معنى {توليتم} في قول الله تعالى: {فهل عسيتم إن توليتم}

السؤال
كنتُ فيما مضى أقرأ قول الله -عز وجل-: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ} [محمد: 22] فأفهم أن {تَوَلَّيْتُمْ} بمعنى: أعرضتم، لكن أحد الأصدقاء ذكر لي أن هذا المعنى متبادر للناس لكنه خاطئ، وأن المعنى الصحيح: توليتم الحكم، فهل ما ذكره صحيح؟
الجواب

ما ذكره ليس بصحيح، فما أنت عليه من فهمٍ صحيح، وقال به أكثر أهل العلم، وأن المقصود بالتولي هنا الإعراض، يقول الطبري: (فلعلكم إن توليتم عن تنزيل الله جل ثناؤه، وفارقتم أحكام كتابه، وأدبرتم عن محمد -صلى الله عليه وسلم- وعما جاءكم به {أن تفسدوا في الأرض} يقول: أن تعصوا الله في الأرض، فتكفروا به، وتسفكوا فيها الدماء، {وتقطِّعوا أرحامكم} وتعودوا لما كنتم عليه في جاهليتكم من التشتت والتفرق بعد ما قد جمعكم الله بالإسلام، وألف به بين قلوبكم. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل).

ولكن الذي ذكره صاحبك نقول: كلامه ليس بصحيح في تخطئتك، والكلام الذي قاله هو احتمال آخر في الآية، وقال به جمع من أهل العلم، ولذا يقول القرطبي في تفسيره: (اختُلف في معنى {إن توليتم} فقيل: هو من الولاية، قال أبو العالية: المعنى فهل عسيتم إن توليتم الحكم فجُعلتم حكامًا أن تفسدوا في الأرض بأخذ الرُّشا)، والمعنى الأول الذي ذكره الطبري معتبر، وذكره القرطبي وغيره، وعلى كل حال الآية محتمِلة للمعنيين، وكلاهما صحيح، والنتيجة سواء أعرضوا عن القرآن وعن اتباع محمد -صلى الله عليه وسلم- فالنتيجة موجودة وهي الإفساد في الأرض، وكذلك إن تولوا الحكم والإمارة وهم ليسوا بأكفاء، وليسوا من أهل العدل والإنصاف، حصل منهم ما ذُكر من الإفساد وتقطيع الأرحام، والله أعلم.