المراد بقول الله تعالى: {إلا ما شاء ربُّك} في آيتي سورة هود

السؤال
ما المراد بقول الله تعالى: {إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ} في آيتي سورة هود: {فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ . خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ . وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ}؟
الجواب

المقرر في معتقد أهل السنة والجماعة أن الجنة والنار مخلوقتان لا تفنيان، ومَن حُكِم له بدخول الجنة فإنه خالدٌ مُخلدٌ فيها، والكفار خالدون مخلدون في النار، ومعروف من مذهب المعتزلة أن الجنة والنار تفنيان، ومنسوبٌ لبعض أهل العلم أن الجنة باقية خُلودًا مؤبَّدًا والنار تفنى، ولكن هذا القول ليس بشيء، فالمعوَّل عليه عند أهل السنة والجماعة أن مَن دخل الجنة يخلد فيها خلودًا مؤبَّدًا، ومَن دخل النار ممن حُكِم عليه بالخلود من أهل الكفر فإنه لا يخرج منها {وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ} [الحجر: 48].

هذا الاستثناء الوارد في آيتي هود في قوله –جلَّ وعلا-: {فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ . خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} [هود: 106-107] هذا عند جمعٍ من المفسرين من التابعين وغيرهم أنه محمولٌ على العُصاة من أهل التوحيد ممن يُخرجهم الله من النار بشفاعة الشافعين كما قال ابن جرير في تفسيره، يقول: (وأَولى هذه الأقوال في تأويل هذه الآية بالصواب: القول الذي ذكرنا عن قتادة والضحاك من أن ذلك استثناءٌ في أهل التوحيد من أهل الكبائر، وأنه يُدخلهم النار خالدين فيها أبدًا إلا ما شاء الله مِن تركِهم فيها أقل من ذلك، ثم يُخرجهم فيُدخلهم الجنة كما قد بيَّنا في غير هذا الموضع).

يقول أيضًا الحافظ ابن كثير: (اختلف المفسرون في المراد من هذا الاستثناء على أقوالٍ كثيرة،...ونقل كثيرًا منها الإمام أبو جعفر –يعني الطبري-،...واختار هو–يعني الطبري- ما نقله عن خالد بن معدان والضحاك وقتادة وأبي سنان ورواه ابن أبي حاتم عن ابن عباس والحسن أيضًا، أن الاستثناء عائدٌ على العُصاة من أهل التوحيد ممن يُخرجهم الله من النار بشفاعة الشافعين من الملائكة والنبيين والمؤمنين حين يشفعون في أصحاب الكبائر، ثم تأتي رحمة أرحم الراحمين فتُخرج من النار مَن لم يعمل خيرًا قط، وقال يومًا من الدهر: لا إله إلا الله، -يعني ممن قال: لا إله إلا الله-...ولا يبقى بعد ذلك في النار إلا من وجب عليه الخلود فيها ولا محيد له عنها، -يقول ابن كثير-: وهذا الذي عليه كثيرٌ من العلماء قديمًا وحديثًا في تفسير هذه الآية الكريمة).

وقال في الآية التي تليها: ({وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ} [هود: 108] معنى الاستثناء هاهنا أن دوامهم فيما هم فيه من النعيم ليس أمرًا واجبًا بذاته، بل هو موكولٌ إلى مشيئة الله تعالى، فله المنة عليهم دائمًا)، فليس أمرًا واجبًا بذاته، بل بحكم الله –جلَّ وعلا- وجوبه، ولا يجب على الله شيء إلا ما أوجبه على نفسه؛ فضلًا منه وكرمًا -جلَّ وعلا-، قال: (وقال الضحاك والحسن البصري: هي في حق عصاة الموحدين الذين كانوا في النار ثم أُخرِجوا منها)، يعني هذا الاستثناء يَنصَبُّ على مدَّة بقائهم في النار؛ لارتكابهم بعض الكبائر التي أُدخلوا فيها من أجلها، والله أعلم.