السفر في آخر رمضان إلى بلد يختلف في الرؤية عن البلد الذي ابتدأ به الصيام

السؤال
عادتنا نحن الموظفين في غير بلادنا أن نسافر إلى أهلنا في آخر رمضان؛ لإدراك العيد معهم، ولكن كثيرًا ما يحصل معنا ومع زملائنا أيضًا في دول مختلفة أن حساب أيام الصيام في بلد العمل يختلف عن حسابها في بلد الأهل، فجعلتُ لنفسي قاعدة: أنني أُعيِّد مع أهلي مهما كنتُ قد صمتُ من أيامٍ، وسمعتُ من أحد الزملاء من بلدي نفسه أنه هو أيضًا جعل لنفسه قاعدة: أنه يصوم الأكثر حتى لو عيَّد أهلُه قبله بيوم، يقول: (حتى لا أكون مفرِّطًا في صيامي)، فأي القاعدتين -فضيلة الشيخ- هي الصحيحة؟
الجواب

البداءة بالصيام مع الناس أهل البلد الذي أنت فيه وقت دخول رمضان، «الصوم يوم يصوم الناس» [يُنظر: الترمذي: 697]، والعيد حسب البلد الذي أنت فيه يوم العيد، فلا يجوز لأحدٍ أن يصوم يوم العيد باعتبار أنه صام بعد أهل بلده الذي وصل إليه، فالعبرة في بداية الصيام بالبلد الذي دخل فيه رمضان وأنت فيه، والعبرة بالفطر بأهل البلد الذي أنت فيه وقت خروج رمضان.

وبعد ذلك إن كنتَ أتممتَ تسعةً وعشرين يومًا فقد تمَّ صومك، وإن كان صيامك نقص عن التسعة والعشرين إلى الثمانية والعشرين فعليك أن تُفطر مع الناس وتقضي يومًا مكان ما أفطرتَه؛ لأن الشهر لا ينقص عن تسعة وعشرين. فإذا افترضنا أن الشهر دخل في البلد الذي أنت فيه يوم السبت –مثلًا-، ووصلتَ إلى أهلك ووجدتَهم قد صاموا الجمعة، واستكملوا تسعة وعشرين يومًا، ما تقول: (أنا ما صمتُ إلا بعدهم بيوم فأُكمل هذا اليوم)، لا، بل تفطر مع الناس وتقضي هذا اليوم.

وفي (صحيح مسلم) عن كُريب قال: استهلَّ علي رمضان وأنا بالشام، فرأيتُ الهلال ليلة الجمعة، ثم قدمتُ المدينة في آخر الشهر فسألني عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- -؛ لأن كريبًا مولى ابن عباس-، ثم ذكر الهلال فقال: متى رأيتم الهلال؟ فقلتُ: رأيناه ليلة الجمعة، فقال: أنت رأيتَه؟ فقلتُ: نعم، ورآه الناس، وصاموا وصام معاوية، فقال: ولكنا رأيناه ليلة السبت -يعني: في المدينة، ففي الشام رُئي الهلال ليلة الجمعة، وفي المدينة رُئي ليلة السبت- فلا نزال نصوم حتى نُكمل ثلاثين أو نراه. فقلتُ: أولا تكتفي برؤية معاوية وصيامه؟ فقال: لا، هكذا أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- [1087]. كأن ابن عباس -رضي الله عنهما- يرى اختلاف المطالع، وأنه قد يراه جمعٌ من المسلمين في بلدٍ ولا يُرى في بلد آخر بعيدٍ عنه يختلف معه في المطلع، وحينئذٍ لا يصومون، وقد يرون هلال شوال في بلدٍ ولا يراه أهل إقليم آخر، فلا يُفطرون؛ لاختلاف المطالع، وهذا قول معروف معتبر عند جمع من أهل العلم، وإن كان بعضهم يرى أن العبرة برؤية بعض المسلمين ولو بعدوا، ويَلزم الناس حينئذٍ كلهم الصوم، على القول باتحاد المطالع، وعلى كل حال العبرة في ابتداء الصيام بالبلد التي سافر منها، وفي نهايته بالبلد التي قدم إليها، وإذا كان مجموع صيامه تسعة وعشرين يومًا اكتفى بذلك، وإن كان مجموع الأيام ثمانية وعشرين يومًا وجب عليه قضاء يوم، ويُفطر مع الناس في العيد ولو لم يَصم إلا ثمانية وعشرين يومًا، ثم يقضي فيما بعد؛ لأن الشهر القمري لا يكون أقل من تسعة وعشرين يومًا.

وعلى هذا فالقاعدة الأولى صحيحة؛ لأنه يُفطر مع أهله، ولو لم يصم إلا ثمانية وعشرين يومًا ولو تأخَّر في الصيام عن البلد الذي انتقل إليه، أما إذا كان يصوم ثمانية وعشرين يومًا ولا يصوم الباقي فهنا يلزمه القضاء. وإن كان قد أتم صيام ثلاثين يومًا في البلد الذي سافر إليه، وبقي على أهل هذا البلد صوم يوم –مثلًا-، وجب عليه أن يصوم معهم حتى يفطر معهم يوم العيد ويصلي معهم يوم العيد، فلو افترضنا أنه صام في البلد الذي سافر منه الجمعة، ولم يُفطر في البلد الذي سافر إليه إلا بعد أولئك الذين ابتدأ الصيام معهم، بأن يكون مجموع الصيام أكثر من ثلاثين يومًا، فلا يجوز له أن يُفطر إلا مع البلد الذي سافر إليه، فـ«الصوم يوم يصوم الناس، والفطر يوم يفطر الناس»، والله أعلم.