مغفرة الله الذنوبَ مهما بلغتْ عظمتها، وفضح التائب نفسه بعد أن ستره الله

السؤال
هل الله -سبحانه وتعالى- يغفر الذنوب كلها مهما بلغتْ عظمتها؟ وإذا أذنب العبد ذنبًا كبيرًا وتاب وأنَّبه ضميره، فهل يفضح نفسه أمام الناس وقد ستره الله؛ ليرتاح ضميره من هذا الذنب العظيم؟
الجواب

الله -جلَّ وعلا- يغفر الذنوب جميعًا، مهما بلغتْ عظمتها إذا تِيب منها، يقول الله -جلَّ وعلا-: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر: 53].

ويقول –جلَّ وعلا-: كما في سورة الفرقان: {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ} [الفرقان: 68-70]، يعني لا يكتفي بمجرد أنه تُمْحى ذنوبه، بل تُبَدَّل هذه الذنوب حسنات، وأي فضلٍ أعظم من هذا؟ وأيُّ كرمٍ وجود من الإله اللطيف الخبير أعظم من هذا الكرم والجود؟!

 فالسيئات مهما بلغتْ إذا تاب منها توبةً نصوحًا وقُبِلت توبته بشروطها فإن الله -جلَّ وعلا- يُبَدِّل هذه السيئات حسنات.

والذي قتل التسعة والتسعين، لمَّا سأل الراهب قال له: "ليس لك توبة"، فكَمَّل به المائة، فسأل عالمًا فقال: "ومَن يَحوُل بينك وبين التوبة؟ لكن بلدك هذا بلد سوء"، وأمره بالانتقال إلى بلدٍ فيه أخيار...إلى آخر القصة المعروفة في الصحيح [البخاري: 3470 / ومسلم: 2766]، فالله -جلَّ وعلا- يغفر الذنوب جميعًا مع التوبة.

أمَّا قوله في السؤال: (هل يفضح نفسه أمام الناس وقد ستره الله؛ ليرتاح ضميره من هذا الذنب العظيم؟)، لا شك أنه إذا أذنب أن ضميره يؤنِّبه، ويبقى في تردُّدٍ في نفسه، ولكن إذا تاب تاب الله عليه، فكمن لا ذنب له، فلا يحتاج إلى مثل هذا.

وجاء في الحديث الصحيح عن أبي هريرة –رضي الله عنه- قال: سمعتُ رسول الله –صلى الله عليه وسلم- يقول: «كلُّ أمتي مُعافى إلا المجاهرين، وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملًا، ثم يصبح وقد ستره الله عليه، فيقول: يا فلان، عملتُ البارحة كذا وكذا، وقد بات يستره ربُّه، ويصبح يكشف ستر الله عنه» [البخاري: 6069]، والله أعلم.