دعاء الأضرحة، والطواف والتمسُّح بها، والصدقة عندها

السؤال
جدتي والخالات يذهبنَ إلى الأضرحة، ويعتقدنَ أن هؤلاء لديهم بركة وصلاح، فيصرفون أنواعًا من العبادة لهم مثل: الدعاء، وقد يشترون بعض الحُلي الذي يبيعونه في المواسم، ويخصِّصون مالًا مُعينًا للصدقة، والطواف بالقبر والتمسُّح به، وصلة الرحم في ذلك اليوم خصيصًا، والسفر والمبيت في الغُرف المجاورة لهذا القبر أو ذلك الضريح، ما حُكم مثل هذا العمل؟ وكيف نتعامل معهنَّ، علمًا بأني نصحتهنَّ بشتى الوسائل، وكلما وجدتُ فرصة وفتحتُ الموضوع تضجَّرنَ منه وغيَّرنَ الموضوع؟
الجواب

الذهاب إلى الأضرحة من قِبل النساء حرام، فليس للنساء أن يزرنَ القبور، و«لعن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- زوَّارات القبور» [الترمذي: 1056]، هذا إذا كانت الزيارة مجردة، وإذا اقترنَ بها ما ذُكِر في السؤال من أنواع الشِّرك الأكبر والأصغر والبدع المُغلَّظة، فصرْف أنواعٍ من العبادة كالدعاء هذا شركٌ أكبر مُخرِج من الملة، وشراء بعض الحلي، وتخصيص مالٍ مُعيَّن للصدقة من أجل هذه القبور أو من أجل مَن دُفِن فيها، والطواف بالقبر، من عظائم الأمور، وصلة الرحم في ذلك اليوم من البدع الكبرى، والسفر والمبيت بمجاورة هذه القبور، كل هذه من عظائم الأمور بما فيها من الشرك الأكبر والأصغر والبدع المغلَّظة -نسأل الله السلامة والعافية-، ونحمد الله -جلَّ وعلا- على نعمة التوحيد الذي بدونه يقع الشرك، والشرك بنوعيه لا يقبل الغفران {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: 48]، فإذا كان من النوع الأكبر فصاحبه خالد مخلَّد في النار -نسأل الله العافية-، وإن كان من الأصغر فإنه لا بُد أن يُعذَّب {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ}، ولا يدخل تحت المشيئة، ومع ذلك إذا عُذِّب بقدر مخالفته فإنه يؤول إلى الجنة -بإذن الله-، هذا الشرك الأصغر، أما الأكبر فصاحبه خالد مُخلَّد في النار -نسأل الله العافية-.

ومن أهل العلم من يقول: إن الشرك الأصغر حكمه حكم الكبائر ويدخل تحت المشيئة، ولكن آية النساء تتناول الشرك بنوعيه، والفرق بينهما أن صاحب الشرك الأكبر خالد مُخلَّد في النار {وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ} [الحجر: 48]، وأما بالنسبة للشرك الأصغر فيُعذَّب بقدر شِركه وهو أعظم من جميع الكبائر؛ ولذا قال ابن مسعود –رضي الله عنه-: "لأن أحلف بالله كاذبًا أحب إليَّ من أن أحلف بغيره صادقًا" [مصنف عبد الرزاق: 15929]؛ وذلكم لأن الحلف بالله مع الكذب كبيرة من كبائر الذنوب، وقد يكون غموسًا يغمس صاحبه في النار، لكنه إذا حلف بغيره صادقًا فقد أشرك، والشرك وإن كان أصغر فهو أعظم من الكبائر.

وأما التفريق بين الشرك الأكبر والشرك الأصغر، فدعاء غير الله –جلَّ وعلا- شرك أكبر هذا لا شك فيه؛ لأنه من أنواع العبادة التي لا تُصرف إلا لله {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} [الجن: 18]، وفي آخر سورة الكهف {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} [الكهف: 110]، وهذه مُبيَّنة في كُتب الإمام المُجدِّد محمد بن عبد الوهاب أجزل الله له الأجر والثواب، وأدخله الجنة بغير حساب، وكُتبِ أولاده وأحفاده وتلاميذه وأئمة الدعوة وعلمائها، كلهم بيَّنوا ذلك في الكتب بالأمثلة وبالتفصيل أيضًا، وما يُعذر فيه، وما لا يُعذر فيه، فهذا الباب عند أئمة الدعوة وعلمائها مُفصَّل ومُبيِّن، فلا عذر لأحد، والله أعلم.