قيمة كتاب (المحصِّل لمسند الإمام أحمد) والاستغناء به عن (المسند)

السؤال
ما قيمة كتاب (المحصِّل لمسند الإمام أحمد) للشيخ القرعاوي؟ وهل يُستغنى به عن (المسند)؟
الجواب

هذا الكتاب للشيخ عبد الله القرعاوي طُبع في خمسة وعشرين جزءًا، وهو تلبية لما تمنَّيناه سابقًا في كتاب البنَّا (الفتح الرباني)، فـ(الفتح الرباني) ترتيب لـ(مسند الإمام أحمد) على الأبواب، لكن البنَّا حذف الأسانيد، وحذف المكررات، وكم في إبقاء هذه الأسانيد وهذه المكررات من الفوائد، لكنه حذفها فقلَّتْ قيمته بهذا السبب، والشيخ القرعاوي -حفظه الله- لبَّى هذه الرغبة، وتبع البنَّا الساعاتي على الترتيب والتبويب، لكنه أعاد التكرار والأسانيد، فالكتاب أفضل من أصله الذي هو (الفتح الرباني)، وعلى كل حال لا يمكن أن يُستغنى بهذه الجهود عن (المسند) الأصل الديوان العظيم من دواوين الإسلام للإمام أحمد، فـ(المسند) للإمام أحمد لا يمكن أن يُستغنى عنه، وعلى كل حال التأليف على المسانيد طريقة مسلوكة عند أهل العلم وعند الأئمة، والتأليف على الأبواب طريقة أخرى، فكون الكتاب يوجد على هاتين الطريقتين من باب الكمال، فالذي لا يستطيع أن يستخرج الحديث عن طريق السند بذكر الصحابي يستخرجه عن طريق الأبواب، فترتيبه على الطريقتين مفيد جدًّا.

وعلى كل حال (المسند) من أعظم دواوين الإسلام، وفيه من الأحاديث قالوا: أربعون ألفًا، ولكن عند التحقيق لم يصل إلى الثلاثين، نقص عنها يسيرًا، وهذه طريقة المتقدمين في العدِّ، وليس بنقص في الكتاب، بل هذه طريقتهم في العدِّ أنهم بالتقريب، ووقتهم عندهم أنفس من أن ينفقوه ويصرفوه في عدِّ أحاديث، فعدُّ ثلاثين ألف حديث: يَحفظ بدلها مائة حديث –مثلًا-، من المتقدمين، بخلاف المتخرين

أخرين الذين صار ديدنهم وشأنهم العناية بالأرقام بدقَّة، أما المتقدمون فلا يلتفتون لمثل هذا، فمثلًا قالوا: في (البخاري) سبعة آلاف وخمسمائة حديث، وبدون المكرَّر أربعة آلاف، لكن حقيقة الأمر لما جاء العدُّ الدقيق مِن قِبل الحافظ ابن حجر وُجد أن (البخاري) بدون التكرار حديثان وخمسمائة وألفا حديث على التحرير؛ لأن ابن حجر يضبط أحاديث الكتاب في نهاية كل كتاب من (الفتح)، يضبط الأحاديث المرفوعة والموقوفة والمعلَّقات والموصولات، وفي النهاية بلغتْ على التحرير عنده من غير تكرار ألفين وخمسمائة وحديثين، فمثل ما ذكرنا أن السلف من الأئمة ومن وُجد في الصدر الأول لا يعتنون بالأعداد بدقَّة، فلا يقال: إن هذه الكتب ناقصة، وإنها تعرَّضتْ لها يدُ العبث أو شيئًا من هذا، أبدًا، ولذا الفرق ليس بيسير، فالفرق في (البخاري) ألف وخمسمائة حديث بدون تكرار، والفرق في (المسند) عشرة آلاف، هذا وجهه عندي، والله أعلم، بخلاف طريقة المتأخرين الذين يعتنون بالأعداد بدقَّة.

ومن الطرائف أن طالب علم من أهل اليمن أشكل عليه القراءة في (تفسير الجلالين)، هل يَقرأ في (الجلالين) بطهارة أو بدون طهارة، والحكم عند أهل العلم للغالب، فعَدَّ حروف القرآن وعَدَّ حروف (الجلالين)، يقول: إلى سورة المزمل العدد واحد، ومن المدثر إلى آخر القرآن زاد التفسير قليلًا، فانحلَّتْ عنده المشكلة وصار يقرأ في التفسير بدون وضوء، هل هذا من اهتمام المتقدمين؟! لا، أبدًا، ليس من اهتمام المتقدمين، المتقدمون يعتنون باللُّب، فبدلًا من أن ينفق الوقت على الأعداد التي لا طائل تحتها يقرأ ويحفظ، ولكن بالنسبة لمن يزاولون التحقيق إذا رقَّموا الكتب تبعًا لتحقيقهم وهكذا، وهذا لا يحتاج إلى وقت عندهم؛ لأنه من ضمن العمل، ويستفاد من هذه الأرقام في الإحالة عليها، فلا يقال: إن هذا عبث أو شيء من هذا، بل هو مهم، وأوقات المتأخرين تُصرف كثيرًا فيما هو أقل من ذلك، والله المستعان.