كيف نُؤْثِر الأَدْنَى على الأَعْلَى؟!

هؤُلاءِ الذِّين آثَرُوا الدُّنيا على الآخِرَة، ولا شَكَّ أنَّ الدُّنْيَا ضَرَّة، ضَرَّة بِالنِّسْبَةِ لِلآخِرَة، والإِيغَالُ فيها مُؤَثِّر فيما يُقَرِّب إلى الله - جلَّ وعلا- فإنْ آثَر دُنْيَاهُ أضَرَّ بِآخِرَتِهِ، وإنْ آثَر آخرتهُ لا شك أنَّهُ يَتَضَرَّر في دُنْيَاهُ؛ لكن قد يُوَفَّق لعملٍ لا يحتاج منهُ إلى جُهد، إذا الْتَفَتَ إلى آخرتِهِ، والمُتَاجرَة مع رَبِّهِ، ومن يُؤْثِر هذه الدُّنيا ويكسب فيها من الحُطَام ما يَكسب، واليوم يكسب وغدًا يَخْسَر، وإِذَا كَسَب كسب عشرة بالمائة عشرين بالمائة ، وهُو في أُمُور الآخِرَة الحَسَنَة بِعَشْرِ أَمْثَالِها، ألف بالمائة، من يَتَخَيَّل هذا؟! يعني في أُسبوع وهو مُرتاح بعد صلاة الصُّبح إلى أن تَنْتَشِر الشَّمس يقرأ القُرآن، ويحصل على ثَلاثة مَلايين حَسَنَة، على أَقَلِّ تَقْدِير، إلى أَضْعَافٍ كَثِيرة، وذلك فَضْلُ الله يُؤْتِيهِ من يَشَاء، ومثلُ هذا العمل لا يَعُوقُه عنْ شيء من أُمُور دِينِهِ ولا دُنْيَاهُ، فإذا انْتَشَرَت الشَّمس صَلَّى ما كُتِبَ لَهُ رَكعتين أو أربع أو سِت أو ثمان، يَرْجِع بِوَافِر الأَجْر والثَّواب من الله -جلَّ وعلا-  أمَّا من انْصَرَفُوا إلى أُمُور الدُّنْيا، وهذا لُوحظ وظَهَر أَثَرُهُ على أَبْدَان النَّاس وعُقُولُهم، فَضْلاً على أَدْيَانِهِم، أمَّا تَأْثِيرُهُ على الأَدْيان مرّ بِنَا وبِغَيْرِنا أيضًا من طُلَّاب العِلْم مِمَّن كان يُلازم الدُّرُوس وأُمُورُهُ بالنِّسْبَة للدُّنْيا مَاشِيَة ما عِنْدهُ مُشْكِلَة، ثم بعد ذلك انْقَطَعَ بِالكُلِّيَّة عن التَّعَلُّم, ولازَمَ العُلَمَاء عَشَرَات السِّنِين، ثُمّ بعد ذلك في سنة أو سنتين رَجَعَ شِبْه العَامِّي، يا أخي أَنْتَ حَفِظْتَ القُرْآن، وتَعِبْتَ عليهِ، وفِي سَنَتَيْن أو ثلاث تَنْسَى القُرآن؟! أيُّ كَارِثَةٍ مثلُ هذِهِ الكَارِثَة؟! ولو سِيقَتْ لَكَ الدُّنْيَا بِحَذَافِيرِهَا، والدُّنْيَا إذا عَلِمْنا حَقِيقَة هذِهِ الدُّنْيا، وأنَّها مَلْعُونة، ملعونٌ ما فيها إلاَّ ذِكْرُ الله وما وَالاهُ، وعَرَفْنا أنَّ الدُّنْيا لا تَزِنْ عند الله جَنَاحَ بَعُوضَة، فكيف نُؤْثِر الأَدْنَى على الأَعْلَى؟! يعرف حَقِيقَة الدُّنْيا مثل سعيد بن المُسَيِّب، لَمَّا ابن الخليفة يَخْطِب ابنتَهُ، والوَسِيط يقُول لَهُ: جَاءَتْكَ الدُّنْيا بِحَذَافِيرِهَا، هذا ولد الخَلِيفَة يَخْطُب بِنْتَك، جَاءَتْكَ الدُّنْيا بِحَذَافِيرِهَا، سعيد بن المُسَيِّب من العُلَمَاء الرَّاسِخِين، هو أَفْضَل التَّابِعِين عند الإمام أَحْمَد، وإنْ كَانَ القَوْلُ المُرَجَّح أنَّ أَفْضَل التَّابِعِين أُوَيْس بالنَّص الصَّحِيح، أمَّا مِنْ جِهَة العِلْم فَلا شكّ أنَّ سَعِيد أَعْلَم مِنْ أُوَيْس؛ لَكنْ يَبْقَى أنَّهُ أَفْضَل التَّابِعِين عند الإمام أَحْمَد ، ولَهُ وَجْه تَفْضِيلُهُ، وإنْ كان الحَدِيث الصَّحِيح يُرَجِّح أُوَيْسًا القَرَنِي، لمَّا قِيلَ لَهُ: جَاءَتْكَ الدُّنْيا بِحَذَافِيرِهَا، ماذا كان الرَّد؟ الرَّد قال: إِذَا كانَت الدُّنْيَا لا تَزِنُ عِنْدَ الله جَنَاح بَعُوضَة، فماذا ترى يُقَصُّ لي من هذا الجَنَاح؟! الخليفة برأسه كيف يبي يقص لي من هذا الجَنَاح؟! ومَعَ ذلك يُزَوِّج هذِهِ البِنْت المَرْأَة الصَّالِحَة، العَابِدَة العَالِمَة، يُزَوِّجها أَفْقَر وَاحِد مِنْ طُلَّابِهِ، من لا يَجِد المَهر، ويُجَهِّزها لهُ،  ويَزُفَّها إليهِ،  وهُو فِي بَيْتِهِ، هذا الذِّي يَعْرِف حَقِيقَة الدُّنْيَا، أمَّا إِذَا لَاحَتْ لنَا الدُّنْيا  لَوَّحَت لنَا بِجَنَاحٍ مُظْلِم نَتْبَعُها ونَتْرُك الآخِرَة؟! بعض طُلَّاب العِلْم نَسُوا القُرآنْ، مِنْهُم من صَلَّى صَلاة الظُّهر وجَهَر بِالقِرَاءة وَأَمَّنُوا خَلْفَهُ هذِهِ حَياة ذي؟!! نسأل الله السَّلامة والعَافِيَة؛ فَالأَمْر خَطِير، يعني هذا بالنِّسْبَة لِلَأثَر على الدِّين.

الأَثَر على الدُّنْيَا قُطِعَتْ الأَرْحَام، تُرِكَ الآبَاء والأُمَّهَات مَا يُزَارُون مِنْ أَجْلِ هذِهِ الأَسْهُم، حَصَل الخَلَل فِي العُقُول، مَاتْ بعض النَّاس، جَلْطَات، مِنْهُم مَنْ جُنّ، هذِهِ أُمُور حَقِيقَةً تُعْطِي دُرُوس؛ ولَكنْ مَعَ الأَسَفْ أَنَّهُم لَوْ رُدُّوا لَعَادُوا، لَوْ ارْتَفَعَتْ هذِهِ الأَسْهُم رَجَعُوا ثَانِيَة، ولَيْسَ بِأَعْجَبَ مِمَّن لَو أُدْخِلُوا النَّار وخَرَجُوا مِنْها وَرُدُّوا لَعَادُوا كَمَا أَخْبَرَ اللهُ - جلَّ وعلا - وإِلَّا قَبْل سَنَتَيْن تَعْرِفُون الكَارِثَة التِّي حَصَلت، كَارثة يعني أُدْخِلَ المُسْتَشْفَيَات بِسَبَبِها عَدَدٌ كبير، صَار كَثِير من المُسْتَشْفَيَات لا تَقْبَل لِكَثْرَةِ مَنْ أُصِيبُوا قبلَ سَنَتَيْن، ثُمَّ بعد ذلك عادُوا، وهَذِهِ الكَارِثَة أَعْظَم مِنْها ولَوْ رُدُّوا لَعَادُوا، واللهُ المُسْتَعان، فَعَلَى الإِنْسَان أنْ يَقْتَصِدْ فِي أَمْرِ دُنْيَاهُ، ويَكْفِيه مِنْهَا البُلْغَة، ولا يَعْنِي أَنَّهُ يَعِيشْ يَتَكَفَّفْ النَّاس يَسْأَل النَّاس مِنْ أَمْوَالِهِم- لا- ،  الله - جلَّ وعلا- يقُول: {وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا} [القصص/ 77]؛ لَكِنْ لا تَعْكِسْ المَسْأَلَة، تَسْتَغْرِق فِي أُمُورِ دُنْيَاك، ثُمَّ يُقَالُ لَكَ: لَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الآخِرَة! فَالتَّوَازن لا بُدَّ مِنْهُ فِي حَيَاةِ المُسْلِم، واللهُ المُسْتَعَانْ.