتكاف منهم من يجعل أقلّه اليوم والليلة، ومنهم من يقول: ما سُمي اعتكاف، بمعنى أنه لزم وأطال المكث، وانطبق عليه الاسم لغةً، يسمى اعتكاف، ومنهم من يجريه على مسمى البقاء والجلوس في المسجد ولو قلّ، وهذا معروف عند متأخري المذاهب، يقول: إذا دخلت المسجد انوِ الاعتكاف، لو أنت داخل في زمن يسير تنوي الاعتكاف، لكن هذا ليس باعتكاف لا لغوياً ولا شرعياً، ولذلك تجدون في بعض المساجد عند المدخل لوحة على سارية: نويت سنة الاعتكاف، هل أنت تريد الاعتكاف بالفعل؟ تريد طول المكث والبقاء في المسجد، أو تريد أن تصلي وتخرج أو تقرأ شيء يسير من القرآن وتخرج؟ هذا ليس باعتكاف؛ لأن من أهل العلم من يشترط الصيام، ويأتي ذكره في نذر عمر -رضي الله تعالى عنه-، فالاعتكاف: طول المكث والبقاء في المسجد للعبادة، والمسجد: ما يصح تسميته مسجد، ويمكّن المعتكف من أداء الصلوات مع الجماعة، بحيث لا يتكرر خروجه؛ لأن تكرار الخروج ينافي الاعتكاف إلا لما لا بد منه، ويصح الاعتكاف في المسجد الذي تقام فيه الصلوات الخمس، ولو لم يكن جامع، يعني والخروج إلى الجمعة أمره يسير، مرة في الأسبوع لا يؤثر؛ لكن لو كان مسجد لا تقام فيه الصلوات الخمس، مسجد من مساجد المصالح الحكومية، الدوائر الحكومية، الذي أسس لإقامة صلاة الظهر فقط، ثم يضطر يخرج إلى صلاة العصر، ثم يضطر يخرج إلى صلاة المغرب، ثم يضطر إلى العشاء والفجر وهكذا، أو قال: أنا أريد أن أعتكف بمسجد نمرة، مسجد بالإجماع؛ لكن لا يقام فيه إلا مرة في السنة، نقول: يا أخي هذا لا تقام فيه جماعة، وكثرة خروجك إلى المسجد الذي تقام فيه الجماعة ينافي مقتضى الاعتكاف، فعليك أن تعتكف في مسجد يصلى فيه الصلوات الخمس، وإن كان جامع فهو أفضل لئلا تخرج ولا إلى الجمعة؛ لأن الاعتكاف المكث والبقاء، وملازمة المسجد لطاعة الله تعالى؛ لكنهم يتسامحون في مرة في الأسبوع من أجل الجمعة، أمرها يسير -إن شاء الله تعالى- عن عائشة -رضي الله عنها- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يعتكف في العشر الأواخر حتى توفّاه الله، يعني هذا آخر ما استقر عليه الأمر، وإلا اعتكف في العشر الأواسط، واعتكف في الأوائل؛ لكن استقر الأمر باعتكافه -عليه الصلاة والسلام- في العشر الأواخر، حتى توفاه الله تعالى، ثم اعتكف أزواجه من بعده، النساء يشرع في حقهن الاعتكاف كالرجال، ومن أهل العلم من يرخص للمرأة أن تعتكف في مسجد بيتها الذي تصلي فيه الصلوات، ويحصل لها ثواب الاعتكاف؛ لأنه بالنسبة لها هو المسجد الشرعي وهو الأفضل في حقها، وتمتثل قوله -جل وعلا-: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ}[(33) سورة الأحزاب] لكن بالنسبة للرجال يعتكف في بيته؟ لا، لا يسمى هذا اعتكاف.
