توثيق الراوي المجهول بمجرد الاحتجاج به في أحد كتب السنن

السؤال
سائل يسأل في مسألة حديثية، يقول: في حال لم نجد في الراوي لا جرحًا ولا تعديلًا، لكن رأينا أحد كتب السُّنن احتج به، فهل نوثقه بناءً على احتجاج أحد أصحاب كُتب السُّنن؟
الجواب

إذا لم يُوجد في الراوي جرحٌ ولا تعديلٌ فحُكمه الجهالة، وهو الذي يُعبِّر عنه بعض أهل العلم بـ(المستور)، فهو مجهول لا تُقبل روايته حتى يُوجد ما يُثبت عدالته، ومجرد الرواية عمَّن هذا وصفه لا تُوثقه إلا عند مَن لا يروي إلا عن ثقة، فإذا كان العالم لا يَروي إلا عن ثقة وروى عن هذا الراوي الذي لم نجد فيه جرحًا ولا تعديلًا فهو توثيقٌ من ذلك العالم الذي لا يَروي إلا عن ثقة، وجَنَح بعضهم إلى أن الراوي إذا ذُكِر في (التاريخ الكبير) أو (الجرح والتعديل) بدون جرحٍ ولا تعديل فهو ثقة، قال: (فهو ثقة)، وقال في مواضع: (فهذه أمارةُ توثيقه)، وبهذا يأخذ الشيخ أحمد شاكر –رحمه الله-، لكن الصواب أنه لا يُوثَّق حتى يُوجد كلام ينص على توثيقه مِن قِبل مَن يُعتد بقوله من أهل العلم.

والذي يسبُر كتاب (الجرح والتعديل) لابن أبي حاتم يجد في المقدمة إشارات أنه بيَّض لرواةٍ لم يجد فيهم كلامًا لأهل العلم، وهذا يعني أنه لا يعرفهم، وقال في كثيرٍ من الرواة أنه سأل أباه عن بعض الرواة -وعددهم كثير- وقال: (مجهولٌ لا أعرفه)، بمعنى: لا أعرف فيه جرحًا ولا تعديلًا.

وفي (شرح علل الترمذي) يقول ابن رجب –رحمه الله-: (رواية الثقة عن رجلٍ هل ترفع جهالته؟ ومتى ترفع الجهالة؟ ما ذكره الترمذي –رحمه الله- يتضمن مسائل من علم الحديث: أحدها: أن رواية الثقة عن رجلٍ لا تدل على توثيقه، فإن كثيرًا من الثقات رووا عن الضعفاء كسفيان الثوري، وشُعبة وغيرهما -من الأئمة ورووا عن ضعفاء-، وكان شُعبة يقول: لو لم أُحدِّثكم إلا عن الثقات لم أُحدِّثكم إلا عن نفرٍ يسير. قال يحيى القطان: إن لم أروِ إلا عمَّن أرضى ما رويتُ إلا عن خمسةٍ أو نحو ذلك.

وقد اختلف الفقهاء وأهل الحديث في رواية الثقة عن رجلٍ غير معروفٍ هل هو تعديلٌ له أم لا، وحكى أصحابنا عن أحمد في ذلك روايتين، وحكوا عن الحنفية أنه تعديل، وعن الشافعي خلاف ذلك، والمنصوص عن أحمد يدل على أنه من عُرِف منه أنه لا يروي إلا عن ثقة، فروايته عن إنسانٍ تعديلٌ له، ومن لم يُعرَف منه ذلك فليس بتعديل، وصرَّح بذلك طائفةٌ من المُحققين من أصحاب الشافعي).

وفي (ميزان الاعتدال) قال في ترجمة محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب، أبي عبد الله الهاشمي: (أحد الأشراف بالمدينة...ما علمتُ به بأسًا، ولا رأيتُ لهم فيه كلامًا، وقد روى له أصحاب السُّنن الأربعة فما استُنكِر له حديث)، والله أعلم.