الاحتجاج بالحديث المرسَل عند العلماء المتقدمين

السؤال
أُريد معرفة حدِّ الاحتجاج بالحديث المرسَل عند العلماء المتقدمين من الشافعي فمَن قبله؟
الجواب

الحديث المرسَل وهو: ما يرفعه التابعي إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- ولا يُذكَر فيه الصحابي، هذا حدَّه عند الأكثر، وهو الذي استقر عليه الاصطلاح، ومنهم مَن يُطلق المرسل على المنقطع على أي وجه كان انقطاعه.

والعلماء يختلفون فيه كما قال الحافظ العراقي:

واحتجَّ مالكٌ كذا النعمانُ

به وتابعوهما ودانوا

مالك يحتج بالمراسيل، والأحاديث قد تكون عنده متصلة ويُخرِّجها في (موطئهِ) مرسلةً؛ لأنه يحتج بالمرسَل.

(كذا النعمانُ) والمراد به أبو حنيفة، فأبو حنيفة وأتباعه يحتجون بالمراسيل.

(به وتابعوهما) من المالكية والحنفية. فاحتجوا به في بيان الأحكام وبناء الأحكام عليه.

(ودانوا) أي: عملوا بها وتدينوا بذلك.

ولكن الإمام الشافعي قَبِلَه بشروط:

1- أن يكون المرسِل من كبار التابعين.

2- وأن يكون المرسِل إذا سمَّى لا يُسمي إلا ثقةً.

3- وأن يكون له شاهد يزكيه من كتاب الله أو سنة نبيه المرفوعة، أو مرسَل آخر يرويه غير رجال المرسَل الأول.

قال الحافظ العراقي -رحمه الله-:

وردَّهُ جماهرُ النقَّادِ

..........................

جمهور العلماء ردوا الحديث المرسل.

وردَّهُ جماهرُ النقَّادِ

للجهلِ بالساقطِ في الإسنادِ

لما قلنا: إن المرسَل ما يرفعه التابعي إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، ولو جزمنا بأن بينه وبين النبي -عليه الصلاة والسلام- صحابيًّا لقلنا: (مقبول)؛ لأن الصحابي ثقة سُمِّي أو لم يُسَمَّ، لكن احتمال أن يكون التابعي رواه عن تابعي آخر، فما يُدرَى ما حال هذا التابعي الذي حُذف، ومن باب الاحتياط أن يُرَدَّ، ولذا قال:

وردَّه جماهرُ النقادِ

للجهلِ بالساقطِ في الإسنادِ

ومع ذلك لا يُجزَم بأن المحذوف تابعي واحد، فقد يرويه تابعي عن تابعي عن تابعي فيكون فيه ثلاثة من التابعين، ويكون المحذوف إضافةً إلى الصحابي تابعيين، وقد يكون ثلاثة، وقد يكون أربعة، وأكثرُ ما وُجد من رواية التابعين بعضهم عن بعض ستة، فوجد في طبقة التابعين ستة يروي بعضهم عن بعض، ويوجد خمسة، ويوجد أربعة وهذا كثير، وثلاثة وهو أكثر، والستةُ من التابعين على الولاء يروي بعضهم عن بعض في حديث يتعلَّق بسورة الإخلاص، رواه النسائي [996] وغيره، وأفرده الخطيب البغدادي في مصنَّف، وهو أطول إسناد في الدنيا كما قال الإمام النسائي -رحمه الله تعالى-.

وصاحبُ (التمهيد) عنهمْ نقلَهْ

ومسلمٌ صَدْرَ الكتاب أصَّلَهْ

يعني رَدَّ المراسيل نقله ابن عبد البر في مقدمة (التمهيد)، وأيضًا أصَّله واعتمده الإمام مسلم في صَدْرِ (صحيحه)، والله أعلم.