"ثم اعتكف أزواجه من بعده، وفي لفظ: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يعتكف في كل رمضان فإذا صلى الغداة جاء مكانه الذي اعتكف فيه" يعني متى يبدأ الاعتكاف؟ من أراد أن يعتكف العشر الأواخر تبدأ العشر الأواخر متى؟ بغروب شمس يوم عشرين، إذا غربت الشمس من يوم عشرين ودخلت ليلة...، بدأ الاعتكاف، العشر الأواخر، النبي -عليه الصلاة والسلام- يدخل إذا صلى الغداة جاء مكانه الذي اعتكف فيه، طيب قبل أداء الصلاة وقبل الصلاة، أليس في معتكفه؟ الآن في هذا الحديث يبين أن النبي -عليه الصلاة والسلام- يدخل المعتكف بعد صلاة الصبح من إيش؟ من يوم عشرين، أو من واحد وعشرين؟ الآن من أراد أن يعتكف العشر نهار عشرين غير داخل في العشر، العشر تبدأ من غروب الشمس ليلة إحدى وعشرين فيدخل المعتكف ليلة إحدى وعشرين، ويمكث فيه في الليل، ثم يخرج إلى الناس في المسجد، يخرج إلى الناس ويصلي بهم الغداة، فإذا صلى الغداة جاء مكانه الذي اعتكف فيه، يعتزل في ناحية من المسجد، غرفة في حجيرة في شيء يعتزل به عن الناس، فما في إشكال؛ لأن بعض الناس ما يفهم فإذا صلى الغداة جاء مكانه الذي اعتكف فيه، وقبل وين؟ أين كان قبل ذلك؟ هو في المسجد ما خرج من المسجد؛ لكن المكان المخصص للاعتكاف الجزء المخصص للاعتكاف يدخل فيه بعد الصلاة، ثم يخرج لصلاة الظهر ثم يعود إلى اعتكافه وهكذا.
فالاعتكاف يبدأ من غروب الشمس يوم عشرين لمن أراد أن يعتكف العشر الأواخر، وفي حديث عائشة كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا أراد أن يعتكف صلى الفجر ثم دخل معتكفه، على ما جاء في هذا الحديث، وكان النبي -عليه الصلاة والسلام- يأمر بالقباء فيضرب ليعتزل فيه عن الناس، واعتكف نساؤه وضربن الأخبية، فترك النبي -عليه الصلاة والسلام- الاعتكاف في تلك السنة لئلا يضيقن على الناس، يعني لو جاء شخص يبي يعتكف وجاب خيمته معه وضربها بطرف المسجد، ثم ثاني ثم ثالث، ثم نظرنا ما في مسجد، عشر خيام، عشرين خيمة وين يروحين ذولا؟ وهل من المناسب أن يقول القدوة لهؤلاء: ضفوا خيامكم خلاص لا تعتكفون، أو يبدأ بنفسه قبل يتمثل أمره؟ يبدأ بنفسه؛ لأن الذي يطلبه هو يطلبه الأتباع، وهم لم يعتكفوا إلا لما رأوه اعتكف، وما ضربوا الأخبية إلا لما رأوه ضرب، والله المستعان.
فالرسول -عليه الصلاة والسلام- في تلك السنة ترك الاعتكاف في رمضان؛ لكنه قضاه في شوال، قضاه في شوال، ليس من المناسب أن يقول القدوة: يا لله خلاص ما في اعتكاف ضفوا خيامكم، يا لله شيلوا أثاثكم، وهو باقي؛ لأن القدوة لا بد أن يكون قدوةً بالفعل قبل أن يكون قدوةً بالقول، ولذا قوّض خباءه -عليه الصلاة والسلام-، ترك الاعتكاف في تلك السنة.
والحديث الثاني حديث عائشة -رضي الله عنها- أنها كانت ترجل النبي -صلى الله عليه وسلم- وهي حائض، وهو معتكف في المسجد، وفي حجرتها يناولها رأسه، خروج بعض بدن المعتكف لا يؤثر في الاعتكاف، أما خروج جميع البدن يؤثر في الاعتكاف، هنا الرسول -عليه الصلاة والسلام- يناولها رأسه، وهي في حجرتها، وهي حائض، تباشره وهي حائض، فالحائض طاهرة، ليست بنجس، إنما طاهرة، ولا تؤثر فيما تمسه، ولو كانت يدها رطبة، فلا تؤثر فيما تمسّه، ولو وضعت يدها في مائع لم ينجس، إنما يتقى منها موضع النجاسة، الذي هو موضع الحيض، أما بقية بدنها فطاهر، ولذا كان النبي -عليه الصلاة والسلام- يناول عائشة رأسه وهو معتكف، وهي حائض وترجله -عليه الصلاة والسلام- ومثل هذا الخروج الجزئي لا يؤثر في الاعتكاف، بخلاف الخروج الكلي، وفي رواية: كان لا يدخل البيت إلا لحاجةٍ الإنسان أمر لا بد منه، إلا لأمرٍ لا بد منه، بعض الناس إذا اعتكف لا تجد أدنى فرق بين اعتكافه وعدم اعتكافه، يعتكف في العشر الأواخر ثم بعد ذلك عنده التلفون، ومعه الجوال من الأصل، تحضر له الجرائد، يحضر له طعامه على وقته كالمعتاد، وسماره الذين كان يسمر معهم في الاستراحات يجونه في المسجد، هذا اعتكاف هذا؟ المقصود من الاعتكاف الخلوة بالله -جل وعلا- لعبادته، وترك الفضول من كل شيء، من مجالسة الناس، فضول الطعام، فضول الأكل، فضول الكلام، كل هذا يخفف منه بقدر الإمكان، ولذا كان لا يدخل البيت إلا لحاجة الإنسان التي لا يمكن قضاؤها في المسجد، وفي رواية: أن عائشة قالت: إني كنت لا أدخل البيت إلا للحاجة، هي معتكفة لا تدخل البيت إلا لحاجة، يعني حاجة الإنسان التي لا بد منها، والمريض في البيت يوجد في بيتهم مريض، "والمريض فيه، وما أسأل عنه إلا وأنا مارة" يعني إذا كان ما هو على الدرب ليس على الطريق ما رأته، وإنما تسأل عنه كيف فلان كيف فلان؟ وهي ماشية، وعلى كل حال اعتكاف المرأة أجره مثل اعتكاف الرجل، والمرأة شقيقة الرجل في مثل هذا إلا أنه لا بد من أمن الفتنة، يعني لو قالت امرأة: أنا أريد أن أعتكف في مسجد يرتاده الناس، وليس معها من يحفظها ممن يعتدي عليها، قيل لها: ارتكاب أخف الضررين اتركي الاعتكاف، لا بد من أمن الفتنة، حاجة الإنسان فسّرت بقضاء الحاجة التي هي البول والغائط وشبهه والطعام إذا لم يتمكنوا من إدخاله المسجد، ومنعوا منه يخرج للطعام؛ لأنه لا بد منه.
يقول: في الحديث عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قال: قلت: يا رسول الله إني كنت نذرت في الجاهلية أن أعتكف ليلةً، وفي رواية: يوماً في المسجد الحرام، قال: ((فأوف بنذرك)) ولم يذكر بعض الرواة يوماً ولا ليلة، اعتكف في الجاهلية، وهي ما قبل الإسلام سواء كان العام ببعثة النبي -عليه الصلاة والسلام- أو الخاص بإسلام الرجل مثلاً، يعني الجاهلية بالنسبة لعمر إلى أن أسلم، بالنسبة لأبي بكر إلى أن أسلم، فما قبل هذا كله جاهلية، إن تأخر إسلامه فهو في جاهلية إلى أن أسلم، فمراده قبل أن يسلم، إني كنت نذرت في الجاهلية يعني مراده قبل أن يسلم، جاهليته هو، وقد يريد بذلك الجاهلية العامة، يعني قبل بعثة النبي -عليه الصلاة والسلام-.
"كنت نذرت في الجاهلية" فنذر الكافر إذا نذر الكافر قربة يلزمه الوفاء بها؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال له: ((أوف بنذرك)) أمره بذلك، وهل يؤمر بالوفاء به حال كفره؟ هو عبادة، لو نذر كافر يصلي قال له: أوف بنذرك؟ لا؛ لأنه لا تصحّ منه حال كفره؛ لكن يؤمر بها إذا أسلم، وتحقق شرطها، ومثله الاعتكاف، إني كنت نذرت في الجاهلية أن أعتكف ليلةً، والليل ليس محلاً للصيام، ويستدل بهذا من لم يشترط الصيام في الاعتكاف، يقول: يعتكف ولو لم يصحبه صيام، وفي روايةٍ: "يوماً في المسجد الحرام" والذين يشترطون الصيام يجيبون عن حديث عمر -رضي الله عنه- اعتكف ليلة بيومها، بدليل أنه قال في الرواية الأخرى: "يوماً في المسجد الحرام" قال: ((فأوف بنذرك)) ولم يذكر بعض الرواة يوماً ولا ليلةً؛ لكن ذكره بعضهم ومن حفظ حجة على من لم يحفظ، في المسجد الحرام لا بد أن يفي بنذره في المسجد الحرام، لو نذر أن يعتكف في المسجد النبوي لزمه أن يعتكف في المسجد النبوي أو المسجد الحرام، من نذر أن يعتكف في المسجد الأقصى، لزمه أن يعتكف في المسجد الأقصى، وإن اعتكف فيما هو أفضل منه أجزأه؛ لكن لا يعتكف فيما دونه، ينذر للمسجد الحرام ثم يعتكف في المسجد النبوي لا، ينذر الاعتكاف في المسجد النبوي ثم يعتكف في مسجد الأمصار والآفاق، لا، ما يكفي، لا بد أن يفي بنذره من أهل العلم من يرى أن الاعتكاف لا يكون إلا في المساجد الثلاثة؛ لكن عموم قوله -جل وعلا-: {وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ}[(187) سورة البقرة] يشمل جميع المساجد، وأما ما جاء في المساجد الثلاثة فرده ابن مسعود -رضي الله عنه-، ونسب الصحابي إلى الوهم، على كل حال الاعتكاف عند عامة أهل العلم يجوز في سائر المساجد التي يجمع فيها، يعني تصلى فيها صلاة الجماعة.
عن صفية بنت حيي بن أخطب أم المؤمنين -رضي الله عنها- تزوجها النبي -عليه الصلاة والسلام- أعتقها النبي -عليه الصلاة والسلام- بعد السبي، وجعل عتقها صداقها، قالت: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- معتكفاً، فأتيته أزوره ليلاً فحدثته" زارت النبي -عليه الصلاة والسلام- وتحدثت معه ساعة، "ثم قمت لأنقلب" يعني لأنصرف أرجع إلى بيتي "فقام ليقلبني" يعني يرجع معي، والمسألة ليل، وهذه امرأة تحتاج من يحفظها، ويؤنسها في الطريق مع أنه الطريق ما في طريق يذكر، بيوته -عليه الصلاة والسلام- بجوار المسجد "فقام معي ليقلبني، وكان مسكنها في بيت أسامة بن زيد" يعني كانت تسكن عند أسامة؟ البيت آل إلى أسامة بعد النبي -عليه الصلاة والسلام-، فعرف ببيت أسامة، وقت رواية الحديث يعرف ببيت أسامة؛ لكن قبل كان من بيوت النبي -عليه الصلاة والسلام-، فمرّ رجلان من الأنصار أسيد بن حضير كما في بعض الروايات وعباد بن بشر، فلما رأيا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أسرعا في المشي، رأيا النبي -عليه الصلاة والسلام- مع زوجته أسرعا في المشي، فقال: ((على رسلكما إنها صفية)) يعني لا تستعجلون، إنما هي صفية بنت حيي، يعني زوجته -عليه الصلاة والسلام-، فقالا: "سبحان الله" تنزيه لله -جل وعلا- وتعجّب من اعتذار النبي -عليه الصلاة والسلام- يعني هل يشك صحابي بنبيه -عليه الصلاة والسلام-؟ ما يشكّ فيه، من شكّ فيه يكفر؛ لكن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، يعني قد يوقع الإنسان في حرج فقالا: "سبحان الله يا رسول الله" فقال: ((إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، وإن خفت أن يقذف في قلوبكما شراً، أو قال شيئاً)) يعني ولو كان أمر نفسي ما يتحدث به؛ لكن مثل هذا لا يجوز أن يخطر على بال المسلم، وعلى هذا تمنع جميع الأسباب الموصلة إليه، يعني له -عليه الصلاة والسلام- أن يقول هذا الكلام، وللصحابي أن يقول مثل هذا الكلام، لا يمكن أن يتطرق للصحابي أدنى شك في رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ لكن من دون الرسول -عليه الصلاة والسلام- من هو غير معصوم، ولو علت منزلته قد يجول في خاطر الإنسان ما يجول، لا سيما إذا عرف التساهل من بعض الناس ثقته مطلقة بنسائه ومن تحت يده، يقول بعضهم وينتسب إلى العلم: ثقتنا بنسائنا أعظم من أن نشك فيها إذا خرجت أو دخلت مع سائق أو راحت إلى المدرسة أو راحت المستشفى أو ما أشبه ذلك، ثقتنا بنسائنا أعظم، هذا ما هو صحيح، وما وقعت الجرائم إلا بهذه الطريقة، الثقة بالنساء والاعتماد على الأجنبي، وخلا الرجل بالمرأة استشرفها الشيطان، وكان الشيطان ثالثهما، فيهتم بهذه المسألة، ((إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، وإني خفت أن يقذف في قلوبكما شراً، أو قال شيئاً)) نعم على الإنسان أن يظهر براءته مما يخشى أن يتهم به، أولاً: لا يوقع نفسه مواقع التهم لكن إذا وجد في مكانٍ من غير قصد ما دري مر مع طريق يرتاده بعض أهل السوء فخشي أن يظن به وتلفت ما وجد إلا أشرار وناس.. وقال: وش اللي جابنا هنا، جاء هو خطأ، فينبه إلى أنه جاء خطأ، يعني شخص يقف عند بابه ليموزين ويضرب البوري وتطلع البنت ويركب، هو خالها، صاحب الليموزين خال البنت أخو أمها، والناس يشوفون في الشارع وكذا، يقول: يا إخوان ترى أنا خال البنت، ينبه على مثل هذا لئلا يوقع نفسه موقع التهمة، أو أخو الزوجة مثلاً لا سيما إذا كان من أهل العلم من يقتدى به؛ لأنه يوقع في أنفس الناس حرج، صحيح صاحب الليموزين أخو الزوجة أو خال البنت، ضرب البوري ونزلت فتحت الباب، الناس إيش بيقولون؟ عامة الناس يقولون: الشيخ متساهل، أقل الأحوال أنه مفرط، يخلي بنته تركب مع راعي ليموزين؛ لكن هو بدوره أيضاً أن يقول: ترى صاحب الليموزين هو خال البنت يا الإخوان، هذا فلان بن فلان أخو الزوجة، لئلا يقذف في قلوب الناس من اتهام هذا الخيّر، هذا الفاضل، وإنزاله في غير منزلته، وقد يتعدى الأمر ذلك إلى الاقتداء به، يقول: ما دام الشيخ فلان هذا يركبوا ليموزينات، والبنات يروحوا والحريم رايحات جايات، إذاً ما في شيء، فهذا متأكد لا سيما في حق من يقتدى به من أهل العلم، إذا كان النبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((على رسلكما إنها صفية)) فغيره من باب أولى، يبرأ من العهدة ويبرأ من الاتهام بهذا التصرف، وفي روايةٍ: "أنها جاءت تزوره في اعتكافه في المسجد في العشر الأواخر من رمضان" الزيارة مطلوبة، وتجدد العهد مع طول البعد والوقت ويتفقد الإنسان أهله بهذه الزيارة الخفيفة التي لا تؤثر على الاعتكاف؛ لكن لو كان شخص عنده أربع زوجات وكل واحدة عندها جمع من البنين والبنات وصاير المسجد طريق من البيت إلى المسجد، هذولا رايحين وهذولا جايين، محدد لكل شخص يجلس معه ربع ساعة، أربعة، خمسة، وتنتهي الليلة، والذي بعده، ينتهي رمضان وكله زيارات، هذا ينافي مقتضى الاعتكاف، يا أخي اجلس عندهم تبغيهم يترددون عليك بمثل هذه الطريقة، ولو مد لهم الوقت بعد كل واحد ساعة انتهى رمضان وهو كله زيارات، ليس هذا المقصود منه؛ لأن هذا ينافي مقتضى الاعتكاف؛ لكن ما يمنع أن يزار ويأتيه من أهله من يريد تعاهده، وإذا كان بحاجة إلى أن يذكره بالله يعظه يوجهه يوصيه بما ينفعه في دينه، يوصي المرأة على أولادها، ويأمر الكبير بالانتباه لإخوانه الصغار، ما في بأس؛ لأن هذا كله خير، ودعوة إلى الخير، يعني ما يؤخذ من هذا الحديث ترتيب زيارات بحيث تقضي على جميع المدة، ما يبقى إلا وقت النوم، نعم بعض الناس الذي ما تعود الخلوة يصعب عليه جداً الاعتكاف، صعب ترى يا الإخوان للذي ما تعود، ولذلك يرتب زيارات الزملاء في هذا الوقت، بل بعضهم يصحب معه أعمال يريد القضاء عليها، بعضها تكون علمية مثلاً، شيخ كبير عليه رسالة يبي يناقشها ثلاثة مجلدات، قال: فرصة في العشر فاضيين فاضيين، يقول: مجرد ما نعيد نناقش الطالب ونرتاح منهم، ويرتاحون منا، هذا اعتكاف؟! هذا ليس باعتكاف، وإن كان علم وخير وفضل؛ لكن الاعتكاف إنما هو للأعمال الخاصة، للخلوة بالله -جل وعلا-، ولمناجاته، وللتلذذ بمناجاته، وتلاوة كلامه.
يقول: "وفي رواية أنها جاءت تزوره في اعتكافه في المسجد في العشر الأواخر من رمضان، فتحدثت عنده ساعة" يعني مدة من الزمان، يعني لا يلزم منها أن تكون ستين دقيقة، ساعة فلكية، لا، هم لا يعرفون هذه الساعات؛ لكن مقدار من الزمن، ثم قامت تنقلب فقام النبي -صلى الله عليه وسلم- معها يقلبها" يعني يعيدها إلى بيتها "حتى إذا بلغ باب المسجد عند باب أم سلمة" ثم ذكره بمعناه، مر رجلان من الأنصار.. الخ، وقال لهما ما قال، وقالا له ما قالا، في الرواية السابقة.
وبهذا يكون انتهى القدر المحدد شرحه في هذه الدورة من كتابي الزكاة والصيام، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
"
أما أقله فما يطلق عليه اعتكاف لغةً ولا يطلق إلا على طول المكث واللزوم، والنبي -عليه الصلاة والسلام- يعتكف في العشر، ولا يعني هذا أنه لا يصح اعتكاف أقل من العشر، فمن اعتكف ليلة كان له أجرها، من اعتكف ليلتين له أجرهما، وهكذا؛ لكن ما لا يسمى اعتكاف نيته ليست بسنة.
ما عليه شيء، إذا كان نذر يقضيه، وإذا كان تطوع فلا يلزمه قضاؤه؛ لكن إن قضاه من باب الدوام على العبادة والثبوت عليها، كما فعل النبي -عليه الصلاة والسلام- فهو أفضل، وإن كان نذر لزمه قضاؤه.
يعني مسألة الاشتراط في الاعتكاف أنه إذا مرض له مريض أو مات له ميت يخرج ليصلي بجماعته مثلاً أو يخرج ليوقظ أولاده للصلاة، أو يخرج للدوام، أو يخرج كل هذا قد ينافي مقتضى الاعتكاف، والاعتكاف: هو لزوم المسجد، والنبي -صلى الله عليه وسلم- ما كان يخرج إلا لحاجة الإنسان، يعني أمر لا بد منه، أما أن يخرج لأي أمرٍ كان هذا ما يسمى اعتكاف، ومنهم من يقول: إذا اشترط له ذلك.